مدونة تهتم باللسانيات التداولية التفاعلية الاجتماعية تحاول ان ترسم طريقا مميزا في معالجة الاشكالات المعرفية المطروحة في هذا النسق العلمي بالمناقشة والرصد والتحليل والمتابعة
الخميس، 30 يونيو 2011
دراسة لغويّة اجتماعيّة لظاهرة المغالاة (الشوفنيّة) لدى الشباب الأردني كما تعكسها الكتابة على الجدران
دراسة لغويّة اجتماعيّة لظاهرة المغالاة (الشوفنيّة) لدى الشباب الأردني كما تعكسها الكتابة على الجدران
الطالب/ سهاد فاروق رفيق الحميدي
قسم اللغويات-الجامعة الأردنيّة
المشرف /الدكتور حسين ياغي
المُلخَّص :
يعتقد الكثيرون بأن الكتابة على الجدران Graffiti هي سلوك غير سويّ لأنّها ليست المكان الصحيح للتّعبيرعن الرأي بصورة حضاريّة. و يعتقد آخرون بأنّ ظاهرة الكتابة على الجدران تزداد سوءاً عندما يكون محتوى الكتابة سلبيّ، كأن يؤثّر سلبيّاً على الوحدة الوطنية بين أبناء المجتمع الواحد و يتعارض مع سياسات الدولة في تقوية الوحدة الوطنية. فانتشار الكتابة السلبيّة قد تُعرّض الوطن لمشاكل التنافر بين المواطنين بدلاً من التعاون والّتكاتف لحلّ مشاكل المجتمع الحقيقية كالبطالة والأميّة والجريمة. كما تعطي هذه الظاهرة صورةً سلبيّةً عن المجتمع بأكمله من خلال ما تمثّله هذه الفئة فقط من قيم متطرّفة تتعارض مع قيم المجتمع الأصيلة. يتناول هذا البحث المغالاة (الشوفنيّة) كظاهرة اجتماعية خطيرة في الأردن بالإضافة إلى ظاهرتين مرتبطتين بها هما الأنانية والانتماء الوطنيّ كما تُعَبّر عنها الكتابة على الجدران. ويتقصّى هذا البحث تأثير عدد من العوامل على ظاهرة الكتابة الشوفينيّة، مثل عامل المكان الذي أُخذت منه الكتابة، والسطح المستخدم للكتابة، وجنس الأشخاص الذين يلجأون إلى هذا الأسلوب من التعبير وعمرهم ، وسريّة الأسطح المستخدمة للكتابة. ويقوم البحث بعد ذلك بتحليل نوعيّ للجمل الشوفنية ذاتها من حيث الشكل اللغويّ والمحتوى؛ أما من حيث الشكل اللغوي، فيدرس البحث ما إذا كانت لغة المكتوبات عربيّة أم إنجليزية، عامّية أم فصحى، أدبيّة أم غير أدبيّة، إذا كانت قويّة التأثير أم بدرجة قوّة عاديّة. أمّا من حيث المحتوى، فيدرس البحث ما إذا كانت المغالاة تتضمن انتماءً أو تعصبّاً للبلد، أو للقبيلة، أو للرّياضة، وفيما إذا كان هدف الكاتب هو التصريح عن رأيه، أوهجوما على غيره، أو دفاعا ورداً على ما كتبه غيره،أوالتماساً لطلب ما. ويتضمّن تحليل المحتوى كذلك تحليل المزاج العام لكاتب الجمل وقت كتابتها؛ ما إن كانت هذه الكتابة تعبّرعن فخر، أوغضب، أوحزن، أوسعادة. وأخيرا وليس آخراً، حاولنا استقصاء الآثار النفسيّة التي قد تتركها الكتابة على القارئ، فميّزنا بين ما هو موحِّد و مفرِّق ومحايد. و خلص البحث إلى التأكيد على خطورة هذه الظّاهرة الاجتماعية نظراً لمحتواها السلبيّ على المجتمع خاصّة و أن العيّنة المدروسة هي من طلاب الجامعات وأبناء المدارس الذين هم مستقبل الأمّة وبسواعدهم تُبنى. كما أوصى البحث في نهايته قادة المجتمع باتخاذ الإجراءات الضروريّة لمحاربة هذه الظاهرة.
المقدمة :
تعتبر ظاهرة الكتابة على الجدران من الظّواهر التي تعكس بشكل جليّ المفاهيم الاجتماعية للأفراد بما في ذلك الأمراض التي يعاني منها المجتمع من خلال ما يعاني منه أفراد هذه الفئـة ، ومن هذه الأمراض وأخطرها: الشوفنيّة أو التعصّب الأعمى لبلد أو قبيلة أو عائلة أو ديانة ما الى غير ذلك. حيث يؤدي هذا التعصّب غير المبني على الحقائق العـلميّة إلى مشكلات في غاية الخطورة والتي ستؤثر حتماً على حياة الفرد بشكل خاص وعلى الوحدة الوطنية ككل. فانتشار الكتابات التي توحي أو تُصرّح بالشوفينيّة قد يؤدّي إلى تزايد عدد من يقوم بالكتابة على الجدران أو زيادة عدد من يقرأ هذه الكتابات أو زيادة أنواع التعصّب و تطور تاثيراتها السلبيّة على المجتمع.
ومن هنا، قررنا دراسة موضوع الشوفنيّة أو التعصّب الأعمى لدى الشباب الأردني كما تعكسه الكتابة على الجدران. ويهدف هذا البحث إلى دراسة تلك الفئة التي تلجأ إلى مثل هذا النوع من التعبير النفسي عن قرب من خلال معرفة جنس الكاتب وعمره ومستواه التعليمي، حيث ستقودنا هذه العوامل وغيرها إلى التعرّف على أهداف الكاتب ونوع التعصّب الذي يعاني منه والمزاج العام له أثناء الكتابة بالإضافة إلى معرفة ما يترتب على هذه الكتابة من آثار في نفس القارئ.
هذا البحث قائم على منهجيّة علميّة تعتمد على التحليل النّوعي لمحتوى الكتابة ثم استخدام التحليل الكمي لتكميم المعلومات النوعية وإيجاد ارتباطات إحصائية مع متغيّرات متعددة. ويطمح هذا البحث إلى المساهمة في كشف هذه الأمراض الاجتماعية وتقديم تصّور علميّ حول ارتباط محتوى الكتابة مع متغيّرات شخصيّة (ديمغرافيّة) و متغيّرات هامّة أخرى. و تكمن مشكلة الكتابة على الجدران في أنها وسيلة تعبير غير مقيّدة بضوابط أخلاقية لعدم معرفة هوية كاتبها و لعدم التمكّن من ملاحقته قانونيا لتحميله مسؤولية الإضرار بالممتلكات العامّة و الخاصّة.
الدّراسات السابقة:
يمكن تعريف الكتابة على الجدران بالكتابة على الممتلكات العامّة أو الخاصّة والتي غالباً ما تكون غير قانونيّة (رأفت الروسان:2005)، إذ يمكننا رؤية هذه الظّاهرة في كل مكان تقريباً، على جدران المدارس، وفي الجامعات، وعلى جدران المرافق العامّة، وغيرها من الأماكن.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الظّاهرة تعود إلى آلاف السّنين، بل إلى بداية المجتمع البشريّ، فقد اعتاد الإنسان على الكتابة على النقوش والقبور وأماكن أخرى، ويقول جون بايتس ومايكل مارتن (1980:300): "قد أضحكت الكتابة على الجدران العامّة والرسم عليها كوسيلة للتّعبير عن النّفس الذي يُجهل صاحبه المتمعّنين في هذه النقوش وأغضبتهم على الأقل منذ زمن بومباي".
وهناك من يعتبرها فنّاً وثقافة، وهناك من ينظر إليها على أنها جريمة فيها انتهاك للممتلكات العامّة والخّاصّة، ويقول ناصر الحمود(2000): "إن الكتابة على الجدران شكل غير حضاري حيث تعدم املاك الآخرين بالكتابة عليها سواء كان هذا الملك خاصا او عاما, ولو عرف هذا الكاتب تلك الدعوات التي تنهال عليه من المتأذين وغيرهم لأقلع عن هذا التصرف المشين".
وقد قامت عدّة دراسات بالبحث في موضوع الكتابة على الجدران. فقام فيريل جي بدراسة خصائص هذه الظاهرة في دنفر في الولايات المتّحدة الأمريكيّة حيث غدت تعتبر ثقافة مدنيّة معاصرة، وقد تطوّرت هذه الظاهرة في الولايات المتحدة الأمريكية تبعاً للتمييز بين البيض وسكّان أمريكا الأصليّين حيث أصبحت جزءاً من ثقافة وموسيقى "الهيب هوب".(فيريل جي1993).
وتركّز دراسة قام بها نيكولاس برايدن وإيريك ميلبيرغ (2003) على دراسة الكتابة على الجدران في جامعة هامبولت كنوع مهم من التواصل بين الناس من خلال جمع هذه الجمل وتوزيعها إلى فئات. أي أنها نوع من اللغة الخاصة او اللغة المٌشفَّرة التي يستخدمها البعض للتواصّل كلغة بديلة عن لغة الرسائل والصحف أوحتى رسائل الإحتجاج على الظلم أوالتمييز أو كبديل عن كتابة العرائض لطلب الخدمات أو تحسينها في بعض الأحياء و المناطق.
أما في العالم العربيّ، فلم يكن هناك الكثير من الدراسات في هذا الموضوع، ومنها ما قام به جون بايتس و مايكل مارتن(1980)، إذ درسا مدى انتشار هذه الظاهرة في إحدى الجامعات العربيّة معتمدين على الكتابات الجداريّة الموجودة في مرافق الجامعة وبشكلٍ رئيسيّ في دور الخلاء، وهدف بحثهم إلى إيجاد الفروق في محتوى الكتابة الجداريّة بين الإناث والذكور حيث خلص إلى أن نسبة الإناث اللواتي يلجأن إلى هذا النوع من الكتابة أكبر من نسبة الذكور مع تركّز مواضيعهنَّ المثارة على الجنس وما يرتبط به من مواضيع أخرى. وهذا يتناقض مع ما أثبته كلٌ من روبرت لتل وماري شيبل(1987) بأن نسبة الذكور الذين يلجأون إلى هذا النوع من جريمة الممتلكات متساوية مع نسبة الإناث. . وهذا التباين بين الدراستين يعتبر حافزاً لنا لإجراء الدراسة الحاليّة من أجل إضاءة المزيد من المعرفة حول هذه الظاهرة خاصّة أن الباحث ينتمي إلى نفس ثقافة المبحوثين وبالتالي فإن فهم لغة الكتابة لن يشكل عقبة تحول دون فهم المعاني المتعددة للكلمات التي يستخدمها كاتبو الجدران. و هذه الميزة تفتقد لها دراسة بايتس و مارتن (1980)، إضافة الى حداثة الدراسة الحالية و قدم الدراسة سابقة الذكر.
أمّا ستاينبيرغ (1990)، الذي درس ظاهرة الكتابة على الجدران في فلسطين زمن الانتفاضة، فيؤكّد على أهميّة هذه الظاهرة للفلسطينيّين الذين لا يجدون وسيلة أخرى للتعبير عن آرائهم ومشاعرهم و"انتفاضتهم". أمّا إبراهيم محمد وطارق محمد(2004) فيركّزان على: "رسم أهم ملامح وخصائص الكتابة الفلسطينيّة الجداريّة" والتي باتت مشهورة لدى العالم بأسره لشهرتها الكبيرة والأنماط المتعدّدة التي تمثلها.
وفي العراق تركّز مواضيع الكتابة على الجدران على المواضيع السياسية خاصّة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام2003 وسقوط حكومة صدّام حسين، ويقول جورج زياد(2003) في هذا الموضوع: "أصبحت بغداد مدينة للكتابة على الجدران إذ تستفيد الأحزاب السياسيّة من الفراغ السياسي الذي يعيشه العراق بدون حكومة منتَخَبَة أو أو برلمان أو دستور".
في الجزء التالي من البحث سوف نناقش حيثيّات ظاهرة الكتابة على الجدران في الاردن حيث تكتسب هذه الظاهرة في الأردن تميّزاً خاصاً وذلك لأن المجتمع الأردني مجتمع شابّ (غالبية المواطنين هم في عمر الشباب) و أنه مجتمع متعدّد الخلفيّات كما هو المجتمع الأمريكي مثلا، إضافة الى أنه مجتمع متعلّم بنسب كبيرة جداً مقارنة بدول أوروبية و عربية و آسيوية. و هناك ميزة أخرة للأردن هو أنه مجتمع محافظ وغالباً ما تتم كتابتها خلال الليل أو بسرية تامة.
ولدراسة هذه الظاهرة ومدى انتشارها في الأردن، لابدّ أوّلاً من إعطاء نبذةٍ وإن كانت سريعةً عن المجتمع الأردني والتقسيمات الاجتماعيّة فيه:
أولاً: تنقسم المملكة الأردنيّة الهاشميّة إلى اثنتي عشرة محافظة: محافظة العاصمة، وإربد، والزرقاء، وعجلون، وجرش، والرمثا، والكرك، والطفيلة، ومعان، والعقبة، والمفرق، ومادبا. ويتوزّع سكان المملكة على هذه المحافظات مع التركّز الكبير في محافظة العاصمة، ونتيجةً لذلك، تضم الجامعات الموجودة في عمّان طلاباً من مختلف المحافظات والبيئات، فتغدو الجامعة مدينة مُصَغَّرة من مختلف الفئات الاجتماعيّة.
ثانياً: منذ تأسيس إمارة شرق الأردن في 1923، بدأت القبائل والعشائر الأردنيّة تلعب دوراً سياسياً هامّاً لما كان لها من تأثير قبل إعلان تأسيس الإمارة، ومن الأمثلة على بعض هذه العشائر التي مازالت فاعلة على الساحة الوطنية: عشائر بني حسن، وبني صخر ، والعدوان ، والحويطات ، والعبادي ، وغيرها (ويكيبيديا:27/7/2009). وكانت القبائل الأردنيّة مشاركاً فعّالاً في عمليّة تأسيس الدولة (ألون يوف:2007). وانطلاقاً من هذا الدور، أصبحت القبائل الأردنيّة مصدراً للانتماء والاعتزاز والفخر لأبنائها. كما أن هناك تراثاً ثقافياً مهماً نتج عن الحياة تحت الانتداب البريطاني للأردن، هذا الانتداب الذي مهّد الطّريق للقبائل الوطنيّة الأردنية لتتّخذ نمطاً ممَيّزاً في التعايش حول المصالح المشتركة ضد الأجنبيّة. ثالثاً، بعد التهجير القسريّ للفلسطينيّين في عاميّ 1948 و1967، ارتفع عدد سكّان الأردن بشكل كبير جداً (ألون يوف، 2007:168). و تم دمج الشعبين في مجتمع واحد مع نسبة كبيرة جداً من اللاجئين حيث دخلت المملكة الأردنيّة الهاشميّة مرحلة جديدة من الشعورالوطني. وأدت هذه العوامل وغيرها إلى تميّز الوطنيّة الأردنيّة واتخاذها شكلاً خاصّاً بدءاً بتنوّع القبائل ودورها السياسي، وانتهاءاً بظهور الأردنيّين من أصول فلسطينيّة على أرض المملكة واستمرار مشاركتهم السياسية والاقتصادية إلى جانب إخوتهم.
ويعدّ التعصّب من المسائل الخطيرة التي تؤثر في طريقة تفكير المتعصِّب و قد تقوده إلى انتهاج طريقة خاطئة في الحكم على الآخرين. ويعرّف جيم ماكنايت وجينا ساتن (1994) التعصّب الشوفيني على أنه المفهوم أو الاعتقاد الذي يملكه الإنسان تجاه شخص ما بالاعتماد فقط على الصور النمطيّة والأحكام المسبقة التي يملكها هذا الشخص. ويضيفا موضّحَيْن جذور التعصّب (1994:237): "نتعلّم أن نكون متعصّبين بنفس الطريقة التي نتعلّم بها أن نكون أعضاء في مجتمعنا، فهو جزء لا يتجزّأ من عمليّة النمو. حيث نعكس كل التعصّب الموجود لدى آبائنا، وأقراننا، ومعلّمينا، ووسائل الإعلام، والقادة السّياسيّين وغيرهم من المشتركين في عمليّة التأهيل الاجتماعي". . وهذا يعني بأنّ التعصب الشوفيني يبدأ كتعصب بسيط ثم يستمر بالتطور حتى يأخذ شكلا متطرفاً من التعصب، وهو الشكل الذي نسميه الشوفينية. فالتعصب إذا لم تتم معالجته من البداية فإنه يصبح ظاهرة مرضية في المجتمع و ينتقل هذا المرض من فرد إلى آخر كالعدوى، و هي ما نسميه بالعدوى الاجتماعية (انظر، ياغي 2009).
أمّا عن ظاهرة الكتابة على الجدران في الأردن، فهو كغيره من الدول التي تدلّ فيها هذه الظاهرة على المفاهيم والاتجاهات الفكريّة للأفراد والجماعات،إلا أنه لم تقم الدراسات الكافية التي من خلالها نستدلّ على أنماط التفكير أوالسلوك المنتشرة بين الشباب الأردنيّ. ولربّما كانت هذه الظاهرة في الأردن إحدى وسائل نشر الأفكار والتعبير عن الرأي كالإعلام والصحافة وغيرها من الوسائل. فقد قام الروسان بعمل دراسة لغويّة اجتماعيّة لظاهرة الكتابة على الجدران في الأردن، حيث قام بتقسيم الكتابات الجداريّة حسب الوظيفة التي تؤدّيها إلى إحدى وعشرين وظيفة، أذكر منها: الشهرة والتحدّث عن الذات، والمحتوى السياسي، والإخلاص والانتماء، وغيرها من الوظائف السياسية والاجتماعيّة والاقتصاديّة والدينيّة (الروسان، 2005). وخلص إلى أن هذه الكتابات في الأردن "لا تملك وظيفة فنيّة بل تحتاج إلى الكثير من التنظيم لتصبح كذلك كما هي في العالم الغربيّ" (2005:111). ومعنى هذا التحليل أن الكتابة على الجدران في الأردن ليس أمراً ترفيهياً أو فنياً جمالياً أومن أجل إعطاء طابع جمالي للمدينة او للبناء. ففي مدن مثل نيوميكسيكو يقوم بعض الأشخاص بتزيين جدران بعض الأبنية برسومات فنية و ألوان جميلة للحفاظ على الطابع الترفيهي للمدينة. أما في الاردن فإن الكتابة على الجدران تأخذ بعداً جدياً و من الصّعب التغاضي عن الأبعاد الثقافية أوالسياسية لها.
أهميّة البحث:
يركّز هذا البحث الذي نقوم به على دراسة ظاهرة الكتابة على الجدران في الأردنّ من منظور الشّوفنيّة أو التعصّب والذي لم تثره دراسة فعليّة للآن حسب معرفة الباحث، وهذا ما يميّزها عن غيرها من الدراسات في العالم العربيّ بشكل عام وفي الأردن بشكل خاصّ. وسيقوم الباحث بجمع البيانات من جدران مختلفة وموزّعة في أماكن عديدة في الأردن مع التركيز على الكتابات الموجودة في المؤسّسات التعليميّة كالجامعات والمدارس، ومع تركيز أكبر على الكتابات الموجودة في المرافق الصحيّة لاعتقاد الباحث أن ما يثار على جدرانها لا يثار في أماكن أخرى لخصوصيّة هذه الأماكن. وتكمن أهمية البحث كذلك في أنه يتطرق إلى دراسة محتوى الكتابة و ربط ذلك بمتغيّرات هامّة أخرى كالعمر والحدّة واللغة المستخدمة، إلخ. و لأنّ البحث نوعيّ و كمّيّ في الوقت نفسه، فإنه يريد التوصل إلى نتائج تخدم المجتمع وتصف ظاهرة الكتابة على الجدران وخصوصاً المحتوى الشوفينيّ فيها وتقديم توصيات علميّة تخدم صانعي القرارات والآباء والمربين من أجل كبح جماح هذه الظاهرة السلبية قبل انتشار التعصب الشوفيني في المجتمع بشكل متزايد بحيث يضعف الوحدة الوطنية ويهدد الحياة المشتركة لكل مواطني أو ساكني الاردن.
تعريف المتغيّرات وقياسها:
من أجل تحديد معنى كلّ مصطلح نستخدمه في هذا البحث ومن أجل قياسه بأسلوب علميّ دقيق، سوف نقوم بتعريف المصطلحات ثمّ تحديد آليّة قياس كلّ متغيّر:
Graffiti: الكتابة على الممتلكات العّامة أو الخاصّة والتي غالباً ما تكون غير قانونيّة (الروسان: 2005) ، وسوف نشير إلى هذا المصطلح بكلمة "كتابة" لأغراض الاختصار.
المكان: هو الموقع الجغرافي أو الحيّز المكاني الذي تتواجد فيه الكتابة. وسوف يتم قياس متغيّر (المكان) من خلال تصنيف مكان الكتابة إلى ثلاثة أقسام: الجامعات (حكوميّة وخاصّة)، والمدارس (حكوميّة وخاصّة)، والحارات.
السريّة: هي درجة ظهور الكتابة للجمهور أو لعموم الناس. وسوف يتم قياس متغيّر (السريّة) من خلال تحديد السطح الذي تمّت عليه الكتابة: هل هو سطح ظاهر لعموم الناس كأن تكون الكتابة على جدار في الطّريق العام أم أنه مخفيّ بحيث لا يقرأه إلاّ عدد معيّن من الناس كأن تكون الكتابة في مكان سريّ كداخل الحمّامات العامّة فلا يقرأها إلآ من يدخل الحمّام.
السطح: هو الأرضيّة التي تمّت الكتابة عليها. وسوف يتمّ قياس متغيّر (السطح) من خلال تقسيمه إلى جدار أو باب أو أثاث أو غيره.
الجنس: هو تغليب جنس الكاتب حسب سريّة السطح بحيث نقرّر أن الكاتب أنثى إذا كانت الكتابة موجودة في مكان خاصّ بالإناث مثل حمّامات الإناث، وإذا كانت الكتابة على سطح عام فغلّبنا أن يكون جنس الكاتب غير معروف.
العمر: تمّ تحديد عمر الكاتب بناءً على مكان الكتابة؛ فإذا كانت الكتابة داخل الجامعات اعتبرنا أن الكاتب راشد، وإذا كان مكان الكتابة هو مدرسة اعتبرنا أن الكاتب مراهق، وإذا كان مكان الكتابة غير ذلك اعتبرنا أن العمر غير معروف.
الوقاحة: هي ورود ألفاظ نابية أو معيبة في الكتابة. وسوف يتمّ قياس متغيّر (الوقاحة) من خلال تقسيمه إلى فئتين هما: وقح، وغير وقح.
المغالاة: هي الانحياز في الكتابة لشيء معيّن. وسيتم قياس متغيّر (المغالاة) من خلال تقسيم الجمل التي تتضمّن انحيازاً إلى : انتماء وتعصّب وأنا.
الانتماء: هو المغالاة لفئة (بلد، قبيلة، عائلة) وحبّها بما يتضمّن جميع أعضائها دون استثناء أحد ودون إظهار ترفّعها على فئة أخرى سواء بالإساءة إليها أو من غير الإساءة.
التعصّب: هو المغالاة المتطرّفة لفـئة (بلد أو قبيلة أو عائلة) التي تستثني فئات أخرى مع إظهار ترفّعها وتفوّقها عليها سواء بالإساءة لها أو من غير الإساءة.
الأنا: هو المغالاة للذات والانتماء لها من غير الإساءة للآخر.
موضوع المغالاة: هو تضمّن الكتابة مواضيع تتعلّق بالأردن أو فلسطين أو الأردن وفلسطين معاً. وبناءً على ذلك، سيتم قياس متغيّر (موضوع المغالاة) من خلال تقسيم موضوع الكتابة إلى: موضوع حول الأردن، وموضوع حول فلسطين، وموضوع حول الأردن وفلسطين معاً، ومواضيع لا تتعلّق بالأردن أو فلسطين.
القبليّة: هي تأكيد الكاتب على اسم قبيلة محدّدة. وسوف يتم قياس متغيّر (القبليّة) من خلال تقسيم المغالاة في الكتابة إلى مغالاة حول القبيلة أو مغالاة غير قبليّة.
الفريق الرياضيّ: ورود اسم فريق رياضيّ يلعب داخل الأردن في الكتابة. وسيتم قياس هذا المتغيّر من خلال تقسيم جمل الكتابة إلى جمل فيها مغالاة إلى فريق رياضيّ معيّن وجمل فيها مغالاة لغير الفِرَقِ الرياضية.
العدائيّة: هي ورود ألفاظ في الكتابة فيها اعتداء على الآخر. وسيتم قياس متغيّر (العدائيّة) من خلال تقسيم الجمل إلى ما هو عدائيّ وغير عدائيّ.
الّلّهجة: هي طريقة التعبير الكتابيّ. وسيتم قياس هذا المتغيّر من خلال تحديد طريقة التعبير هل هي طريقة فصيحة أم طريقة عاميّة.
هدف الكتابة: هو وجود غاية معيّنة من الكتابة. وسيتم تقسيم الغايات إلى أربع فئـات: هجوميّ إذا تضمّنت الكتابة كلمات فيها تهجّم على الآخر، ودفاعيّ إذا كان في الكتابة ردٌّ على هجوم من الآخر أو دفاعٌ عن شيء معيّن، وطلباً إذا تضمّنت الكتابة التماساً لطلب شيء ما، وتصريحاً إذا تضمّنت الكتابة كلمات تعبّر عن رأي كاتبها أو عن موقف فكريّ أو سياسيّ أو اجتماعيّ له.
أسلوب الكتابة: هو الطريقة الأدبيّة التي تمّ التعبير فيها من خلال استخدام أحد أسلوبين هما الأسلوب الأدبيّ وذلك إذا تضمّنت الكتابة أسلوباً شعريّاً والأسلوب غير الأدبيّ.
الحدّة: هي ورود كلمات في الكتابة توحي بوجود نوع من الشدّة في التعبير. ولذلك فقد تمّ قياس متغيّر (الحدّة) من خلال تقسيم الكتابة إلى كتابة فيها حدّة شديدة وكتابة فيها حدّة عاديّة.
مزاج الكاتب: هو تضمّن الكتابة كلمات توحي بمزاجيّة الكاتب عند كتابته للجمل. ويُقسم مزاج الكاتب إلى مزاج غاضب ومزاج مفتخر ومزاج حزين ومزاج سعيد.
اللغة: هي لغة الكتابة هل هي لغة عربيّة أم انجليزيّة.
الأثر: هو الانطباع أو الشعور الذي تتركه الكتابة في نفس القارئ. وسيتم قياس متغيّر (الأثر) من خلال تقسيمه إلى ثلاث فئـات: أثر يوحّد بين الناس، وأثر يفرّق بين الناس، وأثر حياديّ لايفرّق ولا يوحّد.
منهجيّة البحث:
في هذا القسم من البحث، يعرض الباحث المنهجيّة التي يتّبعها أثناء عمل الدراسة الاجتماعيّة اللُّغوية لظاهرة الشوفنيّة لدى الشّباب الأردني كما تعكسها الكتابة على الجدران. ويتضمّن هذا القسم إدراجاً للفرضيّات التي يحاول الباحث إثبات صحتها، وشرحاً تفصيليّاً لكلٍّ من تجميع البيانات وتحليلها والأدوات المستخدمة. وفيما يلي توضيح لكل منها.
فرضيّات البحث:
يحاول الباحث من خلال هذه الدراسة الإجابة عن الأسئلة التالية:
• ما هو أكثر مواضيع المغالاة (الأردن أو فلسطين أو الأردن وفلسطين معاً) انتشاراً بين الجمل التي تدلّ على التعصّب؟
• ما المكانة التي تتمتّع بها القبليّة في الأردن حاليّاً؟ وهل يغلب التعصّب للقبيلة على الانتماء لها بين الشّباب الأردنيّ؟
• هل تُعدّ الأفرقة الرياضيّة عاملاً مثيراً للتعصّب بين الشباب الأردني؟ وما أسباب ذلك؟
• هل تتأثر اللهجة المستخدمة في التعبير عن المغالاة بالمستوى التعليميّ للكاتب؟
• هل تتأثر عدائيّة الكاتب بمدى اطّلاع الناس على ما يكتبه؟
• ما الأهداف التي يملكها الكاتب كوسيلة للتعبير عن التعصّب؟
• ما الجنس الذي يميل للنّزعة التعصّبيّة أو الانتمائيّة أو الأنانية أكثر من غيره؟ وهل تنتشر القبليّة بين الشباب الأردنيّ بشكل أكبر مما تنتشر بين الشابات الأردنيّات؟
• من يملك النزعة القبليّة أكثر؟ طلاب الجامعات أم طلاب المدارس
• ما مدى خطورة ظاهرة الشوفنيّة في الأردن؟
البيانات وتجميعها:
لأن الباحث أراد دراسة ظاهرة الشوفنيّة لدى الشباب الأردني كما تعكسها الكتابة على الجدران، قام بجمع العيّنات التي تمثّل جميع الفئات التي اعتقد أن لها تأثيراً واضحاً على المغالاة (الانتماء أو التعصّب أو الأنا) ، بالإضافة إلى المتغيّرات التي تحدّد أهميّة القبليّة في الأردن . وفيما يلي شرح مفصّل لكل من هذه المتغيّرات وسبب اختيارها.
المكان:
من المعروف أن الأشخاص المتعلّمين يختلفون في طريقة تفكيرهم عن عامّة الناس، فقام الباحث بجمع عيّنات من جامعات مختلفة كالجامعة الأردنيّة وجامعة البلقاء والجامعة الهاشميّة وجامعة الإسراء وغيرها، كما أُخذَت عيّنات من مدارس مختلفة مثل مدرسة مادبا ومدرسة الأميرة بسمة ومدارس السابلة، ومن حارات وشوارع عدّة كالشوارع الموجودة في منطقة الهاشمي الشمالي وأبو نصير وجبل النصر وغيرها.
الجنس:
يعتقد معظم الناس أن كتابة الإناث تختلف عن كتابة الذكور من حيث المحتوى والشكل اللُّغوي، لذلك قام الباحث بدراسة أثر هذا المتغيّر على كل من المغالاة والقبليّة، وجمع عيّنات مختلفة من حمّامات الإناث ومن حمّامات الذكور.
العمر:
يتصرّف المراهقون بطريقة مختلفة عن الراشدين، لذلك اعتقد الباحث أن كتاباتهم ستكون مختلفة كذلك، فقسّم البيانات إلى بيانات كتبها مراهقون إذا أُخذت من المدارس، وبيانات كتبها راشدون إذا أُخذت من الجامعات، وأخرى كتبها أشخاص يُجهل عمرهم إذا جُمعت من الحارات.
السطح:
من المتوقّع أن تستخدم أسطح معيّنة أكثر من غيرها في الكتابة، لذا قرّر الباحث جمع عيّنات كُتبت على أسطح مختلفة كالأبواب والجدران والأثاث وغيرها، آملاً أنها ستؤثّر على المغالاة (الانتماء والتعصّب والأنا) والقبليّة.
السريّة:
يوافق معظم الناس على أن وجودهم في أماكن سريّة بحيث لا يراهم الكثير من الناس يعطيهم مزيداً من الاطمئنان بحيث يناقشون أموراً تندر مناقشتها في الأماكن العامّة، لذلك جمع الباحث عيّنات من أماكن ذات سريّة عالية (الحمّامات بشكل رئيسيّ) ومن أماكن أخرى عامّة كالشوارع والصفوف وغيرها.
الأدوات المستخدمة:
اعتمد الباحث بشكل أساسيّ على آلات التصوير (الكاميرات) لتجميع البيانات الموجودة في الأماكن المختلفة، إلاّ أنه في بعض الحالات، حيث يكون من الصّعب تصوير البيانات لعدم وضوحها، قام بتدوينها يدويّاً كطريقة بديلة لتجميع البيانات.
تحليل البيانات:
بعد إنهاء عمليّة جمع البيانات، قام الباحث أولاً بفتح ملفّ للصّور التي تمّ التقاطها، ثمّ قام بكتابة الجمل وتحويلها إلى نصوص، ثمّ بدأ بتدوين هذه البيانات على ملفّ إكسل، حيث أضاف تسمية لكل متغيّر ظواهريّ أو تفسيريّ.
الجداول:
بعد تحويل البيانات الموجودة في الصّور إلى نصوص وإدخالها في ملفّ إكسل، قام الباحث بإعطاء كل عامود من المتغيّرات الظواهريّة والتفسيريّة عدداً من الفئات، ففي عامود المكان، ميّز الباحث بين البيانات الموجودة في الجامعات((uni، والمدارس(sch)، والحارات(nei). وفي عامود الجنس ميّز الباحث بين كتابات الإناث(f)، والذكور(m) وما لا يُعرف جنس كاتبه(n). أما في عامود العمر ، فهناك الراشدون(adult) ، والمراهقون(teen)، ومالا يُعرف عمر كاتبه(un). وفي عامود السطح ميّز الباحث بين الأبواب(door)، والجدران(wall) والأثاث(fur) وغيرها. أما في السريّة، فهناك ما هو سريّ(priv) وعامّ (pub). وفي عامود المغالاة، ميّز الباحث بين الانتماء(pat) والتعصّب(cha) والأنا (ego). وعند تحليل عامود المغالاة من حيث المحتوى من خلال المتغيّرات التي تتبعه، قسّم الباحث موضوع المغالاة إلى الأردن(jo)، وفلسطين(pal)، والأردن وفلسطين معاً(jo/pal) وما لايتناول البلد كموضوع له (n-count). وفي عامود القبليّة هناك ماهو قبليّ (trib)، وغير قبليّ (n/trib). أمّا في الفريق الرياضي فيوجد ماهو رياضيّ (sport)، وغير رياضيّ (n-sport). وفي اللهجة المستخدمة، ميّز الباحث بين عامّيّ (colloq) ، وفصيح (stand). وعند تحديد هدف الكتابة، فهناك الهجوم (attack)، والدفاع (defense)، والتّصريح (sta-of-pos)، والتماس طلب (suplicat). وفي عامود الأسلوب، فهناك الأسلوب الأدبيّ (lit)، وغير الأدبيّ (n-lit). وعند إيجاد حدّة الكتابة، هناك ما هو شديد الحدّة (strong)، وماهو بحدّة عاديّة (normal). أمّا عامود مزاج الكاتب، ففيه ما يعبّر عن فخر(proud)، أوغضب (angry)، أو سعادة (happy)، أو حزن (sad)، أو محايدة (neutral). وفي عامود اللغة يوجد ما هو عربيّ (arabic)، وانجليزيّ (english). أمّا عامود الأثر، ففيه ما يدلّ على التفريق (divisive)، والتوحيد (cohesive)، والمحايدة (neutral).
التحليل الإحصائيّ:
بعد إدخال البيانات وترتيبها في ملفّ إكسل، قام الباحث بإنشاء ملف (SPSS)، وإدخال المتغيّرات في صفحة عرض المتغيّر، ومن ثمّ نسخ البيانات وتحليلها مستخدماً الجداول من التحليل الإحصائيّ، حيث قام بإدخال المتغيّرات التفسيريّة في الصفوف والمتغيّرات الظّواهرية في الأعمدة، بعدها طبّق اختبار كاي التربيعي مع اختيار الصّفوف والأعمدة للحصول على جداول (SPSS) النّهائيّة.
النتائج:
من أجل الوصول إلى نتائج علميّة دقيقة فيما يتعلّق بموضوع الشوفنيّة، سيقوم الباحث في هذا الجزء بعرض بعض نتائج البحث وتفسيرها. وسيقتصر على أهم النتائج نظراً إلى ضيق المُقام والحدود التي تفرضها متطلبات الملتقى الإبداعي الثاني عشر الذي ينظّمه المجلس العربي لتدريب طلاب الجامعات.
سيتم دراسة المغالاة من خلال معرفة تأثير عوامل عدّة كموضوع المغالاة (الأردن أو فلسطين أو الأردن وفلسطين معاً)، والفريق الرياضي، والقبليّة، وجنس الكاتب، وهدف الكتابة، والأثر الذي تتركه الكتابة في نفس القارئ. بعدها سيقوم الباحث بدراسة تأثير جنس الكاتب وعمره على القبليّة. بعد ذلك سيدرس عدائيّة الجمل من خلال معرفة درجة سريّة السطح المستَخدم في الكتابة.
1.المغالاة (التعصّب،الانتماء،الأنا):
يتفرّد هذا الجزء بدراسة مغالاة الجمل (التعصّب ، الانتماء ، الأنا)، فقد أظهرت النتائج أن نسبة كبيرة من العيّنة تملك مغالاة إلى أحد الأمور الثلاثة : الانتماء (39.3%) ، أوالتعصّب (27.2%) ، أوالأنا(33.5%). ويمكن توضيح المغالاة في الكتابة من خلال عدّة عوامل أو متغيّرات.
وقام هذا البحث بدراسة أثر العوامل التالية على المغالاة:
1. موضوع المغالاة.
2. الفريق الرياضيّ.
3. القبليّة.
4. جنس الكاتب.
5. هدف الكتابة.
6. الأثر الذي تتركه الكتابة في نفس القارئ.
وفيما يلي شرح مفصّل لنتائج التحليل ، والتي تم تلخيصها في جدول رقم (1):
جدول رقم (1): قيم كاي التربيعي بين متغير المغالاة (الشوفينية) و المتغيرات المستقلة
اسم المتغيرات المستقلة قيمة كاي التربيعي الدلالة الاحصائية
موضوع المغالاة 547.929 0.000
الفريق الرياضيّ 97.105 0.000
القبليّة 7.121 0.028
جنس الكاتب 4.728 0.316
هدف الكتابة 119.445 0.000
الأثر 575.495 0.000
وفيما يلي شرح مفصّل لنتائج التحليل:
1.1.موضوع المغالاة:
أظهر التحليل الإحصائي وجود علاقة ذات دلالة إحصائيّة بين متغيّري المغالاة وموضوع المغالاة، حيث كانت قيمة كاي التربيعي547.929 ،وإذا قمنا بدراسة تأثير موضوع المغالاة (الأردن أو فلسطين أو الاثنين معاً) على المغالاة، سنجد أن نسبة كبيرة من الجمل الانتمائيّة تذكر الأردن كموضوع للمغالاة (49,6%)، وأن نسبة قليلة من الجمل التي تعبّر عن الانتماء (12,6%) تتناول الأردن وفلسطين معاً. أمّا من ناحية التعصّب، فوجدنا أن هناك نسبة كبيرة من الجمل تعبّر عن التعصّب للأردن (70,9%).
2.1. الفريق الرياضيّ:
من خلال دراسة تأثير الفريق الرياضيّ المذكورفي الكتابة على المغالاة، وجد الباحث أن هناك دلالة إحصائيّة بينهما، فقد كانت قيمة كاي التربيعي 97.105 حيث وجد أن نسبة كبيرة من الجمل التي تذكر إحدى الأفرقة الرياضيّة هي جمل تعصبيّة (79%) فجملة كهذه: "الوحدات وبس والباقي خس" تشير إلى التعصّب لفريق ما لكون الشخص منتمياً إليه فقط، بينما تدلّ نسبة قليلة منها على الانتماء الوطني (21%)، كما وجدنا أن نسبة لا بأس بها من الجمل التعصبيّة تتناول موضوعات رياضيّة (29,7%) . وتتلخّص الموضوعات الرياضية بشكل عام في تشجيع أحد الفريقين: الفيصلي أو الوحدات، فمن المعروف أن فريق الفيصلي يمثّل الأردن أما فريق الوحدات، فيضمّ أردنيّين من أصول فلسطينيّة، لذا فقد تستخدم الرياضة كوسيلة للتعصّب أو الانتماء الوطني إلى أحد البلدين. من هنا نرى بأن التعبير عن المشاعر الرياضية تتحول عند كتابتها على الجدران الى جمل ذات دلالات سياسية أو قومية وتصبح الرياضة كأنها تلخيص لتعصب جزء من المجتمع ضد جزء آخر.
3.1. القبليّة:
أظهر البحث أن الارتباط بين المغالاة والقبليّة له دلالة إحصائيّة، وكانت قيمة كاي التربيعي 7.121 . فقد أظهرت النتائج أن الجمل التي تعبّر عن انتماء وطني من خلال القبيلة تشكّل النسبة الأكبر من بين نسب عناصر الجُمَل الوطنية الأخرى (38.7%). بينما أظهرت أن نسبة كبيرة (43.8%) من الجمل التي تعبّر عن الأنا تستخدم اسم القبيلة للاعتزاز بها. كما أظهرت أن التعصّب الشوفيني للقبيلة لا يشكّل إلا نسبة قليلة من مجمل الجمل القبليّة (21.6%).
4.1. جنس الكاتب:
أثبتت النتائج أن الارتباط بين المغالاة وجنس الكاتب لا تعطي دلائل إحصائيّة، وكانت قيمة كاي التربيعي:4.728، إلاّ أنه قد تبيّن لنا أن الذكور غالباً ما يتناولون المواضيع المتعلّقة بالانتماء والتعصّب والأنا ككلّ في كتاباتهم الجدارية، فوجدنا أن (57.8%) من الجمل التي تعبّر عن مغالاةٍ (بغض النظر عن نوع هذه المغالاة) قد كُتبت من قبل الذكور، بينما تبلغ هذه النسبة عند الإناث (8.9%). وربّما يرجع هذا الاختلاف في النسب إلى طبيعة كلٍّ من الذكور والإناث واختلاف نواحي الاهتمام، فقد تركّز الإناث بشكل أكبر على التعبير عن الأمور العاطفيّة.
5.1. هدف الكتابة:
أظهر التحليل الإحصائيّ وجود علاقة ذات دلالة إحصائيّة بين المغالاة وهدف الكتابة، فبلغت قيمة كاي التربيعي 119.445، فقد أظهر أن جميع الجمل التي تعبّر عن الأنا تهدف إلى التصريح برأي (100%). أما الجُمَل التي تُعبرُ عن هجومٍ على الآخر، فق أثبت البحث أن الجمل التعصّبيّة تشكّل النسبة الكبرى منها (96.9%). كما أظهر أن (71.4%) من الجمل الدفاعيّة نهدف إلى التعبير عن الانتماء الوطني. والمهم في جميع هذه النتائج هي أنّ جميع الجمل هي جمل هادفة ولها رسالة واضحة بغض النظر عن محتوى تلك الرسالة.
6.1. الأثر:
أثبت التحليل الإحصائيّ وجود علاقة ذات دلالة إحصائيّة بين متغيّري المغالاة والأثر الذي تتركه الكتابة في نفس القارئ، فبلغت قيمة كاي التربيعي 575.495، وأظهرت النتائج أن جميع الجمل التعصّبيّة تقريباً (95.8%) تترك آثاراً سيّئة في نفس القارئ وتدعو إلى التفرقة بين الناس، بينما أظهرت أن معظم الجمل التي تترك آثاراً حميدةً في نفس القارئ وتدعو إلى التّوحّد هي جمل تعبّر عن الانتماء الوطني، وهذا يؤكّد التناقض بين الانتماء الوطني والتعصّب الشوفيني.
2. القبليّة:
من المهم معرفة مكانة القبيلة عند التعبير عن الانتماء الوطني أو التعصّب الشوفيني أو الأنا، لذا يدرس هذا الجزء تأثير كلٍ من جنس الكاتب وعمره على استغلاله للقبلية في الكتابة ، وفيما يلي شرحٌ مفصّل لكلٍ منها:
1.4. جنس الكاتب:
أظهر البحث وجود علاقة بدلالة إحصائيّة بين هذين المتغيّرين، فبلغت قيمة كاي التربيعي 7.226 ، حيث أظهر أن الذكور يشكّلون أعلى نسبة من الأشخاص الذين يؤكّدون على القبليّة في كتاباتهم؛ إذ بلغت هذه النسبة (62.2%)، بينما لا تتعدّى الكتابات القبليّة التي تكتبها النساء (5.2%).
2.4. عمر الكاتب:
أثبت التحليل الإحصائيّ أن العلاقة بين عمر الكاتب والقبليّة لها دلالة إحصائيّة، فبلغت قيمة كاي التربيعي 23.254. وهذه تشير إلى أن أعلى نسبة من الكتابات التي تؤكّد على القبليّة قد كُتبت من قبل الراشدين (77.1%). كما إن نصف الكتابات المتعلّقة بالراشدين تقريباً (45.1%) تؤكّد على القبليّة سواء أكان ذلك انتماءً وطنياً للقبيلة أو تعصّباً لها.
3. العدائيّة:
قد يتأثر الكاتب عند التعبير عن عدائـيّته (هجوماً أم لا) بدرجة سريّة المكان الذي يكتب فيه، وهذا ما سيقوم الباحث بإثباته في هذا الجزء.
1.5. درجة سريّة المكان:
أثبت التحليل الإحصائيّ وجود علاقة ذات دلالة إحصائيّة كبيرة بين عدائيّة الكاتب ودرجة سريّة المكان الذي كتبَ فيه؛ فبلغت قيمة كاي التربيعي 42.433. أثبتت النتائج أن (77.1%) من الكتابات الموجودة في أماكن سريّة غير هجوميّة، وهذا قد يدل في الوهلة الأولى على شيء من التناقض، إلاّ أن الدارس لهذه الظاهرة الاجتماعيّة يجد العديد من الكتابات الموجودة في أماكن ذات سريّة عالية لا تنتمي إلى موضوع الشوفنيّة، فلا تعبّر عن تعصّب أو انتماء أو أنانيّة، بل تتناول مواضيع أخرى كالحب أو الجنس، وتحتاج مثل هذه المواضيع إلى مثل هذه الأماكن للتعبير عنها في مجتمع يكاد الحديث فيه عنها أمراً ممنوعاً. كما أظهرت النتائج أن الجمل الهجوميّة تكتَب في أماكن ذات سريّة عالية بقدر ما تُكتَب في الأماكن العامّة تقريباً.
مناقشة نتائج البحث:
يدرس هذا البحث ظاهرة الشوفنيّة لدى الشباب الأردني كما تعكسها ظاهرة الكتابة على الجدران. حيث قام الباحث بتصوير الكتابات الموجودة في أماكن مختلفة من الجامعات والمدارس الحكوميّة والخاصّة ومن الحارات، والموجودة على أسطح مختلفة بدرجات متفاوتة في السريّة. وبعد الدراسة والبحث تبيّن أن هناك نتائج مهمّة:
أكّد البحث وجود علاقة ذات دلالة احصائية بين المغالاة (الشوفينية) لدى الشباب الاردني وكلا من المتغيرات التالية: موضوع الكتابة التي فيها مغالاة، والفريق الرياضي، والقبلية، والعدائية، وهدف الكتابة، والأثر الذي تتركه الكتابة في نفس القاريء. كما أكد البحث عدم وجود علاقة بين المغالاة وجنس كاتب الجمل على الجدار. وكذلك أظهر البحث أنّ الإناث ليس لديهن مغالاة قبلية كما هو عند الذكور-وهذا من ما لم تره دراسة من قبل، وأن الاشخاص الأكبر عمراً هم أكثر مغالاة من غيرهم.
من النتائج الخطيرة التي أظهرها هذا البحث أن مسألة الأفرقة الرياضيّة تساهم في استثارة التعصّب بين الأردنيّين أكثر ممّا تساهم في تعزيز مفهوم الانتماء لفريق رياضيّ معيّن، ويرجع ذلك كما ذُكر في مواضعَ أخرى في هذا البحث إلى حقيقة أن أشهر الأفرقة الرياضيّة في الأردن تنقسم إلى فريقين اثنين: الفيصليّ والذي يضمّ الأردنيّين، وفريق الوحدات الذي يضمّ أردنيّين من أصول فلسطينيّة. ولتعزيز دور الرياضة في زيادة الانتماء لدى الأردنيّين من دون تعصّب لا بدّ من إيجاد حلّ لهذه المشكلة الخطيرة، وهنا يقترح الباحث دمج أعضاء الفريقين بحيث لا يكون كلّ فريق ممثّلاً لبلد منفصل، بل يكون كلا الفريقين ممثّلاً للأردن دون تعصّب.
وقد اقترح الروسان أن يتم عمل دراسة لظاهرة الكتابة على الجدران بهدف تحليل الجانب النفسيّ للكاتب (2005)، وهذا ما قام به هذا البحث، حيث أظهرت النتائج أن عدائيّة الكاتب تساهم بشكل كبير في تغليب النّزعة الشوفنيّة عليه، وهنا يكمن دور التربية والتعليم في نشر الوعي وتعزيز مفهوم الانتماء بين الأردنيّين دون كراهية أو حقد لا مرجع له يؤدّي إلى توارث العدائيّة في نفس المواطن مع الزمن.
كما لم تقم دراسة فعليّة لظاهرة الكتابة على جدران الحمّامات تحديداً في الأردن من قبل، حيث تكمن أهميّة مثل هذه الدراسة في أهميّة الموقع الذي توجد فيه الكتابة من حيث حريّة التعبير الكبيرة نظراً لسريّته. أمّا هذا البحث فقد أثبت أن عدائيّة الكاتب والتي تؤثّر حتماً على تعصّبه بالتحديد لا ترتبط بالضرورة بالأماكن ذات السريّة العالية، ويرجع هذا في رأي الباحث إلى استغلال هذه الأماكن في التعبير عن مواضيع أخرى مهمّة مثل الحب والجنس والمواضيع الشخصيّة.
من أخطر النتائج التي أثبتها الباحث أن موضوع الشوفنيّة من المواضيع الخطيرة التي تؤثّر على وحدة الوطن وتبثّ التفرقة بين أبنائه، فقد تبيّن أن جميع الجمل التي تترك اثاراً سيّئة في نفس القارئ وتدعو إلى التفرقة هي جمل تعبّر عن التعصّب، بينما تعبّر معظم الكتابات التي تدعو إلى التوحيد وتترك آثاراً حميدة في نفس القارئ عن الانتماء وهذا ما يؤكّده الباحث من التناقض التّام بين الانتماء والتعصّب.
التّوصيات:
يوصي البحث إجراء المزيد من الدراسات العلميّة المشابهة حول جوانب مختلفة من ظاهرة الكتابة على الجدران. كما يوصي صانعي القرارات في الدولة بضرورة اتخاذ الإجراءات العمليّة لمنع أو لتقييد قدرة الأشخاص على الكتابة على الجدران خاصّة في المرافق العامّة كما ينصح المسؤولون في البلديات بمراقبة المرافق العامة كالحمامات وإجراء صيانة مستمرة لها بحيث تتم عملية دهان الأسطح التي تتعرض للكتابة و ذلك حتى لا تبقى الكتابة عالقة لفترات طويلة. إضافة الى ذلك، ينصح بان تقوم مؤسسات المجتمع المدني و مؤسسات الدولة الرسمية و الخاصة و المؤسسات التعليمية بتثقيف الشباب و توضيح المضامين السلبيّة للكتابة على الجدران. أما بالنسبة لوسائل الإعلام بجميع أشكالها فعليها تثقيف المجتمع كله حول نتائج الكتابة على الجدران و تأثير المغالاة على صحة المجتمع وتطوّره، وفي الوقت ذاته يجب على الإعلام إتاحة فرص أكبر للشّباب حتى يعبّر عن آرائه بشكل صحي ومشروع بعيداً عن السريّة و التقوقع خلف مرجعيّات جهويّة تجزّئ المجتمع الواحد وتحوّل أحيائه ومدنه إلى كنتونات لا تربطها سوى صلات قانونيّة رسميّة بينما تتباعد عن بعضها روحياً وثقافياً وفكرياً.
المراجع الأجنبية:
Alon, Yoav. Making of Jordan : Tribes, Colonialism and the Modern State.London, , GBR: I. B. Tauris & Company, Limited, 2007
Al-Rousan, R. M. (2005). A Sociolinguistic Study of Graffiti in Jordan. M.A., Yarmouk University, Irbid, Jordan.
Bates, J. A., & Martin, M. (1980). The Thematic Content of Graffiti as a Nonreactive Indicator of Male and Female Attitudes. The Journal of Sex Research, 16(4), 300-315.
Bryden, N. (2003). Bathroom Walls Speak Out: An Exploratory Study of Restroom Graffiti. Retrieved 27/7/2009, 2009, from http://sorrel.humboldt.edu/~jgv1/319Web/examples/2003/BathroomWalls.pdf
Ferrell, J. (1993). Crimes of Style: Urban Graffiti and the Politics of Criminality. New York: Garland Publishing Inc.
Little, R. E., & Sheble, M. A. (1987). Graffiti Vandalism: Frequency and Context Differences Between the Sexes. American Journal of Criminal Justice, 11(2), 217-226.
McKnight, J., & Sutton, J. (1994). Social Psychology. Sydney: Prentice-Hall (Australia).
Approaches. Berkshire: McGraw Hill Education.
Steinberg, P. &A. Oliver. (1990). The Graffiti of the Intifada: A brief Survey. Jerusalem: Passia.
Ziyad, G. (2003). Iraqi Graffiti, Word Press. Retrieved July 13, 2004.
المراجع العربية:
الحمود، ناصر. (2000). تحجيم الهمجية يكون بالتربية والتوجيه. الجزيرة 10/4/2000 على الانترنت 13/7/2004.
محمد، إبراهيم و محمد، طارق. (2004). شعارات الانتفاضة. ط1. لندن: منشورات فلسطين المسلمة.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق