مدونة تهتم باللسانيات التداولية التفاعلية الاجتماعية تحاول ان ترسم طريقا مميزا في معالجة الاشكالات المعرفية المطروحة في هذا النسق العلمي بالمناقشة والرصد والتحليل والمتابعة
السبت، 25 يونيو 2011
الامازيغ.. بين التعريب والفرانكفونية
الامازيغ.. بين التعريب والفرانكفونية
إبراهيم الحيدري
------------------------------------------------------------------------
منذ احداث تيزي وزو بالجزائر عام 1980 بدأت الحركة الامازيغية بالظهور على المسرح الثقافي، تلك الحركة التي مهدت الى عقد مؤتمر " ياكورن"، الذي حاول وضع ارضية مشتركة للثقافة " الامازيغية " واقامة سلسلة من المحاضرات في الجامعة الصيفية بمدينة اغادير بالمغرب حول خصوصيات الثقافة الامازيغية. وعلى اثر ذلك صدر " ميثاق" اعتبره البعض تحولا هاما في الحركة الامازيغية، وشجع على عقد مهرجان للاغنية الامازيغية في اغادير ومهرجان السينما الامازيغية في بريتانيا بفرنسا.
هذه النشاطات الثقافية كشفت عن محاولات تشكيل تيارات او جمعيات " تقف امام محاولات تذويب الثقافة والشخصية الامازيغية"، التي اعتبرها البعض رد فعل على ظاهرة التعريب الذي اخذت نتائجه تظهر بوضوح في جيل ما بعد الاستقلال، وبعد انتشار التعليم الالزامي والمدرسة الاساسية وسلطة الدولة المركزية في الجزائر.
والحال، ان تصاعد وتائر الحركة الامازيغية في السنوات الاخيرة يعود في كثير من عوامله الى سياسة فرنسا الاستعمارية في المغرب العربي لترسيخ وجودها وتحقيق اهدافها. فقد استخدمت فرنسا فريقا من الاساتذة والخبراء للقيام بدراسات انثروبولوجية لسكان هذه المنطقة وثقافاتهم للاستفادة منها في ادارة هذه المستعمرات والتحكم فيها وفرنستها، وحاولت جعل البربر ظهيرا لها، من خلال سياسة التفريق والتمييز بين سكان هذه المنطقة على اساس هويتين واحدة عربية واخرى بربرية. ولكن المقاومة الشاملة التي قام بها الجزائريون، عربا وبربر ضد الاستعمار الفرنسي افشل تلك المحاولات. كما ان التحولات البنيوية التي طالت دول المغرب العربي بعد الاستقلال، مهدت السبيل الى النضال ضد التهميش اللغوي والثقافي والمطالبة باصلاحات دستورية، كان من بينها مطالبة البربر بالاعتراف باللغة الامازيغية الى جانب اللغة العربية، التي هي اللغة الرسمية، في محاولة للتعريف بالثقافة الامازيغية.
ومثل اي خطاب ثقافي يلتبس المعرفي بالسياسي، والثقافي بالآيديولوجي، والذاتي بالموضوعي لينتج تشنجات بل وصراعات لابد لها من ان تظهر على السطح, ففي عام 1933 اصدرت عدة جمعيات امازيغية تدعو فيه لعقد مؤتمر عالمي من اهدافه وضع استراتيجية واضحة للدفاع عن حقوق الامازيغ وصيانتها من التشوهات التي تقوم بها الحكومات المختلفة. كما شارك ممثلون عن تلك الجمعيات في مؤتمر فينا لحقوق الانسان الذي عقد في حزيران عام 1933. كما نشرت جريدة الوطن الجزائرية رسالة من المشاركين في المؤتمر يدعون فيها الى تأسيس " المؤتمر العالمي الامازيغي"، الذي انعقد في نفس ذلك العام في لندن. وكان قرار الجمعية العامة للامم المتحدة الذي جعل عام 1933 عاما دوليا للشعوب " الاصلية" قد شجع على انعقاده.
وفي ايلول عام 1995 عقد المؤتمر العالمي الامازيغي" في جنوب فرنسا وحضره عدد كبير من الشخصيات البربرية البارزة التي مثلت اكثر من اربعين جمعية امازيغية من داخل دول المغرب العربي وخارجها. وقد اصدر المؤتمر ميثاقا حول الثقافة الامازيغية هدف الى مشاركة جميع البربر وبلورة مشروع شامل لبناء ثقافة وطنية وديمقراطية لاعادة الاعتبار للثقافة واللغة الامازيغية واحترام حقوق البربر المشروعة. وجاء في قرارات المؤتمر المصادقة على القانون الاساسي للمنظمة وجعل باريس مقرا لمكتبها الدولي. وكذلك تدويل القضية البربرية عن طريق المنظمات الدولية والدفاع عن الثقافة الامازيغية وتطورها وكسب التأيد لها بالوسائل المادية والمعنوية. وقد دفعت احداث الجزائر الدامية في التسعينيات من القرن الماضي الى نزوح عدد كبير من الكتاب والفنانين والصحافيين الجزائريين واللجوء الى فرنسا بحكم الروابط التاريخية والجغرافية بين البلدين، بعد ان تحولت الثقافة الى رهينة جدلية دامية احكمها العسكر من جهة، والاسلاميون المسلحون من جهة اخرى على البلاد، للانفراد بالسلطة من قبل البعض والاستيلاء عليها بالقوة من قبل البعض الاخر، مما دفع الى تعميق الهوة الثقافية وتصاعد نشاطات البربر للمطالبة بالاعتراف بالامازيغية الى جانب الللغة العربية.
وفي الوقت الذي دعى فيه البعض الى الغاء المدرسة الاساسية، التي هي الانجاز الرئيس والوحيد الذي تم بموجبه نشر اللغة العربية وتهيئة التلاميد للدراسة باللغة العربية بدل الفرنسية في المدارس والجامعات الجزائرية، كان سعيد سعدي، زعيم حزب التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية "، قد طالب في نيسان عام 1995، اعتبار الامازيغية " لغة رسمية" للشعب الجزائري والاعتراف بها نصا في الدستور، في حين صرح عثمان سعدي في اغسطس 1998 بان ما يدور في شمال افريقيا انما هو صراع بين الثقافة العربية والثقافة الفرنسية، وليس بين العربية والامازيغية. كما دعى الرئيس الجزائري السابق امين زروال الى ترجمة ما التزم به امام القبائل في اطار تحقيق الهوية الوطنية المكونة من الاسلام والعربية والامازيغية". وقد اصدرت الحكومة الجزائرية مرسوما انهى جزئيا قضية الامازيغية بعد ان دخلت اللغة الامازيغية في التعليم والتلفزيون.
واذا عدنا الى جذور الصراع بين التعريب والفرانكفونية في الجزائر نجده يعود الى مرحلة ما بعد الاستقلال حيث قدمت مجموعة من نواب المجلس التأسيسي بيانا طالبوا فيه الحكومة الاولى برآسة احمد بن بله بتعريب مناهج التعليم والادارة استكمالا للاستقلال السياسي، كما جرت في عهد الرئيس هواري بو مدين اولى المحاولات لتعريب بعض المناهج التربوية. وقد عربت فعلا اقسام الحقوق والتاريخ والاداب وبقيت الاقسام العلمية والفنية باللغة الفرنسية، مما ولد صراعا جديدا بين من يحمل الثقافة العربية وبين من يحمل الثقافة الفرنسية.
وبحكم الارث الفرانكفوني الطويل في الجزائر فقد استطاع حامل الشهادة الفرنسية انذاك الحصول على وظائف اعلى في الدوائر الحكومية والجامعات، ولذلك اتخذت " الفرانكفونية" مواقعها في الدوائر العليا والجامعات وترسخت في المجتمع الجزائري.
ومع اشتداد حركة الاسلاميين شهدت الجزائر غليان بربري تبعته موجات من التظاهرات التي طالبت بالاعتراف باللغة الامازيغية. وفي 13 كانون الثاني عام 1996 احتفل البربر برأس السنة الامازيغية التي تصادف انتصار القائد البربري امقران على جيوش مصر الفرعونية وتأسيس الاسرة الثانية والعشرين وذلك بحدود منتصف القرن التاسع قبل الميلاد. وفي 18/ 5 / 2005 وافقت الحكومة الجزائرية على المطالب التي رفعتها حركة العروش الممثلة لمنظمة القبائل البربرية، بما في ذلك اعتماد الامازيغية كلغة وطنية، وهو ما يعد انتصارا للرئيس بوتفليقة الذي نحج في كبح جماح الحركة الراديكالية في البلاد على نحو يجعله يمضي في تفكيك المعضلة الجزائرية المزمنة. وفي اطار تفعيل آليات تطور اللغة الامازيغية تم تأسيس تلفزيون بالامازيغية يستطيع من خلاله فتح قنوات للتعبير عن الثقافات الفرعية بحرية.
اما في المغرب فقد بدأ الاهتمام بموضوع البربر والتركيز عليه ودعمه من قبل فرنسا منذ عام 1913، حيث تم تأسيس اول مقعد للغة البربرية " بمدرسة اللغة العربية واللهجات البربرية " بالرباط. ثم اخذ الفرنسيون بوضع خريطة لغوية بالمغرب، تلاها تأسيس "معهد الدراسات البربرية" واصدار مجلة دورية متخصصة بالدراسات البربرية عام 1915. كما تم عام 1929 تأسيس معهد الدراسات العليا بالرباط لنفس الغرض.
غير ان الاكثر خطورة هو اصدار قانون يميز من النواحي القانونية بين العرب والبربر عرف بـ " الظهير البربري" في 16 ايار 1930. كما ان البربر في المغرب اندمجوا اكثر من غيرهم في الدولة فدخلوا الجيش والوظائف والخدمات واصبح لرؤساءهم نفوذ كبير واخذوا يحتلون مواقع سياسية هامة في هرم السلطة ولعبوا دورا بارزا في تقاليد العرش الملكي. ولكن الحالة اخذت تتغير خلال السنوات الاخيرة حيث اخذت الجمعيات الامازيغية تقوم بنشاطات تقلق السلطات الحكومية مما دفع الحكومة الى استخدام اسلوب المنع المباشر مرة وغير المباشر مرات اخرى.
كما قامت الحكومة المغربية بسياسة جهوية مكنت الامازيغية من دخول التلفزيون عبر نشرة اللهجات اليومية منذ منتصف عام 1994 ومحاولة تدريسها في المدارس باعتبارها مكون من مكونات الهوية الوطنية.
ومن أهم المتغيرات التي حدثت في المغرب قيام محمد الخامس عام 2000 بالاعتراف الكامل بالثقافة الامازيغية كعنصر جوهري للهوية القومية واستخدم لأول مرة في احدى خطبه كلمة "امازيغ".
كما قامت الحكومة المغربية بخطوات اخرى للاعتراف بالهوية الامازيغية كان اخرها اطلاق "القناة الامازيغية" بالرباط في 6/ 1/2010.
واذا كان هناك اختلاف في الهوية ووجهات النظر السياسية والمواقف بين الحكومات والاحزاب والافراد، في اطار تعاملهم مع العربية والامازيغية وبخاصة من قبل الاتجاهات القومية والاسلامية، فهي في ذات الوقت، رد فعل على سياسات الحكومات ومواقفها السلبية من جهة، والتشكيك في روح المواطنة عند البربر من جهة ثانية، وموقف البربر من التعريب والحركة الاسلامية من جهة ثالثة.
ان وضع حد للصراع السياسي والثقافي في المغرب العربي، الذي يهدد الوحدة الوطنية، لا بد وان يقوم على احترام حقوق الانسان والهويات الفرعية للعرب والبربروغيرهم ويراعي الخصوصيات الاجتماعية والثقافية وكذلك احترام مكونات الشخصية والتراث الحضاري وتفادي إذابة أية شخصية في شخصية الاخرين، وكذلك تسهيل عمليات التعايش والتفاعل الاجتماعي، في منطقة تتنوع وتمتزج شعوبها وثقافاتها وتراثها الشعبي، فمن الممكن ان يكون هذا التنوع والتعدد والاختلاف مصدرا للتواصل والتفاهم والحوار وعاملا هاما من عوامل الاستقرار والامن والتقدم الاجتماعي.
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه
----------------------------------
المصدر :
http://www.elaph.com/Web/opinion/2011/6/662133.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق