خصائص وأبعاد العملية التواصلية
عبد القادر بن عسلة,
من خلال كل ما سبق يمكن أن نستخلص المبادئ العامة التي تقوم عليها العملية التواصلية والخصائص التي تتميز بها على بقية طرق الاتصال الأخرى ، ويمكن حصر هذه المميزات في ما يأتي :
1 ـ البعد الإنساني :
يعد التواصل (( جوهر العلاقات الإنسانية ، فالتواصل والعلاقات الإنسانية لا يمكن أن ينفصلا إلا اصطناعيا ، إذ أنهما على مستوى الوجود ومعطيات المعيش الفعلية لا يمثلان سوى شيء واحد )) (1) ، بمعنى إذا كان التواصل هو الممارسة الفعلية للغة في الواقع ، فإنه لا يمكن أن يكون في مثل هذه الحالة إلا إنسانيا ، لأن اللغة وممارستها تقتصر على الإنسان دون بقية المخلوقات وهي التي تحقق إنسانيته ووجوده .
2 ـ البعد العقلي والفكري :
ما دامت اللغة ظاهرة إنسانية فهي بالضرورة مرتبط بالعقل لأنها (( ليست أداة إنها عقل ، وهي مقر المعنى ، وما يحصل فيه ، وبه التواصل الإنساني والتفاعلي فهي غاية ، ولهذا السبب يدعو هابرماس إلى أخلاقيات التواصل : Ethique de la communication ، كأحد مقومات الحداثة
والفكر العقلاني الإنساني )) (2) ، وعليه فلا يمكن أن نعزل العملية التواصلية عن العقل أو الفكـرفهما دوما في الرسالة ، المضمون ، اللغة ، الترميز ، الإرسال ، الوسائل ، الاستقبال ، تفكيك الرسالة ، الإدراك والاستجابة ، فالعملية التواصلية إذاً عملية فكرية تتضمن فكرة يراد إيصالها إلى المتلقي وترمي إلى تحقيق هدف أو مجموعة من الأهداف .
3 ـ البعد اللغوي :
إن سبل وطرق الاتصال والتواصل عديدة ومتنوعة إلا أن اللغة وهي خاصية إنسانية محضة تعد أرقى وأنجع وسيلة للتواصل ، ولا يمكن أن يخرج البعد اللغوي في العملية التواصلية عن أحـد الشكلين المكتوب والمنطوق ، وكلاهما يقوم على (( ثلاثة مكونات أساسية ، وهي :
1 ـ مكون لساني : يتجلى في اكتساب المتعلم للنماذج الصوتية والمعجمية والنصية الخاصة بنظام اللغة : Linguistique .
2 ـ مكون مقالي : يتجلى في اكتساب المتعلم القدرة على توظيف مستويات مختلفة من الخطاب وفق وضعيات التواصل Discursif .
3 ـ مكون مرجعي : يكمن في إدراك المتعلم الضوابط والمعايير التي تحكم التفاعل الاجتماعي بين أفراد وحسب ثقافتهم : Referenciel .)) (3)
ليس المراد بالبعد اللغوي الإحاطة بمفردات اللغة أو معرفة قواعدها أو أي جانب من جوانبها ، وإنما يراد به كما سبقت الإشارة القدرة أو الكفاءة التواصلية وهي (( القدرات التي يستطيع بواسطتها شخص أن يدخل في سيرورة تواصلية مع الآخرين ، فإنها لا تقوم على القدرة اللسانية وحدها ، أي القدرة على تكوين جمل صحيحة لغويا ، بل إنها تأخذ بعين الاعتبار قدرات لسانية تتدخل في سيرورة التواصل وترتبط باستعمال اللغة أكثر مما ترتبط بنسق نحوي شكلي .......
وقد فكك كنال وسوام : Canal et Swam هذه القدرة إلى ثلاثة مكونات أساسية توضح المتغيرات الأخرى التي تتدخل في القدرة التواصلية إلى جانب القدرة النحوية ، وهي :
1 ـ قدرة نحوية : ترتبط بمعرفة المتلعم ببنيات اللغة .
2 ـ قدرة سوسيولسانية : تتجلى في معرفة المتعلم بما هو مقبول عند الاستعمال للغة من طرف جماعة لغوية .
3 ـ قدرة استراتيجية : تتعلق باستعمال اللغة من أجل بلوغ أهداف معينة .)) (4)
4 ـ البعد الإفهامي :
لا يمكن أن نصف كل عملية تواصلية توفرت على الأبعاد الثلاثة السابقة بالتواصلية ، ما لم تتوفر على بعد رابع وهو الإفهام ، بمعنى أن تحقق الرسالة المتبادلة بين الملقي والمتلقي نسبة معينة من التفاهم والإفهام ، فإذا كانت الرسالة تحمل فكرة يراد تبليغها إلى الطرف الثاني ، فليس الهدف في التوصيل في حد ذاته ، وإنما في وراء التوصيل ، أي إن يفهم المتلقي الرسالة ويستوعبها بعد أن يستقبلها لأن (( الهدف من التفاهم هو الوصول إلى نوع من الاتفاق يؤدي إلى
العلاقات المشتركة بين الذوات وإلى التفهم المتبادل والثقة المتبادلة وإلى التقارب في النظرات والأراء )) (5) ، وفي حالة ما إذا لم تحقق العملية التواصلية شيئا من هذا القبيل ، فهي أولى أن تصنف ضمن الغوغاء التي لا طائل من ورائها.
ـ قائمة المصادر والمراجع ـ
(1) ـ معجم علوم التربية ، عبد اللطيف الفاربي وآخرون ـ ص : 44
(2) ـ فلسفة اللغة واللسانيات ، الدكتور نور الدين النيفر ـ ص : 117
(3) ـ معجم علوم التربية ، عبد اللطيف الفاربي وآخرون ـ ص : 44
(4) ـ معجم علوم التربية ، عبد اللطيف الفاربي وآخرون ـ ص : 44
(5) ـ فلسفة اللغة واللسانيات ، الدكتور نور الدين النيفر ـ ص : 113
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق