الطوبونيميا الأمازيغية: نماذج من أسماء الأعلام الجغرافية بماست
بقلم: العربي مموش، الحسن ابومنير وعبد السلام بومصر (ماستر اللغة والثقافة الأمازيغية)
بقلم: العربي مموش، الحسن ابومنير وعبد السلام بومصر (ماستر اللغة والثقافة الأمازيغية)
تقديم
تندرج هذه الدراسة في إطار الرغبة الملحة في المساهمة في الورش الطوبونيمي الأمازيغي الكبير الذي بدأته مجموعة من الفعاليات الثقافية مند عدة سنوات. ورغم ذلك يبقى المبحث الطوبونيمي الأمازيغي في حاجة إلى مزيد من الدراسة والتنقيب والبحث الدائم والمستمر، وذلك نظرا للغنى الكبير الذي خلفته عبقرية الشخصية الأمازيغية التي استطاعت مراكمة تجربة كبيرة مشبعة بحضارة ذات جذور غارقة في القدم، الشيء الذي كان له أثر كبير في المساهمة في بناء الذات الفردية والجماعية من الناحية الرمزية والمادية. إن الذات الأمازيغية- بما تحمله من قيم وجودية وحضارية متميزة – استطاعت الحلول في مجالها الطبيعي وجعلت منه امتدإذا غير مجزوء لها لا يمكن الاستغناء عنه في معادلة البناء الشخصية. فالذات هي الأرض والأرض هي الذات. هذه المعادلة المشحونة بحمولات إنسانية عميقة كانت الدافع الأكبر نحو المباحث ذات الصبغة الطوبونيمية من أجل تعميق البحث في مسألة الاندماج الإنساني في الطبيعة واستلهامه الانطولوجي لعناصرها وخلقه الدائم والمستمر للفضاءات الطوباوية التي لا وجود لها إلا في أخيلة مخنوقة بالحدود الواقعية الأرضية.
وليس هذا الأمر إلا تعبيرا عن الرغبة الجامحة في تملك الفضاء ومحاربة القناعات المؤدية إلى الاستسلام للحقيقة الأرضية. إن توسيع الرقعة الجغرافية وعدم الاكتفاء بالمحيط الذاتي ظاهرة إنسانية معقدة تتخذ أوجها مختلفة من أجل الانجلاء والبروز. وعرف التاريخ الإنساني محاولات دائمة للسيطرة على المجالات عبر خلق مسوغات مختلفة تختلف حسب الحضارات والأزمنة (الدين، القوة، الحماية، الحق...). وفي هذا الإطار نسوق الحديث عن شكل آخر من أشكال الارتباط الكبير بين الذات الإنسانية والمجال حيث تتجاوز الرغبات الجامحة في الاستحواذ والتوسع المجال الفيزيائي إلى مجالات أخرى أكثر رحابة وسرمدية، مجالات لا تفنى ولا تموت ولا تندثر ولا تنزع ولا تتوزعها هواجس الحدود والتملك الطبقي. فضاءات طوباوية جامحة عبرت بصدق عن تعطش الذات إلى معانقة المجال والحلول فيه (الامتداد المكاني والروحي لفضاء ما بعد النهاية البيولوجية في الديانة الفرعونية القديمة والديانات السماوية، فضاء السماوات السبع والأراضي السبع، فضاء الجنة والنار، فضاء الأضرحة والمزارات في المجال الأمازيغي...).
نستخلص مما سبق أن الأرض ليست مجرد عنصر جغرافي فيزيائي للعيش وتحقيق الحياة، بل إنها امتداد أنطولوجي للذات الإنسانية، ويمكن القول إنها جزء لا يتجزأ منها حيث لا يمكن تصور الواحد دون الآخر. إن كلا منهما شرط لوجود الآخر. وهذا ما يؤدي إلى القول بأن الدراسة الطوبونيمية ليست مجرد دراسة لاسم المكان وتوضيح معناه أو معانيه بقدر ما هي عبارة عن نبش في الذاكرة الحضارية والتاريخية والثقافية الخاصة بالمجموعة البشرية المعنية. وبذلك أصبحت الطوبونيميا لدى كثير من الشعوب التي تبحث عن ذاكرتها الجماعية والتاريخية مصدرا غنيا باعتباره يعتمد على مجموعة من العلوم كالتاريخ والجغرافيا والأنتروبولوجيا وعلم النباتات...
ما الطوبونيميا؟
إنها العلم الذي يعنى بدراسة أسماء الأماكن وتحليلها بالاعتماد على مجموعة من العلوم المساعدة كالتاريخ والجغرافيا والانثروبولوجيا.. وإذا أردنا التحدث عن الأصل اللغوي للطوبونيميا / الطوبونيم نقول بأن جميع المهتمين ذهبوا إلى اعتباره اسما إغريقيا يتكون من لفظتين هما TOPOS و ONOMA الأولى بمعنى المكان أو الأرض والثانية بمعنى الاسم، ويعني هذا المركب إذن اسم المكان أو اسم الأرض. وهناك اجتهإذات كثيرة تحاول نحت اسم لهذا العلم من اللغة الأمازيغية فنجد مثلا Tusnadghar وتفيد نفس المعنى الموجود في اللغة اللاتينية. ويقول عنها الفرنسي R. Delort « الطوبونيميا دراسة أسماء الأماكن بمعنى أسماء (دوال) وضعها الإنسان ليدل بها على حقائق جغرافية (مدلولات) « ( Introduction aux sciences auxiliaires de l’histoire, p. 184) كما يذهب CH. Rostaing إلى القول « تقترح الطوبونيميا البحث عن معاني أصول أسماء الأماكن ودراسة تحولاتها» ( Les noms de lieux, p. 5).
الطوبونيميا الأمازيغية والهوية الوطنية:
يعتبر المبحث الطوبونيمي من بين المسارات الكثيرة لمعرفة التاريخ الجماعي لمجموعة بشرية معينة وخاصة تلك التي كانت الوثيقة التاريخية المكتوبة عبر تاريخها شيئا مفقودا أو نادرا كما هو الحال في المجال المغربي حيث ندرة الوثيقة التاريخية المكتوبة الموغلة في أعماق التاريخ. وهذا لا ينفي وجود مجموعة من الوثائق التاريخية المكتوبة التي لم تكن إلا وجها آخر من أوجه الأسر الحاكمة وسياساتها ومحيطها مغيبة بشكل تام التاريخ الاجتماعي وتاريخ الجماعات. “فالتاريخ السائد في المصادر التقليدية كان دوما تاريخا رسميا يهتم بأنشطة الأنظمة السياسية القائمة ولا يهتم بتاريخ المجتمع بكل مكوناته” ( نماذج من أسماء الأعلام الجغرافية والبشرية المغربي. ص 7 أزايكو ) ويضيف قائلا: “ولإعادة بناء هذا التاريخ العميق أصبح من الضروري البحث عن الوثائق في مظان أخرى. وتبقى اللغة في هذا الصدد واحدا من بين أفضل الوثائق التي يمكن أن تمد الباحث بمعطيات وتدقيقات مفيدة لا توجد في المصادر التقليدية المألوفة...” ( أزايكو ص 7 ).
من المؤكد أن الطوبونيميا أو الأماكينية ليست فقط علما يهتم بدراسة وتحليل الطوبونيمات أو أسماء الأماكن واستخراج مضامينها ودلالاتها المختلفة ورموزها المشحونة بشتى الدلالات والمعاني، إلا أنها – كغيرها من العلوم – لا يمكن أن تكون علما خاليا من أي دفء إيديولوجي أو تأويل يتوسل بالمرامي الخاصة بالمنظور السياسي البعيد المدى. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نعتبر التحليلات التي يقوم بها المهتمون بهذا العلم ناتجة عن أساسات أكاديمية ونظرية فقط بعيدا عن قصدية براكماتية إما بشكل مقصود أو غير مقصود. وفي هذا الإطار مثلا نتحدث عن الاتجاه الرسمي أو المقاربة الرسمية في التعامل مع جميع مناحي الحياة العلمية والسياسية وكذلك المقاربة التقليدية مثلا أو السلفية والانفصالية الثورية... وبذلك فإن المبادلات الرمزية الإنسانية بمختلف تشكلاتها وتحققاتها تكون عرضة للخضوع للطموحات ذات الصبغة البراكماتية السياسية خاصة إذا تعلق الأمر بدراسة الذاكرة الجماعية الخاصة بالمجموعات البشرية التي تقع بين إطار سلطوي ذي إيديولوجية إقصائية لاعلمية وواقع أصيل أو إيديولوجية محلية مهمشة. وفي هذا الصدد يكون المنتوج الأكاديمي عرضة للتسويق السياسي الذي يخضع بالضرورة لاعتبارات براكماتية هي في جوهرها شرط لممارسة الحياة في المجتمع الحديث.
ونعتقد أن الحديث عن الممتلكات الرمزية في المجال المغربي يستلزم استحضار مقاربات عديدة متصارعة ومتنافرة تحكمها زوايا نظر سياسية وأخرى أكاديمية وفية لإيديولوجيات استئصالية وذلك وفق ظروف سياسية وتاريخية معينة. من جملتها المقاربة الرسمية ذات الامتداد السياسي المهيمن، والذي كان وفيا لإطاره المذهبي القاضي بعروبة القطر المغربي وانتمائه اللامشروط إلى حظيرة الأمة العربية. الشيء الذي كان له كبير الأثر في غض البصر عن المقاربات الأكاديمية العلمية في التعامل مع معطيات الواقع الذي ينضح بحقائق معاكسة للرياح التي تشتهيها السفن الرسمية. لأجل ملاءمة هذا التصور بمعطيات المجال الواقعية التي تؤشر على هوية مخالفة تماما للهوية التي تقوم الجهات الرسمية بتسويقها وفي خضم مسلسل التعريب الشامل للبشر والحجر والشجر الذي أخذته حكومة ما بعد الاستقلال على عاتقها بواسطة استغلال حوامل التأثير الجماهيرية (النظام التربوي، القطاع السمعي البصري...) تم الإجهاز على الطوبونيم الأمازيغي الأصلي المتجذر وتعويضه بطوبونيم يتناغم والالتزامات الرسمية الكبرى. على سبيل المثال نسوق الأمثلة التالية:
ماسة Masst ---
الجديدة ----Mazagan
شتوكة---Actukn
الساقية الحمراء--- Targa tazggaght
الصويرة --- Mugadur
فم الحصن---Imi n-ugadir
قلعة مكونة---Imgunn
حاحا---Ihaahaan
أغادير--- Agadir
الدار البيضاء--- Anfa
جزيرة ليلى ---Mmi izlan
إن الطوبونيميا أو مبحث الأماكينية أداة قوية من أجل البرهنة على التجذر التاريخي للإنسان المالك الأصلي للأرض. هذا الأخير الذي عاش عليها في تناغم وتكامل وحلول. بل إنها الدليل على التفاعل التاريخي بين الإنسان والمجال. ومن هنا نعتبر الحديث عن الطوبونيميا الأمازيغية بالمغرب وجها من أوجه رد الاعتبار للشخصية الأمازيغية المتجذرة في التاريخ والتي كانت وراء بناء حضارات مختلفة وتفاعلت كذك مع العديد من الحضارات المجاورة والمجايلة كالحضارة الفرعونية والرومانية والفينيقية والوندالية والبيزنطية وحضارات إفريقية الجنوبية والسودان...
المجال المدروس: ماست
أسماء الأماكن الواردة في هذه الدراسة البسيطة توجد كلها على الرقعة الجغرافية التي تعرف ب “ماست”. وهي منطقة ساحلية تقع بين مدينتي أكادير وتزنيت. تمتد بين قنطرة ماست الموجودة على الطريق الوطنية حتى مصب وادي ماست في المحيط الأطلسي، وما بين سهل شتوكة في الجنوب الغربي وشمال غرب سهل تيزنيت.
أما إداريا فهي تضم جماعتي ماست وسيدي وساي، تابعتين لقيادة ماست ودائرة ماسة بلفاع عمالة اشتوكة أيت باها.
هذه المنطقة الغارقة في القدم تعد من بين أكبر القبائل التي كان لها شأن عظيم عبر التاريخ، وقد تحدث عنها كثير من المؤرخين مثل Pline l’Ancien و Polype وليون الإفريقي وابن خلدون ومارمول كاربخال والمختار السوسي وروبير مونتاني وغرهم. وهي تتمتع بثرواتها وظروفها الطبيعية الملائمة لجميع النشاطات الإنسانية مما جعلها قطبا اقتصاديا يستقطب مجموعات بشرية مختلفة، الشيء الذي كان له أثر كبير على مستوى الإرث الرمزي والمادي للمنطقة. كما كانت هدفا استعماريا للقوى الاستعمارية التي عرفها المغرب دوما وخاصة البرتغال والفرنسيون.
وفيما يخص دلالة الاسم «ماست» نشير إلى اللبس الكبير الذي يلف هذا الاسم ونعتقد أن هذا الأمر راجع إلى القدم التاريخي للمنطقة إضافة إلى التنوع الكبير الذي تعرفه إن على المستوى الديموغرافي وكذلك على المستوى التاريخي والسياسي. ويتأرجح التسويق الواقعي للاسم بين لفظة MASST و MASSA. إن محاولة تفسير معنى هذه التسمية يصطدم أولا بمشكل الاختلاف في النطق والكتابة حيث وردت عند المؤرخين بصيغ مختلفة منها (الأماكنية المغربية، نماذج من منطقة ماست):
Massat Une tribu berbère du sud marocain
Mastat Une tribu berbère du sud marocain
Messa, Meca Une tribu berbère du sud marocain
ماسات دائرة المعارف الإسلامية، مجلد 12، ص. 373
تمست وصف أفريقيا لمرمول كاربخال.
ويشير مجموعة من الدارسين إلى التحققات التاريخية لهذا الاسم وخاصة في الخرائط البرتغالية بين MECCA , MESSA, MASSA, MASSAT. كما يذهب د. محمد بصير إلى أن هذه الكلمة قد تعني الأرض المستوية أو اسم نبات. كما نذهب إلى القول بأن اللفظة قد تعني الوسط أو الوسطى باعتبار لفظة ammas الذي يعني الوسط في اللغة الأمازيغية وبذلك تكون tammast تأنيثا له يفيد التوسط والوسطية والوسطى.
ونشير إلى أن البحث في أسماء الأماكن بمنطقة ماست عمل يحتاج إلى كثير من العمل والعناء بسبب شساعة الرقعة الجغرافية وكثرة الأسماء وتنوعها. وبذلك اقتصرنا فقط على عينة بسيطة منها خاصة تلك التي تهم المسالك والطرق والمياه والعيون. وكان هذا الاختيار مؤسسا على التنوع الكبير والغنى الذي يميزها عن باقي المجالات الأخرى خاصة في الشق المتعلق بالمجاري المائية والمناطق البحرية.
المتن
لقد اعتمدنا أساسا في هذه الدراسة على معرفتنا الشخصية للأماكن باعتبارنا من مواليد منطقة ماست. لكن ذلك لم يعوزنا من المعاينة الميدانية للأماكن المدروسة للإطلاع على خصائصها الطبيعية من تضاريس وغطاء نباتي وهي معلومات مهمة تساعد الباحث على تكوين فكرة عن المكان وتكون له سندا في محاولة تفسير معنى أسماء هذه الأماكن.
لكن المرجع الأساسي يبقى الرواية الشفوية لكونها مصدرا مهما وخزانا ثقافيا وتاريخيا. ففي غياب المراجع أو نقصها وعدم اعتماد المؤرخين على الرواية الشفوية التي تحتفظ بالكثير من المعلومات التي ما زالت لم تدون إلا في ذاكرة السكان، التجأنا إلى مقابلة السكان وخاصة الفلاحين والمسنين رجالا ونساء أفادونا في تفسير أسماء الأماكن وفي علم النباتات التي تزخر بها منطقة ماست.
أما المصادر الأخرى مثل الخرائط والعقود والوثائق فلم نتمكن من استعمالها أو الاستئناس بها نظرا لعدة أسباب كصعوبة التوصل إليها و طول المسطرة الإدارية وخاصة ضيق الوقت.
المسالك والطرق
Asaka wdvar 1
مسلك يقع بمدشر أغبالو بماست على وادي ماست، جماعة ماست، حيث تقوم الساكنة بعبور النهر راجلين من هذا المكان وذلك لقلة منسوب المياه به.
ويتكون هذا الاسم من كلمتين: الأولى Asaka وهو اسم مكان مشتق من الفعل kk الذي يفيد العبور والاجتياز والعلامة المورفولوجية الدالة على كونه اسما للمكان هي asa ( asaCa ). ونقول إن جميع الممرات الموجودة على نهر ماست بدون استثناء يطلق عليها هذا اللفظ. كما تجدر الإشارة إلى وجود مدخل معجمي مشابه وهو isiki ويراد به القطعة الأرضية التي لم يتم حرثها ولا زراعتها: iger lli issakin ويعني الحقل الذي لم يستغل أو غاب عنه الاستغلال. و ssiki فعل دال على صيغة التفعيل ومعناه ‘’لم يتناول (وجبة مثلا)، غاب عن... ويمكن أن نقول بأن هذا المدخل المعجمي ينتمي إلى المشترك اللغوي بين التحققات المختلفة للغة الأمازيغية خاصة في لهجات المغرب الأوسط وجنوب الريف.
والثانية udvar وتعني الرجل وهي في وضعية الإلحاق الذي يدل عليه التغيير الحاصل في أول الكلمة من a إلى u (udvar / advar)، مع غياب أداة الإلحاق أو النسبة ‘n ‘. وهو إشارة تخصيصية لنوعية الوسيلة التي يجتاز بها النهر. ويفيد هذا المركب الإسمي في مجموعه المعنى التالي: الممر النهري الذي يسلكه الراجلون.
Amadl 2
ممر يقع بمنحدر يجانب مدشر Ifentar الموجودة ب Igwmdan أي الضفة الأخرى للوادي. وهو اسم يجمع على imudal ( a-a--/ i-u-a- ) بمعنى المنخفضات. وهو علم على تشكل جغرافي يتميز بالانخفاض. من الناحية اللغوية نورد بأن بنية هذا الاسم الصرفية والمعجمية خاضعة للنظام الاسمي الغالب في اللغة الأمازيغية حيث يستهل بالصامت a-في المفرد و i- في الجمع. هذا الأخير الذي يطرح إشكالية على مستوى البناء أو المستوى المورفولوجي حيث الاختلاف الكبير على مستوى توزيع الصوامت بين بنية المفرد وبنية الجمع Amadl ( AcAcc) / ( IcUcAc) imudal حيث يمكن أن يكون الجمع على الصيغة التالية: imadln ( iCaCCn )i-----n/ وبذلك يكون خاضعا للصيغة الغالبة في الجموع الامازيغية.
Asawn 3
يطلق على ممر شديد الارتفاع بمدشرTasnnult (الضفة الغربية للوادي). في اللغة الأمازيغية يطلق هذا الاسم على الشكل الجغرافي الذي يتميز بالارتفاع ويدل على ذلك المثل الذي يقول ur illi usunfu à ddu n wasawn إشارة إلى الدعوة إلى تأجيل الراحة إلى حين انتهاء الأعباء. وتأتي هذه اللفظة في صيغة الجمع هكذا دائما ( a----n ) ويشير محمد شفيق في معجمه إلى المؤنث منها tasawnt وجمعها tisiwan. ومن حيث اشتقاقها، فهذا الاسم منحوت من الجذر الفعلي awn الذي يعني صعد. وقد اشتق اسم المكان هذا بزيادة المورفيم الدال على المكان asa- بعد حذف الفونيم a لتواجده أصلا في الجدر تسهيلا للنطق.
Tabrida 3
ينسحب هذا العلم على ممر تاريخي شديد القدم يخترق Tasnnult و Ifentar يعود إلى فترة القوافل التجارية التي كانت تخترق ماست قادمة من الجنوب في اتجاه المدن التجارية القديمة خاصة Tassurt أو Mugadur. وما زلنا نبحث عن الفترة التاريخية التي يؤرخ لها هذا المسلك التجاري في محاولة لتسليط الضوء على العديد من القضايا المهمة في تاريخ ماست والمنطقة بشكل عام من قبيل نوعية العلاقة بين سكان ماست وهذه القوافل التجارية: المعاملات النقدية والمبادلات التجارية والثقافية، الأعراف والقوانين المنظمة لهذه العلاقات، العقود والالتزامات، النظام السياسي وحركة هذه القوافل، إلى أين تتجه ومن أين تأتي...
وتجدر الإشارة إلى أن بعض سكان المنطقة يطلقون اسم taàarast n iraman على هذا المسلك إشارة إلى الوسيلة التي كان يتوسل بها التجار لنقل بضائعهم. والمثير للانتباه هو أن لفظ tabrida أوabrid الذي يجمع على ibridn أو iberdan الذي يعني الطريق / المسلك، الطرق / المسالك لفظ غير متداول في ماست ككل مما يحيل على القدم التاريخي على عكس taàarast n iraman الذي يبدو أنه اسم حديث.
وللإشارة، يوجد مكان آخر بمنطقة ماست بمدشر تيكمي لجديد يطلق عليه Tabrida wgllid أي مسلك أو طريق الملك، تأريخا لحدث مرور السلطان الحسن الأول من ماست.
Tamlalt yyṛaman 4
يطلق هذا الاسم على مسلك يقع بمدشر Tasila بجماعة ماست. ويشير السكان المحليون إلى أن سبب هذه التسمية راجع إلى أن هذه الطريق كانت سبيلا تسلكه الجمال نحو المراعي. وهذا المركب الاسمي يتكون من: Tamlalt - ( t----t ) وهو تذكير ل amlal الذي يعني الرمل ويجمع على imlaln / timlalin . ونعتقد أن صيغة المفرد المؤنث لها دلالة كبيرة هاهنا حيث تؤكد التقليل والندرة الشيء الذي وقفنا عليه حين زيارتنا لعين المكان حيث تبين أن لا وجود نهائيا للرمال لأن المنطقة منطقة أحراش.
- حرف النسبة أو الإلحاق المحذوف n والذي عوض عنه بظهور حرف y المشدد لأن الاسم يبدأ بحرف i- وهذه ظاهرة صوتية معروفة في الأمازيغية حيث يحذف حرف الإلحاق في اللغة الشفوية.
- iyraman جمع ل aram أو ar3m ويعني الجمل / الجمال. وهذا الحيوان يستعمل كوسيلة للنقل والتنقل عبر الصحراء.
مما يعني أن المركب الاسمي يدل على مسلك الجمال.
ونشير هنا إلى القيمة الدلالية التي يحملها هذا الطوبونيم باعتبار أنه يحيلنا مباشرة على أن سكان المنطقة عامة كانوا من مربي الجمال.الشيء الذي انقرض منذ ستينيات القرن الماضي كما تخبرنا الرواية الشفوية.
Aàaras idran 5
اسم يطلق على ممر يقع بين Aàbalu و Actukn وهو عبارة عن طريق واقعة بين هضبتين مما منحه صفة العمق التي يؤشر عليها الاسم المذكور الذي يعني: الممر العميق. وهو مركب اسمي مكون من اسم aàaras أي الطريق وصفة مشبهة idran الذي يعني العميق والمشتق من الفعل dru، idra أي عمق.
ونشير هنا إلى أن استعمال هذا المركب الوصفي للدلالة على هذا الشكل الجغرافي إنما يرجع إلى النسيان الجماعي للفظة tizi الشديدة الاستعمال في المناطق الأطلسية للدلالة على الطريق التي تقع بين جبلين (Tizi n Ticka , Tizi n Tasst).
المياه والعيون
Asif Mmasst / Asif Wwalàas 6
يطلق هذا اللفظ على النهر الكبير الذي يخترق منطقة ماست والذي ينبع من الأطلس الصغير ويصب في المحيط الأطلسي. يتميز هذا النهر بثرواته المائية والحيوانية الهائلة. يتكون المركب الإضافي من اسمين الأول: Asif ويعني النهر ويجمع على isaffn .مؤنثه tasift. الثاني: alàas الذي أفادت الرواية الشفوية انه مجموع الأشياء الطبيعية (رواسب، طمي، تربة) التي يحملها النهر أثناء حالة الفيضان.ونعتقد أن ما يؤكد هذا الأمر هو الاسم الذي ما زالت تحمله التربة الطينية النهرية المشبعة بالماء: aslàaà.
Mmu Tbrbalt
يطلق هذا الاسم على منطقة شاطئية تقع شمال مدشر سيدي بوالفضايل على الساحل الأطلسي. ويتكون من لفظتين هما: mmu التي ذكر محمد شفيق في معجمه أنها أداة للانتساب ونضيف أنها للمؤنث ومذكرها bu. taberbalt وهي نبات مشهور بمنطقة ماست.وسميت هذه المنطقة الصخرية الشاطئية بهذا الاسم لتواجد هذا النبات بها. لكن المثير للانتباه أن الذين أطلقوا الاسم جعلوه مؤنثا ولم يقولوا مثلا tberbalt bu ونعتقد أن النسبة هنا تعود إلى tasga التي تعني الجهة. ليكون معنى العبارة تبعا لذلكTasga mmu tbrbalt أي الجهة التي يتواجد بها نبات tabrbalt.
Bu Tasra 7
ينسحب هذا العلم على منطقة بحرية شديدة الانحدار جنوب مدشر سيدي بوالفضايل. وهو على لفظتين Bu وهي للدلالة على النسبة إلى المذكر كما قلنا سابقا أما tasra فهي نوع من النبات يتواجد بكثرة في الأماكن الجافة. وهنا تبدو علة هذه التسمية واضحة.وهنا يتضح لنا مدى الأهمية القصوى لعلم النبات la botanique في شرح وتفسير أسماء الأماكن.حيث يجعلها الأمازيغي علما من أعلام الأمكنة التي يرتادها لملازمتها الدائمة لها. والملاحظ أن جل النباتات التي تستعمل استعمالا مضاعفا أو استعاريا هي من النباتات غير الموسمية، حيث أنها تكون حاضرة بالمكان طوال السنة.
Imi yiàzer 8
يطلق هذا الاسم على منطقة بحرية صخرية وتتكون من لفظتين هما Imi و” تقال لفم الإنسان والحيوان بل وحتى لفتحات الجمادات، وتعني مدخل الشيء ومخرجه، ولهذا تطلق على مصب النهر، أو مخرج طريق... وتقال كذلك لأبواب ونوافذ المنازل والخيام والقصور... كما تسمى بها مداخل القرى والمدن ومخارجها مثل Imi yàrm أوImi Wgadir الذي ترجم حرفيا إلى العامية بفم الحصن، وتطلق كذلك على فتحات الأدوات من صناديق وغيرها وعلى منافذ الجسم من الأذن والأنف وعلى الفتحات من كل نوع، ذلك لأن تصور الأمازيغ للطبيعة مستمد من تصورهم للجسم البشري ل²ا استعملوا أسماء الأعضاء البشرية لأنسنة الطبيعة..” ( المصطلحات الأمازيغية في تاريخ المغرب وحضارته. تحت إشراف محمد حمام ص 56).
yiàzer يطلق على الوادي أو الشعبة الصغيرة. ونلاحظ أن الاسم يحمل علامة الإلحاق y التي تعوض حذف حرف الإلحاق n. ونرى أن علة التسمية ترجع إلى كون المنطقة مصبا لشعبة طويلة تخترق منطقة الزور الواقعة بين الضفة الغربية والمحيط الأطلسي. وبذلك يكون الاسم وفيا للشكل الجغرافي الذي يميز المكان.
استنتاجات
من الناحية اللغوية، نرى أن أسماء الأماكن المدروسة كلها أسماء أمازيغية صرفة، مما يدل على أن الساكنة الماسية متشبثون بلغتهم من جهة وأن هذه الأخيرة سليمة لم تشبها تأثيرات لغات أخرى حيث انعدام الأسماء الدخيلة.
وتتميز أسماء الأماكن الواردة في هذا البحث ببعض الخصائص الصوتية العامة التي تميز اللغة الأمازيغية بكل فروعها، خصوصا التغيرات التي يحدثها الإلحاق في بداية الأسماء. فإذا ابتدأ الاسم بالفونيم a- فهو يتحول إلى w مشدد أو قليل التشديد أحيانا، كما لاحظنا في المركبين الاسميين Asif Wwalàas و Asaka wḍar أما إذا ابتدأ ب i- فينقلب y مع التشديد كما لاحظنا في Tamlalt yyṛaman و Imi yyiàzr.
كما عايننا ظاهرة صوتية أخرى وهي المماثلة وتسم الأسماء التي تبتدئ بصوامت مثل Asif Mmasst أصلها Asif n Masst حيث أثر الميم على النون وأدغم الثاني في الأول. وظاهرة المماثلة ظاهرة عامة في كل فروع اللغة الأمازيغية و تحدث أساسا عند الإلحاق.
من الناحية الصرفية والتركيبية، تتكون أسماء الأماكن المدروسة من مختلف التركيبات و أهمها:
- أسماء مفردة: Amadl، Asawn، Tabrida
- أسماء مركبة: وصيغ التريب هنا مختلفة.
* التركيب الوصفي: ويتم بزيادة bu للمذكر او mmu للمؤنث: Bu Tasra،:Mmu Tbrbalt. كما يصاغ بزيادة صفة مشبهة على الإسم لتدقيق الوصف والمعنى مثل
Aàaras idranوقد استعملت الصفة المشبهة لوصف عمق المسلك أو الطريق وبالتالي تدقيق وتمييز طبيعته.
* التركيب الإضافي: يتم بربط إسمين بحرف الإضافة يجعل الاسم الثاني في حالة إلحاق ويسبب في تغيرات صرفية تظهر في بداية الأسم أو على الصائت الأول بعد T- إن كان مؤنثا: Asaka wwḍar- Asif Wwalàas- Tamlalt yyṛaman أو أضيفت إليه كلمة أخرى وصفية مثل: Mmu Trbalt.
كما مكنتنا هذه الدراسة البسيطة لنماذج أسماء الأماكن المقدمة في هذا البحث من الوصول إلى مجموعة من الاستنتاجات التي نعتبرها ضرورية من أجل الإحاطة ببعض الجوانب التي يعتمدها الوعي أو اللاوعي الجماعي من أجل إطلاق الاسم على المكان باعتبار هذه العملية خاضعة لنسق فكري معين من خلاله يتمكن الباحث من العبور نحو فهم رؤية المجموعة البشرية المعنية للعالم المحيط بها وكذلك إلى قيمة الأرض والإنسان والحيوان والنبات وقوة أو رمزية الحدث التاريخي والرمزية الجماعية أو انطولوجيا الماوراء.
من هذا المنطلق نستطيع أن نقول بأن الذاكرة الجماعية المشتركة بماست تنهل من الحقول التالية:
· التضاريس والشكل الجغرافي: Asaka، Amadl، Asawn, Tamlal، Asif idran، Iàzer، Tamlalt، Alàas.
· الأعضاء البشرية: aḍar , Imi
· الغطاء النباتي: tabrbalt , tasra
· الثروة الحيوانية: iraman
ونستخلص مما سبق التنوع الكبير للمصادر التي ينهل منها الإنسان الأمازيغي بالمنطقة الصور التمثلية والدلالية التي توظف توظيفا مضاعفا لتحمل في الأخير مجموعة من الحمولات الدلالية التي قد تبقى وفية لمعناها الأصلي فلا يكون استعمالها استعمالا مجازيا أو استعاريا، وهذا شأن الأماكن التي تحمل أسماء لوضعيات جغرافية معينة ومعروفة.لكنها قد تنحرف عنه لتدل على وظائف اسمية ثانوية أو جديدة. وفي كثير من الأحيان تتعرض الدلالات الأصلية الأولى للنسيان الجماعي وبذلك يستأثر المكان بالدلالة المستقلة الثانوية خاصة إذا تعلق الأمر بأسماء بعض المهن أو وسائل الإنتاج التي تتغير بتغير الأنماط الإنتاجية والعادات والسلوكات الاستهلاكية أو أسماء النباتات أو المؤسسات الاجتماعية التقليدية والعرفية...
خـاتمة
إن المناداة بإعإدة كتابة التاريخ المغربي بأقلام نزيهة وعلمية كفيلة برد الاعتبار للشخصية المغربية ودورها الكبير في بناء الحضارة بشمال إفريقيا. وفي هذا الصدد لابد من القول بأن اللغة الأمازيغية تمنح للباحث إمكانات هائلة تساعده على تكوين رؤية واضحة للمجتمع الأمازيغي ومختلف الأحداث التي كان وراء صنعها أو التي كانت أرضه مسرحا لها. إن اللغة هي الحاملة للتاريخ والحضارة وهي مرآتها ولسانها، ومن ثم فإن البحث التاريخي بهذه البلاد يقتضي أولا الإلمام بالمحيط اللغوي والثقافي الأمازيغي. ونشير إلى أن الطوبونيميا أداة كبرى لحفظ اللغة والتاريخ والحضارة. إنها الذاكرة الجماعية في صورة حية وناطقة. ومن ثم يصبح مجال البحث الطوبونيمي نافدة أخرى على التاريخ بمختلف تجلياته: اللغوي والسياسي والحضاري. إنه مساهمة بناءة في محاولة الإحاطة بجوانب من التاريخ الكبير للإنسان الذي سكن ويسكن المنطقة مند الأزل في اتجاه بناء الشخصية الجماعية القادرة على اقتحام المستقبل.
المراجع
-محمد شفيق، المعجم العربي الأمازيغي، 3 أجزاء، منشورات أكاديمية المملكة المغربية، 1998-1991.
-علي صدقي أزايكو، نماذج من أسماء الأعلام الجغرافية والبشرية المغربي، مطبعة المعارف الجديدة، منشوارت المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، 2004.
-المصطلحات الأمازيغية في تاريخ المغرب وحضارته، تحت إشراف محمد حمام، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.
-الطبونيميا الفرنسية بالمغرب، بحث جامعي من إنجاز عبدالصمد بصير، تحث إشراف الدكتور أحمد الهاشمي، السنة الجامعية
-الأماكنية المغربية، نماذج من منطقة ماست، بحث جامعي من إنجاز نعيمة بويسركا و فطيمة إذالفقيه، تحت إشراف الدكتور أحمد الهاشمي، سنة 2005-2006.
-Lhoussain Rachid, Tatouage de la mémoire, repères amazighes dans la culture marocaine, publication de l’Ircam, traduction de Saadia Ait Taleb, Imprimerie Almaàrif Aljadida, Rabat 2005.
-R. Delort, Introduction aux sciences auxiliaires de l’histoire.
-CH. Rostaing, Les noms de lieux.
تندرج هذه الدراسة في إطار الرغبة الملحة في المساهمة في الورش الطوبونيمي الأمازيغي الكبير الذي بدأته مجموعة من الفعاليات الثقافية مند عدة سنوات. ورغم ذلك يبقى المبحث الطوبونيمي الأمازيغي في حاجة إلى مزيد من الدراسة والتنقيب والبحث الدائم والمستمر، وذلك نظرا للغنى الكبير الذي خلفته عبقرية الشخصية الأمازيغية التي استطاعت مراكمة تجربة كبيرة مشبعة بحضارة ذات جذور غارقة في القدم، الشيء الذي كان له أثر كبير في المساهمة في بناء الذات الفردية والجماعية من الناحية الرمزية والمادية. إن الذات الأمازيغية- بما تحمله من قيم وجودية وحضارية متميزة – استطاعت الحلول في مجالها الطبيعي وجعلت منه امتدإذا غير مجزوء لها لا يمكن الاستغناء عنه في معادلة البناء الشخصية. فالذات هي الأرض والأرض هي الذات. هذه المعادلة المشحونة بحمولات إنسانية عميقة كانت الدافع الأكبر نحو المباحث ذات الصبغة الطوبونيمية من أجل تعميق البحث في مسألة الاندماج الإنساني في الطبيعة واستلهامه الانطولوجي لعناصرها وخلقه الدائم والمستمر للفضاءات الطوباوية التي لا وجود لها إلا في أخيلة مخنوقة بالحدود الواقعية الأرضية.
وليس هذا الأمر إلا تعبيرا عن الرغبة الجامحة في تملك الفضاء ومحاربة القناعات المؤدية إلى الاستسلام للحقيقة الأرضية. إن توسيع الرقعة الجغرافية وعدم الاكتفاء بالمحيط الذاتي ظاهرة إنسانية معقدة تتخذ أوجها مختلفة من أجل الانجلاء والبروز. وعرف التاريخ الإنساني محاولات دائمة للسيطرة على المجالات عبر خلق مسوغات مختلفة تختلف حسب الحضارات والأزمنة (الدين، القوة، الحماية، الحق...). وفي هذا الإطار نسوق الحديث عن شكل آخر من أشكال الارتباط الكبير بين الذات الإنسانية والمجال حيث تتجاوز الرغبات الجامحة في الاستحواذ والتوسع المجال الفيزيائي إلى مجالات أخرى أكثر رحابة وسرمدية، مجالات لا تفنى ولا تموت ولا تندثر ولا تنزع ولا تتوزعها هواجس الحدود والتملك الطبقي. فضاءات طوباوية جامحة عبرت بصدق عن تعطش الذات إلى معانقة المجال والحلول فيه (الامتداد المكاني والروحي لفضاء ما بعد النهاية البيولوجية في الديانة الفرعونية القديمة والديانات السماوية، فضاء السماوات السبع والأراضي السبع، فضاء الجنة والنار، فضاء الأضرحة والمزارات في المجال الأمازيغي...).
نستخلص مما سبق أن الأرض ليست مجرد عنصر جغرافي فيزيائي للعيش وتحقيق الحياة، بل إنها امتداد أنطولوجي للذات الإنسانية، ويمكن القول إنها جزء لا يتجزأ منها حيث لا يمكن تصور الواحد دون الآخر. إن كلا منهما شرط لوجود الآخر. وهذا ما يؤدي إلى القول بأن الدراسة الطوبونيمية ليست مجرد دراسة لاسم المكان وتوضيح معناه أو معانيه بقدر ما هي عبارة عن نبش في الذاكرة الحضارية والتاريخية والثقافية الخاصة بالمجموعة البشرية المعنية. وبذلك أصبحت الطوبونيميا لدى كثير من الشعوب التي تبحث عن ذاكرتها الجماعية والتاريخية مصدرا غنيا باعتباره يعتمد على مجموعة من العلوم كالتاريخ والجغرافيا والأنتروبولوجيا وعلم النباتات...
ما الطوبونيميا؟
إنها العلم الذي يعنى بدراسة أسماء الأماكن وتحليلها بالاعتماد على مجموعة من العلوم المساعدة كالتاريخ والجغرافيا والانثروبولوجيا.. وإذا أردنا التحدث عن الأصل اللغوي للطوبونيميا / الطوبونيم نقول بأن جميع المهتمين ذهبوا إلى اعتباره اسما إغريقيا يتكون من لفظتين هما TOPOS و ONOMA الأولى بمعنى المكان أو الأرض والثانية بمعنى الاسم، ويعني هذا المركب إذن اسم المكان أو اسم الأرض. وهناك اجتهإذات كثيرة تحاول نحت اسم لهذا العلم من اللغة الأمازيغية فنجد مثلا Tusnadghar وتفيد نفس المعنى الموجود في اللغة اللاتينية. ويقول عنها الفرنسي R. Delort « الطوبونيميا دراسة أسماء الأماكن بمعنى أسماء (دوال) وضعها الإنسان ليدل بها على حقائق جغرافية (مدلولات) « ( Introduction aux sciences auxiliaires de l’histoire, p. 184) كما يذهب CH. Rostaing إلى القول « تقترح الطوبونيميا البحث عن معاني أصول أسماء الأماكن ودراسة تحولاتها» ( Les noms de lieux, p. 5).
الطوبونيميا الأمازيغية والهوية الوطنية:
يعتبر المبحث الطوبونيمي من بين المسارات الكثيرة لمعرفة التاريخ الجماعي لمجموعة بشرية معينة وخاصة تلك التي كانت الوثيقة التاريخية المكتوبة عبر تاريخها شيئا مفقودا أو نادرا كما هو الحال في المجال المغربي حيث ندرة الوثيقة التاريخية المكتوبة الموغلة في أعماق التاريخ. وهذا لا ينفي وجود مجموعة من الوثائق التاريخية المكتوبة التي لم تكن إلا وجها آخر من أوجه الأسر الحاكمة وسياساتها ومحيطها مغيبة بشكل تام التاريخ الاجتماعي وتاريخ الجماعات. “فالتاريخ السائد في المصادر التقليدية كان دوما تاريخا رسميا يهتم بأنشطة الأنظمة السياسية القائمة ولا يهتم بتاريخ المجتمع بكل مكوناته” ( نماذج من أسماء الأعلام الجغرافية والبشرية المغربي. ص 7 أزايكو ) ويضيف قائلا: “ولإعادة بناء هذا التاريخ العميق أصبح من الضروري البحث عن الوثائق في مظان أخرى. وتبقى اللغة في هذا الصدد واحدا من بين أفضل الوثائق التي يمكن أن تمد الباحث بمعطيات وتدقيقات مفيدة لا توجد في المصادر التقليدية المألوفة...” ( أزايكو ص 7 ).
من المؤكد أن الطوبونيميا أو الأماكينية ليست فقط علما يهتم بدراسة وتحليل الطوبونيمات أو أسماء الأماكن واستخراج مضامينها ودلالاتها المختلفة ورموزها المشحونة بشتى الدلالات والمعاني، إلا أنها – كغيرها من العلوم – لا يمكن أن تكون علما خاليا من أي دفء إيديولوجي أو تأويل يتوسل بالمرامي الخاصة بالمنظور السياسي البعيد المدى. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نعتبر التحليلات التي يقوم بها المهتمون بهذا العلم ناتجة عن أساسات أكاديمية ونظرية فقط بعيدا عن قصدية براكماتية إما بشكل مقصود أو غير مقصود. وفي هذا الإطار مثلا نتحدث عن الاتجاه الرسمي أو المقاربة الرسمية في التعامل مع جميع مناحي الحياة العلمية والسياسية وكذلك المقاربة التقليدية مثلا أو السلفية والانفصالية الثورية... وبذلك فإن المبادلات الرمزية الإنسانية بمختلف تشكلاتها وتحققاتها تكون عرضة للخضوع للطموحات ذات الصبغة البراكماتية السياسية خاصة إذا تعلق الأمر بدراسة الذاكرة الجماعية الخاصة بالمجموعات البشرية التي تقع بين إطار سلطوي ذي إيديولوجية إقصائية لاعلمية وواقع أصيل أو إيديولوجية محلية مهمشة. وفي هذا الصدد يكون المنتوج الأكاديمي عرضة للتسويق السياسي الذي يخضع بالضرورة لاعتبارات براكماتية هي في جوهرها شرط لممارسة الحياة في المجتمع الحديث.
ونعتقد أن الحديث عن الممتلكات الرمزية في المجال المغربي يستلزم استحضار مقاربات عديدة متصارعة ومتنافرة تحكمها زوايا نظر سياسية وأخرى أكاديمية وفية لإيديولوجيات استئصالية وذلك وفق ظروف سياسية وتاريخية معينة. من جملتها المقاربة الرسمية ذات الامتداد السياسي المهيمن، والذي كان وفيا لإطاره المذهبي القاضي بعروبة القطر المغربي وانتمائه اللامشروط إلى حظيرة الأمة العربية. الشيء الذي كان له كبير الأثر في غض البصر عن المقاربات الأكاديمية العلمية في التعامل مع معطيات الواقع الذي ينضح بحقائق معاكسة للرياح التي تشتهيها السفن الرسمية. لأجل ملاءمة هذا التصور بمعطيات المجال الواقعية التي تؤشر على هوية مخالفة تماما للهوية التي تقوم الجهات الرسمية بتسويقها وفي خضم مسلسل التعريب الشامل للبشر والحجر والشجر الذي أخذته حكومة ما بعد الاستقلال على عاتقها بواسطة استغلال حوامل التأثير الجماهيرية (النظام التربوي، القطاع السمعي البصري...) تم الإجهاز على الطوبونيم الأمازيغي الأصلي المتجذر وتعويضه بطوبونيم يتناغم والالتزامات الرسمية الكبرى. على سبيل المثال نسوق الأمثلة التالية:
ماسة Masst ---
الجديدة ----Mazagan
شتوكة---Actukn
الساقية الحمراء--- Targa tazggaght
الصويرة --- Mugadur
فم الحصن---Imi n-ugadir
قلعة مكونة---Imgunn
حاحا---Ihaahaan
أغادير--- Agadir
الدار البيضاء--- Anfa
جزيرة ليلى ---Mmi izlan
إن الطوبونيميا أو مبحث الأماكينية أداة قوية من أجل البرهنة على التجذر التاريخي للإنسان المالك الأصلي للأرض. هذا الأخير الذي عاش عليها في تناغم وتكامل وحلول. بل إنها الدليل على التفاعل التاريخي بين الإنسان والمجال. ومن هنا نعتبر الحديث عن الطوبونيميا الأمازيغية بالمغرب وجها من أوجه رد الاعتبار للشخصية الأمازيغية المتجذرة في التاريخ والتي كانت وراء بناء حضارات مختلفة وتفاعلت كذك مع العديد من الحضارات المجاورة والمجايلة كالحضارة الفرعونية والرومانية والفينيقية والوندالية والبيزنطية وحضارات إفريقية الجنوبية والسودان...
المجال المدروس: ماست
أسماء الأماكن الواردة في هذه الدراسة البسيطة توجد كلها على الرقعة الجغرافية التي تعرف ب “ماست”. وهي منطقة ساحلية تقع بين مدينتي أكادير وتزنيت. تمتد بين قنطرة ماست الموجودة على الطريق الوطنية حتى مصب وادي ماست في المحيط الأطلسي، وما بين سهل شتوكة في الجنوب الغربي وشمال غرب سهل تيزنيت.
أما إداريا فهي تضم جماعتي ماست وسيدي وساي، تابعتين لقيادة ماست ودائرة ماسة بلفاع عمالة اشتوكة أيت باها.
هذه المنطقة الغارقة في القدم تعد من بين أكبر القبائل التي كان لها شأن عظيم عبر التاريخ، وقد تحدث عنها كثير من المؤرخين مثل Pline l’Ancien و Polype وليون الإفريقي وابن خلدون ومارمول كاربخال والمختار السوسي وروبير مونتاني وغرهم. وهي تتمتع بثرواتها وظروفها الطبيعية الملائمة لجميع النشاطات الإنسانية مما جعلها قطبا اقتصاديا يستقطب مجموعات بشرية مختلفة، الشيء الذي كان له أثر كبير على مستوى الإرث الرمزي والمادي للمنطقة. كما كانت هدفا استعماريا للقوى الاستعمارية التي عرفها المغرب دوما وخاصة البرتغال والفرنسيون.
وفيما يخص دلالة الاسم «ماست» نشير إلى اللبس الكبير الذي يلف هذا الاسم ونعتقد أن هذا الأمر راجع إلى القدم التاريخي للمنطقة إضافة إلى التنوع الكبير الذي تعرفه إن على المستوى الديموغرافي وكذلك على المستوى التاريخي والسياسي. ويتأرجح التسويق الواقعي للاسم بين لفظة MASST و MASSA. إن محاولة تفسير معنى هذه التسمية يصطدم أولا بمشكل الاختلاف في النطق والكتابة حيث وردت عند المؤرخين بصيغ مختلفة منها (الأماكنية المغربية، نماذج من منطقة ماست):
Massat Une tribu berbère du sud marocain
Mastat Une tribu berbère du sud marocain
Messa, Meca Une tribu berbère du sud marocain
ماسات دائرة المعارف الإسلامية، مجلد 12، ص. 373
تمست وصف أفريقيا لمرمول كاربخال.
ويشير مجموعة من الدارسين إلى التحققات التاريخية لهذا الاسم وخاصة في الخرائط البرتغالية بين MECCA , MESSA, MASSA, MASSAT. كما يذهب د. محمد بصير إلى أن هذه الكلمة قد تعني الأرض المستوية أو اسم نبات. كما نذهب إلى القول بأن اللفظة قد تعني الوسط أو الوسطى باعتبار لفظة ammas الذي يعني الوسط في اللغة الأمازيغية وبذلك تكون tammast تأنيثا له يفيد التوسط والوسطية والوسطى.
ونشير إلى أن البحث في أسماء الأماكن بمنطقة ماست عمل يحتاج إلى كثير من العمل والعناء بسبب شساعة الرقعة الجغرافية وكثرة الأسماء وتنوعها. وبذلك اقتصرنا فقط على عينة بسيطة منها خاصة تلك التي تهم المسالك والطرق والمياه والعيون. وكان هذا الاختيار مؤسسا على التنوع الكبير والغنى الذي يميزها عن باقي المجالات الأخرى خاصة في الشق المتعلق بالمجاري المائية والمناطق البحرية.
المتن
لقد اعتمدنا أساسا في هذه الدراسة على معرفتنا الشخصية للأماكن باعتبارنا من مواليد منطقة ماست. لكن ذلك لم يعوزنا من المعاينة الميدانية للأماكن المدروسة للإطلاع على خصائصها الطبيعية من تضاريس وغطاء نباتي وهي معلومات مهمة تساعد الباحث على تكوين فكرة عن المكان وتكون له سندا في محاولة تفسير معنى أسماء هذه الأماكن.
لكن المرجع الأساسي يبقى الرواية الشفوية لكونها مصدرا مهما وخزانا ثقافيا وتاريخيا. ففي غياب المراجع أو نقصها وعدم اعتماد المؤرخين على الرواية الشفوية التي تحتفظ بالكثير من المعلومات التي ما زالت لم تدون إلا في ذاكرة السكان، التجأنا إلى مقابلة السكان وخاصة الفلاحين والمسنين رجالا ونساء أفادونا في تفسير أسماء الأماكن وفي علم النباتات التي تزخر بها منطقة ماست.
أما المصادر الأخرى مثل الخرائط والعقود والوثائق فلم نتمكن من استعمالها أو الاستئناس بها نظرا لعدة أسباب كصعوبة التوصل إليها و طول المسطرة الإدارية وخاصة ضيق الوقت.
المسالك والطرق
Asaka wdvar 1
مسلك يقع بمدشر أغبالو بماست على وادي ماست، جماعة ماست، حيث تقوم الساكنة بعبور النهر راجلين من هذا المكان وذلك لقلة منسوب المياه به.
ويتكون هذا الاسم من كلمتين: الأولى Asaka وهو اسم مكان مشتق من الفعل kk الذي يفيد العبور والاجتياز والعلامة المورفولوجية الدالة على كونه اسما للمكان هي asa ( asaCa ). ونقول إن جميع الممرات الموجودة على نهر ماست بدون استثناء يطلق عليها هذا اللفظ. كما تجدر الإشارة إلى وجود مدخل معجمي مشابه وهو isiki ويراد به القطعة الأرضية التي لم يتم حرثها ولا زراعتها: iger lli issakin ويعني الحقل الذي لم يستغل أو غاب عنه الاستغلال. و ssiki فعل دال على صيغة التفعيل ومعناه ‘’لم يتناول (وجبة مثلا)، غاب عن... ويمكن أن نقول بأن هذا المدخل المعجمي ينتمي إلى المشترك اللغوي بين التحققات المختلفة للغة الأمازيغية خاصة في لهجات المغرب الأوسط وجنوب الريف.
والثانية udvar وتعني الرجل وهي في وضعية الإلحاق الذي يدل عليه التغيير الحاصل في أول الكلمة من a إلى u (udvar / advar)، مع غياب أداة الإلحاق أو النسبة ‘n ‘. وهو إشارة تخصيصية لنوعية الوسيلة التي يجتاز بها النهر. ويفيد هذا المركب الإسمي في مجموعه المعنى التالي: الممر النهري الذي يسلكه الراجلون.
Amadl 2
ممر يقع بمنحدر يجانب مدشر Ifentar الموجودة ب Igwmdan أي الضفة الأخرى للوادي. وهو اسم يجمع على imudal ( a-a--/ i-u-a- ) بمعنى المنخفضات. وهو علم على تشكل جغرافي يتميز بالانخفاض. من الناحية اللغوية نورد بأن بنية هذا الاسم الصرفية والمعجمية خاضعة للنظام الاسمي الغالب في اللغة الأمازيغية حيث يستهل بالصامت a-في المفرد و i- في الجمع. هذا الأخير الذي يطرح إشكالية على مستوى البناء أو المستوى المورفولوجي حيث الاختلاف الكبير على مستوى توزيع الصوامت بين بنية المفرد وبنية الجمع Amadl ( AcAcc) / ( IcUcAc) imudal حيث يمكن أن يكون الجمع على الصيغة التالية: imadln ( iCaCCn )i-----n/ وبذلك يكون خاضعا للصيغة الغالبة في الجموع الامازيغية.
Asawn 3
يطلق على ممر شديد الارتفاع بمدشرTasnnult (الضفة الغربية للوادي). في اللغة الأمازيغية يطلق هذا الاسم على الشكل الجغرافي الذي يتميز بالارتفاع ويدل على ذلك المثل الذي يقول ur illi usunfu à ddu n wasawn إشارة إلى الدعوة إلى تأجيل الراحة إلى حين انتهاء الأعباء. وتأتي هذه اللفظة في صيغة الجمع هكذا دائما ( a----n ) ويشير محمد شفيق في معجمه إلى المؤنث منها tasawnt وجمعها tisiwan. ومن حيث اشتقاقها، فهذا الاسم منحوت من الجذر الفعلي awn الذي يعني صعد. وقد اشتق اسم المكان هذا بزيادة المورفيم الدال على المكان asa- بعد حذف الفونيم a لتواجده أصلا في الجدر تسهيلا للنطق.
Tabrida 3
ينسحب هذا العلم على ممر تاريخي شديد القدم يخترق Tasnnult و Ifentar يعود إلى فترة القوافل التجارية التي كانت تخترق ماست قادمة من الجنوب في اتجاه المدن التجارية القديمة خاصة Tassurt أو Mugadur. وما زلنا نبحث عن الفترة التاريخية التي يؤرخ لها هذا المسلك التجاري في محاولة لتسليط الضوء على العديد من القضايا المهمة في تاريخ ماست والمنطقة بشكل عام من قبيل نوعية العلاقة بين سكان ماست وهذه القوافل التجارية: المعاملات النقدية والمبادلات التجارية والثقافية، الأعراف والقوانين المنظمة لهذه العلاقات، العقود والالتزامات، النظام السياسي وحركة هذه القوافل، إلى أين تتجه ومن أين تأتي...
وتجدر الإشارة إلى أن بعض سكان المنطقة يطلقون اسم taàarast n iraman على هذا المسلك إشارة إلى الوسيلة التي كان يتوسل بها التجار لنقل بضائعهم. والمثير للانتباه هو أن لفظ tabrida أوabrid الذي يجمع على ibridn أو iberdan الذي يعني الطريق / المسلك، الطرق / المسالك لفظ غير متداول في ماست ككل مما يحيل على القدم التاريخي على عكس taàarast n iraman الذي يبدو أنه اسم حديث.
وللإشارة، يوجد مكان آخر بمنطقة ماست بمدشر تيكمي لجديد يطلق عليه Tabrida wgllid أي مسلك أو طريق الملك، تأريخا لحدث مرور السلطان الحسن الأول من ماست.
Tamlalt yyṛaman 4
يطلق هذا الاسم على مسلك يقع بمدشر Tasila بجماعة ماست. ويشير السكان المحليون إلى أن سبب هذه التسمية راجع إلى أن هذه الطريق كانت سبيلا تسلكه الجمال نحو المراعي. وهذا المركب الاسمي يتكون من: Tamlalt - ( t----t ) وهو تذكير ل amlal الذي يعني الرمل ويجمع على imlaln / timlalin . ونعتقد أن صيغة المفرد المؤنث لها دلالة كبيرة هاهنا حيث تؤكد التقليل والندرة الشيء الذي وقفنا عليه حين زيارتنا لعين المكان حيث تبين أن لا وجود نهائيا للرمال لأن المنطقة منطقة أحراش.
- حرف النسبة أو الإلحاق المحذوف n والذي عوض عنه بظهور حرف y المشدد لأن الاسم يبدأ بحرف i- وهذه ظاهرة صوتية معروفة في الأمازيغية حيث يحذف حرف الإلحاق في اللغة الشفوية.
- iyraman جمع ل aram أو ar3m ويعني الجمل / الجمال. وهذا الحيوان يستعمل كوسيلة للنقل والتنقل عبر الصحراء.
مما يعني أن المركب الاسمي يدل على مسلك الجمال.
ونشير هنا إلى القيمة الدلالية التي يحملها هذا الطوبونيم باعتبار أنه يحيلنا مباشرة على أن سكان المنطقة عامة كانوا من مربي الجمال.الشيء الذي انقرض منذ ستينيات القرن الماضي كما تخبرنا الرواية الشفوية.
Aàaras idran 5
اسم يطلق على ممر يقع بين Aàbalu و Actukn وهو عبارة عن طريق واقعة بين هضبتين مما منحه صفة العمق التي يؤشر عليها الاسم المذكور الذي يعني: الممر العميق. وهو مركب اسمي مكون من اسم aàaras أي الطريق وصفة مشبهة idran الذي يعني العميق والمشتق من الفعل dru، idra أي عمق.
ونشير هنا إلى أن استعمال هذا المركب الوصفي للدلالة على هذا الشكل الجغرافي إنما يرجع إلى النسيان الجماعي للفظة tizi الشديدة الاستعمال في المناطق الأطلسية للدلالة على الطريق التي تقع بين جبلين (Tizi n Ticka , Tizi n Tasst).
المياه والعيون
Asif Mmasst / Asif Wwalàas 6
يطلق هذا اللفظ على النهر الكبير الذي يخترق منطقة ماست والذي ينبع من الأطلس الصغير ويصب في المحيط الأطلسي. يتميز هذا النهر بثرواته المائية والحيوانية الهائلة. يتكون المركب الإضافي من اسمين الأول: Asif ويعني النهر ويجمع على isaffn .مؤنثه tasift. الثاني: alàas الذي أفادت الرواية الشفوية انه مجموع الأشياء الطبيعية (رواسب، طمي، تربة) التي يحملها النهر أثناء حالة الفيضان.ونعتقد أن ما يؤكد هذا الأمر هو الاسم الذي ما زالت تحمله التربة الطينية النهرية المشبعة بالماء: aslàaà.
Mmu Tbrbalt
يطلق هذا الاسم على منطقة شاطئية تقع شمال مدشر سيدي بوالفضايل على الساحل الأطلسي. ويتكون من لفظتين هما: mmu التي ذكر محمد شفيق في معجمه أنها أداة للانتساب ونضيف أنها للمؤنث ومذكرها bu. taberbalt وهي نبات مشهور بمنطقة ماست.وسميت هذه المنطقة الصخرية الشاطئية بهذا الاسم لتواجد هذا النبات بها. لكن المثير للانتباه أن الذين أطلقوا الاسم جعلوه مؤنثا ولم يقولوا مثلا tberbalt bu ونعتقد أن النسبة هنا تعود إلى tasga التي تعني الجهة. ليكون معنى العبارة تبعا لذلكTasga mmu tbrbalt أي الجهة التي يتواجد بها نبات tabrbalt.
Bu Tasra 7
ينسحب هذا العلم على منطقة بحرية شديدة الانحدار جنوب مدشر سيدي بوالفضايل. وهو على لفظتين Bu وهي للدلالة على النسبة إلى المذكر كما قلنا سابقا أما tasra فهي نوع من النبات يتواجد بكثرة في الأماكن الجافة. وهنا تبدو علة هذه التسمية واضحة.وهنا يتضح لنا مدى الأهمية القصوى لعلم النبات la botanique في شرح وتفسير أسماء الأماكن.حيث يجعلها الأمازيغي علما من أعلام الأمكنة التي يرتادها لملازمتها الدائمة لها. والملاحظ أن جل النباتات التي تستعمل استعمالا مضاعفا أو استعاريا هي من النباتات غير الموسمية، حيث أنها تكون حاضرة بالمكان طوال السنة.
Imi yiàzer 8
يطلق هذا الاسم على منطقة بحرية صخرية وتتكون من لفظتين هما Imi و” تقال لفم الإنسان والحيوان بل وحتى لفتحات الجمادات، وتعني مدخل الشيء ومخرجه، ولهذا تطلق على مصب النهر، أو مخرج طريق... وتقال كذلك لأبواب ونوافذ المنازل والخيام والقصور... كما تسمى بها مداخل القرى والمدن ومخارجها مثل Imi yàrm أوImi Wgadir الذي ترجم حرفيا إلى العامية بفم الحصن، وتطلق كذلك على فتحات الأدوات من صناديق وغيرها وعلى منافذ الجسم من الأذن والأنف وعلى الفتحات من كل نوع، ذلك لأن تصور الأمازيغ للطبيعة مستمد من تصورهم للجسم البشري ل²ا استعملوا أسماء الأعضاء البشرية لأنسنة الطبيعة..” ( المصطلحات الأمازيغية في تاريخ المغرب وحضارته. تحت إشراف محمد حمام ص 56).
yiàzer يطلق على الوادي أو الشعبة الصغيرة. ونلاحظ أن الاسم يحمل علامة الإلحاق y التي تعوض حذف حرف الإلحاق n. ونرى أن علة التسمية ترجع إلى كون المنطقة مصبا لشعبة طويلة تخترق منطقة الزور الواقعة بين الضفة الغربية والمحيط الأطلسي. وبذلك يكون الاسم وفيا للشكل الجغرافي الذي يميز المكان.
استنتاجات
من الناحية اللغوية، نرى أن أسماء الأماكن المدروسة كلها أسماء أمازيغية صرفة، مما يدل على أن الساكنة الماسية متشبثون بلغتهم من جهة وأن هذه الأخيرة سليمة لم تشبها تأثيرات لغات أخرى حيث انعدام الأسماء الدخيلة.
وتتميز أسماء الأماكن الواردة في هذا البحث ببعض الخصائص الصوتية العامة التي تميز اللغة الأمازيغية بكل فروعها، خصوصا التغيرات التي يحدثها الإلحاق في بداية الأسماء. فإذا ابتدأ الاسم بالفونيم a- فهو يتحول إلى w مشدد أو قليل التشديد أحيانا، كما لاحظنا في المركبين الاسميين Asif Wwalàas و Asaka wḍar أما إذا ابتدأ ب i- فينقلب y مع التشديد كما لاحظنا في Tamlalt yyṛaman و Imi yyiàzr.
كما عايننا ظاهرة صوتية أخرى وهي المماثلة وتسم الأسماء التي تبتدئ بصوامت مثل Asif Mmasst أصلها Asif n Masst حيث أثر الميم على النون وأدغم الثاني في الأول. وظاهرة المماثلة ظاهرة عامة في كل فروع اللغة الأمازيغية و تحدث أساسا عند الإلحاق.
من الناحية الصرفية والتركيبية، تتكون أسماء الأماكن المدروسة من مختلف التركيبات و أهمها:
- أسماء مفردة: Amadl، Asawn، Tabrida
- أسماء مركبة: وصيغ التريب هنا مختلفة.
* التركيب الوصفي: ويتم بزيادة bu للمذكر او mmu للمؤنث: Bu Tasra،:Mmu Tbrbalt. كما يصاغ بزيادة صفة مشبهة على الإسم لتدقيق الوصف والمعنى مثل
Aàaras idranوقد استعملت الصفة المشبهة لوصف عمق المسلك أو الطريق وبالتالي تدقيق وتمييز طبيعته.
* التركيب الإضافي: يتم بربط إسمين بحرف الإضافة يجعل الاسم الثاني في حالة إلحاق ويسبب في تغيرات صرفية تظهر في بداية الأسم أو على الصائت الأول بعد T- إن كان مؤنثا: Asaka wwḍar- Asif Wwalàas- Tamlalt yyṛaman أو أضيفت إليه كلمة أخرى وصفية مثل: Mmu Trbalt.
كما مكنتنا هذه الدراسة البسيطة لنماذج أسماء الأماكن المقدمة في هذا البحث من الوصول إلى مجموعة من الاستنتاجات التي نعتبرها ضرورية من أجل الإحاطة ببعض الجوانب التي يعتمدها الوعي أو اللاوعي الجماعي من أجل إطلاق الاسم على المكان باعتبار هذه العملية خاضعة لنسق فكري معين من خلاله يتمكن الباحث من العبور نحو فهم رؤية المجموعة البشرية المعنية للعالم المحيط بها وكذلك إلى قيمة الأرض والإنسان والحيوان والنبات وقوة أو رمزية الحدث التاريخي والرمزية الجماعية أو انطولوجيا الماوراء.
من هذا المنطلق نستطيع أن نقول بأن الذاكرة الجماعية المشتركة بماست تنهل من الحقول التالية:
· التضاريس والشكل الجغرافي: Asaka، Amadl، Asawn, Tamlal، Asif idran، Iàzer، Tamlalt، Alàas.
· الأعضاء البشرية: aḍar , Imi
· الغطاء النباتي: tabrbalt , tasra
· الثروة الحيوانية: iraman
ونستخلص مما سبق التنوع الكبير للمصادر التي ينهل منها الإنسان الأمازيغي بالمنطقة الصور التمثلية والدلالية التي توظف توظيفا مضاعفا لتحمل في الأخير مجموعة من الحمولات الدلالية التي قد تبقى وفية لمعناها الأصلي فلا يكون استعمالها استعمالا مجازيا أو استعاريا، وهذا شأن الأماكن التي تحمل أسماء لوضعيات جغرافية معينة ومعروفة.لكنها قد تنحرف عنه لتدل على وظائف اسمية ثانوية أو جديدة. وفي كثير من الأحيان تتعرض الدلالات الأصلية الأولى للنسيان الجماعي وبذلك يستأثر المكان بالدلالة المستقلة الثانوية خاصة إذا تعلق الأمر بأسماء بعض المهن أو وسائل الإنتاج التي تتغير بتغير الأنماط الإنتاجية والعادات والسلوكات الاستهلاكية أو أسماء النباتات أو المؤسسات الاجتماعية التقليدية والعرفية...
خـاتمة
إن المناداة بإعإدة كتابة التاريخ المغربي بأقلام نزيهة وعلمية كفيلة برد الاعتبار للشخصية المغربية ودورها الكبير في بناء الحضارة بشمال إفريقيا. وفي هذا الصدد لابد من القول بأن اللغة الأمازيغية تمنح للباحث إمكانات هائلة تساعده على تكوين رؤية واضحة للمجتمع الأمازيغي ومختلف الأحداث التي كان وراء صنعها أو التي كانت أرضه مسرحا لها. إن اللغة هي الحاملة للتاريخ والحضارة وهي مرآتها ولسانها، ومن ثم فإن البحث التاريخي بهذه البلاد يقتضي أولا الإلمام بالمحيط اللغوي والثقافي الأمازيغي. ونشير إلى أن الطوبونيميا أداة كبرى لحفظ اللغة والتاريخ والحضارة. إنها الذاكرة الجماعية في صورة حية وناطقة. ومن ثم يصبح مجال البحث الطوبونيمي نافدة أخرى على التاريخ بمختلف تجلياته: اللغوي والسياسي والحضاري. إنه مساهمة بناءة في محاولة الإحاطة بجوانب من التاريخ الكبير للإنسان الذي سكن ويسكن المنطقة مند الأزل في اتجاه بناء الشخصية الجماعية القادرة على اقتحام المستقبل.
المراجع
-محمد شفيق، المعجم العربي الأمازيغي، 3 أجزاء، منشورات أكاديمية المملكة المغربية، 1998-1991.
-علي صدقي أزايكو، نماذج من أسماء الأعلام الجغرافية والبشرية المغربي، مطبعة المعارف الجديدة، منشوارت المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، 2004.
-المصطلحات الأمازيغية في تاريخ المغرب وحضارته، تحت إشراف محمد حمام، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.
-الطبونيميا الفرنسية بالمغرب، بحث جامعي من إنجاز عبدالصمد بصير، تحث إشراف الدكتور أحمد الهاشمي، السنة الجامعية
-الأماكنية المغربية، نماذج من منطقة ماست، بحث جامعي من إنجاز نعيمة بويسركا و فطيمة إذالفقيه، تحت إشراف الدكتور أحمد الهاشمي، سنة 2005-2006.
-Lhoussain Rachid, Tatouage de la mémoire, repères amazighes dans la culture marocaine, publication de l’Ircam, traduction de Saadia Ait Taleb, Imprimerie Almaàrif Aljadida, Rabat 2005.
-R. Delort, Introduction aux sciences auxiliaires de l’histoire.
-CH. Rostaing, Les noms de lieux.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق