الثلاثاء، 23 يوليو 2013

مقالة في الألقاب

الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة الثالثة في الألقاب:
وفيه طرفان:
.الطرف الأول في أصول الألقاب:
وفيه جملتان:
.الجملة الأولى في معنى اللقب والنعت وما يجوز منه ويمتنع:
أما اللقب فأصله في اللغة النبز- بفتح الباء.
قال ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب: والنبز ما يخاطب به الرجل الرجل من ذكر عيوبه وما ستره عنده أحب إليه من كشفه، وليس من باب الشتم والقذف.
وأما النعت فأصله في اللغة الصفة.
يقال: نعته ينعته نعتاً إذا وصفه، قال في ذخيرة الكتاب: وهو متفق على أنه ما يختاره، الرجل ويؤثره ويزيد في إجلاله ونباتهته، بخلاف اللقب.
قال: لكن العامة استعملت اللقب في موضع النعت الحسن، وأوقعوه موقعه لكثرة استعمالهم إياه، حتى وقع الإتفاق والإصطلاح على استعماله في التشريف والإجلال والتعظيم والزيادة في النباهة والتكرمة.
قلت: والتحقيق في ذلك أن اللقب والنعت يستعملان في المدح والذم جميعاً: فمن الألقاب والنعوت ما هو صفة مدحٍ ومنها ما هو صفة ذم.
وقد عرفت النحاة اللقب بأنه ما أدى إلى مدح أو ذم، فالمؤدي إلى المدح كأمير المؤمنين، وزين العابدين، والمؤدي إلى الذم كأنف الناقة وسعيد كرز وما أشبه ذلك.
والنعت تارة يكون صفة مدح، وتارة يكون صفة ذم، ولا شك أن المراد هنا من اللقب والنعت ما أدى إلى المدح دون الذم، وقد اصطلح الكتاب على ان سموا صفات المدح التي يوردونها في صدور المكاتبات ونحوها بصيغة الإفراد كالأمير والأميري والأجل والأجلي والكبير والكبيري ونحو ذلك ألقاباً، وصفات المدح التي يوردونهاعلى صورة التركيب كسيف أمير المؤمنين وظهير الملوك والسلاطين ونحو ذلك نعوتاً، ولا معنى لتخصيص كل واحد منهم بالإسم الذي سموه به إلا مجرد اصطلاح، ولا نزاع في إطلاق اللقب والنعت عليهما بإعتبارين: فمن حيث أنها صفات مؤدية إلى المدح يطلق عليها اسم الملقب، ومن حيث إنها صفات لذوات قائمة بها يطلق عليها اسم النعت.
وأما ما يجوز من ذلك ويمتنع، فالجائز منه ما أدى إلى المدح مما يحبه صاحبه ويؤثره، بل ربما استحب كما صرح به النووي في الأذكار للإطباق على استعماله قديماً وحديثاً.
والممتنع منه ما أدى إلى الذم والنقيصة مما يكرهه الإنسان ولا يحب نسبته إليه.
قال النووي: وهو حرام بالإتفاق، سواء كان صفة له: كالأعمش، والأجلح، والأعمى، والأحول، والأشج، والأصفر، والأحدب، والأصم، والأزرق، والأشتر، والأثرم، والأقطع، والزمن، والمقعد، والأشل، وما أشبه ذلك.
أو كان صفة لأبيه: كابن الأعمى، أو لأمه: كابن الصوراء ونحو ذلك مما يكرهه قال تعالى: {ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان}.
قال: واتفقوا على جواز ذكره بذلك على جهة التعريف لمن لا يعرفه إلا بذلك، ودلائل ذكره كثيرةٌ مشهورة، وهو أحد المواضع التي يجوز فيها الغيبة.
.الجملة الثانية في أصل وضع الألقاب والنعوت المؤدية إلى المدح:
واعلم أن ألقاب المدح ونعوته لم تزل واقعةً على أشراف الناس وجلة الخلق في القديم والحديث؛ فقد ثبت تلقيب إبراهيم عليه السلام بالخليل وتلقيب موسى عليه السلام بالكليم وتلقيب عيسى عليه السلام بالمسيح وتلقيب يونس عليه السلام ذي النون وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلقب قبل البعثة بالأمين ووردت التواريخ بذكر ألقاب جماعةٍ من العرب في الجاهلية: كذي يزن، وذي المنار، وذي نواس، وذي رعين، وذي جدنٍ، وغيرهم مما هو مشهور شائع.
وكذلك وقعت ألقاب المدح على كثيرٍ من عظماء الإسلام وأشرافه كالصحابة رضوان الله عليهم فمن بعدهم من الخلفاء والوزراء وغيرهم: فكان لقب أبي بكر عتيقاً ثم لقب بالصديق بعد ذلك، ولقب عمر الفاروق ولقب عثمان ذا النورين ولقب علي حيدرة ولقب حمزة بن عبد المطلب أسد الله ولقب خالد بن الوليد سيف الله ولقب عمرو بن عمرو ذا اليدين ولقب مالك بن التيهان الأنصاري ذا السيفين ولقب خزيمة بن ثابت الأنصاري ذا الشهادتين ولقب جعفر بن أبي طالب بعد استشهاده ذا الجناحين.
وأما الخلفاء فخلفاء بني أمية لم يتلقب أحد منهم، فلما صارت الخلافة إلى بني العباس وأخذت البيعة لإبراهيم بن محمدٍ، لقب بالإمام ثم تلقب من بعده من خلفائهم: فتلقب محمد بن علي بالسفاح لكثرة ما سفح من دماء بني أمية.
واختلف في لقبه بالخلافة: فقيل: القائم وقيل المهتدي وقيل المرتضي وألقاب الخلفاء بعده وإلى زماننا معروفة مشهورة على ما مر ذكره في المقالة الثانية.
وعلى ذلك كانت ألقاب خلفاء بني أمية بالأندلس إلى حين انقراضهم على ما هو مذكور في مكاتبة صاحب الأندلس على ما سيأتي في المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
ثم تعدت ألقاب الخلافة إلى كثير من ملوك الغرب بعد ذلك، وتلا الخلفاء في الألقاب الوزراء لاستقبال الدولة العباسية وما بعد ذلك: فلقب أبو سلمة الخلال وزير السفاح بوزير آل محمد ولقب المهدي وزيره يعقوب بن داود بن طهمان الأخ في الله ولقب المأمون الفضل بن سهل حين استوزره ذا الكفايتين ولقب أخاه الحسن بن سهل ذا الرياستين ولقب المعتمد على الله وزيره صاعد بن مخلد ذا الوزارتين إشارة إلى وزارة المعتمد والموفق، وكان لقب إسماعيل ابن بلبل الشكور الناصر لدين الله كألقاب الخلفاء.
وكذلك وقع التلقيب لجماعة من أرباب السيوف وقواد الجيوش: فتلقب أبو مسلم الخراسلني صاحب الدعوة بأمير آل محمد وقيل سيف آل محمد وتلقب أبوالطيب طاهر بن الحسين بذي اليمينين ولقب المعتصم بالله حيدر ابن كاووس بالأفشين لأنه أشروسني والأفشين لقبٌ على الملك بأشروسنة ولقب إسحاق بن كيداح أيام المعتمد بذي السيفين ولقب مؤنس في أيام المقتدر بالمظفر ولقب سلامة أخو نجح أيام القاهر بالمؤتمن ولقب أبو بكر بن محمد بن طغج الراضي بالله بالأخشيد والأخشيد لقبٌ على الملك بفرغانة.
ثم وقع التلقيب بالإضافة إلى الدولة في أيام المكتفي بالله: فلقب المكتفي أبا الحسين بن القاسم بن عبيد الله ولي الدولة، وهو أول من لقب بالإضافة إلى الدولة، ولقب المقتدر بالله علي بن أبي الحسين المتقدم ذكره عميد الدولة.
ووافت الدولة البويهية أيام المطيع لله والأمر جارٍ على التلقيب بالإضافة للدولة، فافتتحت ألقاب الملوك بالإضافة إلى الدولة، فكان أول من لقب بذلك من الملوك بنو بويه الثلاثة: فلقب أبو الحسن علي بن بويه بعماد الدولة ولقب أخوه أبو علي الحسن بردن الدولة وأخوهما أبو الحسين أحمد بمعز الدولة ثم وافى عضد الدولة من بعدهم فاقترح أن يلقب بتاج الدولة فلم يجب إليه وعدل به إلى عضد الدولة، فلما بذل نفسه للمعاونة على الأتراك، اختار له أبو إسحاق الصابي صاحب ديوان الإنشاء تاج الملة مضافاً إلى عضد الدولة، فكان يقال عضد الدولة وتاج الملة ولقب أبو محمد الحسن بن حمدان أيام المتقي لله ناصر الدولة ولقب أخوه أبوالحسن علي بن حمدان سيف الدولة.
وبقي الأمر على التلقيب بالإضافة إلى الدولة القادر بالله فافتتح التلقيب بالإضافة إلى الدين.
وكان أول من لقب بالإضافة إليه أبو نصر بهاء الدولة ابن عضد الدولة بن بويه. زيد على لقبه بهاء الدولة نظام الدين فكان يقال بهاء الدولة ونظام الدين قال ابن حاجب النعمان: ثم تزايد التلقيب به وأفرط، حتى دخل في الكتاب والجند والأعراب والأكراد، وسائر من طلب وأراد، وكره؟ حتى صار لقباً على الأصل.
ولا شك أنه في زماننا قد خرج عن الحد حتى تعاطاه أهل الأسواق ومن في معناهم، ولم تصر به ميزة لكبير على صغبير، حتى قال قائلهم: [خفيف]
طلع الدين مستغيثاً إلى الل ** ه وقال العباد قد ظلموني

يتسمون بي وحقك لا أع ** رف منهم شخصاً ولا يعرفوني

أما الديار المصرية فكان جريهم في الألقاب على ما ينتهي إليهم خبره من ألقاب الدولة العباسية ببغداد، فتلقب الفاطميين بها نحو ألقاب خلفاء بني العباس ببغداد، فكان لقب أول خلفائهم بها المعز لدين الله وثانيهم بها العزيز بالله وعلى ذلك إلى أن كان لقب آخرهم العاضد لدين الله على ما تقدم في المقالة الثانية في الكلام على ملوك الديار المصرية.
وتلقب وزراؤهم وكتابهم بالإضافة إلى الدولة، وممن لقب بذلك في دولتهم ولي الدولة بن أبي كدينة وزير المستنصر، وأيضاً ولي الدولة بن خيران كاتب الإنشاء المشهور.
ولما صارت الوزارة لبدر الجمالي تلقب بأمير الجيوش.
ثم تلقب الوزراء بعده بنحو الأفضل والمأمون.
ثم تلقبوا بالملك الفلاني، كملك الأفضل والملك الصالح ونحو ذلك على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وكان الكتاب في أواخر الدولة الفاطمية إلى أثناء الدولة الأيوبية يلقبون بالفاضل والرشيد والعماد وما أشبه ذلك، ثم دخولوا في عموم التلقيب بالإضافة إلى الدين، واختص التلقيب بالإضافة إلى الدولة كولي الدولة بكتاب النصارى، والأمر على ذلك إلى الآن.
.الطرف الثاني في بيان معاني الألقاب:
وفيه عشر جمل:
.الجملة الأولى في الألقاب الخاصة بأرباب الوظائف المعتبرة التي بها انتظام أمور المملكة وقوامها:
وهي قسمان:
.القسم الأول: الألقاب الإسلامية:
وهي نوعان:
النوع الأول: الألقاب القديمة المتداولة الحكم إلى زماننا:
وهي صنفان:
الصنف الأول: ألقاب أرباب السيوف:
وهي سبعة ألقاب الأول- الخليفة- وهو لقب على الزعيم الأعظم القائم بأمور الأمة، وقد اختلف في معناه، فقيل: إنه فعيل بمعنى مفعول، كجريح بمعنى مجروح، وقتيل بمعنى مقتول ويكون المعنى أنه يخلفه من بعده، وعليه حمل قوله تعالى: {إني جاعلٌ في الأرض خليفةً} على قول من قال: إن آدم عليه السلام أول من عمر الأرض وخلفه بنوه من بعده.
وقيل: فعيل بمعنى فاعل، ويكون المراد أنه يخلف من بعده، وعليه حمل الآية من قال إنه كان قبله في الأرض الجن وإنه خلفهمم فيها واختاره النحاس في صناعة الكتاب، وعليه اقتصر البغوي في شرح السنة والماوردي في الأحكام السلطانية.
قال النحاس: وعليه خوطب أبو بكر الصديق رضي الله عنه بخليفة رسول الله.
وقد أجازوا أن يقال في الخليفة خليفة رسول الله لأنه خلفه في أمته.
واختلفوا هل يجوز أن يقال فيه خليفة الله: فيجوز بعضهم ذلك لقيامه بحقوقه في خلقه محتجين بقوله تعالى: {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض} وامتنع جمهور الفقهاء من ذلك محتجين بأنه إنما يستخلف من يغيب أو يموت والله تعالى باقٍ موجود إلى الأبد لا يغيب ولا يموت.
ويؤيد ما نقل عن الجمهور بما روى أنه قيل لأبي بكر رضي الله عنه: يا خليفة الله- فقال: لست بخليفة الله ولكني خليفة رسول الله، وقال رجل لعمر بن عبد العزيز: يا خليفة الله- فقال: ويلك! لقد تنأولت متنأولاً بعيداً! إن أمي سمتني عمر، فلو دعوتني بهذا الإسم قبلت، ثم كبرت فكنيت أبا حفصٍ، فلو دعوتني به قبلت، ثم وليتموني أموركم فسميتموني أمير المؤمنين، فلو دعوتني به كفاك.
وخص البغوي جواز إطلاق ذلك بآدم وادود عليهما السلام، محتجاً بقوله تعالى في حق آدم {إني جاعل في الأرض خليفة} وقوله في حق داود {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض} ثم قال: ولا يسمى أحدٌ خليفة الله بعدهما.
قال في شرح السنة: ويسمى خليفة وإن كان مخالفاً لسيرة أئمة العدل.
ثم قد كره جماعةٌ من الفقهاء منهم أحمد بن حنبل إطلاق اسم الخليفة على ما بعد خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما فيما حكاه النحاس وغيره، محتجين بحديث الخلافة بعدي ثلاثون يعني ثلاثين سنة، وكان انقضاء الثلاثين بانقضاء خلافة الحسن، ولما انقضت الخلافة صارت ملكاً.
قال المعافى بن إسماعيل في تفسيره: وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل طلحة والزبير وكعباً وسلمان عن الفرق بين الخليفة والملك- فقال طلحة والزبير لا ندري- فقال سلمان: الخليفة الذي يعدل في الرعية، ويقسم بينهم بالسوية، ويشفق عليهم شفقة الرجل على أهله والوالد على ولده، ويقضي بينهم بكتاب الله تعالى- فقال كعب: ما كنت أحسب أن في هذا المجلس من يفرق بين الخليفة والملك، ولكن الله ألهم سلمان حكماً وعلماً! واختلف في الهاء في آخره: فقيل أدخلت فيه للمبالغة كما أدخلت في رجلٍ داهية وراوية وعلامة وسابة وهو قول الفراء، واستحسنه النحاس ناقلاً له عن أكثر النحويين وخطأه علي بن سليمان محتجاً بأنه لو كان كذلك لكان التأنيث فيه حقيقاً.
وقيل الهاء فيه لتأنيث الصيغة، قال النحاس: وربما أسقطوا الهاء منه وأضافوه فقالوا فلانٌ خليف فلانٍ يعنون خليفته.
ثم الأصل فيه التذكير نظراً للمعنى لأن المراد بالخليفة رجلً وهو مذكر، فيقال أمر الخليفة بكذا على التذكير، وأجاز الكوفيون فيه التأنيث على لفظ خليفةٍ فيقال أمرت الخليفة بكذا، وأنشد الفراء:
أبوك خليفةٌ ولدته أخرى

ومنعه البصريون محتجين بأنه لو جاز ذلك لجاز قالت طلحة في رجل اسمه طلحة وهو ممتنع.
فإن ظهر اسم الخليفة تعين التذكير باتفاق فتقول قال أبو جعفرٍ الخليفة أو قال الراضي الخليفة ونحو ذلك.
ويجمع على خلفاء ككريم وكرماء، وعليه ورد قوله تعالى: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوحٍ} وعلى خلائف كصحيفة وصحائف، وعليه جاء قوله تعالى: {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض}، والنسبة إليه خلفي كما ينسب إلى حنيفة حنفي، وقول العامة درهم خليفتي ونحوه خطأ، إذ قاعدة النسب أن يحذف من المنسوب إليه الياء وهاء التأنيث على ما هو مقرر في علم النحو. وممن وهم في ذلك المقر الشهابي بن فضل الله رحمه الله في كتابه التعريف حيث قال: وأول ما نبدأ بالمكاتبة إلى الأبواب الشريفة الخليفتية، ولعله سبق قلم منه، وإلا فالمسألة أظهر من أن يجهلها أو تخفى عليه.
الثاني- الملك. وهو الزعيم الأعظم ممن لم يطلق عليه اسم الخلافة، وقد نطق القرآن بذكره في غير موضع كما في قوله تعالى: {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً} {وقال الملك ائتوني به} إلى غير ذلك من الآيات. ويقال فيه ملك بكسر اللام وملك بإسكانها ومليك بزيادة ياء، ومنه قوله تعالى: {عند مليكٍ مقتدرٍ} قال الجوهري: والملك مقصورٌ من مالك أو مليك، ويجمع على ملوك وأملاك. ويقال لموضع الملك المملكة.
الثالث- السلطان، وهو اسمٌ خاصٌ في العرف العام بالملوك. ويقال: إن أول من لقب به خالد بن برمك وزير الرشيد، لقبه به الرشيد تعظيماً له، ثم انقطع التلقيب به إلى أيام بني بويه فتلقب به ملوكهم فمن بعدهم من الملوك السلاجقة وغيرهم وهلم جرا إلى زماننا.
وأصله في اللغة الحجة قال تعالى: {وما كان له عليهم من سلطانٍ} يعني من حجة. وسمي السلطان بذلك لأنه حجة على الرعية يجب عليهم الانقياد إليه.
واختلف في اشتقاقه: فقيل إنه مشتق من السلاطة وهي القهر والغلبة: لقهره الرعية وانقيادهم له، وقيل مشتق من السليط وهو الشيرج في لغة أهل اليمن لأنه يستضاء به في خلاص الحقوق، وقيل من قولهم لسانٌ سليط أي حاد ماضٍ لمضي أمره ونفوذه. وقال محمد بن يزيد البصري: السلطان جمعٌ واحده سليط كقفيز وقفزانٍ وبعير وبعرانٍ.
وحكى صاحب ذخيرة الكتاب: أنه يكون واحداً ويكون جمعاً، ثم هو يذكر على معنى الرجل، ويؤنث على معنى الحجة. وحكى الكسائي والفراء على التأنيث عن بعض العرب قضت به عليك السلطان. قال العسكري في كتابه الفروق في اللغة، والفرق بينه وبين الملك أن الملك يختص بالزعيم الأعظم، والسلطان يطلق عليه وعلى غيره.
وعلى ما ذكره العسكري عرف الفقهاء في كتبهم، إذ يطلقونه على الحاكم من حيث وحتى على القاضي فيقولون فيمن ليس لها ولي خاص يزوجها السلطان ونحو ذلك.
ومن حيث إن السلطان أعم من الملك يقدم عليه في قولهم السلطان الملك الفلاني: ليقع السلطان أولاُ على الملك وعلى غيره ثم يخرج غير الملك بعد ذلك بذكر الملك.
الرابع- الوزير، وهو المتحدث للملك في أمر مملكته. واختلف في اشتقاقه: فقيل مشتق من الوزر بفتح الواو والزاي وهو الملجأ. ومنه قوله تعالى {كلا لا وزر} سمي بذلك لأن الرعية يلجأون إليهم في حوائجهم، وقيل مشتق من الأوزار وهي الأمتعة، ومنه قوله تعالى {ولكنا حملنا أوزاراً من زينة القوم}: سمي بذلك لأنه متقلد بخزائن الملك وأمتعته، وقيل مشتق من الوزر بكسر الواو وإسكان الزاي وهو الثقل، ومنه قوله تعالى {حتى تضع الحرب أوزارها} سمي بذلك لأنه يتحمل أثقال الملك وقيل مشتق من الأزر: وهو الظهر سمي بذلك لأن الملك يقوى بوزيره كقوة البدن بالظهر، وتكون الواو فيه على هذا التقدير منقلبةً عن همزة.
وقد أوضحت القول في ذلك في النفحات النشرية في الوزارة البدرية. قال القضاعي في عيون المعارف في أخبار الخلائف: وأول من لقب بالوزارة في الإسلام أبو سلمة: حفص بن سلمان الخلال وزير السفاح.
قال: وإنما كانوا قبل ذلك يقولون كاتب. ثم هو إما وزير تفويض: وهو الذي يفوض الإمام إليه تدبير الإمور برأيه وإمضاءها على اجتهاده كما كانت الوزراء بالديار المصرية من لدن وزارة بدر الجمالي وإلى حين انقراضها، وإما وزير تنفيذ: وهو الذي يكون وسيطاً بين الإمام والرعايا معتمداً على رأي الإمام وتدبيره.
وهذه هي التي كان أهل الدولة الفاطمية يعبرون عنها بالوساطة، أما الوزارة في زماننا فقد تقاصرت عن ذلك كله حتى لم يبق منها إلا الإسم دون الرسم، ولم تزل الوزارة في الدول تتردد بين أرباب السيوف والأقلام تارةً وتارةً إلا أنها في زماننا في أرباب الأقلام.
الخامس- الأمير. وهو زعيم الجيش أو الناحية ونحو ذلك ممن يوليه الإمام. وأصله في اللغة ذو الأمر وهو فعيل بمعنى فاعل فيكون أمير بمعنى آمر.
سمي بذلك لامتثال قومه أمره يقال: أمر فلان إذا صار أميراً، والمصدر الإمرة والإمارة بالكسر فيهما، والتأمير تولية الأمير، وهي وظيفة قديمة.
السادس- الحاجب. وهو في أصل الوضع عبارةٌ عمن يبلغ الأخبار من الرعية إلى الإمام ويأخذ لهم الإذن منه. وهي وظيفةٌ قديمة الوضع كانت لابتداء الخلافة في ذكر القضاعي في عيون المعارف لكل خليفة حاجباً من ابتداء الأمر وإلى زمانه: فذكر أنه كان حاجب أبي بكر الصديق رضي الله عنه شديداً مولاه، وحاجب عمر يرفأ مولاه، وحاجب عثمان حمران مولاه، وحاجب علي قنبراً مولاه، وعلى ذلك في كل خليفة، ماعدا الحسن ابن علي رضي الله عنهما فإنه لم يذكر له حاجباً. وسمي الحاجب بذلك لأنه يحجب الخليفة أو الملك عمن يدخل إليه بغير إذن. قال زياد لحاجبه: وليتك حجابي وعزلتك عن أربع: هذا المنادي إلى الله في الصلاة والفلاح فلا تعوجنه عني ولا سلطان لك عليه، وطارق الليل فلا تحجبه فشر ما جاء به ولو كان خيراً ما جاء في تلك الساعة، ورسول الثغر فإنه إن أبطأ ساعةً أفسد عمل سنةٍ فأدخله علي وإن كنت في لحافي وصاحب الطعام فإن الطعام إذ أعيد تسخينه فسد.
ثم تصرف الناس في هذا اللقب ووضعوه في غير موضعه، حتى كان في أعقاب خلافة بني أمية بالأندلس ربما أطلق على من قام مقام الخليفة في الأمر، وكانوا في الدولة الفاطمية بالديار المصرية يعبرون عنه بصاحب الباب كما سبق بيانه في المقالة الثانية في الكلام على ترتب دولتهم. أما في زماننا فإنه عبارةٌ عمن يقف بين يدي السلطان ونحوه في المواكب، ليبلغ ضرورات الرعية إليه، ويركب أمامه بعصاً في يده، ويتصدى لفصل المظالم بين المتداعيين خصوصاً فيما لا تسوغ الدعوى فيه من الأمور الديوانية ونحوها. وله ببلاد المغرب والأندلس أوضاعٌ تخصه في القديم والحديث، على ما سيأتي ذكره في الكلام على مكاتباتهم في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
السابع- صاحب الشرطة. بضم الشين المعجمة وإسكان الراء: وهو المعبر عنه في زماننا بالوالي، وتجمع الشرطة على شرطٍ يضم الشين المعجمة وفتح الراء. وفي اشتقاقه قولان: أحدهما أنه مشتق من الشرط بفتح الشين والراء وهي العلامة، لأنهم يجعلون لأنفسهم علاماتٍ يعرفون بها، ومنه أشراط الساعة يعني علاماتها، وقيل من الشرط أيضاً: وهو رذال المال، لأنهم يتحدثون في أرذال الناس وسفلتهم ممن لا مال له من اللصوص ونحوهم.
الصنف الثاني: ألقاب أرباب الأقلام:
وفيه ثلاثة ألقاب:
الأول- القاضي. وهو عبارة عمن يتولى فصل الأمور بين المتداعيين في الأحكام الشرعية. وهي وظيفةٌ قديمة كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. فقد ذكر القضاعي أنه صلى الله عليه وسلم ولى القضاء باليمن علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري؛ وأن أبا بكر رضي الله عنه ولى القضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ثم هو مشتقٌ من القضاء، واختلف في معناه فقال أبو عبيد: هو إحكام الشيء والفراغ منه، ومنه قوله تعالى: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} أي أخبرناهم بذلك وفرغنا لهم منه. قال أبو جعفر النحاس: وسمي القاضي قاضياً لأنه يقال قضي بين الخصمين إذا فصل بينهما وفرغ. وقيل معناه القطع، يقال قضى الشيء إذا قطعه، ومنه قوله تعالى: {فاقض ما أنت قاضٍ} وسمي القاضي بذلك لأنه يقطع الخصومة بين الخصمين بالحكم. على أن كتاب الزمان يطلقون هذا اللقب والألقاب المتفرعة منه كالقضائي والقاضوي على أرباب الأقلام في الجملة، سواء كان صاحب اللقب متصدياً لهذه الوظيفة أو غيرها، كسائر العلماء والكتاب ومن في معناهم، وعلى ذلك عرف العامة أيضاً.
الثاني- المحتسب. وهو عبارةٌ عمن يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتحدث في أمر المكاييل والموازين ونحوهما. قال الماوردي في الأحكام السلطانية: وهو مشتقٌ من قولهم حسبك بمعنى اكفف، سمي بذلك لأنه يكفي الناس مؤونة من يبخسهم حقوقهم. قال النحاس: وحقيقته في اللغة المجتهد في كفاية المسلمين ومنفعتهم إذ حقيقة افتعل عند الخليل وسيبويه بمعنى اجتهد.
وأول من قام بهذا الأمر وصنع الدرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته. وقد كانوا في الأيام الفاطمية بالديار المصرية يضيفونها إلى الشرطة في بعض الأحيان، كما هو موجود في تقاليد الحسبة في زمانهم.
الثالث- الكاتب. وقد تقدم اشتقاقه ومعناه في مقدمة الكتاب، وأنه كان في الزمن الأول عند الإطلاق إنما يراد به كاتب الإنشاء ثم تغيير الحل بعد ذلك إلى أن صار في العرف العام بالديار المصرية عند الإطلاق يراد به كاتب المال ومن في معناه، وهو من الألقاب القديمة في الكلام على الوزراة من كلام القضاعي أنهم قبل التلقيب بالوزراة في الدولة العباسية في خلافة السفاح إنما كانوا يقولون كاتب.
قلت: ووراء ما تقدم من الألقاب القديمة المتداولة ألقابٌ أخرى كانت مستعملة في الأيام الفاطمية ثم رفضت الآن وتركت.
كـ صاحب المظالم وهو المتحدث في فصل الخصومات.
وصاحب الصلاة: وهو المتحدث في أمر المساجد والصلوات.
وكالمتحدث في الوساطة، وهي القيام بوظيفة الوزراة ممن لم يؤهل لإطلاق اسم الوزراة عليه.
وصاحب الباب كنحو الحاجب.
وداعي الدعاة للشيعة ونحو ذلك.
النوع الثاني: الألقاب المحدثة:
وهي إما عربية، وإما عجمية. والعجمية منها إما فارسية، وإما تركية، وأكثرها الفارسية. والسبب في استعمال الفارسي منها وإن كانت الفرس لم تلها في الإسلام أن الخلافة كانت ببغداد وغالب كلام أهلها الفارسية، والوظائف منقولة عنها إلى هذه المملكة، إما مضاهاةً كما في الدولة الفاطمية على قلة، كما في الاسفهسلار، وإما تبعاً كما في الدولة الأيوبية فيما بعد.
وهي أربعة أصناف:
الصنف الأول: المفردة:
وهي ضربان:
الضرب الأول: ما لفظه عربي:
وهو ثلاثة ألقاب:
الأول- النائب: وهو لقبٌ على القائم مقام السلطان في عامة أموره أو غالبها، والألف فيه منقلبةٌ عن واوٍ. يقال: ناب فلانٌ عن فلانٍ ينوب نوباً ومناباً إذا قام مقامه فهو نائبٌ. ويطلق هذا اللقب في العرف العام على كل نائبٍ عن السلطان أو غيره بحضرته أو خارجاً عنها في قربٍ أو بعدٍ، إلا أن النائب عن السلطان بالحضرة يوصف في عرف الكتاب بالكافل: فيقال النائب الكافل وفي حال الإضافة كافل الممالك الإسلامية على ما سيأتي ذكره في النعوت إن شاء الله تعالى. والنائب عنه بدمشق يقال فيه كافل السلطنة ومن دونه من أكابر النواب: كنائب حلب ونائب طرابلس ونائب حماة ونائب صفد ونائب الكرك من الممالك الشامية، ونائب الإسكندرية ونائبي الوجهين: القبلي والبحري بالديار المصرية. يقال فيه نائب السلطنة الشريفة بكذا ليس إلا ويقال فيمن دونهم من النواب بالممالك الشامية كنائب حمص ونائب الرحبة وغيرهما النائب بفلانة.
الثاني- الساقي. وهو لقب على الذي يتولى مد السماط وتقطيع اللحم وسقي المشروب بعد رفع السماط، ونحو ذلك. وكأنه وضع في الأول لسقي المشروب فقط ثم استحدث له هذه الأمور الأخرى تبعاً. ويجوز أن يكون لقب بذلك لأن سقي المشروب آخر عمله الذي يختم به وظيفته.
الثالث- المشرف. وهو الذي يتولى أمر المطبخ ويقف على مشارفة الأطبخة في خدمة إستادار الصحبة الآتي ذكره، ومعناه ظاهر.
الضرب الثاني: ما لفظه عجمي:
وهو لقبٌ واحدٌ:
وهو الأوجاقي وهو لقبٌ على الذي يتولى ركوب الخيول للتسيسير والرياضة، ولم أقف على معناه.
الصنف الثاني: المركبة:
وهي ثلاثة أضرب:
الضرب الأول: ما تمخض تركيبه من اللفظ العربي:
وفيه سبعة ألقاب الأول- ملك الأمراء. وهو من الألقاب التي اصطلح عليها لكفال الممالك من نواب السلطنة، كأكابر النواب بالممالك الشامية ومن في معناهم. وذلك أنه قام فيهم مقام الملك في التصرف والتنفيذ، والأمراء في خدمته كخدمة السلطان.
وأكثر ما يخاطب به النواب في المكاتبات، وذلك مختصٌ بغير المخاطبات السلطانية، أما السلطان فلا يخاطب عنه أحدٌ منهم بذلك.
الثاني- رأس نوبة. وهو لقبٌ على الذي يتحدث على مماليك السلطان أو الأمير، وتنفيذ أمره فيهم، ويجمع على رؤوس نوب. والمراد بالرأس هنا الأعلى أخذاً من رأس الإنسان لأنه أعلاه. والنوبة واحدة النوب وهي المرة بعد الأخرى، والعامة تقول لأعلاهم في خدمة السلطان رأس نوبة النوب وهو خطأ لأن المقصود علو صاحب النوبة لا النوبة نفسها، والصواب فيه أن يقال: رأس رؤوس النوب أي أعلاهم.
الثالث- أمير مجلس. وهو لقبٌ على من يتولى أمر مجلس السلطان أو الأمير في الترتيب وغيره، ويجمع على أمراء، ومعناه ظاهر، والأحسن فيه أن يقال أمير المجلس بتعريف المضاف إليه، وتكون الألف واللام فيه للعهد الذهني، إما مجلس السلطان أو غيره.
الرابع- أمير سلاح. وهو لقبٌ على الذي يتولى أمر سلاح السلطان أو الأمير. ويجمع على أمراء سلاح، والسلاح آلة القتال. قال الجوهري: وهو مذكر ويجوز تأنيثه.
الخامس- مقدم المماليك. وهو لقبٌ على الذي يتولى أمر المماليك للسلطان أو الأمير- من الخدام الخصيان المعروفين الآن بالطواشية. ومقامه فيهم نحو مقام رأس النوبة، ولفظ المقدم والمماليك معروف.
السادس- أمير علم. وهو لقبٌ على الذي يتولى أمر الأعلام السلطانية والطبلخاناه وما يجري مجرى ذلك. والعلم في اللغة يطلق بإزاء معانٍ أحدها الراية، وهو المراد هنا.
السابع- نقيب الجيش. وهو الذي يتكفل بإحضار من يطلبه السلطان من الأمراء وأجناد الحلقة ونحوهم، والنقيب في اللغة العريف الذي هو ضمين القوم وفي التنزيل حكايةٌ عن بني إسرائيل: {وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً} ويقال: نقب على قومه ينقب نقباً مثل كتب يكتب كتباًُ. والجيش العسكر ويجمع على جيوش. أما بالممالك الشامية فإنه يقال في مثله نقيب النقباء.
الضرب الثاني: ما تمحض تركيبه من اللفظ العجمي:
وقاعدة اللغات العجمية تقديم المضاف إليه على المضاف، والصفة على الموصوف، بخلاف اللغة العربية. ولهذا الضرب حالتان:
الحالة الأولى: أن تكون الإضافة إلى لفظ دار:
وهي لفظةٌ فارسية معناها ممسكٌ فاعل من الإمساك. وكثير من كتاب الزمان أو أكثرهم بل كلهم يظنون أن لفظ دار في ذلك عربي بمعنى المحلة، كدار السلطان أو الأمير ونحو ذلك، وهو خطأ كما سيأتي بيانه في الكلام على إستدار، وخزندار وغيرهما.
والمضاف إلى لفظ دار من من وظائف أرباب السيوف تسعة ألقاب: الأول- الإستدار. بكسر الهمزة وهو لقبٌ على الذي يتولى قبض مال السلطان أو الأمير وصرفه، وتمتثل أوامره فيه. وهو مركب من لفظتين فارسيتين: إحداهما إستذ، بهمزة مكسورة وسين مهملة ساكنة بعدها تاء مثناة من فوق ثم ذال معجمة ساكنة، ومعناها الأخذ. والثانية دار، ومعناها الممسك كما تقدم، فأدغمت الذال الأولى وهي المعجمة في الثانية وهي المهملة فصار إستدار.
والمعنى المتولي للأخذ، سمي بذلك لما تقدم من أنه يتولى قبض المال. ويقال فيه أيضاً: ستدار بإسقاط الألف من أوله وكسر السين والمتشدقون من الكتاب يضمون الهمزة في أوله ويلحقون فيهه ألفاً بعد التاء، فيقولون: أستادار وربما قالوا: أستاذ الدار بإدخال الألف واللام على لفظ الدار ظناً مكنهم أن المراد حقيقة الدار في اللفظ العربي، وأن أستاذ بمعنى السيد أو الكبير، ولذلك يقولون أستادار العالية: أو أستاذ الدار العالية وهو خطأ صريح لما تقدم بيانه.
على أن العامة تنطق به على الصواب، ومن كسر الهمزة وحذف الألف بعد التاء. ثم قد يزاد في هذا اللقب لفظ الصحبة، فيصير إستدار الصحبة ويكون لقباً على متولي أمر المطبخ، وكأنه لقب بذلك لملازمته الباب سفراً وحضراً.
الثاني- الجوكاندرا. وهو لقبٌ على الذي يحمل الجوكان مع السلطان في لعب الكرة، ويجمع على جوكان دارية، وهومركبٌ من لفظتين فارسيتين أيضاً: إحداهما جوكان، وهو المحجن الذي تضرب به الكرة، ويعبر عنه بالصولجان أيضاً: والثانية دار ومعناه ممسك كما تقدم. فيكون للمعنى ممسك الجوكان. والعامة تقول: جكندار بحذف الواو بعد الجيم والألف بعد الكاف.
الثالث- الطبردار. وهو الذي يحمل الطبر حول السلطان عند ركوبه في المواكب وغيرها. وهو مركب من لفظين فارسيين: أحدهما طبر ومعناه الفأس، ولذلك يقولون في السكر الصلب الشديد الصلابة طبرزذ بمعنى يكسر بالفأس. والثاني دار ومعناه ممسك كما تقدم، فيكون المعنى ممسك الطبر.
الرابع- السنجقدار. وهو الذي يحمل السنجق خلف السلطان. وهو مركب من لفظين: أحدهما تركي وهو سنجق، ومعناه الرمح وهو في لغتهم مصدر طعن، فعبر به عن الرمح الذي يطعن به. والثاني دار ومعناه ممسك كما تقدم، ويكون المعنى ممسك السنجق وهو الرمح. والمراد هنا العلم الذي هو الراية كما تقدم، إلا أنه لما كانت الراية إنما تجعل في أعلى الرمح عبر بالرمح نفسه عنها.
الخامس- البندقدار. وهو الذي يحمل جراوة البندق خلف السلطان أو الأمير. وهو مركب من لفظتين فارسيتين إحداهما بندق، وإن كان الجوهري قد أطلق ذكره في الصحاح من غير تعرض لأنه معرب فقال: والبندق الذي يرمى به. ثم هو منقولٌ عن البندق الذي يؤكل وهو الجلوز بكسر الجيم والزاي المعجمة في آخره، فقد قال أبو حنيفة في كتاب النبات الجلوز عربي وهو البندق والبندق فارسيٌ. اللفظة الثانية دار ومعناها ممسك كما تقدم، ويكون المعنى ممسك البندق.
السادس- الجمدار. وهو الذي يتصدى لإلباس السلطان أو الأمير ثيابه. وأصله جاما دار فحذفت الألف بعد الجيم وبعد الميم استثقالاً وقيل جمدار. وهو في الأصل مركب من لفظين فارسيين أحدهما جاما، ومعناه الثوب. والثاني دار، ومعناه ممسك كما تقدم فيكون المعنى ممسك الثوب.
السابع- البشمقدار. وهو الذي يحمل نعل السلطان أو الأمير، وهو مركب من لفظين: أحدهما من اللغة التركية وهو بشمق ومعناه النعل. والثاني من اللغة الفارسية وهو دار ومعناه ممسك على ما تقدم. ويكون المعنى ممسك النعل.
على أن صاحب الأنوار الضوية في إظهار غلط الدرة المضية في اللغة التركية قد ذكر أن الصواب في النعل بصمق بالصاد المهملة بدل الشين المعجمة، وحينئذ فيكون صوابه على ما ذكر بصمقدار. والمعروف في ألسنة الترك بالديار المصرية ما تقدم.
الثامن- المهمندار. وهو الذي يتصدى لتلقي الرسل والعربان الواردين على السلطان وينزلهم دار الضيافة ويتحدث في القيام بأمرهم. وهو مركب من لفظين فارسيين: أحدهما مهمن بفتح الميمين ومعناه الضيف، والثاني دار ومعناه ممسك كما تقدم، ويكون معناه ممسك الضيف، والمراد المتصدي لأمره.
التاسع- الزنان دار المعبر عنه بالزمام دار. وهو لقب على الذي يتحدث على باب ستارة السلطان أو الأمير من الخدام الخصيان، وهو مركب من لفظين فارسيين: أحدهما زنان بفتح الزاي ونونين بينهما ألف، ومعناه النساء.
والثاني دار، ومعناه ممسك كما تقدم فيكون معناه ممسك النساء، بمعنى أنه الموكل بحفظ الحريم إلا أن العامة والخاصة قد قلبوا النونين فيه بميمين فعبروا عنه بالزمام دار كما تقدم، ظناً أن الدار على معناها العربي والزمام بمعنى القائد، أخذاً من زمام البعير الذي يقاد به.
الحالة الثانية: أن تكون الإضافة إلى غير لفظ دار:
وفيها لقبان الأول- الجاشنكير. وهو الذي يتصدى لذوقان المأكول والمشروب قبل السلطان أو الأمير خوفاً من أن يدس عليه فيه سم ونحوه.
وهو مركب من لفظين فارسيين: أحدهما جاشنا بجيم في أوله قريبةٍ في اللفظ من الشين، ومعناه الذوق، ولذلك يقولون في الذي يذوق الطعام، والشراب الشيشيني. والثاني كير وهو بمعنى المتعاطي لذلك، ويكون المعنى الذي يذوق.
الثاني- السراخور. وهو الذي يتحدث على علف الدواب من الخيل وغيرها.
وهو مركب من لفظين فارسيين: أحدهما سراً ومعناه الكبير. والثاني خور ومعناه العلف، ويكون المعنى كبير العلف والمراد كبير الجماعة الذين يتولون علف الدواب.
والعامة يقولون سراخوري بإثبات ياء النسب في آخره ولا وجه له. ومتشدقوا الكتاب يبدلون الراء فيه لاماً فيقولن سلاخوري وهو خطأ.
الضرب الثالث: ما تركب من لفظ عربي ولفظ عجمي:
وله حالتان:
الحالة الأولى: أن يصدر بلفظ أمير وهو لفظٌ عربي:
كما تقدم في الكلام على ألقاب أرباب الوظائف، وفيها أربعة ألقاب:
الأول- أميراخور. وهو الذي يتحدث على إصطبل السلطان أو الأمير، ويتولى أمر ما فيه من الخيل والإبل وغيرهما مما هو داخل في حكم الإصطبلات، وهو مركبٌ من لفظين: أحدهما عربي وهو أمير، والثاني فارسي وهو آخور بهمزة مفتوحة ممدودة بعدها خاء معجمة ثم واو وراء مهملة ومعناه المعلف، والمعنى أمير العلف: لأنه المتولي لأمر الدواب على ما تقدم وأهم أمورها المعلف.
الثاني- أمير جاندار. وهو لقبٌ على الذي يستأذن على الأمراء وغيرهم في أيام الموكب عند الجلوس بدار العدل.
وهو مركب من ثلاثة ألفاظ: أحدهما عربي وهو أمير وقد تقدم معناه. والثاني جان بجيم وألف ونون، ومعناه الروح بالفارسية والتركية جميعاً.
والثالث دار، ومعناه ممسك كما تقدم، فيكون المعنى الأمير الممسك للروح ولم يظهر لي وجه ذلك إلا أن يكون المراد أنه الحافظ لدم السلطان فلا يأذن عليه إلا لمن يأمن عاقبته.
الثالث- أمير شكار. وهو لقب على الذي يتحدث على الجوارح من الطيور وغيرهما وسائر أمور الصيد.
وهو مركب من لفظين: أحدهما عربي وهو أمير والثاني فارسي وهو شكار بكسر الشين المعجمة وكاف وألف ثم راء مهملة في الآخر، ومعناه الصيد فيكون المراد أمير الصيد.
الرابع- أمير طبر. وهو لقب على الذي يتحدث على الطبردارية الذين يحملون الأطبار حول السلطان في المواكب ونحوها. وهو مركب من لفظين: أحدهما عربيٌ وهو أمير، والثاني طبر وهو بالفارسية الفأس كما تقدم في الكلام على الطبردار.
الحالة الثانية: أن لا يصدر اللقب بلفظ أمير:
وفيها خمسة ألقاب:
الأول- الدوادار. وهو لقب على الذي يحمل دواة السلطان أو الأمير أو غيرهما، ويتولى أمرها مع ما ينضم إلى ذلك من الأمور اللازمة لهذا المعنى من حكمٍ وتنفيذ أموراً وغير ذلك بحسب ما يقتضيه الحال. وهو مركب من لفظين: أحدهما عربي وهو الدواة، والمراد التي يكتب منها. والثاني فارسي وهو دار، ومعناه ممسك كما تقدم. ويكون المعنى ممسك الدواة وحذفت الهاء من آخر الدواة استثقالاً. أما في اللغة العربية فإنه يقال لحامل الدواة داوٍ على وزن قاضٍ، فتثبت الياء فيه مع الألف واللام فتقول جاء الداوي ورأيت الداوي ومررت بالداوي، ويجوز حذفها كما في سائر الأسماء المنقوصة.
الثاني- السلاح دار. وهو لقب على الذي يحمل سلاح السلطان أو الأمير ويتولى أمر السلاح خاناه وما هو من توابع ذلك. وهو مركب من لفظين: أحدهما عربيٌ وهو السلاح، وقد تقدم معناه في الكلام على أمير سلاح. والثاني فارسي وهو دار ومعناه ممسك كما تقدم، ويكون المعنى ممسك السلاح.
الثالث- الخزندار بكسر الخاء وفتح الزاي المعجمتين. وهو لقب على الذي يتحدث على خزانة السلطان أو الأمير أو غيرهما. وهو مركب من لفظين: أحدهما عربي وهو خزانة: وهي ما يخزن فيه المال. والثاني فارسي وهو دار، ومعناه ممسك كما تقدم فحذفت الألف والهاء من خزانةٍ استثقالاً فصار خزندار ويكون المعنى ممسك الخزانة والمراد المتولي لأمرها، ومتشدقو الكتاب يسقطون الألف والهاء من خزانة على ما تقدم ويلحقون بعد الخاء ألفاً فينقلون لفظ خزانة إلى خازن فاعلٍ من الخزن ويضيفونه إلى دار، ظناً منهم أن الدار على معناها العربي كما تقدم في الإستدار والزنان دار، وهو خطأ كما تقدم بيانه هناك. على أن العامة تنطق بحروزفه على الصواب إلا أنهم يكسرون الزاي بعد الخاء والصواب فتحها.
الرابع- العلم دار. وهو لقبٌ على الذي يحمل العلم مع السلطان في المواكب. وهو مركب من لفظين: أحدهما عربي وهو العلم، وقد تقدم أن معناه الراية. والثاني فارسي وهو دار ومعناه ممسك كما تقدم، ويكون المعنى ممسك العلم.
الصنف الثاني: ألقاب أرباب الأقلام:
وهي على خمسة أضرب:
الضرب الأول: ألقاب أرباب الوظائف من العلماء:
وفيه خمسة ألقاب:
الأول- الخطيب. وهو الذي يخطب الناس ويذكرهم في الجمع والأعياد ونحوهما. وقد كان ذلك في الزمن المتقدم مختصاً بالخلفاء والأمراء بالنواحي على ما تقدم في الكلام على ترتيب الخلافة في المقالة الثانية.
الثاني- المقريء- وهو الذي يقريء القرآن العظيم، وقد غلب اختصاصه في العرف على مشايخ القراءة من قراء السبعة المجيدين المتصدين لتعليم علم القراءة.
الثالث- المحدث. والمراد به من يتعاطى علم حديث النبي صلى الله عليه وسلم بطريق الرواية والدراية، والعلم بأسماء الرجال وطرق الأحاديث، والمعرفة بالأسانيد ونحو ذلك.
الرابع- المدرس. وهو الذي يتصدى لتدريس العلوم الشرعية: من التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والتصريف ونحو ذلك. وهو مأخوذ من درست الكتاب دراسةً إذا كررته للحفظ.
الخامس- المعيد. وهو ثاني رتبة المدرس فيما تقدم، وأصل موضوعه أنه ألقى المدرس الدرس وانصرف أعاد للطلبة ما ألقاه المدرس إليهم ليفهموه ويحسنوه.
الضرب الثاني: ألقاب الكتاب:
وهي نمطان:
النمط الأول ألقاب أرباب الوظائف من كتاب الإنشاء وفيه ثلاثة ألقاب الأول- كاتب السر. وهو صاحب ديوان الإنشاء وقد تقدم الكلام عليه مستوفى عند الكلام على الكتابة والكتاب في مقدمة الكتاب.
الثاني- كاتب الدست. وهو الذي يجلس مع كاتب السر بدار العدل أمام السلطان أو النائب بمملكةٍ من الممالك، ويوقع على القصص. وهم جماعة وقد تقدم الكلام عليهم في المقدمة أيضاً.
الثالث- كاتب الدرج. وهو الذي يكتب المكاتبات والولايات وغيرها في الغالب وربما شاركه في ذلك كتاب الدست، ويعبر الآن عنه بالموقع، وقد تقدم الكلام عليه هناك أيضاً.
الضرب الثالث: ألقاب أرباب الوظائف من كتاب الأموال ونحوها:
وفيه تسعة ألقاب الأول- الوزير إذا كان من أرباب الأقلام، وقد تقدم الكلام عليه في ألقاب أرباب السيوف في الصنف الأول.
الثاني- الناظر. وهو من ينظر في الأموال وينفذ تصرافاتها ويرفع إليه حسابها لينظر فيه ويتأمله فيمضي ما يمضي ويرد ما يرد. وهو مأخوذ إما من النظر الذي هو رأي العين: لأنه يدير نظره في أمور ما ينظر فيها، وإما من النظر الذي هو بمعنى الفكر: لأنه يفكر فيما فيه المصلحة من ذلك. ثم هو يختلف باختلاف ما يضاف إليه كناظر الجيش وهو الذي يتحدث في أمر الجيوش وضبطها. أو ناظر الخاص وهو الذي ينظر في خاص أموال السلطان. أو ناظر الدواوين وهو الذي يعبر عنه بناظر الدولة ويشارك الوزير في التصرف. أو ناظر النظار بدمشق وهو الذي يقوم بها مقام الوزير بالديار المصرية. أو ناظر المملكة بحلب، أو طرابلس، أو حماة ونحوها. أو ناظر أوقافٍ أو جهات بر وما يجري مجرى ذلك.
الثالث- صاحب الديوان. وكانوا في الزمن الأول يعبرون عنه بمتولي الديوان، وهو ثاني رتبة الناظر في المراجعة. وله أمورٌ تخصه كترتيب الدرج ونحو ذلك.
الرابع- الشاهد. وهو الذي يشهد بمتعلقات الديوان نفياً وإثباتاً.
الخامس- المستوفي. وهو الذي يضبط الديوان، وينبه على ما فيه مصلحته من استخراج أمواله ونحو ذلك. ولعظم موقعه أشار له الحريري في مقاماته بقوله: منهم المستوفي الذي هو قطب الديوان... إلى آخره. ثم في بعض المباشرات قد ينقسم إلى مستوفي أصلٍ ومستوفي مباشرة، ولكل منهام أعمال تخصه.
السادس- العامل. وهو الذي ينظم الحسبانات ويكتبها. وقد كان هذا اللقب في الأصل إنما يقع على الأمير المتولي العمل ثم نقله العرف إلى هذا الكاتب وخصه به دون غيره.
السابع- الماسح. وهو الذي يتصدى لقياس أرض الزراعة، وهو فاعلٌ من مسح الأرض يمسحها مساحةً إذا ذرعها.
الثامن- المعين. وهو الذي يتصدى للكتابة إعانةً لأحدٍ من المباشرين المذكورين، ومعناه واشتقاقه ظاهر.
التاسع- الصيرفي. وهو الذي يتولى قبض الأموال وصرفها. وزهو مأخوذ من الصرف: وهو صرف الذهب والفضة في الميزان. وكان يقال له فيما تقدم الجهبذ.
الضرب الرابع: ألقاب أرباب الوظائف من أهل الصناعات:
وفيه خمسة ألقاب الأول- مهندس العمائر. وهو الذي يتولى ترتيب العمائر وتقديرها ويحكم على أرباب صناعتها. والهندسة علم معروف فيه كتبٌ مفردة بالتصنيف.
الثاني- رئيس الأطباء. وهو الذي يحكم على طائفة الأطباء ويأذن لهم في التطبيب ونحو ذلك. وسيأتي الكلام على ضبط ذلك ومعناه في الكلام على الرئيس في الألقاب المفردة في حرف الراء فيما بعد إن شاء الله تعالى.
الثالث- رئيس الكحالين. وحكمه في الكلام على طائفة الكحالين حكم رئيس الأطباء في طائفة الأطباء.
الرابع- رئيس الجرائحية. وحكمه في الكلام على طائفة الجرائحية والمجبرين كالرئيسين المتقدمين.
الخامس- رئيس الحراقة. وهو الذي يحكم على رجال الحراقة السلطانية ويتولى أمرها. وكان في الزمن المتقدم يقال له رئيس الخلافة جرياً على ما كان الأمر عليه في الخلافة الفاطمية بالديار المصرية.
الضرب الخامس: ألقاب أرباب الوظائف من الأتباع والحواشي والخدم:
وهم طائفتان:
الطائفة الأولى: الأعوان:
وهم نمطان:
النمط الأول: ما تمحضت ألفاظه عربيةً:
وفيه ثلاثة ألقاب:
الأول- مقدم الدولة. وهو الذي يتحدث على الأعوان والمتصرفين لخدمة الوزير. والمراد المقدم على الدولة، والدولة لفظٌ قد خصه العرف بمتعلقات الوزراة. كما يقال لناظر الدواوين ناظر الدولة على ما تقدم ذكره.
الثاني- مقدم الخاص. وهو المتحدث على الأعوان والمتصرفين بديوان الخاص المختص بالسلطان، كمقدم الدولة بالنسبة إلى أعوان الوزراة.
الثالث- مقدم التركمان. ويكون بالبلاد الشامية والحلبية متحدثاً على طوائف التركمان الذي يقدم عليهم.
النمط الثاني: ما تمحض لفظه عجمياً:
وفيه لقب واحد وهو البرددار، وهو الذي يكون في خدمة مباشري الديوان في الجملة متحدثاً على أعوانه والمتصرفين فيه، كما في مقدم الدولة والخاص المقدم ذكرهما.
وأصله فردادار بفاء في أوله وهو مركب من لفظين فارسيين: أحدهما فردا، ومعناه الستارة، والثاني دار ومعناه ممسك، والمراد ممسك الستارة وكأنه في أول الوضع كان يقف بباب الستارة ثم نقل إلى الديوان.
الطائفة الثانية أرباب الخدم:
وهم نمطان:
النمط الأول: ما يضاف إلى لفظ الدار:
كما تقدم في أرباب السيوف، وهي سبعة ألقاب الأول- الشربدار. وهو لقبٌ على الذي يتصدى للخدمة بالشراب خاناه، التي هي أحد البيوت.
وهو مركب من لفظين: أحدهما شراب وهو ما يشرب من ماء وغيره، فحذفوا الألف فيه استثقالاً. والثاني دار، ومعناه ممسك على ما تقدم، والمعنى ممسك الشراب.
الثاني- الطست دار، وهو لقبٌ على بعض رجال الطشت خاناه، وهو مركب من لفظين أحدهما طست بفتح الطاء وإسكان السين المهملة في اللغة العربية، وهو الذي يغسل فيه، ويجمع على طسوس بسينين من غير تاء، ويقال فيه أيضاً طسٌ بإسقاط التاء، إلا أن العامة أبدلوا السين المهملة بشين معجمة. والثاني دار ومعناه ممسكٌ على ما تقدم، فيكون معناه ممسك الطست.
الثالث- البازدار. وهو الذي يحمل الطيور الجوارح المعدة للصيد على يده.
وخص بإضافته إلى الباز الذي هو أحد أنواع الجوارح دون غيره لأنه هو المتعارف بين الملوك في الزمن القديم، على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
الرابع- الحوندار. وهو الذي يتصدى لخدمة الطيور الصيد من الكراكي والبلوشونات ونحوها، ويحملها إلى موضع تعليم الجوارح.
وأصله حيوان دار أطلق الحيوان في عرفهم على هذا النوع من الطيور، كما أطلق على من يتعانى معامل الفروج الحيواني.
الخامس- المرقدار. وهو الذي يتصدى لخدمة ما يحوز المطبخ وحفظه. سمي بذلك لكثرة معاطاته لمرق الطعام عند رفع الخوان ونحو ذلك.
السادس- المحفدار بكسر الميم. وهو الذي يتصدى لخدمة المحفة. وهو مركب من لفظين. أحدهما محفة فحذفت التاء منها استثقالاً، والثاني دار، ومعناه ممسكٌ على ما تقدم، فيكون بمعنى ممسك المحفة.
النمط الثاني: ما لا يتقيد بالإضافة إلى دار ولا غيرها:
وفيه خمسة ألقاب الأول- المهتار، وهو لقبٌ واقع على كبير كل طائفة من غلمان البيوت، كمهتار الشراب خاناه، ومهتار الطست خاناه، ومهتار الركاب خاناه. ومه بكسر الميم معناه بالفارسية الكبير، وتار بمعنى أفعل التفضيل، فيكون معنى المهتار الأكبر.
الثاني- البابا. وهو لقبٌ لجميع رجال الطست خاناه ممن يتعاطى الغسل والصقل وغير ذلك. وهو لفظ رومي، ومعناه أبو الآباء على ما سيأتي بيانه في لقب الباب في الكلام على ألقاب أهل الكفر. وكأنه لقب بذلك لأنه لما تعاطى ما فيه ترفيه مخدومه: من تنظيف قماشه وتحسين هيئته أشبه الأب الشفيق فلقب بذلك.
الثالث- الرختوان. وهو لقبٌ لبعض رجال الطست خاناه يتعاطى القماش. والرخت بالفارسية اسمٌ للقماش، والوا ووالألف والنون بمعنى ياء النسب، ومعناه المتولي لأمر القماش.
الرابع- الخوان سلار. وهو لقبٌ مختصٌ بكبير رجال المطبخ السلطاني، القائم مقام المهتار في غير المطبخ من البيوت. وهو مركب من لفظين: أحدهما خوان، وهو الذي يؤكل عليه. قال الجوهري: وهو معرب. والثاني سلار، وهي فارسية ومعناها المقدم وكأنه يقول مقدم الخوان. والعامة تقول إخوان سلار بألف في أوله وهو لحن.
الخامس- المهمرد. وهو الذي يتصدى لحفظ قماش الجمال أو قماش الإصطبل والسقائين ونحو ذلك. ومعناه باللغة الفارسية الرجل الكبير فمه اسمٌ للكبير، ومرد اسمٌ للرجل.
السادس- الغلام. وهو الذي يتصدى لخدمة الخيل، ويجمع على غلمانٍ وغلمةٍ بكسر الغين وسكون اللام. وهو في أصل اللغة مخصوصٌ بالصبي الصغير والمملوك ثم غلب على هذا النوع من أرباب الخدم، وكأنهم سموه بذلك لصغره في النفوس، وربمال أطلق على غيره من رجال الطست خاناه ونحوهم.

 

منقول للافادة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق