قراءة في كتاب:
طائفة اليهود بمجتمع مدينة الجزائر
ما بين (1700- 1830)
من خلال سجلات المحاكم الشرعية
المؤلفة: الأستاذة نجوى طوبال
الطبعة: الأولى - 2009
عدد الصفحات: 460
مؤسسة النشر: دار الشروق لطباعة والنشر والتوزيع
عرض الباحثة: حفيظة بن دحمان
الكتاب في الأصل دراسة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في تخصص التاريخ الحديث تمت مناقشتها بقسم التاريخ -جامعة الجزائر- سنة 2005، وقد خصّت بالبحث فئة هامة طالما لعبت أدوارا حساسة وخطيرة في تاريخ الجزائر ألا وهي طائفة "اليهود"، وفي هذا الكتاب نتعرف على أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية في مدينة الجزائر خلال قرن ونيف من الزمان، انطلاقا من استقراء واستنطاق الباحثة لكم هائل من وثائق المحاكم الشرعية، متبعة في ذلك منهجا تاريخيا متكاملا من المقارنة والتحليل إلى التركيب والنقد والاستنتاج، احتوت الدراسة على مقدمة وفصل تمهيدي، متبوع بثلاثة فصول وأخيرا خاتمة ذُيّلت بملاحق تتعلق بنماذج عن الوثائق التي قامت عليها الدراسة.
* وثائق اليهود بسجلات المحاكم الشرعية
استغلت الباحثة هذا الفصل كمدخل للدراسة، حيث تناولت - في جزء منه- التعريف بنظام أهل الذمة الذي يعتبر الإطار القانوني لتواجد اليهود في بلاد المسلمين، وبناء عليه تمتعوا بحقوق لم يعرفوها في البلاد الأوروبية، وهذا النظام سهل عليهم ممارسة شعائرهم ونشاطاتهم الاقتصادية والاجتماعية.
وتطرقت - في جزء آخر- إلى وثائق المحاكم الشرعية من حيث أهمية الاعتماد عليها في إعادة كتابة التاريخ المحلي، وكذا أنواع العقود المشتملة عليها، طبيعة المواضيع التي عالجتها، وطرق جمعها واستغلالها في موضوع البحث، وزودت ذلك بجملة من الإحصائيات والملاحظات الدقيقة التي تعكس حجم الجهد المبذول والحرص على الاستغلال الجيد لهذا الرصيد الضخم.
* اليهود في المدينة
عرف اليهود هجرات متتالية إلى مدينة الجزائر منذ القرن الرابع عشر إلى غاية الثامن عشر الميلادي، تتبعتها الباحثة في هذا الفصل ووقفت على أهم أسبابها، منها ما هي اختيارية وتتعلق بممارسة التجارة مثل افتداء الأسرى وتجارة الغنائم البحرية التي اشتهر بها اليهود الليفورنيون، ومنها الاضطرارية التي ترجع إلى اضطهاد الإسبان لهم بعد سقوط الأندلس؛ ومهما يكن من أمر فقد أكدت الدراسة مدى التسامح الديني الذي عوملوا به، بالإضافة إلى الامتيازات التي حظوا بها في سائر البلاد العثمانية ومنها مدينة الجزائر.
وتمكنت الباحثة من التعرف على أصول اليهود والمناطق التي وفدوا منها بالاعتماد على الأصول اللغوية لألقاب سبع وثلاثين ومائة (137) عائلة يهودية تواجدت فعلا بمدينة الجزائروأثبتت حضورها بعقد مسجل لدى القاضي الشرعي، وأبرزت الباحثة - من خلال المدونة التي قدمتها- وجود التنوع العرقي ليهود مدينة الجزائر، مع ضرورة الإشارة إلى غلبة الألقاب العربية على باقي الألقاب وفُسّر ذلك بتأثر اليهود بالمسلمين والتشابه اللغوي بين العربية والعبرية بحكم أنهما من اللغات السامية.
وفي المبحث الثاني رصدت الباحثة مختلف العقارات التي ملكها اليهود بمدينة الجزائر بغرض تحديد أماكن إقامتهم في المدينة، ودحض فكرة الانغلاق الاجتماعي لليهود التي روجها الغربيون؛ وتوصلت إلى التأكيد على وجود حارة لليهود بمدينة الجزائر، غير أنهم لم يتقوقعوا بها، حيث أحصت لهم عدة ملكيات تتوزع عبر عدة مناطق في المدينة، وأشارت إلى أن اليهود فضلوا الإقامة بالجزء السفلي للمدينة والأسواق، ولا يخفى ما لهذا الأمر من دلالات سياسية واقتصادية غير أن الدراسة لم تفصّل فيها.
وتم إحصاء بعض أماكن إقامة اليهود مثل سبع لويات، زنقة الجرابة، حومة البوزة... السوق الكبير، سوق العطارين... وفي كل هذه الأماكن عاشوا جنبا إلى جنب مع المسلمين، وإن دل هذا التفتح والتنوع على شيء فإنما يدل على مدى الحرية التي تمتع بها اليهود في مدينة الجزائر عكس ما تروّج له المصادر الغربية.
* مظاهر من الحياة الاجتماعية
تتابع الباحثة في هذا الفصل إبراز صور أخرى من حياة اليهود في مدينة الجزائر، حيث نجدها تنزل على العائلة اليهودية لاستجلاء بعض عاداتها وتقاليدها من خلال ما تَوفَّر لها من إشارات في مختلف العقود، وتمكنت من إبراز ملامح للحياة العائلية مثل عادات الزواج و الطلاق ومكانة المرأة داخل الأسرة، مع الإشارة إلى التطورات التي طرأت على هذه العادات لدى يهود مدينة الجزائر بفعل احتكاكهم وتأثرهم بالمسلمين فيها.
وحاولت التأكيد على أهمية دور المرأة اليهودية من خلال إبراز صورتين عن وضعها داخل الأسرة، أولاهما صورة الأم الحاضنة المسؤولة عن رعاية أبنائها بعد وفاة زوجها، والثانية صورة المرأة المالكة للعقارات.
وبأسلوبها المشوّق تتوغل بنا الباحثة في أعماق الأسرة اليهودية من خلال تعداد أفرادها وإبراز مكانة الابن الأكبر فيها، والتطرق لتفاصيل الحمل والوضع، بالإضافة إلى تسمية المولود وختانه في اليوم الثامن من مولده تأسيّا بسنة النبي إبراهيم (عليه السلام)...
كما تتعرض لعنصر هام في حياة الأسرة اليهودية يتعلق بانتقال الملكية بين اليهود وتوزيع حصص التركات على الورثة، ورغم توصلها لتوضيح بعض حقوق العائلة اليهودية، إلا أنها تعترف بصعوبة البحث في هذه النقطة بالذات بفعل اصطدامها بعائق غياب المصادر المحلية التي تتناول ذلك.
وحاولت من جانب آخر رصد الخصومات والنزاعات بين اليهود والمسلمين لاستخلاص مظاهر من الحياة اليومية لليهود من جهة، والتعرف على واقع المعاملات بين الطرفين من جهة أخرى، وبناء عليه أوردت عدة نماذج للقضايا المتعلقة بهذه الخصومات سواء كانت حول الدور أو المحلات التجارية، وتوصلت إلى القول أن الفصل في القضايا كان يستند إلى الشريعة الإسلامية، مع ملاحظة استفادة اليهود من أحكامها السمحة.
ولا تكتمل صورة الحياة الاجتماعية – بالنسبة للباحثة- بدون التطرّق للتّنظيم الداخلي للطّائفة اليهودية، فمن خلاله يمكن فهم الذهنية اليهودية وتفسير الدور الحساس الذي لعبته هذه الطائفة سياسيا واقتصاديا، واستفادت الباحثة من وثائق المحاكم الشرعية وبعض مصادر اليهود في رسم هيكل تنظيمي للطائفة الذي وصفته بالتنظيم المحكم وجاء في شكل هَرَم، نجد في أعلاه " مقدّم اليهود " الذي يعيّنه الدّاي، ويتسع ليشمل مجلس الطائفة والمحكمة الحاخامية وشرطة الطائفة، ومنه نلاحظ أنّ طريقة تسيير شؤونهم العامة حظيت بنوع من الاستقلال وتمت وفق ما تقتضيه شريعتهم.
* طبيعة المعاملات والمتعاملين
فإذا خرجنا إلى الفضاء الاقتصادي للمدينة نجد الطائفة اليهودية منتشرة عبر ثلاثة محاور أساسية: الأسواق، السويقات والأحياء السكنية، وفي هذا الفصل الأخير من الدراسة تتعرض الباحثة للنشاطات الاقتصادية التي مارسها اليهود في مدينة الجزائر، والأطراف التي تعاملوا معها، وبموجب الحرية التي تمتعوا بها نجدهم اشتهروا في الصنائع والحرف فاحتكروا الصياغة، وبرعوا في العطارة والقزازة، واشتغلوا في الخياطة وغيرها... كما برزوا في النشاطات المالية والتجارة، ونمت أموالهم واستثماراتهم لدرجة احتكار تصدير المواد الهامة والأساسية في البلد مثل الحبوب والجلود والأقمشة والحرير وغيرها...
وعن المعاملات والمتعاملين فقد تعامل اليهود مع المسلمين بالنقود، وبوسائل أخرى كالقروض والمعاوضة والبيع بالمزايدة والبيع بالأجل والوكالة، وقد عرّفت الباحثة كل نوع من هذه الأنواع واستدلّت بأمثلة واقعية عن ذلك من الوثائق.
وحاولت – من خلال البحث في شبكة المتعاملين الاقتصاديين- رصد مدى الاندماج الاجتماعي لليهود مع غيرهم، وتوصّلت -من خلال دراستها لشتى عقود المعاملات- إلى تحديد الفئات التي تعاملت مع اليهود، حيث نجد ضمنها الطبقة الرسمية والطبقة الشعبية على حد سواء بدءا بالحكام (الدايات)، مرورا بموظفي الجهاز الإداري سواء كانوا من الإدارة المركزية أو المحلية (البيالك) أو من المؤسسة العسكرية، ووصولا إلى التجار والحرفيين وأعيان المدينة، بل حتى النساء المسلمات تعاملن مع اليهود.
وتقول الباحثة أن هذا التنوع في المتعاملين يدل على تمكن اليهود من نسج شبكة علاقات اقتصادية واجتماعية واسعة ومتنوعة، وربما لم يكن في صلب الدراسة أن تتطرق إلى الأسباب التي أثرت في ذلك، وحتى إن افترضنا أنّ مرونة القوانين وبساطة الأنظمة -المعمول بها أنذاك - لها تأثيرها في الموضوع، فإن المجال يبقى مفتوحا لإيجاد تفسيرات أكثر دقة وإقناعا..
قد يختلف القراء في تقييم هذا الكتاب، ولكن هذا لا يمنع من القول أنه يشكّل إحدى التوجّهات الجديدة في إعادة كتابة التاريخ المحلي انطلاقا من الأصول، ورغم اقتصار الدراسة على مجالات محددة تتعلق بحياة اليهود وممارساتهم اليومية دون الخوض في أبعاد وآثار النتائج التي توصلت إليها الباحثة، إلا أنها أضافت صرحا جديدا في البناء التاريخي، ووُفقت في استثمار وثائق المحاكم الشرعية للاستدلال بها ومنها على الحياة الاجتماعية والاقتصادية للفئة محل الدراسة، وهذا في حد ذاته يشكل إنجازا مهمّا يستحق التثمين، غير أن هذه النتائج الأولية تحتاج إلى قراءات أخرى لتدعيمها بتحاليل جديدة.
وجدير بالتنويه أنه رغم حداثة عهد الباحثة في التعامل مع الوثائق، إلا أنها أبدت تفاعلا إيجابيا معها، وأظهرت مدى تحكمها في ناصية الوثيقة التي طوعتها وروضتها حتى استخرجت منها معلومات جديدة وتعاريف مفيدة وإحصائيات وقوائم عديدة شملت مثلا أسماء القضاة والمقدمين والعائلات اليهودية... حتى أننا في بعض الأحيان نشعر أن هناك علاقة حميمية قوية جمعت بين الباحثة وهذه الوثائق!
ورغم ذلك، وأمام هذا الزخم من المعلومات، نجد الباحثة محايدة في استنتاجاتها، موضوعية في أحكامها، فلا نلمس منها تحاملا أو تجريما أو اتهاما أو ما شابه ذلك في حق الطائفة المدروسة، كما لا نجد عكس ذلك، بل نلمس جليا مدى تقيدها بمقاييس البحث العلمي والحقيقة التاريخية، وهو ما يشهد لها بالموضوعية والنزاهة العلمية.
للامانه الموضوع منقول
عن يهود الجزائر
هنا
http://www.4shared.com/file/138646771/45...nline.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق