مدونة تهتم باللسانيات التداولية التفاعلية الاجتماعية تحاول ان ترسم طريقا مميزا في معالجة الاشكالات المعرفية المطروحة في هذا النسق العلمي بالمناقشة والرصد والتحليل والمتابعة
الخميس، 14 يوليو 2011
نظرات في مصطلحات اللسانيات النصية
نظرات في مصطلحات اللسانيات النصية (Textual Linguistic ) (2)
دكتور
أسامة عبد العزيز جاب الله
كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ
المصطلح الثالث : الاتساق Cohesion ( )
يقصد بالاتساق : ذلك التماسك الشديد بين الأجزاء المشكلة لنص ما ، ويكون مناط الاهتمام فيه منصباً على الوسائل اللغوية التي ( تربط ) بين هذه العناصر المكونة للنص مثل : الإحالة ( قبلية وبعدية ) ، والضمائر ، والعطف ، والاستبدال ، والحذف ، والمقارنة وغيرها من الوسائل .
ويترجم المصطلح إلى ( السبك )( ) ، و( الربط )( ) ، و( التماسك )( ). وهو من المصطلحات التي وردت في تراثنا النقدي والبلاغي بصورة رائعة وتوظيف حسن ( ).
ويري د . تمام حسان أن الاتساق " إحكام علاقات الأجزاء ، ووسيلة ذلك إحسان استعمال المناسبة المعجمية من جهة ، وقرينة الربط النحوي من جهة أخرى ، واستصحاب الرتب النحوية إلا حين تدعو دواعي الاختيار الأسلوبي ، ورعاية الاختصاص والافتقار في تركيب الجمل " ( ).
وتأسيساً على هذا فإن السبك نوعان هما ( ) :
الأول : السبك المعجمي ( Lexical Recurrence ) ويكون بين المفردات . ويتحقق بوسيلتين هما :
1- التكرار ( Reiteration ) ويقصد به تكرار لفظين يكون المرجع فيهما واحد ، مثل عودة الضمير على متقدم في مثل قولنا : ( السماءُ نجومُها مضيئةٌ ) فالضمير ( ها ) يعود علة متقدم هو ( السماء ) ، ولا يمكن تفسيره إلا بالرجوع إلى ما يحيل إليه ، ومن ثم ترتبط الكلمة ( الثانية ) بالكلمة ( الأولى ) . ويعد هذا التكرار من قبيل الإحالة إلى سابق ( Anaphora ) .
2- التضام = المصاحبة المعجمية ( Collocation ) ويراد بها العلاقات القائمة بين الألفاظ في اللغة مثل ( الولد / البنت ) علاقة التضاد ، وعلاقة التقابل ، وعلاقة الجزء بالكل ، وعلاقة الجزء بالجزء ، مما يشيع في اللغة عامة وفي علم الدلالة خاصة .
والنوع الثاني : السبك النحوي ويتحقق بالعطف والإحالة والوصف ، وغيرها من وسائل التضام .
تلك هي أهم مناطق عمل مفهوم ( الاتساق ) في اللسانيات النصية .
المصطلح الرابع : الانسجام Coherence ( )
ويقصد بالانسجام ذلك المعيار الذي يختص بالاستمرارية المتحققة للنص ، أي استمرارية الدلالة المتولدة عن العلاقات المتشكلة داخل النص . ويقوم ( الانسجام ) النصي عن طريق تحقق العديد من العلاقات الدلالية بين أجزاء النص مثل ( ) :
أ– علاقات الربط : ( الوصل والفصل ، والإضافة ، والعطف ) .
ب– علاقات التبعية : ( الإجمال والتفصيل ، والظرفية ، والسببية ، والشرط والجزاء ، والعموم والخصوص ) .
ويرى محمد خطابي أنه " ليس هناك نص منسجم في ذاته ، وغير منسجم في ذاته باستقلال عن المتلقي ، بل إن المتلقي هو الذي يحكم على نص بأنه منسجم ، وعلى آخر بأنه غير منسجم " ( ) .
تلك هي أهم ملامح مصطلح ( الانسجام ) كمصطلح أعم من ( الاتساق ) بل ويحتويه .
المصطلح الخامس : ( النص Text )
النص كائن لغوي يحمل في طياته عناصر صوتية وصرفية وتركيبية ودلالية تنتظم جميعاً في ( بنية ) محكومة بقواعد التركيب . ويرى الأزهر الزناد أن " النص نسيج من الكلمات يترابط بعضها ببعض . وهذه الخيوط تجمع عناصره المختلفة والمتباعدة في كلٍ واحد " ( ). في حين يرى د . حاتم الصكر أن " النص من حيث هو ملفوظ يبرز للعيان جزء يسير منه هو شكله الصوتي ، أما فروعه فتمثل الجزء الخفي منه " ( ). وعلى هذا فإن النص هو :
1 – بنية .
2 – مركبة من عدد من العناصر .
3 – هذه العناصر متضامة معاً في نسيج واحد .
4 – متكاملة تتفاعل مع بعضها البعض .
5 – منظمة في إطار توزيعي منسجم .
6 – ذات أفق دلالي تؤدي إليه المستويات المتعددة لهذه البنية .
وتعدد المداخل لتعريف ( النص ) وتتنوع حسب مبادئ كل اتجاه . فالبنيويون يرون ( النص ) أنه نسيج عنكبوتي تذوب الذات وسطه وتضيع فيه ( ). والسيميوطيقيون يرونه مجموعة من العناصر المكوَّنة تتآلف وتُنَسَّق طبقاً لقوانين محددة ( ). واللسانيون يعرفونه بأنه مُدَوَّنة أو مقولة لغوية ، وإطار لتوزيع الوحدات المكوِّنة لهذه المقولة ( ).
وهذه المداخل رغم تنوع منظورها للنص إلا أنها تتفق فيما بينها على تناول النص كبينية قابلة للتحليل الجزئي ، وخاضعة لكل مقاييس التناول العلمي المتنوعة ( ).
ويرتبط بمصطلح ( النص ) مصطلح آخر حديث النشأة نسبياً هو (التناص Intertextuality ) فماذا يقصد به ؟! يقصد بالتناص : تلك العلاقات التي تنشأ بين نص أدبي وغيره من النصوص ( ). وتصف جوليا كريستيفا التناص بأنه " نصوص تتم صناعتها عبر امتصاص ، وفي نفس الوقت عبر هدم النصوص الأخرى للفضاء المتداخل نصياً " ( ). في حين يرى محمد مفتاح في التناص أنه " تعالق نصوص مع نص حدث بكيفيات مختلفة "( ) .
ولا شك في كون مصطلح ( التناص ) - الذي يعود فضل ابتكاره إلى جوليا كريستيفا - مبني بصورة أساسية على علاقته بالنص ، فما التناص إلا بالنص . ويتضح ذلك بصورة كبيرة من خلال تعريف دو بيازي للنص بأنه " مبني على طبقات ، وتتكون طبيعته التركيبية من النصوص المتزامنة له والسابقة عليه " ( ).
فهذا التعريف يحمل في طياته تعريف ( التناص ) ، فالتناص على الأساس السابق نوع من تأويل النص ، أو هو الفضاء الذي يتحرك فيه القارئ والناقد بحرية معتمداً على ذخيرته من المعرفة والثقافة ، وذلك بهدف إرجاع النص إلى عناصره الأولى التي أسهمت في تشكيله ( ).
الهوامش :
1. - هي ترجمة د. محمد خطابي . ينظر : د . محمد خطابي ، لسانيات النص ، 5 .
2. - هي ترجمة د. سعد مصلوح . ينظر : نحو أجرومية للمعنى الشعري ؛ دراسة في قصيدة جاهلية ، مجلة فصول ، القاهرة ، مج 10 ، ع 1 ، 2 ، أغسطس 1991، 154 .
3. هي ترجمة د . سعيد بحيري . ينظر : د. سعيد بحيري ، علم لغة النص ، لونجمان ، القاهرة ، 1996 ، 120 .
4. - هي ترجمة د. الأزهر الزناد . ينظر : د. الأزهر الزناد ، نسيج النص ، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء ، 1993 ، 15 .
5. - ورد عند الجاحظ وأسامة بن منقذ و ابن الأثير باسم ( السبك ) ، وعند ابن أبي الإصبع باسم ( السبك والانسجام ) معاً . ينظر :الجاحظ ، البيان والتبيين ، تحقيق : عبد السلام هارون ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 2003 ، 1 / 67 .- أبو هلال العسكري ، كتاب الصناعتين ، تحقيق : محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم ، دار الجيل ، بيروت ، 1988 ، 116 .
6. - أسامة بن منقذ ، البديع في نقد الشعر ، تحقيق : د. أحمد بدوي ود. حامد عبد الحميد ، مكتبة مصطفى البابي الحلبي ، القاهرة ، 1960 ، 163 . - ابن الأثير ، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ، تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد ، المكتبة العصرية ، بيروت ،1995 ، 1 / 164 .
- ابن أبي الإصبع المصري ، بديع القرآن ، تحقيق : د. حفني شرف ، نهضة مصر ، القاهرة ، ط2 ، 1966 ، 166 .
7. - د . تمام حسان ، موقف النقد العربي التراثي من دلالات ما وراء الصياغة اللغوية ( ضمن كتاب : قراءة جديدة لتراثنا النقدي ) ، النادي الأدبي الثقافي ، جدة ، 1988 ، 2 /789 .
8. - ينظر : د. محمد خطابي ، لسانيات النص ، 24 ، 214 . - د. جميل عبد المجيد ، البديع بين البلاغة العربية واللسانيات النصية ، 77 ، 107 ، 121 .- د. محمد الحارثي ، قراءة جديدة لمفهوم السبك ، مجلة جذور ، مج 4 ، ع 7 ، النادي الأدبي الثقافي ، جدة ، ديسمبر 2001 ، 12 – 14 .
9. - يترجمه محمد خطابي إلى ( الانسجام ) ، و د. سعد مصلوح إلى ( الحبك ) . ينظر : د . محمد خطابي ، لسانيات النص ، 34 . - د. سعد مصلوح ، نحو أجرومية للنص الشعري ، 155 .
10. - جان سيرفوني ، الملفوظية ، ترجمة : د. قاسم المقداد ، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق ، 1998 ، 24 .
11. - د . محمد خطابي ، لسانيات النص ، 51 .
12. - د . الأزهر الزناد ، نسيج النص ، 12 .
13. - د . حاتم الصكر ، التطور النظري للتحليل النصي ، المجلة العربية للثقافة ، تونس ، ع 32 ، 1997 ، 211 .
14. - ينظر : رولان بارت ، لذة النص ، ترجمة : فؤاد صفا ، دار توبقال ، الدار البيضاء ،1988 ، 62 .
15. - ينظر : نصر حامد أبو زيد و سيزا قاسم ، مدخل إلى أنظمة العلامات ، دار إلياس ، القاهرة ، 1988 ، 18 .
16. - ينظر : روبرت شولز ، البنيوية في الأدب ، ترجمة : سعيد الغانمي ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت ، 1994 ، 55 .
17. - ينظر : د. محمد مفتاح ، تحليل الخطاب الشعري استراتيجية التناص ، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء ، 1986 ، 119 .- جوليا كريستيفا ، علم النص ، ترجمة : فريد الزاهي ، دار توبقال ، الدار البيضاء ، ط2 ،1997 ، 80 .- د. صلاح فضل ، بلاغة الخطاب وعلم النص ، عالم المعرفة ، الكويت ، ع 164 ، أغسطس 1992 ،252- 253 .
- د. عزت جاد ، نظرية المصطلح النقدي ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 2002 ، 267 .- فان دايك ، علم النص ؛ مدخل متداخل الاختصاصات ، ترجمة : د. سعيد بحيري ، عالم الكتب ، القاهرة ، 2001 ، 17 – 34 .
- دي بوجراند ، النص والخطاب والإجراء ترجمة : د . تمام حسان ، عالم الكتب ، القاهرة ، 1998 ، 301 – 302 .
- بيير جيرو ، السيمياء ، ترجمة : أنطون أبي زيد ، عويدات ، بيروت ، 1984 ، 9 – 16 . - د. سعيد بحيري ، علم لغة النص ، 106 - 107 .
18. - فاطمة قنديل ، التناص في شعر السبعينيات ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، القاهرة ، 1999 ، 29 .
19. - جوليا كريستيفا ، علم النص ، 78 .
20. - د. محمد مفتاح ، تحليل الخطاب الشعري ، 21 .
21. - دو بيازي ، نظرية التناصية ، ترجمة: الرجوني عبد الرحيم ، مجلة علامات في النقد ، النادي الأدبي الثقافي ، جدة ، مج 1 ، ع 21 ، 1999 ، 310 .
22. - ينظر : مارك إنجينو ، مفهوم التناص في الخطاب النقدي الجديد ، ترجمة : أحمد المديني ، معهد الإنماء العربي ، حلب ، 1993 ، 102 – 112 .- أنور المرتجي ، سيميائية النص الأدبي ، دار إفريقيا الشرق ، الدار البيضاء ، 1987 ، 47 – 56 .- جيرار جينيت ، مدخل لجامع النص ، ترجمة : عبد الرحمن أيوب ، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة ، 2002 ، 90 – 97 .- جاك دريدا ، الكتابة والاختلاف ، ترجمة : كاظم جهاد ، دار توبقال ، الدار البيضاء ، 1988 ، 30 – 41 .- غريب إسكندر ، الاتجاه السيميائي في نقد الشعر العربي ، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة ،2002 ،79– 93 .- حاتم الصكر ، ترويض النص ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1998 ، 43 – 60 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق