مدونة تهتم باللسانيات التداولية التفاعلية الاجتماعية تحاول ان ترسم طريقا مميزا في معالجة الاشكالات المعرفية المطروحة في هذا النسق العلمي بالمناقشة والرصد والتحليل والمتابعة
الجمعة، 22 أبريل 2011
في جامعة غرداية
في جامعة غرداية
الاثنين, 23 أغسطس 2010 11:30 د. أبو القاسم سعد الله
لم تكن غرداية حين زرتها أول مرة في السبعينات ولاية وليس فيها جامعة، أما الآن فقد حَظِيَّت بالاثنين، وهي تزداد اتساعا وأهمية كل عدة سنوات.. كانت مدن بني مزاب السبعة متباعدة ومحصورة في واد قليل الزرع. أما الآن فمدنها قد عمرت وأصبحت متقاربة بل متصلة بفضل وسائل النقل والطرق الجديدة، وبعضها يشار إليه في الطريق العام إشارات بارزة، وقد خاض أهل وادي ميزاب تجربة فيضان رهيب منذ عدة شهور أهلك الحرث والنسل والساكن والتحرك، وما تزال آثاره بادية.
لقد امتدت غرداية في كل الاتجاهات ولم يحل دون تمددها جبال وعرة ولا تلال عالية ولا منعرجات خطيرة ولا رمال متحركة. وما بين المدينة القديمة والمركز الجامعي والمطار مشاريع إسكان وزراعة ومؤسسات حكومية ذات تأثير في الاقتصاد الوطني والمحلي، ومنها معهد الطاقات المتجددة.
وحين يرى المرء هذا المعلم يسأل: من قال إن الجزائر تعيش بدون مشاريع وبدون تخطيط؟
ولم أكتف هذه المرة بغرداية ومحيطها ومدنها السبعة (عدا القرارة وبريان) كما فعلت في المرات السابقة، بل ذهبت إلى متليلي وإلى زلفانة أيضا، وكنت أرغب في زيارة المنيعة (القليعة) ولكن ضيق الوقت لم يسمح لي باستكمال الهدف. كنت أظن أن متليلي بعيدة وأنها واحة معزولة بالصحراء الشاسعة وأن أهلها ما يزالون مادة خاما كعهدنا بهم أيام بني هلال الأشاوس والثورات التي شهدتها المنطقة على يد المقاوم بوشوشة والفارس المغوار ناصر بن شهرة والشريف محمد بن عبد الله (شريف ورقلة). ولكنك ستعرف أن متليلي أصبحت قريبة من قطبين جديدين هما المركز الجامعي ومطار مفدي زكرياء، وأنها أصبحت في الحقيقة مدينتين قديمة وجديدة لا مدينة واحدة، وأن الطبيعة التي حصرتها بين الوادي والجبل لم تمنعها من التطور ودخول العصر الحديث. ومن الطريف أنني عندما تحدثت مع عائلتنا عن زيارتي للمنطقة اكتشفت أن أحد أبناء عمومتي (عبد الرحيم) كان من رواد التعليم في متليلي سنة 1963.
دعوة قديمة ملحة
في كثير من الأحيان كان بعض أساتذة جامعة الجزائر الذين يتعاونون مع المركز الجامعي في ولاية غرداية يبلغونني رغبة أساتذة المركز وإلحاح طلبته لزيارتهم وإجراء لقاء علمي معهم. فكنت أعد وأعتذر لظروف صحية ومهنية. وقد أحسست هذه المرة، وقد عولت على زيارة بعض ولايات الجنوب، أن الوقت قد حان لتلبية رغبة الداعين.
بعد مراسلات مع مسؤولي المركز توجهت إلى المطار في اليوم الموعود فوجدت الدكتور شكيب بن حفري وأستاذا تركيا من جامعة مرمرة اسمه صالح ترك، مسافرين أيضا إلى غرداية في نطاق ندوة عن تاريخ البحر الأبيض المتوسط دعا إليها المركز الجامعي، فكانت رفقة علمية متميزة. والأستاذ بن حفري أحد طلابي الباحثين عن علم وتفرغ في التاريخ العثماني والبحر الأبيض المتوسط، وهو ذاهب ليغطي مادتي اللغة العثمانية والإسبانية لطلاب المركز، ولذلك فهو كثير التردد على ولاية غرداية.
وفي انتظار إقلاع الطائرة، تقدم مني شاب متهندم يبدو أنه يعرفني ولا تبدو عليه هيئة مسافر وقدم لي نفسه على أنه من الأغواط، وذكرني بأنه كان أحد طلابي بجامعة الجزائر في السبعينات، ثم تحول منها إلى المدرسة الوطنية للإدارة، وقال إنه الآن مسافر إلى ولاية غرداية لأنه يعمل في إدارتها منذ سنوات، وعندما سألته عن اسمه، قال: جمال خنفر. ولما عرف مهمتي تولى شؤوني بنفسه.
وصلنا مطار غرداية الحامل الآن لاسم الشاعر مفدي زكرياء، وسأل صاحبي المستقبلين لي من المركز الجامعي عن الفندق الذي اختاروه لي فبدا عليه عدم الرضا به، ويبدو أنه أقنعهم بأن ذلك ليس من مقامي، واقترح عليهم أن يأخذني إلى إقامة الولاية، وغدا لناظره قريب.
وهكذا أخذني معه في سيارته الفخمة إلى مقر الولاية، وأسكنني غرفة فاخرة في الإقامة الرسمية، ثم كلف صاحب المطعم بأن يعد لي وجبة مناسبة لحميتي، رغم تأخر الوقت، ثم ودعني إلى الغد. ولما خلوت لنفسي وتأملت في المكان وجدته جناحا كاملا (سويت) ولكنه معزول عن الحركة منقطع عن الناس. وقد لاحظت أن الجناح رغم اتساعه وتأثيثه الفاخر ظل فيما يبدو مغلقا لفترة طويلة فكانت هواؤه ثقيلا. وكان الليل والسكون قد ضربا أطنابهما على المكان، فقضيت ليلتي متطلعا إلى إشراقة الصباح.
ومنذ صحوت عولت على الانتقال من الإقامة الرسمية إلى حيث الأساتذة الضيوف على المركز، فجمعت ما فرقت من حاجاتي وتوجهت بحقيبتي الخفيفة إلى المطعم حيث تناولت فطورا خفيفا، ثم جاءت سيارة المركز الجامعي فحملتني أولا إلى حيث كان الطلاب في انتظاري لأحاضرهم. وقد هتفت لصاحبي جمال خنفر شاكرا فضله، وأخبرته أنني غادرت الإقامة وعن خطتي في باقي الأيام. وكدت أذكره بقول الأعرابية:
لبيت تخفق الأرواح فيه أحب إليَّ من قصر منيف
وبعد الانتهاء من المحاضرة الأولى أخذوني مع بعض الأساتذة إلى فندق يقع على هامش مدينة غرداية يدعى (بالاص)، وتكاد غرفه أن تكون شاليات مفتوحة على الهواء النقي، وفيه مسبح ومطبخ، وأشجار وأزهار ربيعية جميلة وتحيط بالفندق مجموعة من التلال غير المشجرة. وقد ذكرني شكله بنوع (الموتيل) الأمريكي الذي يأوي إليه المسافرون في الطرقات البعيدة ومداخل المدن. وخيروني بينه وبين عدة فنادق أخرى لم أرها فاخترت (بالاص) حسب نصيحة الزملاء، وكنا فيه ثلاثة.
أما الغداء فقد تناولناه في إحدى قاعات المركز الجامعي، وهو غداء جاهز جيئ به من أحد المطاعم المتخصصة في الطهي حسب الطلب. أما الفطور والعشاء ففي الفندق الذي نزلت في غرفته رقم 9. وحين ذهبت إلى زلفانة وجدت فرعا للفندق بنفس الاسم.
في اليوم الثاني ألقيت محاضرتي على الطلاب وقد دامت حوالي ساعتين، ثم توجهنا إلى القاعة الكبرى بالمركز حيث ينعقد ملتقى (البحر المتوسط في التاريخ)، وقد حضره الأساتذة والسلطات المحلية وجمع من الطلبة، وطلبوا مني إلقاء محاضرة (هكذا) افتتاحية، فاعتذرت عن "المحاضرة" واقترحت أن أجيب على أسئلة السائلين في جلسة مفتوحة. ولعل إخواننا يعتقدون أن مثلي لا يصيبه العياء ولا يحتاج إلى تحضير أو كتب، وأنني من صنف بعض شيوخنا القدامى، حين يصعد الواحد منهم المنبر ويأخذ في شرح آية أو حديث في شكل خطبة وعظية.
ومهما كان الأمر فقد كان اللقاء العلمي الذي حاولت الإجابة فيه على أسئلة السائلين. ولما انتهيت انتقلوا - بدون إعلامي مسبقا - إلى جلسة كرموني فيها تكريما سخيا، فألقوا فيها كلمات ربما لا أستحقها، ولكني أشكر الله وأشكرهم عليها، وقدموا لي هدايا وشهادة، وقد تخلل ذلك التقاط الصور. وأريد أن أنوه بالإخوان الذي جاؤوا خصيصا من الجلفة ومن تيارت للقائي وإهدائي بعض الكتب...
وقد سلمني آخرون مجموعة من الكتب المحلية وأعدادا من مجلة (الواحات) التي يصدرها المركز الجامعي، وهي الآن في عددها السادس. وأطرف ما أهدي إلي بعض التمر، قال لي هاديه وهو أحد الطلاب: إنه تمر غرداية، فشكرته، وقلت له يا بني ألم تعلم أنني أيضا من بيئة تنتج التمر، فهل نتبادله؟ والحق أنني وجدت فرقا في الطعم بين تمر وادي ميزاب وتمر وادي سوف.
أما الكتب المهداة لي فمنها ثلاث رحلات حجازية: الأولى رحلة الوارجلاني المتوفى سنة 1175م، ورحلة المصعبي المتوفى سنة 1817م، ورحلة القطب (الشيخ أطفيش) المتوفى سنة 1914م، وكلها رحلات شعرية درسها وحققها الأستاذ يحيى بن بهون. ومما يلاحظ أن رحلة القطب مبنية على مقصورة ابن دريد وحازم القرطاجني. أما الأستاذ أبو بكر بلقاسم ضيف فقد أهداني كتابين له، وهما مبادئى السالكين في شرح رجز ابن الياسمين لأحمد بن القنفذ القسنطيني، وكتاب تقييد على قراءة الإمام نافع.
استقبال رئيس المركز الجامعي
جمال الحي الجامعي لم يمنعني من إبداء ملاحظة للمسؤولين، وهم طبعا برآء مما أنجزه المهندسون والمقاولون. فقد دعانا السيد رئيس الجامعة، الدكتور محمد الطاهر حليلات- وهو من وادي سوف وكان أستاذا في جامعة ورقلة- إلى مكتبه في لقاء مجاملة. فكان علينا أن نصعد درجات كثيرة حادة الصعود والانحدار، وقد أوحيت إلى غيري أيضا بأن هذه الدروج مجعولة للشباب وليس للشيوخ.
ونحن حين نبني لا نفكر في كبار السن ولا غير القادرين على الصعود لأسباب مختلفة وإنما نتصور أن المعنيين بالصعود والنزول هم من الشباب أو الكهول القادرين عليها. أما المصاعد فقلما يفكر فيها المهندسون عندنا أو ينفذها المقاولون أو الشركات الخاصة. وقد حدثنا رئيس المركز الجامعي عن الكليات والأقسام ومختلف التخصصات وواقع الحال والطموحات، وهو مؤمن بتطوير المركز وتحويله إلى جامعة عندما تكتمل أدواته وقواها البشرية والتكنولوجية.
زيارة متليلي
ورغم ضيق الوقت فقد أبديت رغبتي في زيارة متليلي في نفس اليوم، فأنا أسمع وأقرأ عنها الكثير في كتب التاريخ وعن مشاركة أهلها في المقاومة ضد الاستعمار منذ منتصف القرن التاسع عشر. وعندما فشلت الثورات وقتل القادة أو نفوا وتغلغل الاستعمار في الصحراء تحول بعض أهل متليلي (الشعانبة) إلى "مداقنة" أو صعاليك الصحراء (على غرار صعاليك العرب) المعروفين في الأدب الشعبي العربي وأقضوا مضاجع الأعداء. ذهب معي الأستاذ شكيب بن حفري والأستاذ التركي في سيارة الجامعة. ومتليلي تبعد عن غرداية ب 65 كلم. وهناك متليلي الجديدة وهي تقع غير بعيد من المطار وفي الطريق المؤدي إلى متليلي القديمة. ومن يدري فلعل متليلي الجديدة ستصبح قطبا كبيرا في مستقبل قريب وتنزع الغبن والعزلة عن متليلي القديمة.
تاريخ متليلي لم يدون أنها مدينة أعيان وتجار ومركز علمي كما عرفت غرداية ومدنها المجاورة لانشغال أهل متليلي بالمقاومة والسياسة والسلطة والتجارة العابرة للصحراء. ولكنها الآن مدينة تعج بالسكان والباعة وبالمناظر الطبيعية الخلابة، ويبدو أن موقعها يجعلها محاصرة ولا يسمح لها بالتمدد والتطور، وهي أيضا تتميز بواديها الذي تحوط به أشجار النخيل.
ومع ذلك ففي متليلي آثار تستحق الزيارة. فقد صعدنا إلى جامعها العتيق الذي يرجع إلى القرن السابع الهجري، وهو يقع في منحدر حاد من الجبل، وقد تطوع أحد المتعلمين لم نكن نعرفه فصعد بنا إلى الجامع وأرانا بعض معالم متليلي الأخرى الواقعة في سهل وواد لا يكاد يجري لقلة المطر هذا العام. وقد استغربت من تصاعد الدروج إلى الجامع وتساءلت: كيف يمكن للشيوخ أن يصعدوا لأداء الصلاة. وعلمت بوجود زاوية غير بعيدة من الجامع تسمى زاوية سيدي قدور؟ ولكننا لم نذهب إليها لضيق الوقت.
وعندما نزلنا من منحدر الجامع إلى مستوى الشارع الرئيسي وجدنا ثلاثة رجال بلباسهم الأبيض وابتسامتهم المرحبة في انتظار هبوطنا، ويظهر من هندامهم أنهم من صنف المعلمين. قالوا إنهم رأوني صاعدا فظلوا ينتظرون على الرصيف لأنه لا منفذ آخر غير الشارع. وقد سلموا وسألوا وألحوا على شرب الشاي وحتى على العشاء والمبيت، ولكننا شكرناهم واعتذرنا لهم بارتباطاتنا.
وتوقف الأستاذان ابن حفري وصالح التركي لشراء فاكهة ولحم بعير، وبينما هم كذلك تقدم مني شخص كان على كرسي متحرك فتوقف عندي وتأكد أولا من هويتي، ثم أخذ يحدثني حديث متعلم، وقد علمت منه أنه متقاعد من التعليم وأنه يعمل حاليا في قسم التراث ببلدية متليلي، وأنهم يحضرون ندوة في هذا الموضوع، وترجاني أن أقبل دعوتهم وأحضر لنشاطهم في شهر يونيو، ولكني لم أعده.
لقد كان علينا أن نعود إلى غرداية لاقتراب الغروب. ولكننا أكلنا قبل المغادرة الباكور في متليلي أوائل شهر مايو، وهو الباكورالذي اشتراه صالح التركي. وبعد وصولنا إلى الفندق اكتفيت بالتفرج على زملائي وهم يتلذذون بأكل لحم الجمل الذي شواه لهم طاهي المطعم، كما اكتفيت بالجلوس معهم والحديث مع الأخ التركي الذي سألناه الكثير من الأسئلة عن أوضاع بلاده وسياستها الداخلية والخارجية في عهد حكم حزب العدالة والتنمية.
البحر المتوسط في التاريخ
وفي اليوم التالي (11 مايو) افتتح الملتقى الذي نظمه قسم التاريخ بعنوان (البحر المتوسط في التاريخ)، ولم أكن أعلم عن هذا الملتقى شيئا من قبل، وكل اتصالاتي السابقة مع المركز الجامعي كانت حول إلقاء محاضرات على الطلاب وإجراء لقاءات مع الأساتذة. ومع ذلك طلبوا مني إلقاء كلمة الافتتاح العلمي (أي بعد كلمات الرسميين). كان ذلك في نظرهم تكريما ومبالغة في الاحترام.
وقد حاولت التمنع ولكنهم ألحوا فألقيت كلمة تضمنت محطات من تاريخ البحر الأبيض المتوسط ومنها كونه بحيرة صراع منذ العهد الفينيقي والروماني إلى عهد الأسطول السادس والاتحاد المتوسطي. وحاولت أن أذكر الأسباب التي جعلت الدول الإسلامية عموما لا تهتم بالأساطيل مما تسبب في سيطرة أوروبا في عصر الكشوفات الجغرافية على مضايق البحار وأعاليها والتحكم في التجارة العالمية، وهو التطور الذي أسهم في عزل وتخلف المسلمين.
وعقب هذه الجلسة الصباحية تناولنا الغداء بنفس طريقة الأمس. ثم رجعنا لاستكمال نشاط الندوة، وكانت الجلسة برئاسة الأستاذ الطاهر بن علي الذي أخجلني بإطرائه لشخصي. وعقب انتهائها توجهنا –كما طلبت- إلى زلفانة. وكنت أرغب في زيارة المنيعة أيضا ولكنهم أفهموني أن الوقت لا يكفي هذه المرة، واعتبروها زيارة مؤجلة، لأن المنيعة تبعد عن غرداية حوالي 300 كلم.
زيارة زلفانة
زلفانة الآن دائرة إدارية، وقد أصبحت بلدة كبيرة، وهي تتميز بحماماتها وفنادقها ونخيلها وبسعة شوارعها وانبساط أرضها. كان معنا الدكتور عمرو بن خروف الذي اغتنم الفرصة واستحم في أحد حماماتها المعدنية. واكتفينا نحن بجولة في البلدة، فرأيت نظام حماماتها وفنادقها وتنسيق مزارع نخيلها، وزرنا كذلك مركز راحة المجاهدين. ولاحظت أن نخيل زلفانة يتميز باللّون الأخضر الداكن وبالنسق والهندسة الجميلة والأسوار الطينية غالبا، وبين كل نخلة وأخرى غرسوا أشجار الفاكهة والخضر. وقيل لي إن بإمكان أي عائلة زائرة أن تدخل البستان وتقضي وقتها فيه دون أن يتعرض لها أحد، رغم أن البساتين قطاع خاص. وقد رغب الأستاذ التركي والأستاذان ابن حفري وابن خروف في شرب قهوة على الرصيف، في إحدى المقاهي المنتشرة في شوارعها، ولكن يبدو أن خدمات أصحاب المقاهي هنا تتميز بالجدية واللطف لأن أهلها تعودوا على التعامل مع السياح. وتلاحظ في زلفانة كثيرا من السيارات التي تحمل أرقام ولايات أخرى. وهكذا لم نرجع إلى غرداية إلا قريبا من العشاء.
وفي الصباح الباكر من اليوم التالي انطلقنا إلى المطار عائدين إلى العاصمة، وأكاد أقول إنه لأول مرة طارت الطائرة في موعدها لأنها في الواقع تنام في المطار. وقد وجدت اهتماما خاصا من شرطة المطار جعلني محط أنظار المسافرين. ولا أريد أن أذكر التفاصيل فلعلهم لا يريدون ذلك هنا، ولكني أكتفى بالتنويه وتسجيل شكري العميق لهم وأعتبر تقديرهم تكريما للعلم واحتراما لأهله.
ومن أطرف ما حدث لي في هذه المناسبة أن أحدهم وكان باللباس المدني اقترب من القاعة الشرفية ثم تقدم مني وسلم علي بحرارة وقال: إنني أعرف عائلتكم ... ثم سألني وهو متردد: لقد سمعت البعض يدعونك بـ"العميد"، فهل أنت... وفهمت قصده فلم أتركه يكمل جملته وقلت له: يا أخي ليست لي علاقة بـ
"العمادة" التي خطرت ببالك. إن بعض الناس يبالغون فيدعونني "عميد" المؤرخين، أما مهنتي فهي تدريس التاريخ والبحث فيه، ففهم وابتسم.
ثم تبادلنا عبارات الوداع وذهب كل منا إلى حال سبيله.
أبو القاسم سعد الله قمار 29 مايو 2010
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق