الكتاب المدرسي بين الإيجابيات والسلبيات
مصطفى بغدادمجلة دعوة الحق - وزارة الاوقاف
238 العدد
أعز مكان في الدنى ظهر سابح
وخير جليس في الزمان كتاب
وقد أثنى عليه الجاحظ خيرا، ذلك أنه نعم الدخر والدخيرة، وبفضل الكتاب استطاع الكثير من الوراقين والأميين والمتعلمين أن يصلوا إلى مراتب عليا في مجالات مختلفة، والأمثلة هنا كذلك متعددة ومختلفة.
انطلاقا من هذه المقدمة يكون الكتاب المدرسي حاملا رسالة مبادؤها التعليم والتربية والتثقيف والتوجيه وتهذيب الوجدان، وشحذ الهمم والقدرات. وما إلى ذلك من الأمور التي أنيطت بالكتاب المدرسي، وتناط به في مختلف المراحل وعلى جميع المستويات، ويبدو أن مهمة الكتاب المدرسي الآن قد غدت أكثر إلحاحا و طرحا، خصوصا في زمان كثرت فيه مشاكل الاستيلاب والتأثيرات المختلفة، وعصفت بكل المتعلمين ريح المادة مبعدة إياهم عن شفافية الروح وصدقها وتطلعاتها وعبثت بهم أيدي الإثم والانحرافات والشذوذ والهيمنة الإستعمارية يغزوها الثقافي والفكري، كما أن الكتاب المدرسي يدخل الآن في صراعات المنافسة، إذ لا يخفى ما حملته الثورة التكنولوجية والإعلامية من مظاهر وعلامات وصور أثرت في مختلف الأوساط ومن بينهم بالطبع المتعاملين مع الكتاب المدرسي، وحتى إذا لم تستطع التأثير بصفة تامة فقد ألهتهم وشغلتهم عنه، ومن هنا يكون الكتاب المدرسي مطالبا بتحديد شكله ولونه، بطرح مادته بقالب أو قوالب جديدة تناسب ومن الرؤية وتجعله بالتالي يفرض وجوده ومكانته وسط هذه التيارات المختلفة.
أكيد أن المربين والمرشدين التربويين والمدرسين قد طالبوا بكتاب مدرسي يتجاوب مع ما تقتضيه حاجيات العصر وملابساته، ومن هنا لا بد من طرح التساؤلات التالية للإحاطة بالموضوع. ماهي الوضعية الحالية للكتاب المدرسي؟ ما هي وجهات نظر النظريات التربوية في هذا الباب؟ كيف ناقش المهتمون ظروف ومشاكل الكتاب المدرسي؟ وكيف حددوا آفاقه و طموحاته؟
وتجدر الإشارة إلى أن التربية التقليدية اعتمدت في أساسها على كسب المعارف والمعلومات وذلك بالحفظ والإستظهار، وأن المعلم في نظر التربية التقليدية هو الذي يعي في صدره علوما مختلفة، ومن هنا كان الكتاب المدرسي إطارها ووسيلته وأداتها، غير أن التربية الحديثة ترى في ذلك نقصا وانحسارا وتقلصا في العملية التربية، ويمكن هنا أن نشير إلى قولة رايلي: عليكم بقراءة في جيل في المروج الخضراء ووسط الغابات، كما يمكن الإستفادة في هذا المعنى من قولة روسو: إن فلسفتنا هي أعيننا وأيدينا وأرجلنا. ويمكن كذلك الرجوع إلى مختلف الطرق التربية، طريقة ذكرولمي أو طريقة مراكز الإهتمام كما يطلق عليها، وطريقة المشروع، وغيرها من الطرق التي تومن أساسا بقدرات المتعلم وبسعي العملية التربوية على بلورتها وإذكائها، ومن هنا كانت التربية عموما تعمل في سبيل تفتح هذه القابليات ونموها، ومن هؤلاء فرويد الذي أسمى مدرسته بالروض إشارة إلى إيمانه بالترويض. وإضافة إلى ذلك تومن النظريات الجديدة بشتى الوسائل في العملية التربوية، وتعتبر الكتاب المدرسي جزءا منها، ومن هنا كانت التكنولوجيا التربوية تهدف إلى إثبات هذه الوسائل التي انبقت عن ثورة التواصل والتي يمكن استعمالها لأغراض تعليمية بالإضافة إلى المعلم والكتب المدرسي واللوح الأسود، وهناك من المربين من ينفي كل ذلك ويعتبر العنصر الأساسي في التربية هو المعلم، لا الكتاب ولا المناهج ولا النظم والقوانين، ذلك أن لب التربية هو اتصال عقل بعقل وشخصية بشخصية، وإزاء ذلك يبقى الكتاب المدرسي بعيدا عن تلك الثقة التي توليها إياه التربية التقليدية.
وقد طرحت ندوات تربوية متعددة مشكلة الكتاب المدرسي، ويكفي أن نشير إلى ندوة الجمعية الوطنية لمدرسي اللغة العربية بالمدرسة العليا للأساتذة بتاريخ 16-17-18 من مارس 1977. وقد استهدفت العروض جميعها والمناقشات غرضا أساسيا وهو تطوير البرامج والمناهج وتطوير الكتاب المدرسي على ضوء التطور الثقافي في مجالي علوم اللغة والعلوم الإنسانية بوجه عام، كما أكد الباحثون على ضرورة إعادة النظر في هذه الكتب، لأن الوقت المخصص لها قد استنفذ، زيادة على أنها وقعت في أخطاء منهجية نتيجة السرعة في الإنجاز وعدم التنسيق الكافي بين المؤلفين كما يؤكد على ذلك مصطفى بومنديل في مجلة الرسالة التربوية - أبريل 1977.
ويرى الأستاذ عبد الله بناني في نفس الندوة ومن خلال عرضه: الجوانب التربوية للكتاب المدرسي، أن القيمة التربوية للكتاب المدرسي تبقى متوقفة على الأستاذ والتلميذ في طريقة استغلال الكتب وتحليلها ومناقشتها، وأن الأستاذ إذا تعامل مع الكتاب تعاملا ذكيا وطعم مادته بالمناقشة الهادفة وأرشد تلامذته إلى طريقة الإستفادة فهو سيغني لا محالة الجوانب التربوية، وبغض النظر عن مساوئ هذه الكتب فإن قيمتها متجلية في طريقة استخدامها والتعامل معها، ومهما يقال عنها فإنها ستبقى وسيلة هامة في العملية التعليمية، وأن الكتب الجديدة - في رأيه - قد تطورت من كتاب سيء الطباعة جاف إلى كتاب بديع وجيد، ولذلك يقترح تغيير هذه الكتب كل سنتين للخروج من أزمة الكتاب المدرسي.
وقد ناقش الأستاذ عبد الرحيم حمدات تدريس اللغة نتيجة صعوبة ملاحظا نفور التلاميذ من مادة اللغة العربية نتيجة صعوبة نصوصها وبعدها عن ظروف وبيئة المتعلمين، وقد أكد على ضرورة تحديد برنامج دقيق في التأليف مستفيدا من النصوص الثقافية و الأدبية.
وقد ارتأيت أن أعود إلى هذه الملاحظات نظرا لأنها تطرح مشاكل الكتاب المدرسي بالفعل، ورغم أنها آراء قد أفرزتها السنة التربوية المشار إليها سابقا فهي آراء لازالت تطرح في كل ندوة تربوية وتعليمية، فجل الكتب المدرسية لازالت جافة ومنفرة بشكلها ومضمونها ورغم أنها ترجع إلى سنوات فهي لازالت تستعمل وتوجه في المقررات الدراسية، ولدينا الدليل القاطع هو كتاب النصوص الفنية الذي ظهر سنة 71 للشعب العلمية والذي يعتبر إهانة في جبين اللغة، وقد أبدى الأساتذة والمتعلمون استياءهم وعبروا عن رفضهم لهذا الكتاب الذي لا يلبي طموح الراغب في تحصيل المعارف والمعلومات وفي تذوق النصوص واستعابها.
ويبدوا أن هذه الملاحظات تجعلنا نقف عند مجموعة من الآراء التي ستغني بالطبع موضوع الكتاب المدرسي، يرى الأستاذ محمد السعيدي في دراسة الكتاب المدرسي وطريقة الاستفادة منه - الرسالة التربوية، يناير 1982 - يرى أن دنيا التربية والتعليم قد عرفت مدارس شتى تتقارب أو تتباعد في الوسائل والأهداف، ولكنها تتفق جميعا على أن الحواس الطفل أقرب الطرق إلى عقله، وإنها يجب أن تكون سفر الحياة القيم الضخم أنفس كتاب يوضع بين يديه، وأن خير تعلم ما جاء نتيجة للتجربة الشخصية و للمارسة و الإحتكاك، وحتى اللغة لا يجوز أت تعلم عن طريق استظهار القواعد، وحفظ النصوص، بل يمتصها الطفل من البيئة وبواسطة التخاطب والتعامل كلما كان ذلك ممكنا... ويلاحظ الأستاذ السعيدي أن الرغبة في اجتياز الإمتحانات بنجاح هي المحرك الرئيسي لكل من الأستاذ والتلميذ وهي الإمتحانات بنجاح هي المحرك الرئيسي لكل من الأستاذ والتلميذ وهي امتحانات لا تهتم بنمو الملكات وتفتح المواهب والقابليات، بقدر ما تعنى بالإتزان والاستيعاب والحفظ والتحصيل، وأقوى التلاميذ ذاكرة أوفرهم حظا في النجاح، وفي وضع كهذا يكون الكتاب عموما والكتاب المدرسي على الخصوص المزود الرئيسي للمرشحين، ثم أن هناك مواد لا تستغني عن الكتاب - أحب اخصوم الكتب أم كرهوا - كالمطالعة والتاريخ والنصوص الأدبية والتربية الإسلامية.
وإذا كان ما يقوله الأستاذ السعيدي صحيحا فإن ضرورة الوقوف عند نوعية هذه الكتب التي أشار إليها أمر حتمي، فهل كتب المطالعة تستجيب لتلك الرغبة في التفتح وشحذ العزائم واستمالة العقول والقلوب إلى المثابرة والإستمرار في المطالعة والقراءة؟ وهل كتب التاريخ بما تزخر به من سرد وحشو ومغالاة وما إلى ذلك قادرة أن تقرب هذه المادة من الأذهان وتجعل المهتمين بها يحبونهاويتملون بمزاياها و فضائلها؟ وهل كتب النصوص قادرة على ترتيب نصوص جيدة ومتنوعة دون ملل ولا فوضى لتجعل المتعاملين معها يتذوقونها ويستمتعون بذررها الغالية وصورها الجميلة وقضاياها الفكرية والبلاغية؟ وهل تستطيع الآن كتب التربية الإسلامية أن تجلو هذه السحب المحملة بالفكر العلماني وطغيان المادة والاستيلاب وأن تجعل النشء قادرا على التمييز وتبث فيه في ذات الوقت روح الإبتكار والخلق والإبداع والقدرة على تحمل المسؤولية وتقديرها؟.
الواقع أن جل هذه الكتب لم تنج من أخطاء في المنهج والترتيب وتحديد الهدف والرؤيا. وحكمنا عليها الآن لن يكون بعيدا عن الإعتبار الأساسي لاطراد العلوم والمعارف الإنسانية والمتغيرات اليومية كما يقول تقرير ادجار فور الذي أعده لبيونسكو، بدليل أن هذه الكتب قد طال أمدها، وبدليل أن قضاياها وإن كانت صالحة، فهي تفتقر إلى الأسس التربوية والنفسية للمتعلمين ومراعاة ظروفهم الإجتماعية والبيئية والحاضر الذي يعيشونه بكل أبعاده وملابساته، وبدليل أن جل هذه الكتب لا تراعي الضبط اللغوي والنحوي، فالأخطاء متعددة، والحوار بين هذه الكتب والمستفيد منها يكاد يكون منعدما لما فيها من التعقيد والغموض أحيانا والركاكة والابتذال أحايين أخرى.
ولعل الأستاذ السعيدي كان صادقا عند ما تحدث عن مواصفات الكتاب المدرسي الأجنبي الذي يقول عنه أنه استفاد من الإنتقادات التي وجهت إليه والسلبيات التي أحصيت عليه، وكيف نفسه مع ما ينادي به كبار رجال التربية، فلم يعد مجرد مستودع لطائفة من المعلومات الجاهزة المتراكمة، كما لم يعد يختلف عن الكتب العامة في الحجم فقط، ورفض أن يكون مجرد تنحيص أو اختصار لما في الموسوعات والمطولات، وتطورت لغته، فجانبت الغموض والتعقيد، واتسم أسلوبه بالعذوبة والسلاسة والإشراق، وأضحى عاملا مساعدا على استقامة تعبير التلميذ والرفع من مستوى إنشائه، ولم يكتف بالحقائق يشرحها شرحا شفويا يبقيها في نطاق التجريد والعموم، وإنما عزز ذلك بالصور الملونة الزاهية والخرائط الموضحة الكاشفة والرسوم البيانية المعبرة.
هذا هو الكتاب المدرسي عند الأجانب، وشتان بين هذا وذاك، فكل الندوات واللقاءات التربوية والتعليمية وكل الدراسات والأبحاث تثبت بشكل جلي وواضح ما تتعرض له اللغة العربية من التحريف والتشويه وما يلحقها من التقصير والقصور بالرغم من أن حافظ إبراهيم يقول على لسانها:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
بالرغم من أن هذه اللغة ذات جذور حضارية وتاريخية عميقة بوأتها المكانة المرموقة عبر الحقب التاريخية واستطاعت أن تكون وعاء للفكر الإنساني تحفظه من الزوال والتلف والضياع، بالرغم من ذلك فإنها في كتب الإجتماعيات والفلسفة والرياضيات وحتى في كتب اللغة نفسها تبدو ركيكة وجافة ومعقدة تسعى فقط إلى إثبات قواعد ونتائج دون أن تكون هذه اللغة منسقة وملائمة ومعبرة عن خفايا وخبايا هذه القواعد نفسها من خلال نصوص ومختارات موحية ومشبعة بقضايا إنسانية.
وتبعا لذلك تلهث هذه الكتب وراء تحقيق هذه البغية دون مراعاة القضايا تربوية مهمة والتي تتمثل أساسا في صرف المتعلم عن القاعدة الأساسية وذلك بوقوفه وتساؤلاته عن الأخطاء الواردة في ثنايا هذه الكتب، ذلك أن اللغة أداة مهمة ووسيلة لا غنى عنها.
وبالنسبة لكتب النصوص الأدبية فإن الأمر يدعو إلى التأكيد على أن جلها يتسم برداءة اختيار خصومها وعدم انسجامها وتكافؤها، والتكرار الذي يعمها خصوصا كتب المطالعة والنصوص الأدبية، السنة الرابعة والخامسة والسادسة، وكذا الإكتضاض وتزاحم العصور الأدبية وتتابعها كما هو الشأن بالنسبة لكتاب النصوص الأدبية السنة الخامسة.
أما كتب التربية الإسلامية فقد سبق لندوة الأيام الدراسية للتربية الإسلامية - دجنبر 1979-أن برزت كل مشاكل المادة نفسها ومن ضمنها كتاب التربية الإسلامية، يقول الأستاذ محمد السعيدي: لقد عانت التربية الإسلامية ما لم تعانيه مادة أخرى من البخس والعبن و التحامل، منهاجا ومنهجية و تقديرا، فلم تكن تتعدى حصصها خمس عشر حصة في السنة الدراسية كلها وهي حصة لا تسمن ولا تغني من جوع، وأما المنهاج فخليط من الموضوعات التاريخية والحضارية والفقهية، ويلاحظ الأستاذ السعيدي أن الموضوعات الفقهية أبعد ما تكون عن أن تلقى الصدى المطلوب في نفس الدارسين لأنها لا تطرح القضايا التي يعيشونها ولا تثير المشاكل التي يودون رأي الإسلام فيها، وكانت المنهجية تقريرية مملة يحل فيها أسلوب الإرشاد والوعظ محل الحوار والإقتناع. مجلة الرسالة التربوية يناير 82.
يضاف إلى ما قاله الأستاذ السعيدي أن هذه المادة تسند إلى أساتذة غير متخصصين فيها مما ينتج عنه الملل التام لدى التلاميذ ويسبب لديهم نفورا واشمئزازا، ذلك أن تعامل الأستاذ هنا مع المادة يكون تعاملا سرديا وتقريريا معتمدا بالدرجة الأولى على الكتاب المدرسي الذي لا يخلو من هيئات وأخطاء منهجية من خلال تداخل مواده وموضوعاته، وسرد مباشر للآيات والأحاديث دون ربطها بالواقع والحياة اليومية، ومما يزيد في الطين بلة أن المادة لا تعتبر مادة أساسية في الاختبارات والإمتحانات مما يجعلها مادة لتزجية الوقت، وهذا قد أكدت عليه ندوة التربية الإسلامية وتؤكد عليه المجالس التعليمية، الشيء الذي يجب أخذه بعين الإعتبار لتصبح هذه المادة في مستوى ما هو مطلوب منها في أداء رسالتها الإنسانية والدينية والإجتماعية ولتغرس في النشء حب الخير والمكرمات والأخلاق الفاضلة، وتربي في النفوس العز والكرامة والسمو خصوصا والأجيال تمر بمراحل جد صعبة وشاقة، ومن هنا يكون الكتاب المدرسي مطالبا هو الآخر وبإلحاح مسايرة ومواكبة هذه القضايا بالحجة والدليل والحوار البناء المفيد. ولا نشك هنا في أن مجهودات بذلت في هذا المجال ولكنها مجهودات لازالت تحتاج إلى مزيد من الحوار والتحاور، لأن الأمر يتعلق بمادة تواجه وتجابه يوميا تيارات وأفكار مادية غربية وإعادة النظر من جديد في كتب هذه المادة وغيرها أمر حتمي وضروري إذا أردنا أن نحقق الأهداف المتوخاة من العملية التربوية والتعليمية.
ولعل الخطورة التي تحيط بمادة التربية الإسلامية وكتبها هي نفس الخطورة التي تحيط بمواد أخرى وكتبها مع تفاوت في نوعية هذه الخطورة نفسها، وقد سبق لي أن أثرت هذا الموضوع في برنامج: في رحاب الجامعة الذي كنت أعده للإذاعة، وذلك خلال ندوات مع أساتذة مختصين، حول كل مادة، وتبين من خلال التدخلات أن كتب مواد الإنجليزية والإسبانية والألمانية وحتى الفرنسية وبعض كتب الإجتماعيات لا تخلو من أخطاء ليس في المنهجية والموضوعات واللغة فقط ولكنها كتب تركز أساسا على موضوعات لا تمت بصلة للواقع المغربي والعربي والإسلامي وأنها تسبح في عوالم أخرى مما يحدث عند المتعلم استيلابا واضحا.
وقد أشار المشاركون في هذه الندوات إلى أن هناك كتبا ظهرت مؤخرا وقد حاولت أن تأخذ بعين الاعتبار الملاحظات السابقة، غير أن أمام المكلفين بإعدادها وتهييئها وفرصا أخرى لتلافي ما تبقى منها ولتهييء كتب أخرى ذات صلة وثيقة ببيئة المتعلمين وواقعهم مراعية في نفس الوقت النظريات التربوية و النفسية الحديثة وتطور اللغة والفكر والثقافات.
وكتعقيب على ما جاء في هذه الندوات فإن المسؤولين يولون حقيقة اهتماما كاملا لقضية الكتاب المدرسي نظرا لما يعرفونه عنه من تأثير بالغ الأهمية في العمليتين التربوية والتعليمية، ولذلك يوكلون أمره للجان متخصصة من المفتشين العامين ومن رجال التربية والتعليم، وقد أعطت هذه المجهودات بعض نتائجها لولا أن العمل غالبا ما يتم ببطء واضح وغالبا ما يكون التأخير هنا في غير صالح الكتاب المدرسي الذي لا يظهر في وقته مما يجعله معرضا لانتقادات من جهة، وأن الركب يفوته من جهة أخرى.
واعتقد من جهة أخرى أن الإتصالات التي تمت في بداية السنة الدراسية 83-84 بين لجان من تونس والمغرب على مستوى المفتشين العامين ومديري التعليم الثانوي لتبادل وجهات النظر والخبرات في مجال الكتب المدرسية تأليفها وبرامجها ومنهاجها، أعتقد أنها فكرة رائدة ما دامت تحث على التعريف بالكتاب التونسي من جهة، والكتاب المغربي من جهة أخرى، وما دامت تضع الثقافة التونسية والمغربية في محتواياتها، وهي فكرة ستكون أكثر نفعا وفائدة لو شملت مجالات التعاون في هذا الإطار بلدان عربية أخرى خصوصا والثقافة العربية تفترق لتتوحد في هدف واحد، والتربية العربية كذلك تسعى في شموليتها إلى نقلالإرث الحضاري والثقافي ولى تبديد غيوم المؤثرات الخارجية ومحو الأمية وإثبات الذات العربية ومقوماتها وأصالتها وتطلعاتها.
وما دمنا نتحدث عن المجهودات لا بد أن نشير إلى العناية التي أولتها وزارة التربية الوطنية للكتاب المغربي الذي ظل نسيا منسيا، وذلك بإدراجها كتبا مغربية ضمن المقررات الدراسية، فبعد " في الطفولة" لعبد المجيد بن جلون، و"دفنا الماضي" لعبد الكريم غلاب، و"مجموعة السقف" المجموعة القصصية لإبراهيم بوعلو، تدرج كتب أخرى: " كجيل الظمأ" لمحمد عزيز الحبابي، و" الهواء الجديد" لمحمد زنيبر، و " الطيبون" لربيع مبارك وغيرها، وهي بادرة طيبة ستكتمل فائدتها عند ما تدرج دواوين شعرية مغربية، وكذلك مجموعات قصصية جيدة، ومسرحيات مغربية متفوقة ودراسات نقدية هادفة، ذلك أن المستفيدين من الكتاب المدرسي سيعرفون أيضا مختلف الاتجاهات الأدبية، وسيقفون على أشكالها ومضامينها.
بعد هذا كله يحق لنا أن نتساءل عن الطرق والكيفية التي تمكن الجميع - مدرسين ومتعلمين - من الاستفادة منه؟ وبالتالي ما هو موقع الكتاب المدرسي من هذه المظاهر الحياتية الجديدة؟ وما هي سلبيات الكتاب المدرسي من الوجهة التربية و التعليمية؟ وما هي إيجابياته أيضا؟ وكيف نستطيع من خلاله تحقيق الأهداف و الطموحات؟.
الواقع أن الطرق والكيفية تكمن في كل درس بحيث يكون الكتاب المرجع الأول والأساسي على الأقل في ضبط النص، نص كل درس، ومن هنا تكون الطريقة المتبعة هي التي ينهجها كل أستاذ ويراها مفيدة ومبلغة ومودية إلى المرامي المقصودة، والنص في الكتاب المدرسي يتحول إلى درس بمراحله المتتابعة و أسئلته الذكية وإشاراته العميقة الدلالة وإحالاته التي تدفع بالمتعلمين إلى الإطلاع والتوسع والإتصال بمرجع أوسع وأشمل.
ومن هنا يكون النقص الحاصل في بعض الكتب المدرسية أنها جد محدودة في إيحاءاتها و تطلعاتها و إنها لا تجود إلا بما هو معروف لا يلبي رغبة المتعلمين و لا يشبع نهمهم العلمي وشغفهم بالثقافة و الفكر. ويمكن أن نعطي كنموذج لذلك دراسات المؤلفات، فمن المعروف أن المتعلم هنا لا غنى له عن الكتاب الأصلي أو المؤلف الأصلي، ولكن الدراسة التي يتناولها والتي هي بين يديه من خلال كتاب دراسة المؤلفات الذي هو عبارة عن دراسات لثلاثة مؤلفات، غالبا ما تتسم بالاختصار والتركيز المفرطين و اللذين لا يتفقان مع ما يوجه حول هذه المؤلفات من دراسات نقدية ومتابعات أدبية، وهو ما يمكن تأكيده كذلك بالنسبة لمواد أخرى من حيث أفق كتبها المحدود ومداها القصير.
وبالنسبة للواقع، واقع الكتاب المدرسي، فقد سبقت الإشارة إلى المنافسة التي تستهدفه من وسائل الإعلام المختلفة كالإذاعة والتلفزيون و السنيما و المجلات و الجرائد و ما إلى ذلك، ولكن جل المربين أثبتوا أن الكتاب المدرسي يبقى قادرا على تجاوز هذه المظاهر إذا كان يتدرع بشكل جيد و ممتاز ومادة غنية خصبة و أسلوب جيد رفيع.
يبدو أن المهتمين بالمجالات التربوية و التعليمية قد وضعوا الكتاب المدرسي في مكانه الخاص وحدودا بذلك سلبياته وإيجابياته، ومن ثم فلسلبيات الكتاب المدرسي تتجلى بصفة خاصة في نشره وتعويده المتعلمين التواكل والتكال على الغير، بحيث يصبح المتعلم رهين بمعلمه وزملائه في الفصل وغيره مرتبطا بهم في فهمهم لنصوص هذا الكتاب دون أن يكون لهذا المتعلم طموحات في البحث والتقصي والاطلاع على مصنفات ومؤلفات أخرى، وهي ظاهرة ربما تسربت بشكل واضح حتى إلى المدرسين الذين لم يعد لديهم ذلك الأفق الرحب وتلك النظرة الشمولية للمادة المدروسة، والحكم هنا بالطلع ليس عاما، ومن السلبيات أن الدورة كلها تقضي في البحث عن هذا الكتاب المدرسي الذي غالبا ما يكون مفقودا، ومن جهة أخرى فإن المكتبة المدرسية غالبا ما تكون فقيرة ومتواضعة في كتبها، و بالتالي فإن إلزام التلاميذ بإحضار الكتب المدرسية يكون لدى المتعلم فكرة خاطئة عن الكتاب المدرسي، الشيء الذي يؤدي به إلى الغياب التلقائي عوض أن يطرده أستاذه، مع العلم أن قضية إحضار الكتاب ضرورية ولكنها ليست كل شيء، والأمر الضروري والأساسي هنا ماذا تريد من الكتاب المدرسي؟ ما هي العلاقة التي نستشعرها ونحن نلقي درسا؟ هل هي علاقة حميمة بين المتعلم وهذا الكتاب؟
أن أكبر خطأ في نظري ترتكبه التربية الحديثة هو القراءة في حد ذاتها، فالقراءة الجيدة تكاد تكون منعدمة، إذن ما جدوى وجود كتاب مدرسي لدى المتعلم وهو لا يستطيع قراءة نص قراءة فصيحة، وخالية من الأخطاء، والأمر هنا يتعلق أيضا بمدى إهمال وعدم مراقبة المتعلم ومتابعة خطواته في التهييئ والتحضير وأداء الواجبات والفروض اليومية، مما يجعل هذا الكتاب في حد ذاته شيئا ثانويا إن لم نقل عاديا.
ومن إيجابيات الكتاب المدرسي أنه يصاحب المعلم والمتعلم في كل الأوقات يستأنس به كل منهما ويستجيب لرغباتهما ويدفعهماإلى التدبر والتأمل غير مخف عطاياه وسجاياه، يجود في كل لحظة بسخاء مطرد، يجمع المتعلم بأقرانه وزملائه ويكون مصدر حديثهم ومرجعهم وبداية محاوراتهم وأحاديثهم يغني أفكار ويصقل مواهبهم ويشحد هممهم وعزيمتهم.
ومن إيجابيات الكتاب المدرسي التي لا ينكرها أحد أنه يحفظ المستفيدين منه من التيه والضياع، ذلك أنه يربطهم بمقررهم الدراسي، ويقيهم مغبة الضلال والزيغ عن جادة الصواب، يغريهم بصوره الجميلة وطباعاته الأنيقة الجذابة ومعلوماته المفيدة، وآفاقه الرحبة الواسعة، وأسلوبه الشيق الممتع، وحواره المقنع، واستشرافه قضاياهم ومشاكل عصرهم وبيئتهم، يجمع ذلك كله بين دفتيه مفيدا وممتعا وقائدا لا يهيم ولا يستكين و لا يفتر.
عندما يكون الكتاب المدرسي كذلك، وعندما نحسن استعماله والاستفادة منه، وعندما نعمل على إثرائه وإغنائه بطرق تربوية مجدية، وعند ما نربي في المتعلمين مزاياه وإيجابياته وفضائله، عندئذ ستبلغ الأهداف والغايات وستحقق مرامي العملية التربوية التعليمية والتي تسعى أساسا إلى تكوين جيل واع مقدر لمسؤولياته، متطلع إلى المستقبل الباسم المشرق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق