الخطاب الحجاجي عند الجاحظ في كتابه البيان والتبيين
p. 179 -234
Cet article vise à étudier les mécanismes de l’argumentation linguistique qui sont employés par EL-DJAHED dans El-Bayen Wa Ettabiin.
Nous
chercherons à mettre en évidence les stratégies de l'argumentation en
langue arabe à travers l’application de la théorie de l’argumentation
dans la langue de DUCROT et ANSCOMBERE.
- النص والخطاب (إشكالية المصطلح
- تعريف الحجاج
- اصطلاحا
- الحجاج عند ديكرو
- -الحجاج عند الجاحظ
-
- - مظاهر الحجاج عند الجاحظ
- -آليات الحجاج اللغوي في البيان والتبيين:
النص والخطاب (إشكالية المصطلح
إن
مصطلح النص والخطاب من أهم المصطلحات التي شغلت اهتمام الدارسين والنقاد
باختلاف مدارسهم وتوجهاتهم، ولكن لا يكاد المتتبع لهذه الدراسات أن يقف عند
تعريف شاف لأيّ منهما، فهل هما مفهومان منفصلان, أم أن كليهما واحد ؟ نحن
لن نخوض في هذه المسألة، وإنما سوف نعطي للنص صفة الخطاب .فحسب بنفنيست
هو" كل مقول يفترض متكلما ومستمعا تكون لدى الأول نية التأثير في الثاني
بصورة ما"، لهذا اعتبرنا نص الجاحظ خطابا، فالجاحظ عند تأليفه لكتاب البيان
والتبيين كان هدفه التأثير في المتلقين بأفضلية الجنس العربي على الفارسي
وإبراز خصائص الجنس العربي وما يميزه عن غيره وهذا كله لدحض الشعوبية التي
طعنت في الجنس العربي وعلى هذا كله اعتبرنا كتابه بمثابة خطاب حجاجي يسعى
الجاحظ من خلاله الدفاع عن خصوصية الجنس العربي.
تعريف الحجاج
لغة
يعرف
ابن منظور الحجاج يقول: "الحجة: البرهان، وقيل الحجة ما دوفع به عن الخصم،
وقال الأزهري: الحجة الوجه الذي يكون به الظفر عند الخصومة، وهو رجل محاجج
أي جدل، التحاج: التخاصم، وجمع حجة يحج وحجاج وحاجة محاجة وحجاجا نازعه
الحجة، وحجه محجة وفي الحديث (فحج آدم موسى) أي غلبه بالحجة، والحجة الدليل
والبرهان، يقال حاججته فهو محاج وحجج فقيل بمعنى فاعل، ومنه حديث معاوية
(فجعلت احج خصمي) أي أغلبه بالحجة1-), وقال الشريف الجرجاني : الحجة ما دل به على صحة الدعوى، وقيل الحجة الدليل 2
وعلى هذا يكون الحجاج: النزاع والخصام بواسطة الأدلة والبراهين والحجاج يكون مرادفا للجدل.
وعلى هذا يكون الحجاج: النزاع والخصام بواسطة الأدلة والبراهين والحجاج يكون مرادفا للجدل.
وفي اللغة الفرنسية لفظة « argument », تشير الى عدة معاني متقاربة أبرزها حسب قاموس « le Robert »:
القيام باستعمال الحجج و هو مجموعة من الحجج التي تستهدف تحقيق نتيجة
واحدة، وهو كذلك فن استعمال الحجج ، الافتراض بها في مناقشة معينة.
أما في الإنجليزية فيشير لفظ argue » « إلى وجود اختلاف بين طرفين ومحاولة كل منهما إقناع الآخر بوجهة نظره، بتقديم الأسباب والعلل « raisons » التي تكون حجة « argument » مع أو ضد فكرة رأي أو سلوك ما"
فمن خلال هذه التعريفات المعجمية نجد لفظة الحجاج تتأرجح بين المعاني التالية: تخاصم، تنازع،
الجدل، الغلبة.
أما في الإنجليزية فيشير لفظ argue » « إلى وجود اختلاف بين طرفين ومحاولة كل منهما إقناع الآخر بوجهة نظره، بتقديم الأسباب والعلل « raisons » التي تكون حجة 3« argument » مع أو ضد فكرة رأي أو سلوك ما"
فمن خلال هذه التعريفات المعجمية نجد لفظة الحجاج تتأرجح بين المعاني التالية: تخاصم، تنازع، الجدل، الغلبة.
اصطلاحا
تتعدد تعريفات الحجاج وتتشعب وتختلف من دائرة إلى أخرى فهناك مفاهيم فلسفية ومفاهيم منطقية وأخرى قانونية ،إلى جانب المفاهيم البلاغية والتداولية ويرجع السبب في ذلك إلى عدة عوامل هي:
-
تعدد مظاهر الحجاج وتنوعها (الحجاج الصريح، الحجاج الضمني).
-
تعدد استعمالات الحجاج وتباين مرجعياتها (الخطابة، الخطاب، الفلسفة، المنطق).
-
خضوع الحجاج في دلالته لما يميز ألفاظ اللغة الطبيعية من ليونة تداولية وتأويلات متجددة وطواعية استعمالية.
فلفظة
الحجاج مرت بتطورات كثيرة في الفكر العربي والغربي، انطلاقا من
السوفسطائيين الى غاية التداوليين وعند العرب من دلالة اللفظة في القرآن
الكريم إلى غاية دلالتها عند مفكري القرن العشرين, لكن ما يهمنا نحن من هذا
كله التعريف الذي قدمه ديكرو، لأن نظريته هي التي سوف نطبق مبادئها على المدونة.
الحجاج عند ديكرو
:
يرى ديكرو أن اللغة تحقق أعمالا لغوية وليست وصفا لحالة الأشياء في الكون،
وأن الوظيفة الحجاجية هي الوظيفة الأساسية للغة، كما فرق ديكرو بين معنيين
للحجاج: المعنى العادي والمعنى الفني الإصطلاحي. والحجاج موضوع النظر في
التداولية المدمجة هوالمعنى الثاني، فالحجاج بمعناه العادي هو طريقة عرض
الحجاج وتقديمها بهدف التأثير في السامع أما الحجاج بالمعنى الفني فيدل على
صنف مخصوص من العلاقات المودعة في الخطاب والمدرجة في اللسان، ضمن محتويات
الدلالية والخاصية الأساسية للعلاقة الحجاجية أن تكون درجية وقابلة للقياس
أي تكون واصلة بين السلال4
فلقد انطلق ديكرو في نظريته من ثلاث مبادئ هي:
-
الوظيفة الأساسية للغة هي الحجاج.
-
المكون الحجاجي هو المعنى الأساسي والمكون الإخباري ثانوي.
-عدم
الفصل بين الداليات والتداوليات او ما يسمى بالتداولية المدمجة وهي
"اندماج التداول في الوصف الدلالي واشتغالهما مباشرة في البنية التركيبية"5.
-الحجاج عند الجاحظ
- مظاهر الحجاج عند الجاحظ
تتجلى
مظاهر الحجاج عند الجاحظ من خلال تعريفه للبيان: "فالبيان إسم جامع لكل
شيء كشف لك قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضمير؛ حتى يُفضى السامع إلى
حقيقته، لأنَّ مدار الأمر والغاية التي إليها يجري القائل والسامع؛ إنما
هو: الفهم الإفهام؛ فبأي شيء بلغت الإفهام، وأوضحت عن المعنى فذلك هو
البيان في ذلك الموضع."6 فالجاحظ
أعطى للبيان مفهوما إجرائيا تجاوز به الوظيفة الأولى للغة والمتمثلة في
الوظيفة التواصلية إلى الاهتمام بالبعد الحجاجي للغة وعليه:
فمفهوم البيان تتنازعه وظيفتان: الأولى إفهامية تتعلق بعناصر المقام وخصائصه.
أما الثانية في حجاجية إقناعية وأساسها الفصاحة وإحكام الحجة ومعرفة أحوال المخاطبين.
ويرى محمد العمري أن مادة "البيان والتبيين" لا تخرج عن ثلاثة محاور أولها: وظيفة البيان وقيمته، ثانيها: العملية البيانية وأدواتها، أما الثالثة: فخاصة بالبيان العربي: قيمته وتاريخه.
ففي
الوظيفة الأولى نجد الحديث عن طبيعة البيان وقيمته من خلال تعريفه وربطه
بالفهم والإفهام والدفاع عن الخطابة وما يتصل بها، بينما نجد في الوظيفة
الثانية الحديث عن المقام الخطابي (أحوال المخاطبين) وأنواع الأدلة على
المعاني: (اللغة، الإشارة، الخط، العقد ...)، أما في الوظيفة الثالثة فهناك
الدفاع عن البيان العربي وتقاليده من الشعوبيين7
ومن
العناصر الحجاجية التي اهتم بها الجاحظ "مقتضيات المقام" وما تُشمله من
أحوال الخطيب وكفاءته اللغوية، ففصَّل القول فيما يخص الخطيب من صفات جسدية
وملكات ذهنية، ولم يقتصر حديثه على تعداد المميزات
الإيجابية التي تمنح خطابه القبول، من حلاوة القول والحذق فيه، بل فطن إلى
التنبيه على الخصائص السلبية التي تضعف من موقفه مثل: العيوب النطقية
والعيّ، كما لم يغفل عمّا يتعلق بهيئة الخطيب العامة من طول وقصر وحسن
ودمامة وما يجب أن يتحلى به من أخلاق وما يعاب في ذلك8.
كما
اهتم بالعلامات السيميائية والدور الذي تلعبه في الإقناع. ومن تمظهرات
الحجاج عندهتعريفه للبلاغة: استشهد ببعض ما ورد في صحيفة تنتمي إلى الثقافة
الهندية، إذ يقول: "أول البلاغة اجتماع آلة البلاغة، وذلك أن يكون الخطيب
رابط الجأش، ساكن الجوارح، قليل اللحظ، متخير اللفظ، لا يكلم سيد الأمة ولا
الملوك بكلام السوقة [...]"9.
ففي هذا النص يتضح "أن الغاية القصوى عند الجاحظ في كتابه البيان والتبيين
هي الخطاب الإقناعي الشفوي، وهو إقناع تقدم فيه الغاية (الإقناع) على
الوسيلة (اللغة) وتحدد الأولى طبيعة الثانية وشكلها حسب المقامات والأحوال10.
والملاحظ والمُتأمل في كتاب "البيان والتبيين" يلاحظ أن الخطب التي أوردها في كتابه على ثلاث محاور11 .): محور
ديني نجد فيه خُطب النبي صلى الله عليه وسلم وخُطب الصحابة رضي الله عنهم
ومحور سياسي فيه خطب الحجاج وزياد وأنصارهما وخصومهما، ومحور ثالث جدلي
مذهبي كان نتيجة للصراع الفكري الذي عرفه المسلمون في عصره، فهذه المحاور
الثلاث يغلب عليها طابع الحجاج الذي يكثر من ذكر مادته اللغوية بجميع
اشتقاقاتها الصرفية، ومتعلقاتها الدلالية.
-آليات الحجاج اللغوي في البيان والتبيين:
سوف نقوم بتحليل ثلاث أبواب من كتاب البيان والتبيين، وذلك وفق نظرية "الحجاج داخل اللغة" للباحثين: ديكرو وأنسكومبر،
وذلك برصد بعض آليات الحجاج اللغوية والمتمثلة في السلالم الحجاجية
والعوامل والروابط الحجاجية والأفعال اللغوية إلى غير ذلك من الآليات،
محاولين الكشف عن كيفية عمل هذه الآليات وكيف وظف الجاحظ اللغة وأساليبها
في العملية الحجاجية؟.
1-باب البيان:
نلج باب البيان والموجود
ضمن كتاب البيان والتبين بحيث يكون تحليلنا تحليلا لغويا من خلال رصد
السلالم الحجاجية والعوامل والروابط الحجاجية والأفعال اللغوية -السلم الحجاجي (-أبوبكر,العزاوي 2006 :20)
هو علاقة ترتيبية للحجج وهو يقوم على ترتيب
الحجج عموديا من الحجة الضعيفة إلى الحجة القوية في فئة حجاجية واحدة، كما
يكون كل قول في السلم دليلا على مدلول معين، كان ما يعلوه مرتبة دليلا
أقوى منه.
ومن أمثلة ذلك:
يقول الجاحظ : «وإنما تحيا تلك المعاني في ذكرهم لها وإخبارهم عنها واستعمالهم إياها» (-الجاحظ : 56).
ففي
هذا المثال نجد الجاحظ يتدرج في استعمال الحجج، فقد بدأ بالحجة الضعيفة
حتى وصل إلى أقوى الحجج وهذا كله ليخدم نتيجة واحدة هي أهمية البيان والذي
من خلاله تتجدد المعاني وتحيا، ويكون ذلك بالشكل التالي:
بحيث (ح) حجة أو حجج و(ن) نتيجة.
فكل
هذه الحجج تخدم نتيجة واحدة وهي أن المعاني تجدد من خلال ذكرها (كما يقول
الجاحظ)، ثم الإبانة عنها والإفصاح بها وذلك من خلال الإخبار عنها ثم استعمالها وهي أقوى الحجج والتي وردت في أعلى السلم الحجاجي.
-الروابط والعوامل الحجاجية
تُعتبر العوامل والروابط الحجاجية من أهم مرتكزات النظرية اللسانية، وعلى أساسها قامت الحجاجيات اللسانية.
-الروابط الحجاجية(les connecteurs)12
أحد المؤشرات الحجاجية التي تسند معنى من
المعاني إلى المقولات التي يتلفظ بها المتكلم، وبها توجه دفة الحجاج بداية
ونهاية، وتحتوي اللغة العربية على عدة روابط حجاجية شأنها في ذلك شأن
اللغات الأخرى، ونذكر منها ما يلي: بل، لكن، إذن، لاسيما، لأن، إذا، الواو،
اللام، كي.
وكتاب
البيان والتبيين مليء بهذه الروابط الحجاجية، فسوف نحاول دراسة البعض من
هذه الروابط، وتوضيح عمل هذه الأدوات اللغوية في العملية الحجاجية وكيف
وظفها الجاحظ في كتابه؟.
لقد اعتمدنا التقسيم الذي قام به أبوبكر العزاوي في كتابه (اللغة والحجاج)، فلقد ميز بين أنماط عديدة من الروابط13 .):
-
الروابط المدرجة للحجج مثل (لأنّ، اللاّم، لهذا).
-
الروابط المدرجة للنتائج (إذن، لهذا).
-
روابط التعارض الحجاجي (بل، لكن ...).
-
روابط التساوق الحجاجي (حتى، ...).
الروابط المدرجة للحجج:
-الرابط الحجاجي "لأن"
يعتبر الرابط "لأنَّ" من أهم أدوات التعليل ويستعمل لتبرير الفعل، ولقد
استعمله الجاحظ في تقديم الحجج، حيث يكون الحجاج على الشكل التالي:
ومثال ذلك:
قول
الجاحظ: «ثم اعلم، حفظك الله، أن حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ لأنَّ
المعاني مبسوطة إلى غير غاية، ومعتمدة إلى غير نهاية، وأسماء المعاني
مقصورة معدودة ومحصلة محدودة»14 .
النتيجة: حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ.
الرابط: لأنَّ.
الحجة: المعاني غير محدودة والألفاظ محدودة.
فالرابط الحجاجي "لأنَّ" ربط بين النتيجة والحجة، والرابط جاء بعد إلقاء النتيجة، وجاءت الحجة بعده لتعلل النتيجة.
روابط التعارض الحجاجي15
تعد "لكن" و"بل" الحجاجيتان من روابط التعارض الحجاجي* التعارض الحجاجي هو مبدأ حجاجي ينص على أنه إذا كان لدينا حجة"ح"تصلح لتعزيز النتيجة"ن" فمن الضروري أن توجد حجة"حَ"لتعزيز النتيجة المعارضة "لا-ن"بحيث "حَ"ليست بالضرورة لا "ح":وذلك
بين ما يقدم الرابط وما يتبعه، فالقسم الأول "أ" يتضمن حجة تخدم نتيجة "ن"
والقسم الثاني "ب" يخدم نتيجة مضادة "لا – ن" وتكون الحجة الثانية أقوى من
الأولى وبهذا توجه القول بمجمله نحو نتيجة "لا – ن".(حيث "أ" و"ب" حجج).
الرابط "لكنَّ"
يقول الجاحظ: «وقال علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهما:
لو كان الناس يعرفون جملة الحال في فضل الاستبانة وجملة الحال في صواب
التبيين لأعربوا عن كل ما تختلج في صدورهم ولوجدوا من برد اليقين ما
يُغنيهم عن المنازعة إلى كل حال سوى حالهم وعلى أن درك ذلك كان يعدمهم في
الأيام القليلة العدة والفكر القصير المدة ولكنهم بين مغمور بالجهل ومفتون
بالعجب ومعدول بالهوى من باب التثبيت ومصروف بسوء العادة عن تفضيل التعلم»16
ففي
المثال نجد "لكن" تعمل تعارضا حجاجيا بين ما يتقدمها وما يتلوها، وهي تربط
بين حجتين، فالحجة الأولى تتمثل في (لو كان الناس يعرفون جملة الحال في
فضل الاستبانة وجملة الحال في صواب التبيين ...) تخدم نتيجة ضمنية تتمثل في
معرفة فضل البيان والتبيين في الإفصاح عن المعاني وما يختلج صدور الناس من
أفكار، أما الحجة الثانية التي جاءت بعد "لكن" والمتمثلة في (من بين مغمور
بالجهل ومفتون بالعجب ومعدول بالهوى من باب التثبت ومصروف بسوء العادة عن
تفضيل التعلم) والتي تخدم نتيجة ضمنية من قبيل أن الجهل والافتتان بالدنيا
هو السبب في عدم معرفة الناس فضل البيان. وعليه فالحجة الثانية أقوى من الحجة الأولى ومعارضة لها، فتكون النتيجة المضادة هي النتيجة التي يؤول إليها الكلام.
2-2-3 روابط التساوق الحجاجي
-الرابط "حتى"
يتمثل
دورها في الربط بين الحجج التي تنتمي إلى فئة حجاجية واحدة، أي أنها تخدم
نتيجة واحدة، ثم إن الحجة التي ترد بعد "حتى" هي الأقوى.
ومثال على ذلك:
يقول الجاحظ: «والبيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجب دون الضمير حتى يفضي السامع إلى حقيقة ويهجم على محموله كائنا ما كان ذلك البيان» 17
-
فالرابط "حتى" ربط بين مجموعة من الحجج.
-
الحجة الأولى: إيضاح المعنى.
-
الحجة الثانية: كشف الكلام في الصدور.
الحجة الثالثة: إدراك السامع حقيقة المعنى القائم في النفس.
فكل هذه الحجج التي وردت قبل "حتى" أو بعدها، تخدم نتيجة واحدة هي أن البيان هو العملية الموصلة للفهم والإفهام.
-العوامل الحجاجية(les opérateurs)
العوامل
الحجاجية لا تربط بين متغيرات حجاجية (أي حجة ونتيجة أو بين مجموعة حجج)
ولكنها تقوم بحصر وتقييد الإمكانيات الحجاجية التي تكون لقول ما18
وتتجسد هذه العوامل فيما تمثله الأقوال ذاتها من أساليب كأسلوب النفي
والقصر الذي يعبر عنهما بمكونات معينة مثل (إلا ... أو مكونات معجمية تتميز
في غالب الأحيان بإحالة غير مباشرة مثل: منذ، تقريب19 .
وهي تعمل وفق مبدأ الاقتضاء.
-العامل الحجاجي "لن ... إلا":
يقول
الجاحظ: «والصوت هو آلة اللفظ وهو الجوهر الذي يقوم به التقطيع وبه يوجد
التأليف ولن تكون حركات اللسان لفظا ولا كلاما موزونا ولا منثورا إلا بظهور
فحجة
هذا القول تتمثل في (لن تكون حركات اللسان لفظا ولا كلاما موزونا ولا
منثورا إلا بظهور الصوت) وهي تسير في الاتجاه نفسه للحجة التالية:
(تكون
حركات اللسان لفظا وكلاما موزونا ومنثورا بظهور الصوت) وهي تخدم النتيجة
التي تخدمها الحجة، ويمكن التمثيل لهذه العلاقة بالشكل التالي:
تكون حركات اللسان لفظا وكلاما موزونا ومنثورا بظهور الصوت، الصوت هو الذي يجعل حركات اللسان لفظا وكلاما موزونا ومنثورا.
لن
تكون حركات اللسان لا لفظا ولا كلاما موزونا ولا منثورا إلا بظهور الصوت،
الصوت هو الذي يجعل حركات اللسان لفظا وكلاما موزونا ومنثورا.
فبين الجاحظ أهمية الصوت في التعبير عن المعاني، واعتمد أسلوب القصر بالنفي والاستثناء والذي تمثل في العامل، لن ... إلَّا.
-الأفعال اللغوية20(les actes de langages)
الأفعال اللغوية هي الجمل التي لاتصف أيّ واقع خارجي,فلا يمكن القول عنها صادقة أو كاذبة ولكن مجرد النطق بها يشكل في حد ذاته فعلا.وهي تقوم
بأدوار مختلفة في الحجاج، إذ يقوم كل فعل منها بدور محدد في الحجاج، ومن
الأفعال اللغوية نجد الاستفهام النهي والأمر، وعليه فسوف نقوم برصد هذه
الأفعال وكيف ساهمت في العملية الحجاجية؟.
-الاستفهام:
وهو
يُعد من أنجح أنواع الأفعال اللغوية حجاجا، ويسميه "ديكرو وأنسكومبر"
الاستفهام الحجاجي ويُعرفه بأنّهُ: «نمط من الاستفهام يستلزم تأويل القول
المراد تحليله، انطلاقا من قيمته الحجاجية»21
ومثال ذلك:
يقول الجاحظ: «من شق أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك؟»22
فهذا
الاستفهام هو حجة لنتيجة ضمنية هي: دلالة الجماد على قدرة الله عز وجل وهي
برهان على عظمة خلقه إن لم تنطق بذلك، وهذا كله يبرز دور العلامات
السيميائية في إبراز المعنى وتوضيحه.
باب كلام بعض المتكلمين من الخطباء
-السلم الحجاجي:
يقول الجاحظ: «قال أبو الحسن: سمع أعرابي
رجلا يقول: أشهد أن محمدا رسول الله، قال: ماذا؟، قال: وكان يقال أول
العلم الصمت والثاني الاستماع، والثالث الحفظ، والرابع العمل به، والخامس
نشره»23 .
ففي
هذا المثال حاول هذا الرجل أن يجعل العلم في مراتب، بحيث أورد حججا مرتبة
ترتيبا عمودي، فبدأ بالحجة الضعيفة ثم الأقوى حتى وصل إلى أقوى الحجج،
ويمكن أن نمثل هذا بالشكل التالي:
فالعلم
يأتي بالصمت لحسن الاستماع وبعد الاستماع يأتي الحفظ الذي يمكن العلم
بالاستقرار في عقل المتعلم ثم العمل بهذا العلم واعلى مرتبة هي نشره
ليستفيد الناس منه.
2-الروابط الحجاجية:
2-1الرابط "لاسيّما":
تُعتبر لا سيّما من الروابط الحجاجية التي تربط بين النتيجة والحجة، ومثال ذلك:
يقول الجاحظ: «... فقال إنّما لمّا
سهل علينا ما توعر على غيرنا من الوصول إليك قمنا مقام الأداء عنهم وعن
رسول الله بإظهار ما في أعناقنا فريضة الأمر والنهي عند انقطاع عذر الكتمان
في التقية ولا سيّما حين اتسمت بميسم التواضع»24
فالرابط "لا سيّما" ربط بين النتيجة (بيعة الخليفة في الأمر والنهي) والحجة (اتسام الخليفة بالتواضع.
2-2-الرابط "بل"
نحن نعلم أن "بل" تعمل عمل "لكن" وهي من روابط التعارض الحجاجي، أي أنها للإضراب وقد تكون غير ذلك فأحيانا تعمل عمل "حتى" بمعنى عمل التساوق الحجاجي، أي تربط بين حجج تنتمي إلى فئة حجاجية واحدة.
ومثال ذلك:
يقول الجاحظ: «أو ما علمت أن المعصية تثمر المذلة؟ وتفل غرب اللسان مع
السلاطة، بل ما علمت أن المستشعر بذل الخطيئة، المخرج نفسه من كنف العصمة
المتحلي بدنس الفاحشة قطف الثناء زمر المروءة قصي 25
فالرابط
"بل" عمل على الربط بين حجتين، الحجة الأولى والتي هي (أو ما علمت أن
المعصية تُثمر المذلة؟ وتفل غرب اللسان مع السلاطة) وهي تخدم نتيجة ضمنية
هي المعصية سبب المذلة، والحجة الثانية والتي جاءت بعد بل هي (ما علمت أن
المستشعر بذل الخطيئة، المخرج نفسه من كنف ...) تخدم نتيجة هي من قبيل ذل
الخطيئة يرمي بصحابه إلى الهوان، فالحجة التي هي بعد "بل" هي الحجة الأقوى.
3-العوامل الحجاجية:
3-1العامل الحجاجي "إلّا":
يقول الجاحظ: «ونأت عن قلبك العبرة إلا طول مجاورة التقصير واعتياد الراحة والأنس بالهوى وإيثار الاخف وإلف قرين السوء»26.
فالحجة
هنا تتمثل في: (ونأت عن قلبك العبرة إلا طول مجاورة التقصير) وهي تسير في
نفس الاتجاه مع الحجة (ونأت عن قلبك طول مجاورة التقصير)، وهما تخدمان
نتيجة ضمنية هي أن الغفلة والاشتغال بالدنيا ومفاتنها يجلب الغفلة ويبعد
القلب عن العبرة والموعظة.
4-الوجهة الحجاجيةla visée argumentative27
الوجهة
الحجاجية هي الاتجاه الذي يعين القول قصد الوصول إلى هذا القسم من
الاستنتاجات أو إلى غيره، وهي خاصية من خصائص الجملة، وهي التي تحدد معنى
القول، فالوجهة هي التي تمكن للحجة أن توظف هذا القسم من الاستنتاجات أو في
قسم آخر، ويوجد نوعان من العوامل الأساسية التي تحدد وجهة الجملة:
العوامل الخطابية والعوامل اللغوية ونقصد بالعوامل الخطابية ضروب التعقيب والاستئناف التي بها
أمّا العوامل اللغوية فالمقصود منها حضور واسمات لغوية مختصة في تعيين الوجهة الحجاجية.
ومثال ذلك:
يقول الجاحظ: «واعلم أن النعم نوافر ولقلما أقشعت نافرة فرجعت في نصابها»28
هذا القول يُقدم وصفا هو:
حكم أولي للنعم هو: أن النعم غير دائمة وقلّما ترجع النعم عن ذهابها.
ويُفهم من هذا القول ضرورة المحافظة على النعم.
إنّ
الواسم اللغوي (أعلم) جعل القول يتخطى عتبة الإخبار إلى الحجاج حيث يروم
الخطيب إلى تغييرات سلوك الإنسان وتوجيهه إلى طريق الصواب، ففي القول وجهة
حجاجية داعية إلى التوبة والتذكر والعمل بما قاله الله لضمان ديمومة النعم
وبقائها.
5-الأفعال اللغوية:
5-1-الاستفهام:
يقول
الجاحظ: «كيف لم يتخذ الحق معقلا ينجيه، والتوكل ذائدا يحميه أعمي عن
الدلائل وعن وضوح الحجة؟ أو آثر الخسيس على الأجل النفيس؟، وكيف توجد هذه
الصفة مع صحة العقيدة واعتدال الفطرة، وكيف يشير رائد العقل بإيثار القليل
الفاني على الكثير الباقي ...» (33 -المصدر نفسه,ص:395)
تعتبر هذه المجموعة من الاستفهامات بمثابة حجج تخدم نتائج هي كالتالي:
الإستفهام الأول المتمثل في: كيف لم يتخذ الحق معقلا ينجيه والتوكل ذائدا يحميه.
إستفهام إنكاري غرضه إنجاز فعل التوبيخ، وتكمن قوته الحجاجية كونه يقوي ويدعم النتيجةوهي التأثير في المتلقي.
أما
الاستفهام الثاني وهو: أعمي عن الدلائل وعن وضوح الحجة؟ استفهام انكاري
غرضه إنجاز فعل الاستنكار وهو يقوي النتيجة التالية تجنب المفاتن.
أما
الاستفهام الثالث هو كيف توجد هذه الصفة مع صحة العقيدة واعتدال الفطرة،
وكيف يشير رائد العقل بإيثار القليل الفاني على الكثير الباقي.
فهذا الاستفهام يحمل طاقة حجاجية تكمن في إنجاز فعل الإستغراب وذلك من خلال حمل المتلقي على تغيير سلوكه.
-النهي
يعتبر النهي من الأفعال الإنجازية التوجيهية وهو يولد وينجز علاقة حجاجية.
ومن أمثلة ذلك:
يقول
الجاحظ: «لا تغترن بطول السلامة مع تضييع الشكر ولا تعملن نعمة الله في
معصيته فإن أقل ما يجب لمهديها ألا يجعلها ذريعة مخالفته ...»29
في هذا المثال يوجد قولين إنجازيين جاءا على صيغة النهي، وهي: لا تغترن بطول السلامة مع تضييع الشكر، ولا تعملن نعمة الله في معصيته.
فالفعل اللغوي الأول: "لا تغترن بطول السلامة مع تضييع الشكر" هو حجة تحمل نتيجة ضمنية هي: يجب شكر نعم الله علينا.
أما الفعل اللغوي الثاني فهو: "لا تعملن نعمة الله في معصيته" وهو حجة تخدم نتيجة ضمنية هي "لا تعص الله".
فكل
هذه الحجج جاءت على صيغة النهي وهي تحمل نتيجة ضمنية هي الحث على طاعته
وشكر نعمه. ولهذا استعمل الخطيب هذا النوع من الأفعال للتأثير في المتلقي.
-الأمر
يعتبر
الأمر من الأفعال الإنجازية ويتمثل إنجازه في محاولته دفع المخاطب القيام
بفعل معين، وله دور في العملية الحجاجية من خلال التأثير في المتلقي
وتوجيهه إلى سلوك معين.
ومن أمثلة ذلك:
يقول الجاحظ: «فاستدع شاردها بالتوبة واستدم الراهن منها بكرم الجوار واستفتح باب المزيد بحسن التوكل ...»30
فالأفعال الإنجازية في هذا القول جاءت على صيغة الأمر وهي: فاستدع، استدم، استفتح.
فالفعل الأول هو "فاستدع شاردها بالتوبة" وهو حجة تخدم نتيجة ضمنية هي "استذكار النعم بالتوبة".
والفعل الثاني هو "استدم الراهن منها بكرم الجوار" وهو حجة تحمل نتيجة ضمنية من قبيل "إكرام الجار دوام النعم".
أما
الفعل الثالث هو: "واستفتح باب المزيد بحسن التوكل" وهو جهة لنتيجة ضمنية
هي "حسن التوكل يزيد من النعم". فكل هذه الأفعال بمثابة حجج تخدم نتيجة
واحدة وهي ضرورة المحافظة على النعم.
من
خلال تحليلنا لهذا الباب نلمح كثرة استعمال الأفعال اللغوية، ونرجع السبب
في ذلك إلى: أن طبيعة النص (الخطابة)، فالخطيب يروم من خلالها تغيير سلوك
المخاطبين وإرشادهم إلى طريق الهدى لهذا اعتمد على هذا النوع من الأفعال في
توجيه المخاطب والتأثير فيه، والله أعلم.
باب العصا
من
أهم الأبواب الموجودة في كتاب البيان والتبيين وهو يقع في الجزء الثالث
منه، فهذا الباب يعتبر ردا على الشعوبية ومطاعنهم على العرب وعليه فهو نص
حجاجي، سوف نحاول نحن تحليلها مستخرجين أهم آلياته الحجاجية اللغوية.
-السلم الحجاجي
يقول
الجاحظ: «وفي الفرس خطباء إلا أن كل كلام للفرس وكل معنى للعجم فإنهما هو
عن طول فكرة، وعن اجتهاد وخلوة، وعن مشاورة ومعاونة، وعن طول التفكر ودراسة
الكتب، وحكاية الثاني في علم الأول، وزيادة الثالث في علم الثاني، حتى
اجتمعت ثمار تلك الفكر عند آخرهم»31
فالجاحظ حينما أراد أن يبين بيان العجم، تدرج في حججه من الأضعف إلى الأقوى، ونمثل ذلك بـــ:
فالجاحظ
وصف فكر العجم وجعله في مراحل وتدرج في ذلك وفق ترتيب تصاعدي للحجج وهذا
كله ليبين ضعف بيان العجم. فالمعاني عندهم تكون بعد إمعان الفكر والاجتهاد
في تمحيص تلك الفكرة ثم
بعد
الاستعانة واستشارة الغير في تلك الفكرة وبعدها تكون الاستعانة بالكتب
ودراستها، وثم يتبع الخطيب الثاني مسار الأول والثالث محاكي الثاني، إلى أن
يجتمع فكرهم فكل هذه المراحل تفضي إلى ضعف البديهة عند العجم.
المثال الثاني:
يقول الجاحظ: «وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال وكأنه إلهام وليست هناك معاناة ولا مكابدة وإلا إحالة فكرة، ولا استعانة32
ففي
هذا المثال نجد الحجج المستعملة هي حجج منفية، كما أنها جاءت مندرجة من
الحجة الأضعف إلى الحجة الأقوى، لتحيل نتيجة هي قوة البديهة عند العرب،
ويمكن أن نمثلها بالشكل التالي:
ولو
مثلنا لهذه الحجج بدون نفي يتغير مجمل الخطاب فتصبح الحجة الأضعف هي الحجة
الأقوى، والنتيجة المنفية تصبح مناقضة تماما للنتيجة غير المنفية، ونمثل
لهذا بالشكل التالي:
فتصبح استعانة (أ) تؤول إلى النتيجة (ن) ضعف البديهة عند العرب، فتصبح (أ) هي أقوى الحجج بالنسبة لــ (ن).
وتصبح لا استعانة (-أ) تؤول إلى النتيجة المضادة قوة البديهة عند العرب (لا-ن)، وتكون (-أ) هي الحجة الأضعف بالنسبة لـ (لان).
وهذا النوع من السلم يسمى "قانون النفي"33
وهو ينص على: إذا كان قول ما (أ) مستخدما من قبل متكلم ما ليخدم نتيجة
معينة، فإن نفيه (-أ) سيكون حجة لصالح النتيجة المضادة وبعبارة أخرى، فإذا
كان (أ) ينتمي إلى الفئة الحجاجية المحددة بواسطة (ن) فإن (-أ) ينتمي إلى
الفئة الحجاجية المحددة بواسطة (لا-ن) بحيث (ن) نتيجة و(أ) حجة.
-الروابط الحجاجية
-1الرابط "لأنّ"
يقول
الجاحظ: «وإنما بدأنا بذكر سليمان على نبينا وعليه الصلاة والسلام لأنه من
أنبياء العجم، والشعوبية إليهم أميل وعلى فضائلهم أحرص، ولما اعطاهم الله
أكثر وصفا وذكرا»34 ,
فالرابط "لأنّ" قام بربط النتيجة المتمثلة في الابتداء بذكر النبي سليمان
على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومجموعة من الحجج وهي: كون النبي
سليمان من أغنياء العجم والشعوبية إليهم أميلوعلى فضائلهم أحرص، وكثرة ذكر
الله لهم.
-العوامل الحجاجية
- العامل "إنّما"
"إّنما" من أدوات القصر، وهي تعتبر عاملا حجاجيا وذلك بعملها المتمثل في حصر الإمكانات الحجاجية التي تكون لقول ما.
يقول الجاحظ: «وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال»35
فالحجة
المتضمنة في هذا القول هي (وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال) وهو
تسيير في نفس الاتجاه، والحجة (وكل شيء للعرب بديهة وارتجال) هما يخدمان
نفس النتيجة وهي قوة البديهة عند العرب.
مثال آخر:
يقول الجاحظ: «وقال الله تبارك وتعالى: ﴿فَلَمَّا
أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ
الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ
رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا
تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى
أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (31)36 فبارك الله كما ترى على تلك الشجرة وبارك في تلك العصا وإنّما العصا جزء من الشجرة»37.
فـ"إنّما" قامت بعملية القصر فكان الحجاج على الشكل التالي:
فـ"إنّما" قصرت المباركة للعصا لأنها جزء من الشجرة، فالجزء مبارك بمباركة الكل.
-التكرار(la répétition)38
يعدّ التكرار من الأساليب التي يلجأ إليها المتكلم لرفع طاقة خطابه الحجاجية، وهذا التكرار ليس ذلك التكرارالمولد للرتابة والملل، أو التكرار المولد للخلل والهلهلة في البناء، ولكنه التكرار المبدع الذي يدخل ضمن عملية بناء النص أو الكلام بصفة عامة.
ومثال ذلك:
يقول
الجاحظ: «... كلا ولكنكم كنتم رعاة بين الإبل والغنم، فحملتم القنا في
الحضر بفضل عاداتكم لحملها في السفر، وحملتموها في المدر بفضل عاداتكم
لحملها الوبر، وحملتموها في السلم بفضل عاداتكم لحملها في الحرب» 39
في
هذا المثال نلاحظ أن الجاحظ كرر من لفظتي «حملتموها» و«عاداتكم» في سرد
حججه والغرض من هذا التكرار هو ترسيخ رأيه وفكرته في ذهن المتلقي وهي إقناع
المخاطب بأن العصا عادة سامية عند العرب، وهذا ما يميزهم عن سائر الأمم.
الوجهة الحجاجية:
يقول الجاحظ: «وجملة القول أنَّا لا تعرف الخطب إلا للعرب والفرس»40
هذا
القول يعبر عن رأي الجاحظ والذي هو: الخطب للعرب والفرس، فالجاحظ من خلال
هذا القول لا يخبرنا عن رأيه وإنما يسعى إلى المحاججة، فمن خلال استعماله
للواسم اللغوي (جملة القول) تخطى قول الإخبار إلى الحجاج، إذ الجاحظ أصدر
حكما وقرر حقيقة مفادها: الخطبة فن من إختصاص العرب ، ففي هذا القول وجهة
حجاجية داعية إلى إقناع المتلقي بأفضلية العرب ومعرفتهم لفن الخطابة
ومساواتهم الفرس في ذلك وهذا كله للرد على الشعوبية التي أنكرت بيان العرب.
ويقول الجاحظ: «وقد زعم أصحاب الغناء أن المغني إذا ضرب على غنائه قصّر عن المغني الذي لا يضرب على غنائه»41
هذا
القول هو حجة من حجج الشعوبية ومفاده أن المغني الذي يضرب بالعصا أفضل من
المغني الغيرمستعمل للعصا، إلا أن إستعمال الجاحظ للواسم «زعم» وجه القول
وجهة تشكيكية قابلة للنقض والتبكيت، وبذلك تجاوز القول قيمته الإبلاغية
ليكتسي قيمته الحجاجية، فلفظة «زعم» قامت بتوجيه
القول وجهة حجاجية هي بعث الشك في حجج الشعوبية وتفنيذ آرائهم، ومن جهة أخرى تدعيم موقف الجاحظ المؤيد لإستعمال العصا.
-الأفعال اللغوية:
الاستفهام
يقول
الجاحظ: «فكيف سقط على جميع الأمم المعروفين بتدقيق المعاني وتخيّر
الألفاظ وتمييز الأمور أن يشيروا بالقنا والعصي والقضبان والقسي ...» 42
فهو
استفهام إنكاري غرضه إنجاز فعل التكذيب، وتكمن القوة الحجاجية في كونه
يؤثر في المتلقي ويخدم نتيجة من قبيل بطلان دعاوى الشعوبية.
مثال آخر: يقول الجاحظ: «ألا ترى أنهم لما سحروا أعين الناس واسترهبوهم بالعصي والحبال لم يجعل الله للحبال في الوجوه كقدرته على تصريف العصا»43
فهذا
النوع من الاستفهام التقريري غرضه إنجاز فعل التصديق، وتكمن قوة هذا
الاستفهام في كونه يحمل المخاطب على تعظيم شأن العصا وهو يخدم مقاصد
الخطاب.
ولنأخذ مثالا آخر: يقول الجاحظ: «وهل يملأ عيون الأعداء ويرعب قلوب المخالفين، ويحشو صدور العوام إفراط التعظيم إلا تعظيم شأن السلطان...»44
ففي هذا القول استخبار غرضه إنجاز فعل النفي، والقوة الحجاجية في هذا الاستفهام هي إقناع المتلقي.
مثال آخر: يقول الجاحظ: «... ألا ترى أنه لما قال الله عز وجل: ﴿وَمَا
تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ
عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى
(18) وبعد ذلك قال: ﴿قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20)﴾»45
فالآية
فيها استفهام غرضه إنجاز فعل الإفهام، وتكمن قوة هذا الاستفهام في إبلاغ
المتلقي أن منافع العصا كثيرة وخافية لا يعلمها إلا الله وهذا يتماشى
ومقاصد الخطاب المتمثلة في إبراز دور العصا وتعظيم شأنها.
الأمر
يقول
الجاحظ: «... ومن احتاج إلى العقل والأدب والعلم بالمراتب والعبر
والمثلات، والألفاظ الكريمة والمعاني الشريفة فلينظر إلى سير الملوك»46
ففعل الأمر (فلينظر) غرضه إنجاز فعل النصح والتوجيه، وتكمن قوته الحجاجية في حمل المتلقي إلى معرفة آداب الفرس وعلومه.
مثال آخر:
يقول الجاحظ: «... ولذلك قال عمر حين رأى المهاجرين لما أخصبوا وهمّ كثير منهم بمقاربة عيش العجم تعددوا، واخشوشنوا، واقطعوا الركب، وانزووا على الخيل نزوا»47
فالأمر
هاهنا غرضه إنجاز فعل الحث والتذكير، وقوة الحجاجية هي التأثير في المتلقي
وإقناعه بفكرة تميز الجنس العربي في الفروسية وهذا يتماشى ومقصد الجاحظ.
ففعل الأمر غرضه إنجاز فعل التعظيم، وقوته الحجاجية تكمن في إقناع المتلقي بعظم شأن العصا.
1-القرآن الكريم برواية ورش عن نافع
2-ابن منظور,جمال الدين:لسان العرب,تح:عامر أحمد حيدر,دار الكتب العلمية,بيروت,لبنان,ط1, 2003م.
3- الجاحظ,أبو عثمان :البيان والتبيين,تح:درويش بن جودي ,المطبعة العصرية,صيدا-بيروت,2008م.
4-جاك
موشلير-آن ريول,القاموس الموسوعي للتداولية,ترجمة مجموعة من الأساتذة
والباحثين بإشراف غز الدين المجذوب,دار سيناترا-المركز الوطني
للترجمة,تونس,2010م.
5-الجرجاني,الشريف,التعريفات,مكتبة ساحة رياض الصلح,بيروت,لبنان,طبعة 1985م. حباشة,صابر:التداولية والحجاج مداخل ونصوص,صفحات للدراسات والنشر,دمشق-سوريا,ط2008,1م.
6-الرقبي رضوان:الاستدلال الحجاجي التداولي وآليات اشتغاله,مجلة عالم الفكر,المجلس الوطني للثقافة-الكويت,ع02,مج402011.م.
7-الشهري,بن ظافر:استراتيجيات الخطاب,مقاربة لغوية تداولية,دار الكتاب الجديد المتحدة,2004م.
8-صمود,حمادي:التفكير البلاغي عند العرب أسسه وتطوره إلى القرن السادس(مشورع قراءة),كلية الآداب والعلوم الإنسانية,تونس,1981م.
9-طروس,محمد:النظريةالحجاجيةمن خلال الدراسات البلاغية والمنطقيةواللسانية,دار الثقافة,الدار البيضاء,2005م.
10-العزاوي ,أبوبكر:الخطاب والحجاج,مؤسسةالرحاب الحديثة,بيروت-لبنان,ط1,2010م,
العزاوي,أبوبكراللغة والحجاج,الدار البيضاء,2006م.
11-العمري,محمد:البلاغة العربية أصولها وامتداداتها,إفريقيا الشرق,1999م.
12-المبخوث,شكري:مظرية
الحجاج في اللغة,ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى
اليوم,أشراف حمادي صمود وآخرون,منشورات كلية الآداب والفنون والعلوم
الإنسانية.
2/المصادر والمراجع باللغة الأجنبية:
1.CambrigeAdvenced Laerner :dictionary ,Cambrdge Univrecity Press,2nd pub,200p56.
2.le grand Robert ,Dictionnaire de la langue français ,1er ,paris ,1989,p535.
1 بن منظور,جمال الدين:لسانالعرب,ط1,مج02,ص:259
2 -الجرجاني,التعريفات ,طبعة 1985م,ص:82.
4 -ينظر:حباشة,صابر:التداولية والحجاج مداخل ونصوص,صفحات للدراسات والنشر2008 ص:21.
5 -ينظر:طروس,محمد:النظريةالحجاجيةمن خلال الدراسات البلاغية والمنطقيةواللسانية,2005,ص:106
6 -الجاحظ,البيان والتبيين,تح:درويش بن جودي,2008م,مج1,ص:56
7 العمري,محمد:البلاغةالعربيةأصولها وامتداداتها,1999م,ص:193
8 -الشهري,بن ظافر:استراتيجيات الخطاب,مقاربة لغوية تداولية, 2004م,ص:448
9 -الجاحظ,البيان والتبين, مصدر سابق,ص:65
10 -ينظر:استراتيجيات الخطاب,مرجع سابق,ص:449
11 محاور -صمود,حمادي:التفكير البلاغي عند العرب أسسه وتطوره إلى القرن السادس(مشورع قراءة) ,1981م,مج21,ص:188
12 -أبوبكر,العزاوي,اللغة والحجاج ,مرجع سابق,ص:55.
13 -المرجع السابق,ص:30
14 الجاحظ,البيان والتبيين,مصدر سابق,ص:56
15 -أبوبكر,العزاوي:اللغة والحجاج,مرجع سابق,ص:58
16 الجاحظ,البيان والتبين,مصدر سابق,ص:61
17 -المصدر نفسه,ص:56
18 -أبوبكر ,العزاوي:اللغة والحجاج,مرجع سابق,ص:27
19 -المبخوث,شكري:مظرية الحجاج في اللغة,ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم,أشراف حمادي صمود وآخرون,ص:397
20 57 : 2010 -أبوبكر,العزاوي:الخطاب والحجاج,
21 -المرجع نفسه,نفس الصفحة.
22 -الجاحظ,البيان والتبيين,مصدر سابق,ص:60
23 -المصدر نفسه,ص:396
24 -المصدر نفسه,ص:394
25 -المصدر نفسه,ص:395
26 -المصدر نفسه,نفس الصفحة
27 -ينظر:جاك موشلير-آن ريول,القاموس الموسوعي للتداولية,ترجمة مجموعة من الأساتذة والباحثين بإشراف غز الدين المجذوب ,2010م,ص:337
28 -الجاحظ,البيان والتبين,مصدر سابق,ص:394
29 -المصدر نفسه,ص:394
30 -المصدر نفسه,نفس الصفحة
31 -الجاحظ,البيان والتبيين,مصدر سابق,ص:425
32 -المصدر نفسه,ص:425
33 -ينظر:رضوان,الرقبي:الاستدلال الحجاجي التداولي وآليات اشتغاله,مجلة عالم الفكر,المجلس الوطني للثقافة-الكويت,ع02,مج 402011 .م,ص:98)
34 -الجاحظ,البيان والتبين,مصدر سابق,ص:427
35 -المصدر نفسه,ص:425
36 -سورة القصص الآيتان:30-31
37 -الجاحظ,البيان
38 -أبوبكر,العزاوي,الخطاب والحجاج,مرجع سابق,ص:49
39 -الجاحظ,البيان والتبين,مصدر سابق,ص:418
40 -المصدر نفسه,ص:425
41 -المصدر نفسه,ص:417
42 -المصدر نفسه,نفس الصفحة
43 -المصدر نفسه,ص:428
44 -المصدر نفسه,ص:472
45 -سورة طه:17-20
46 -الجاحظ,البيان والتبيين,ص:417
47 52 -المصدر نفسه,ص: 42
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق