الخميس، 31 يناير 2019

هل من حل ثالث لإشكال لغات التعليم في المغرب

الفهري يكتب: هل من حل ثالث لإشكال لغات التعليم في المغرب؟https://s1.hespress.com/cache/thumbnail/article_large/2019/01/Abdelkader_Fassi__Fehri_958543311.jpg

الفهري يكتب: هل من حل ثالث لإشكال لغات التعليم في المغرب؟

منذ استقلال المغرب إلى اليوم والصراع محتدم حول تحديد لغات التعليم بالمغرب، وكأن الحل مستعص، والمشكل معقد إلى درجة لا يقبل الحل.
لم تنفع في ذلك الندوات والمناظرات والمواثيق، بل لم تنفع الدساتير. وتوالت الحكومات والبرامج، وفشلت كل الحلول، وستستمر في الفشل مدى الدهر، حتى يحل اللغز، الذي لم يتوصل إلى فك خيوطه أحد.مع أن الحل ممكن، بل قد يكون بسيطا.
لو أن المشكل لم يكن مسيسا ومؤدلجا أكثر من اللازم، ولم تكن الدولة ضالعة في تعقيده، منكرة على لغتها أن تصبح لغة عصرية متطورة، ملحقة بها أضرارا جانبانية colateral damages لا يصدقها العقل السليم. وعليه، لا يمكن الوصول إلى حل معقول متوافق عليه إلا عندما يزاح ستار الأدلجة والتسييس المفرطين، ولغزالعرقلة الفوقية للحلول الناجعة.
إن البلدان المتقدمة أو الصاعدة توفقت في اختيار نموذج للغات يبتعد عن الحسابات الفئوية أو الحزبية الضيقة أو الاحتكارية الفوقية التي تمارسها نخبة النفوذ من أجل تمرير مصالح ضيقة، قبل مصالح المواطنين. لقد طبع السياسيات اللغوية التعليمية منذ الاستقلال إلى الآن عدم الاستقرار على توجه لغوي مقنع.
لقد شرع أول وزير في حكومة الاستقلال في تعريب المواد التعليمية، بعد أن كانت لغة التدريس هي لغة المستعمر، ثم تلاه وزيرثان سعى إلى إعادة فرنسة المواد، وهكذا ذواليك. وبعد أن استقر المغاربة على تعريب تعليمهم ومواده العلمية التقنية منذ 1982، في الثانوي على الأقل، ها هو وزير التربية الحالي يسعى إلى إعادة الفرنسة الأحادية، التي "لا مفر منها"، حسب زعمه.
والطامة الثانية لهذه السياسة أن النقاش انحصر في الاختيار بين حل أحادي (التعريب الشامل) وحل أحادي آخر (الفرنسة الكاملة). وليس هناك أدنى شك في أن فشل أي من الحلول الأحادية أكيد، لأنه مخالف لمنطوق الدستور، ومخالف لأبسط المبادئ والمعايير المعمول بها دوليا في تحديد سياسة لغوية تقدمية وتنويرية، ومع ذلك لا تخرج الدولة عن الحلول الأحادية إلى اليوم، رغم ما يلوح به من شعارات التعددية.
فإقرار الفرنسة الأحادية للمواد العلمية يفتقد إلى المرجعية الوطنية والمرجعية الدولية على السواء، وهو حل غريب شاذ قد يكون مرده إلى عدم خبرة المسؤولين، أو اكتراثهم بمصالح فئوية فقط غير بعيدة النظر، بعيدا عن مصالح الشعب الفعلية واختياراته وكرامته.
إن الحل يقصي اللغة العربية ويهمشها ويبخسها، وهي اللغة الرسمية (إلى جانب اللغة المازيغية)، وأقوى لغة وطنية في الوضع الحالي، بل إحدى أقوى اللغات عالميا، ويشكك في أن تكون لغة العلم والتقنية، ويقصي لغة العولمة أو اللغة العالميةglobal language ، أي الإنجليزية، من أن تكون لغة تدريس المواد العلمية إلى جانب اللغة الوطنية، كما هو عليه الحال في ألمانيا، وفرنسا نفسها، وغيرهما من الدول عبر العالم.
فهذه اللغة تتبوأ مكانة فريدة في العلم والتقنية والثقافة والأعمال والتبادل والتواصل لم يسبق لها مثيل في تاريخ اللغات العالمي، لم تعد تنازعها فيها أي لغة أخرى، ولن تفعل على الأقل في ما هو منظور من القرن الواحد والعشرين.
ومع ذلك، نجد في المغرب من "المخططين" من يريد الاستغناء عنها في سياسته التعليمية !ورغم تاريخها المجيد في العلم والثقافة، ورغم مكانتها اليوم في الثقافة والمنشورات العلمية، والانتشار والتبادل العالميين، ورغم دستوريتها، وجدنا من يبخس اللغة العربية، ويشكك في قدرتها على التدريس.
ورغم ذلك نسلم بأن اللغة العربية، بمعايير السياسات اللغوية اليوم لا يمكن أن تنفرد وحدها بالمرجعية العلمية، ولا بد أن تكون مدعومة في ذلك باللغة المرجعية العلمية الأولى عالميا، وهي الإنجليزية، وخاصة حين نأخذ بعين الاعتبار الجودة المرجعية المبلورة في المنشورات والندوات والابتكارات والتقنيات، الخ.
ولا يمكن ان تقوم الفرنسية بتعويض الإنجليزية في هذا الدور، حتى ولو سلمنا بأن مكانة الفرنسية المرجعية اليوم أحسن نسبيا في النشر العلمي، ولكنها مع ذلك قاصرة عن المبتغى، أي دعم العربية مرجعيا بما يكفي في التعليم، لكي يقوم بدوره على أحسن وجه في التكوين والبحث العلمي.
وبناء عليه، فإن عددا من السياسات اللغوية، بما فيها الألمانية والفرنسية (اللتين كانتا أشرس منافستين للإنجليزية في القرن 19)، فضلت أن تشرك الإنجليزية في تكوين مواطنيها، عوض معاداتها.
وإذا ما اختار المغرب هذا الاختيار، فلن يكون سوى مسايرا لما اختارته الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي نفسها، ألمانيا وفرنسا، إضافة إلى الدول الأخرى. وأما اختياره الأحادي، المعادي للغة الوطنية واللغة العالمية على السواء، فهو اختيار شاذ، ولا ينبني على أساس، ولا نجد مثيلا له في أي دولة متقدمة أو صاعدة.
لنتذكر أنه في أواخر القرن 19، كانت حظوظ الإنجليزية والألمانية والفرنسية شبه متكافئة في تبوؤ مكانة اللغة العالمية.
ومع أن الإحصاءات تفيد أن المنشورات العلمية بالإنجليزية آنذاك بلغت حوالي %40، والمنشورات بالفرنسية حوالي %30، والمنشورات بالألمانية حوالي %20 (إضافة إلى أقل من %10 للغة الروسية)، إلا أن التدقيق في مصادر هذه النسب يبين أن مصدر قوة الألمانية يعود بالدرجة الأولى إلى الجودة العلمية في ميادين رائدة عديدة، ومصدر الإنجليزية في النمو الصناعي للدول الناطقة بها وكونها لغة المبادلات الاقتصادية، ومصدر الفرنسية في كونها لغة الدبلوماسية الدولية أولا، ولغة العلم جزئيا.
إلا أن انعكاسات الحرب العالمية الأولى في مرحلة أولى، والحرب العالمية الثانية في مرحلة ثانية، أفقدت الألمانية كل حظوظها في أن تكسب معركة اللغات، بعد أن قاطعها العلماء الغربيون وقاطعوا علماءها غداة الحرب الأولى، وتأكد انحسار اللغة الألمانية بعد الهزيمة الثانية.
وأما الفرنسية، فقد فقدت ميزتها كلغة العلاقات الدولية بعد معاهدة فرساي (التي كتبت باللغة الإنجليزية أولا)، وبعد أن انهارت اقتصاديا غداة الحرب الثانية، واحتاجت إلى ملايير دولارات خطة مارشال الأمريكية.
وتبين إحصاءات أواخر القرن العشرين أن المنشورات العلمية بالإنجليزية قفزت إلى ما يقرب %80، وأن المنشورات العلمية الفرنسية والألمانية مجتمعة لا تكاد تصل إلى %10، أي ما يوازي ما ينشر بالروسية. بل إن من الإحصاءات ما يجعل النشر بالإنجليزية في هذه الفترة يصل إلى %95 في العلوم الطبيعية أو الدقيقة، و %82 في العلوم الاجتماعية والإنسانية.
ومهما كان نوع النقد الذي يمكن أن يوجه إلى هذه الإحصاءات، فإن النزعة إلى النشر المتميز بالإنجليزية صارت عالمية، وكرست هيمنة الإنجليزية شبه المطلقة، بحيث ينشر بها الفرنسي والصيني والياباني والألماني والروسي والعربي، الخ، بدون تمييز، ولا نعرف عالِما بارزا اليوم إلا ونشر بالإنجليزية. وقد تحول شعار "إما أن تنشر أو تفنى" publish or perish إلى "النشر بالإنجليزية أو الفناء" publish in English or perish .
هذا الوضع العالمي لهيمنة الإنجليزية غير عادل دون شك، ويطرح مسائل أخلاقية، وينبغي أن تتوحد الجهود من أجل التخفيف من حدته، لكنه وضع لا يمكن تجاهله في أي خطة للغات تهدف (بل تدعي) أنها تروم "تكافؤ الفرص" عبر اللغة.
ولا شك أن أي خطة للمقاومة لا يمكن أن تمر إلا بتعزيز اللغات الوطنية أولا، لتقوم بالوظائف المتاحة لها بصفة طبيعية. ولأن اللغة العربية، علاوة على نقاطها الإيجابية المعهودة، لغة من أقوى لغات العالم، فالأجدر أن تعتني الدولة بتقوية فرصها وفرص المواطنين فيها قبل أن تعتني بلغة أجنبية وتُقويها لإزاحتها. ونفس المبدأ يصدق على اللغة المازيغية، في بيئة حميمية وطنية مع اللغة العربية.
يهمنا هنا التاكيد على ظاهرة حضور اللغة العالمية، التي أصبحت واقعا جديدا وغير مسبوق، وأصبحت لغة "لا مفر من تعلمها"، بموجب العلم والبحث وجودة المرجعية، والمحدد الأول للحضور فيما أسميه ب "المدار المرجعي" الدولي لباحثينا وعلمائنا. ومع هذا المعطى، لا ينفع التعلل بأمور تقنية، أو بمشاكل intendance، كما كان يقول دوكول.
إن عدم تكوين ما يكفي من أساتذة الإنجليزية هو مسؤولية السيد الوزير، وليس "قدرا" يمكن أن يؤثر على تكوين الأجيال تكوينا ناقصا غير سليم. إن تكوين أساتذة الإنجليزية أسرع بكثير من تكوين أساتذة الفرنسية الذي يخطط له، والإقبال على تعلمها كثير.
إن اختيار اللغة العربية للتعليم في منظومة التربية والتعليم هو اختيار وطني، دفعت إليه كل القوى الوطنية الحية. وهو التيار الطبيعي والمعياري عند كل الدول المتقدمة أو الصاعدة. لا توجد دولة مستقلة ذات سيادة إلا وتعلم بلغتها، من إستونيا إلى فلندا إلى البرازيل إلى إسلندا إلى إسرائيل، الخ.
هذا مطلب كرامة وحقوق وعدالة وسيادة. ولا دولة تبخس لغتها إلا وتبخس أمتها وهويتها، مما يجعل الدولة تبتعد عن الأمة. وعلاوة على كون اللغة العربية لغة الأمة والوطن والدولة، فإنها لغة من أقوى لغات العالم، ضمن مجموعة من خمس لغات تتصدر العالم على مستوى ديمغرافي وتبادلي ورسمي، الخ. وتشير معظم الدراسات الموضوعية إلى هذه المكانة، التي لا يمكن أن يتجاهلها أي مسؤول في خططه اللغوية.
ما الحل إذن؟ إن الحل بسيط عندما تخلص النيات من المصالح الضيقة والأوهام والإديولوجيات الخانقة النحرية والانتحارية، ويراد خدمة الوطن والمواطنين، ومراعاة اختياراتهم. إن المغاربة، علاوة على لغتهم وثقافتهم ومرجعيتهم المازيغية المتجذرة، لهم حظ الاستفادة من ثلاث لغات-مرجعيات من الحجم الكبير: لغتهم ومرجعيتهم العربية التاريخية والحالية، وهي ضمن مجموعة اللغات التي تقع في أول صف بعد الإنجليزية.
وهي لغات هامة في تأثيرها في الثقافة والمعرفة، من بينها الصينية والإسبانية والفرنسية والألمانية والروسية، الخ. ومع وجود تفاوت في التأثير حسب المجال والسياق، إلا أن العربية ليست من حجم اللغات التي يمكن أن يستهثر بها، أو يقع بخسها وتهميشها. وإضافة إلى اللغتين العربية الإنجليزية، فإننا لا نتمثل قطيعة مع اللغة الفرنسية، بمرجعيتها الثقافية والفكرية المفيدة، التي ألفها المغاربة ودرجوا على التعلم بها والاستفادة من كبار مفكريها.
هذا واقع ينبغي الأخذ به بجميع أبعاده، مما يحتم اختيارا ثلاثيا، وليس ثنائيا. إن السياسة اللغوية لتعليم المواد العلمية والتقنية، علاوة على المواد الأخرى، ينبغي أن يقوم على التدريس بهذه اللغات الثلاث لكل المغاربة بدون استثناء ابتداء من الثانوي، أو الإعدادي إلى العالي، مع تخطيط متدرج جدي.
إن هذه الثلاثية أساسية في أي نواة تكوين للمغاربة، لأنها تجمع بين هذه المرجعيات الثلاث التي نعتقد أنها تمثل تركيبا أساسيا يحفظ لكل لغة مكانتها ومرجعيتها، والتكامل بين فوائدها، دون المس بالمرجعية الوطنية في التعليم.
ويكون الاختيار متاح للتلاميذ، حسب مؤهلاتهم وقناعاتهم، أن تكون إحدى هذه اللغات رئيسة في تدريس المادة، واللغتان الأخريان مكملتين. وبذلك، يكون لكل لغة إمكان أن تكون لغة تدريس، وتكون لغة رئيسة، أو مكملة، وحاضرة أيضا في كل الاختيارات.
إن الاختيار الثلاثي للغات معا يبدو اختيارا حتميا لا بديل جديا له، لأن غيره من الاختيارات الأحادية، أو حتى الثنائية، لا يمكن تبريره، أو قبوله. إنه اختيار طبيعي تركيبي، تزكيه حتى الأطر الفرنكوفونية المتنورة، ويزكيه الواقع المعيش. ففي الممارسة، يتبين أن هذه الثلاثية لا مفر منها، لأن ممارسة الثنائية وحدها غير ناجعة.
أذكر هنا ما عاينته من تجربتي كمدير لمعهد الدراسات والأبحاث للتعريب بين 1994 و2005. لقد كان أول قراراتي في تلك الفترة أن أدخلت اللغة الإنجليزية كلغة عمل وتعامل ثالثة في المعهد. وقد تبين ان مجال المصطلح يستدعي بإلحاح إدخال هذه اللغة، لحاجة الأبناك والتكوين المهني والإدارة والطرق، الخ إلى هذه اللغة، وحاجتها إلى مقابلات المصطلحات الإنجليزية، علا وة عن المصطلحات الفرنسية.
وفي مجال النشر العلمي، أسست مجلة "أبحاث لسانية" بثلاث لغات، لأن المرجعية اللسانية ذات الجودة العالية أصبحت بالإنجليزية، وأصبحت ندواتنا ثلاثية، لأن كثيرا من العلماء المشهورين الذين شاركوا فيها لا يعرفون الفرنسية، الخ.
وأحدث هذا التعدد العملي بداية الأمر توترا بين المعهد وبين الملحقين الثقافيين التقليدانيين بالسفارة الفرنسية. إلا أنه ابتداء من سنة 1996، تم تعيين مستشار ثقافي من رتبة عليا في السفارة يشرف على الملحقين الآخرين.
وصادف أنه بمجرد تعيينه أتصل بالمعهد يطلب زيارته. فرحبنا به، وشرحنا له فلسفة المعهد، وطاف بمرافقه، واطلع على منجزاته، فما قصر تنويها وتشجيعا، وما فتئ التعاون بينا يتقوى. وكان أول من أدخل العربية إلى جانب الفرنسية في برمجة أنشطة المعاهد الفرنسية، وفي الدعوات، والتهاني بالأعياد، الخ. لم تكن الثلاثية إذن تثير قلق إلا من قصر نظرهم، وضاق أفقهم.
وهناك قصة أخرى (من بين قصص عديدة) تبين التطور المبكر لموقف الفركوفونيين تجاه الإنجليزية. ففي سنة 1997، أنجزالمعهد معجما لمصطلحات المعلوميات بثلاث لغات، تقدمنا به للحصول الدعم المالي من أجل النشر من طرف الشبكة الفرنكوفونية لمصطلحات RINT، التي كان المعهد من أنشط الأعضاء فيها.
وصادف أن كان ممثل فرنسا في تلك الشبكة أستاذ للسانيات من جامعة رين، عارض تمويل المشروع بشدة، لأنه يدخل الإنجليزية، مما يتعارض مع الفرنكوفونية حسب زعمه. إلا أنني انتقدت منطقه الضعيف، وكون معاجم المصطلحات التي تقدمها عضويات فرنسا وكيبيك وبلجيكا كانت باللغة الإنجليزية أيضا، وارتبكت الوفود، واتفقت على إرجاء النقاش إلى موعد لاحق. وفي الموعد الموالي، أخذت الكلمة المديرة العامة للمفوضية العامة للغة الفرنسية، فأكدت سلامة الموقف المغربي، واستهجنت بشدة موقف من يريدون إقصاء الإنجليزية، لأن ذلك موقف غير علمي وغير عملي.
ومنذ تلك الفترة، كثرت المواقف الإيجابية من استعمال الإنجليزية، وعممت في الاستعمال في الدراسات العليا المتخصصة، بل في أسلاك أخرى مبكرة، حتى صارت بالفعل مهددة للغة الفرنسية في عقر دارها. وكانت ألمانيا سباقة إلى إدماج الإنجليزية في التعليم العالي، على وجه الخصوص، إضافة إلى أسلاك أخرى اليوم. فحبذا لو قاس مسؤولونا مواقفهم من اللغة الوطنية ومن اللغة العالمية على مواقف المسؤولين في الدول التي يقلدونها عادة.
إن تبني نموذج لغوي-مرجعي ثلاثي فيما يخص تدريس العلوم، الطبيعية منها والإنسانية سواء، لأن فصلهما ليس له معنى حقيقي سوى التقليدانية التي ما زالت تعاني منها عقلية متجاوزة (رغم ادعائها الحداثة)، وتدريس الفكر والثقافة، هو أمر طبيعي، لا مرد له على أرض ما يمارس في الواقع، ومن يريد الخروج من المآزق الإديولوجية والاختزالية، وادعاء الدفاع عن الشعب، في وقت يضيع فيه فرصه.
إن هذه الوصفة، حين تقترن بالإدماج المناسب للغة والثقافة المازيغتين في المنظومة، تصبح القاعدة الطبيعية التي لا محيد عنها في بلورة أي خطة ثقافية وتعليمية تنموية جادة، تتلافى الصراعات والنزاعات، وتعطي فرصة للتعدد وللاختيار، من منطلق الواقع المغربي المعيش، وتقفل باب المزايدة، إن نحن أردنا فعلا خدمة المواطن المغربي في فرصه المحلية والدولية.
إن تبني ثنائية لغوية في تعليم المواد العلمية والفكرية لصالح لغة أجنبية ليست هي اللغة العالمية حيلة لا تنطوي على أحد. إن لها هدفان واضحان: (إ) إضعاف اللغة الوطنية وبخسها، و(ب) حرمان المغاربة من التعلم باللغة العالمية، مما يضعف فرصهم بصفة كبيرة في القدرة على التنافس والامتياز والنشر في المجلات العلمية ذات الجودة الكبيرة، وفي فرص الشغل العالمية.
إن هذا الوضع بعيد عما يروج له المسؤولون في باب "تكافؤ الفرص". إن السياسة المبنية على اختيار اللغة العالمية في التكوين بعد اللغة الوطنية، بالمقابل، أمر معياري متعارف عليه.
الأمر الثاني المهم في اختيار هذه السياسة الثلاثية هو أنه لا يحدث قطيعة مع الفرنسية، ولا يبخسها، بل يمثل اعترافا بتاريخها وحاضرها، لكن ليس إلى درجة التنكر الأعمى للمدار المرجعي واللغوي العالمي.
الأمر الثالث هو المحافظة على دور اللغة العربية، وتعزيز مكانتها، قياسا على تعامل الدول المتقدمة مع لغتها، لكن ليس إلى درجة جعلها اللغة الوحيدة في التعليم. إن دورة اللغة الوحيدة في التعليم قد ولت بصفة شبه نهائية مع العولمة، ولم تعد هناك دولة، ولا دولة-أمة، تتجاهل وجود لغة عالمية. لذلك وجب أن تكون أي خطة للتعلم والتعليم والتنمية قادرة على احتساب القدرة المرجعية للغات التي تعتمل فيها.
إننا نلاحظ، بكل أسف أن نصي القانونين المعروضين على البرلمان للتصديق المتعلقين بقانون مجلس اللغات والثقافة، والتعليم والتكوين والبحث العلمي يخلان بالمواصفات المذكورة، وبشرطي المرجعية المطلوبين، أي المرجعية الوطنية المعتبرة، والمرجعة الدولية المعيارية. ولذلك ننصح الحكومة والبرلمان ألا يتورطا في المصادقة عليهما إن كان لهما أي حرص على مصالح المواطنين، وعلى عدم إذكاء صراعات زائفة بينهم.

الرباط، في 30-01-2018

* أكاديمي باحث، عضو اللجنة الملكية لإصلاح نظام التربية والتكوين (سابقا)

 https://m.hespress.com/

 

الأربعاء، 23 يناير 2019

آليات بناء الاستراتيجية الخطابية من منظور تداولي

  • حمدي منصور جودي جامعة محمد خيضر بسكرة

Résumé

ملخص:      
تهدف هذه الدراسة إلى تحديد مفهوم الاستراتيجية، وإلى الكشف عن جملة العناصر التي تتضافر فيما بينها، لغاية تجسيدها من طرف المتكلم لإنتاج الخطاب أثناء مختلف عمليات التواصل مع المتلقي، مع إبراز فعاليتها التداولية في مجال تحليل الخطاب، وما يحيط به من سياقات لغوية وغير لغوية تسهم بقدر كبير في تحديد جنس ذلك الخطاب.
  Résumé:        
Cette étude vise à déterminer le concept stratégique, et de détecter les éléments interdépendants qui se combinent avec l'autre, l'incarnation même de locuteur du parti pour produire un discours au cours des différentes communications avec les opérations de réception, mettant en évidence l'efficacité de la délibération dans le domaine de l'analyse du discours, et ses environs depuis un contexte linguistique et non linguistiques  contribuent beaucoup pour déterminer le sexe de ce discours.

Références

- عبد الرحمان العبدان و راشد الدويش، "استراتيجيات تعلّم اللغة العربية بوصفها لغة ثانية"، مجلة جامعة أم القرى (اللغة العربية وآدابها)، السعودية، 1997، السنة10، عدد16، ص324.
- عبد الهادي بن ظافر الشهري، استراتيجيات الخطاب (مقاربة لغوية تداولية)، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، لبنان، ط01، 2004، ص55.
- عبد الهادي بن ظافر الشهري، استراتيجيات الخطاب، ص56.
- دومنيك مانقونو، المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب، ترجمة محمد يحياتن، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط01، 2008، ص15.
- المرجع نفسه، ص15.
- عبد الهادي بن ظافر الشهري، استراتيجيات الخطاب، ص57.
- نقلا عن : المرجع نفسه، ص57.
- دومنيك مانقونو، المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب، ص15.
- روبرت دي بوجراند، النص والخطاب والإجراء، ترجمة تمام حسان، عالم الكتب، القاهرة، مصر، ط01، 1998،ص04.
- سليم بابا عمر و باني عميري، اللسانيات العامة الميسرة، أنوار، الجزائر، 1990، ص54.
- أبو الفتح عثمان ابن جني، الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط02، 1952، ج01، ص64.
- المرجع نفسه، ج02، ص162.
- المرجع نفسه، ص166.
- صبحي الصالح، دراسات في فقه اللغة، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط08، 1980، ص328.
- جلال الدين السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، شرح وضبط محمد أحمد جاد المولى وآخرون، منشورات المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، 1986، ج01، ص403.
- محمد داود، العربية وعلم اللغة الحديث، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، مصر، 2001، ص188.
- المرجع نفسه، ص106.
- عبد الهادي بن ظافر الشهري، استراتيجيات الخطاب، ص71.
- محمد داود، العربية وعلم اللغة الحديث، ص133.
- عبد الهادي بن ظافر الشهري، استراتيجيات الخطاب، ص72.
- المرجع نفسه، ص73.
- محمود السعران، علم اللغة (مقدمة إلى القارئ العربي)، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، 1992، ص338.
- عبد الهادي بن ظافر الشهري، استراتيجيات الخطاب، ص78.
- نقلا عن : إدريس مقبول، الأسس الابستمولوجية والتداولية للنظر النحوي عند سيبويه،ص356، هامش رقم03.
- عبد الهادي بن ظافر الشهري، استراتيجيات الخطاب، ص183.
- ابن سنان الخفاجي، سرّ الفصاحة، تحقيق على فودة، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر، ط02، 1994، ص3.
- ناصيف نصار، منطق السلطة مدخل إلى فلسفة الأمر، دار أمواج، بيروت، لبنان، ط01، 1995، ص7.
- عبد الهادي بن ظافر الشهري، استراتيجيات الخطاب، ص233.
- سامي أدهم، فلسفة اللغة ( تفكيك العقل اللغوي - بحث ابستمولوجي وانطولوجي )، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط01، 1993، ص153.
- عبد الهادي بن ظافر الشهري، استراتيجيات الخطاب، ص226.
- Julie Diamond, Status and Power in Verbal Interaction, John Benjamin's Company, U.S.A, 1996, P144.
- عبد الهادي بن ظافر الشهري، استراتيجيات الخطاب، ص231.
- المرجع نفسه ، ص79.
- المرجع نفسه، ص80.
- محمد مفتاح، مجهول البيان، دار طوبقال للنشر، بيروت، لبنان، ط01، 1990، ص106. 
 
 
 http://revues.univ-biskra.dz/index.php/HAWLIYATELMAKHBAR/article/view/1968/1773
 
 

استراتيجيات الخطاب القرآني- سورة آل عمران أنموذجا- مقاربة لغوية تداولية

جيلي, هدية
Date: 2017

Résumé:

تناول هذا البحثُ موضوعَ استراتيجيات الخطاب، وِفق منهج لساني تداولي، وتم التركيز فيه على الإستراتيجية الخطابية التضامنية والإستراتيجية التوجيهية، بالإضافة إلى إستراتيجية الحِجاج، وقد انحصر الاهتمام فيه بالمفاهيم المتعلقة بهذه الاستراتيجيات، والعناصر المتحكمة فيها، وتم تطبيق هذه المفاهيم وكذلك تقنيات التحليل المستخلصة منها على الخطاب القرآني، وبالتحديد في سورة آل عمران، ومن أهم النتائج المستخلصة من هذا البحث أن لكل موضوع من موضوعات القرآن إستراتيجية خاصة به، فهناك موضوعات تناسبها الإستراتيجية التضامنية، وأخرى تناسبها إستراتيجية التوجيه والحجاج.. وهكذا الأمر مع سائر الموضوعات الأخرى...............................................................................................................Cette recherche porte sur la question des stratégies de discours, selon un pragmatique méthode de langue, l'accent est mis sur la solidarité stratégique rhétorique et orientations stratégiques, ainsi que la stratégie de argumentation, il a été confiné à l'attention des concepts liés à ces stratégies, et des éléments de contrôle, était l'application de ces concepts, ainsi que leurs dérivés de cette analyse de données techniques le discours coranique, à savoir dans la sourate Al-Imran, et les résultats les plus importants de cette recherche que chacun est un sujet du Coran a sa propre stratégie, il y a des sujets correspond à la stratégie de la solidarité, et l'autre correspond orientation et argumentation stratégie .. Ainsi avec tous les autres sujets.
 
 http://dspace.univ-setif2.dz/xmlui/bitstream/handle/123456789/934/djili.pdf?sequence=1&isAllowed=y

مدخل إلى علم تعليم اللغات

مبادئ تعليم اللغة العربية والعوامل المؤثرة فيه
Les différents développements que connaît la recherche en didactique rendent nécessaire la prise en charge de l'analyse des méthodes d'enseignement de la langue arabe dans les pays où elle a acquis le statut de langue nationale et officielle ; et où est elle est considérée tout à la fois comme langue enseignée et comme langue d'enseignement.Il importe donc de la considérer à l'aune des récents travaux en didactique des langues maternelles.
En conséquence, nous passerons en revue dans cet article, les principaux éléments qu'il faut considérer dans l'acquisition de l'arabe et les facteurs qui impactent les opérations d'enseignement.
lمقدمــة
إن النهضة العلمية والتكنولوجية التي تعتبر اليوم من الضرورات الملحة في الوطن العربي ترتكز على تطور التعليم وترقية وسائله المادية والبشرية، وتقتضي حتما النظر في كل المشاكل التربوية التي تقف حجر عثرة في سبيل أن يحقق التعليم أهداف أمتنا العربية في اللحاق بركب الحضارة الحديثة.
والواقع أن هذه المشاكل جد معقدة، تتصل أغلبها بمختلف وسائل التعليم خاصة منها، اللغة والبرنامج والكتاب المدرسي، وطرق التدريس والمعلم والمتعلم، وهي – كما تعلم- شديدة التعقد في داخلها، وثيقة الصلة بعضها ببعض.

أهمية اللغة

وأَوْلى هذه القضايا بالاهتمام لغتنا العربية وطرق تدريسها خاصة في التعليم الابتدائي لما لها من تأثير في التحصيل الدراسي العام في هذه المرحلة وفيما يليها من المراحل التعليمية التالية.
إن سائر الأمم تهتم بتعليم لغاتها وتوليها العناية القصوى لما لها من أهمية في حياة الفرد والمجتمع فهي وسيلة التبليغ وأداة الفكر والثقافة ووعاء تراث الأمة، بها يتم التواصل بين الأجيال المتعاقبة في الأمة الواحدة وبها يقوم الاتصال بين الأمم المختلفة.
اهتمت الدول العربية بلغتها القومية فبادر بعضها عشية الاستقلال إلى جعلها لغة التدريس في كل المواد الدراسية في مختلف مراحل التعليم، فاستعملت العربية في التعليم كله بعدما كانت اللغات الأجنبية التي فرضها الاحتلال الاستعماري على أمتنا ردحا من الزمن تستعمل فيه، ولازالت في بعض الأحوال تنافس العربية في عقر دارها1.

جوانب البحث العلمي في تعليم اللغات

لابد للبحث في مشكلات تعليم اللغة العربية2 – واللغات جميعا – أن ينطلق من الواقع المحسوس ليصفه وصفا دقيقا بالاعتماد على آخر ما وصلت إليه علوم اللسان والتربية وما يتصل بهما من ميادين البحث الأخرى، فيستمد البحث منها المبادئ المنهجية الأساسية ويتخذ منها سبيلا له بعيدا كل البعد عن الانطباع الذاتي والنظرة السطحية.
من المعلوم أن طرق تدريس اللغات في وقتنا الحاضر أصبحت أكثر الميادين التطبيقية تأثرا بتطور الأبحاث العلمية في ميدان النظريات اللسانية الحديثة أو في ميادين الأبحاث التربوية والنفسية واللغوية المتعلقة بآليات الاكتساب للمهارة اللغوية أو في ميدان التجارب والاختبارات العلمية لطرق تعليم اللغات بأحدث الوسائل التقنية، ولعل الطرق الشائعة اليوم في تعليم اللغة العربية في أمس الحاجة إلى مثل هذه الأبحاث العلمية الجادة لتتزود منها بالمعلومات المحسوسة الضرورية لتحسينها فتتمكن من الرقي إلى مستوى الفعالية والنجاعة الذي بلغته طرق تعليم اللغات عند غيرنا من الأمم المتقدمة.
ففي ضوء هذه الأبحاث يمكن أن نقوّم الطرق الحالية لتعليم لغتنا ونضع الأسس والمقاييس الصالحة لرسم الخطة التي توضع على أساسها طرق حديثة لتعليم اللغة العربية في مختلف المستويات ولمختلف الأصناف من المتعلمين، وتضمن لها الانتشار الواسع في الوطن العربي وخارجه.
والنهوض بطرق تعليم اللغة العربية يتطلب الاستفادة من الأبحاث في العلوم المتعددة مما يتعلق منها بهذا المجال اللغوي التربوي، ويقتضي ذلك تضافر جهود الباحثين في هذه الميادين.
فهدف هذه الطرق يتمثل في إكساب المتعلمين مادة لغوية كافية ومناسبة تمكنهم من تأدية الأغراض التبليغية عموما والأغراض المتعلقة بهم خصوصا.
فاللغة هي المادة الأساسية وعليه فإن فعالية الطريقة ونجاحها في التطبيق يرتبطان ارتباطا وثيقا وكليا بالتصور3 النظري الذي يكون لواضع الطريقة ومطبقها (المعلم) عن اللغة التي يراد تدريسها وبقدر ما يكون هذا التصور سليما تكون الطريقة ناجعة وتطبيقها فعالا.
ويقودنا هذا الكلام للتمييز – في قضايا البحث الخاصة بطرق تعليم اللغات – بين ما يرجع من هذه القضايا لمحتوى اللغة التي يراد إكسابها للمتعلم وما يرجع لمحتوى الطريقة ذاتها المعدة لتبليغ المادة اللغوية وما يعود لتقنيات التدريس التطبيقي الذي يقوم به المعلم داخل قاعة الدرس.
وتتصل بكل مجال من هذه المجالات عوامل متعددة تختلف درجات تأثيرها في كل مجال منها أو فيها جميعا وتتأثر بها تأثرا يتفاوت بحسب الظروف والأحوال المعينة.

-المادة اللغوية : مواردها وأنواعها

تختلف الحاجة من المعلومات اللغوية لواضع الطريقة والمدرس باختلاف ما يقوم به كل منهما من مهام تربوية. فإذا كان من الضروري علة واضع الطريقة أن يلّم بمعرفة أسرار اللغة والحقائق النظرية المتعلقة بها وبنظامها وما يحتويه من نظم جزئية متشابكة، معرفة علمية فإن المدرس لا يحتاج إلى كل ذلك ويكتفي منه بما هو أساسي لإحكام عمله وإتقانه، وكل من المؤلف والمعلم يهدف إلى إكساب الملكة اللغوية الأساسية؛ المؤلف باختيار المادة اللغوية المناسبة والمدرس بتطبيق ذلك في الميدان.
إن الملكة اللغوية شيء وإحكام صنعتها شيء آخر، والمعرفة النظرية لنظامها وقوانينها أمر ثالث يختلف عنهما، وبقدر ما تبدو هذه الفروق بديهية إلا أن " الكثير من الناس يتناسونها فتلتبس عليهم الأمور4 .
وقد تركت هذه الالتباسات آثارا واضحة في نظرتنا للمشكلات اللغوية المطروحة وأدت هي وغيرها في كثير من الأحيان إلى تصور خاطئ لهذه المشكلات مما أخر كثيرا علاجنا لتعليم لغتنا علاجا ناجعا ينهض بها إلى مصاف لغات الأمم الراقية في فعاليتها وحيويتها.
تقدم المادة اللغوية المختارة لتلقينها في وسائل وأحوال تختلف باختلاف الطرق، بعضها يقدم في كتب وضعت خصيصا لهذا الغرض، وبعضها الآخر في وسائل سمعية أو سمعية بصرية، إلا أن أكثر هذه الطرق يستعين أساسا بالكتاب المدرسي، خاصة إذا لم يكن الهدف منها هو اللغة المنطوقة وحدها.
تتفق كل الطرق الحالية في تلقين اللغة المنطوقة قبل الشروع في تعليم الكتابة لمدة تطول أو تقصر بحسب أهداف التعليم، استنادا إلى أن الأصل في اللغة هو الوجه اللفظي الصوتي، وما نظام الكتابة إلا اصطلاح مشتق منه تواضع عليه الناس لتدوين اللغة، ثم وقع الاختلاف بينهما بفعل التطور السريع الذي تعرفه اللغة المنطوقة، والاستقرار النسبي الذي تتميز به لغة التحرير.
إن طرق تعليم العربية في بلادنا تعتمد على النصوص الأدبية في إكساب الملكة اللغوية الأساسية مما يزيد في بعد لغتنا عن مجال الاستعمال في أحوال الخطاب العفوي، لأن الملكة البلاغية التي تكتسب بالاعتماد على هذه النصوص ويعتنى فيها بالناحية الفنية والجمالية لا يرتقي إليها المتعلم إلا بعد حصول الملكة الأولى عنده. وخير ما ننمي به هذه الملكة هو الاستعمال المتواصل لها في كل الأحوال حتى لا تبقى حبيسة جدران المدرسة، لا تتجاوزها إلى مواقف الحياة الواسعة، ومثل هذا الوضع الذي ننشده لا يتوفر إلا باعتماد طرق التعليم على ما هو ضروري للخطاب وإهمال غيره مما لا حاجة للمتعلم فيه في هذا المستوى من تعليمه.
ولا تتعلق تنقية اللغة واختيار عناصرها ببعض الأحوال دون الأخرى إذ الأفضل أن يتم ذلك باختيار لغة المعلم التي يستعملها في تعليمه، واختيار المادة اللغوية التي يدرجها واضع الكتاب المدرسي المتعلق بمختلف المواد المقررة لتعليم اللغة سواء كان كتابا للتعبير الشفاهي أو الكتابي أم كتابا للقراءة أو لغيرها من الأنشطة اللغوية الأخرى.

عناصر اللغة وضرورة الانتقاء

لكل مادة لغوية يراد تلقينها أربعة مستويات، يقوم واضع الطريقة باختيار العناصر الأساسية لكل منها وهي: مستوى الأصوات والمفردات والتراكيب والمعاني، وطبيعي أن لا توجد هذه المستويات منفصلة لأن اللغة " نظام من الوحدات يتداخل بعضها في بعض على شكل عجيب وتتقابل فيها بناها في المستوى الواحد المتقابل الذي لولاه لما كانت هناك دلالة5 .
تخضع المادة اللغوية التي يقرر تلقينها للمتعلم مهما كانت الوسيلة التي تقدم بها أو الوضع الذي تعرض فيه، لاختيار علمي6 ، يأخذ في الاعتبار جملة من العوامل الخارجية ويستند هذا الاختيار بصورة خاصة على المبادئ اللغوية التي أقرتها النظريات اللغوية المعاصرة.

العوامل المؤثرة في الانتقاء

قبل التعرض لمقاييس الاختيار العلمية يحسن بنا أن نشير إلى العوامل الخارجية التي تؤثر في نوع الاختيار، وهذه العوامل تتمثل في الأهداف التي تريد الطريقة تحقيقها في التعليم، ومستوى المتعلمين في التحصيل اللغوي والمدة المخصصة لهذا التعليم.

الغرض من التعليم

إن ما يجب معرفته قبل البدء في تحديد المادة اللغوية واختيار عناصرها هو الهدف الذي من أجله نعلّم هذه اللغة، إذ أن الاختيار يتم حسب ما نريد أن نصل إليه من تعليم لغة ما، وبالنسبة للغة العربية فإن الهدف أولا هو تحصيل المتعلم "مهارة معينة هي القدرة على التعبير الدقيق عن جميع الأغراض وجميع ما تقتضيه الحياة العصرية وتتطلبه وظروف التبليغ الكتابي والشفاهي بصفة عامة7 .
يمكن أن يكون الهدف من تعليمنا للغة العربية هو تمكين المتعلم من التعبير البليغ والأساليب الأدبية الراقية أو شحن ذاكرته بثروة لغوية واسعة لأن مثل هذا الهدف وإن كان من بين أهداف التعليم إلا أنه يأتي في المرحلة الثانية بعد بلوغ مرحلة اكتساب الملكة اللغوية.

المتعلم

الاختيار يتحدد أيضا بمعرفة من هم الذين نريد أن نلقنهم هذه المادة اللغوية المختارة إذ أن ما أعدّ لتعليم الأطفال لا يصلح أن يكون مادة تلقين لغيرهم من المراهقين أو الكبار.

المستوى الدراسي

من العوامل الأخرى التي تؤثر في تحديد العناصر اللغوية كمّا وكيفا مما يراد تلقينه، هو مستوى التحصيل اللغوي الذي بلغه المتعلم فما يقدم لطفل في السنة الأولى من التعليم الابتدائي يختلف عما يقدم لطفل في السنة الثانية أو الثالثة من المرحلة نفسها، إلا أن إمكانيات حصر العناصر اللغوية تختلف باختلاف المستوى الذي تختار له هذه العناصر، فهي تتسع في المستويات العليا وتضيق في المستويات الدنيا لأنها تقترب من الحد الأدنى الذي لابد منه في اللغة من الوحدات الأساسية.

المدة المخصصة للتعليم

يتأثر اختيار العناصر اللغوية بعامل الزمان فما يوضع لتعليمه في فترة قصيرة يكون حتما مختلفا عما يوضع لمدة أطول من حيث كمية الوحدات المختارة وطبيعتها، لأن الكمية الكبيرة من الوحدات -وهذا بديهي – تحتاج لمدة زمانية أطول لتلقينها.

العوامل اللغوية

من العوامل اللغوية التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في اختيار المادة اللغوية، عامل اللهجات العربية المتعددة بحيث يستفاد منها بإحصاء المشترك بينها في الاستعمال العفوي مما أصله فصيح في المستوى الإفرادي والتركيبي، ومن المفيد أيضا الاستفادة من لغة التحرير التي شاعت في وقتنا الحاضر، وبقدر ما تكون هذه المادة اللغوية مشتركة بين الناطقين في مختلف البلدان العربية يكون ذلك أفيد وأكثر دفعا للإقبال على تعلم لغتنا، وأكثر إبعادا لمنافسة اللهجات العربية واللغات الأجنبية لها في الاستعمال العفوي عندما يريد المتكلم تبليغ أغراضه الأساسية، مستنكفا عن أوضاع الانقباض8 التي يفرضها ما نعمله من مستويات اللغة وحالاتها في مدارسنا في الوقت الراهن.

ما يقوم عليه انتقاء المادة اللغوية من مبادئ

ما في اللغة غير ضروري كله للمتعلم

يقتصر المتكلم في تعبيره الشفوي والكتابي على بعض العناصر اللغوية دون غيرها، فلا يستعمل كل ما في اللغة مهما كانت درجة ثقافته وسعة ثروته اللغوية، وهذا القدر المشترك في الاستعمال بين الناس جميعا لتأدية الأغراض التبليغية الضرورية هو الذي يحتاجه المتعلم، ويتم هذا الاختيار للعناصر اللغوية الأساسية في لغة المنشأ بطريقة طبيعية9 ، لأن المتكلم لا يستعمل منها إلا ما يحتاج إليه في مختلف أوضاع الخطاب، ويقوم بعملية انتقاء لغته مما يستعمل في محيطه العام، في البيت والمدرسة والبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها. ومادام هذا المحيط لا يساعد المتعلم على اكتساب اللغة التي يريد منه المجتمع من خلال النظام التربوي أن يحكم زمام الكلام بها – وهو وضع تشترك فيه كل الأمم بدرجات متفاوتة ولظروف مختلفة – فإن خبراء تعليم اللغة يرون أن المبدأ الأساسي في اختيار العناصر الضرورية في لغة ما هو إحصاء ما هو كثير الاستعمال من هذه العناصر في لغة الخطاب العفوي ولغة التحرير الشائعة، ولا يقتصر في ذلك على جانب دون آخر، إذ لابد من إحصاء العناصر الإفرادية والتركيبية وما يقابلها من العناصر الدلالية.

الإحصاء والجانب الإفرادي

قام كل المهتمين بتعليم لغاتهم – سواء كان التعليم موجها للناشئة من أهل اللغة أم لغير أهلها صغارا أو كبارا – بالعمليات الإحصائية اللازمة لكل عناصر اللغة، وذلك تسهيلا لعمل المتخصصين في تعليم اللغات لأن الإحصائيات وسيلة فعالة يجدها الباحث في هذا الميدان تمكنه من إجراء تحليلاته ونقده وعقد المقارنات بين الطرق المختلفة ليكشف عن مواطن الضعف فيها ويقترح لها الحلول المناسبة10.
وقد انصبت جل الأعمال الإحصائية على الجانب الإفرادي في اللغة وذلك لأن العناصر الإفرادية هي أكثر الوحدات اللغوية قابلية للحصر. ولعل من الأسباب الهامة توفر المقاييس العلمية لتحديد هذه العناصر والتعرف عليها، رغم ما يوجد من خلاف كبير بين الباحثين في حدود الوحدة الإفرادية11 راجعا إلى النظريات اللسانية المتباينة التي يعتمد عليها هؤلاء الباحثون.

الفرق بين المنطوق والمكتوب12 في كمية العناصر ونوعها

ما تؤكده الإحصائيات التي أجريت في مختلف اللغات هو أن هناك اختلافا كميا ونوعيا بين العناصر اللغوية في الخطابات الشفوية والمكتوبة وهو أمر يجب التأكيد عليه في الأعمال التي تهدف إلى وضع طريقة لتعليم لغتنا إذا شئنا أن يكتب لها الاستعمال العفوي على ألسنة أطفالنا في يوم غير بعيد، لتصبح بعد ذلك اللغة المشتركة – مشافهة وتحرير في كل البلاد العربية.

مقاييس أخرى غير التواتر

انتبه الخبراء في تعليم اللغات إلى أن الإحصاء وحده لا يكفي " لتحديد أهمية العناصر اللغوية عامة والمفردات خاصة فإن من المفردات التي يحتاج إليها المتكلم ما لا يرد على لسانه إلا في ظروف معينة وحالات تقتضي ظهورها بكثرة وهو مقياس " مقتضى الحال " وهذا النوع من الألفاظ هو الذي يسمى بالكامن13.
كما تخضع العناصر اللغوية الشائعة لمناهج خاصة للكشف عنها فإن للكامن من الألفاظ طرقا خاصة أيضا للبحث عنه وهو يخضع لمقياس توزع الكلام في داخل الموضوع الواحد لأن منه ما يكثر في أحوال خاصة لتعلقه بمجال معيّن من المفاهيم (14).
1 خاصة في تدريس العلوم والتقنيات الحديثة في المراحل الجامعية في بعض الدول العربية وهو راجع إلى ظروف خاصة ومآله إلى الزوال لا محالة.
2 من الاطلاع يمكن الرجوع إلى " في قضايا اللغة التربوية " لمحمود السيد.
3 نريد بالتصور (conception ( ، الكيفيات التي تتمثل بها ذهنيا الأشياء فالتصور الذي يكون لكل منا عن اللغة مختلف لعدة عوامل وأسباب.
4 ع. الحاج صالح : مجلة اللسانيات 4 " أثر اللسانيات في النهوض بمستوى مدرسي اللغة العربية "، ص22.
ولمزيد من الاطلاع يمكن الرجوع إلى مقدمة ابن خلدون " فصل في علوم اللسان وما بعده".
5 المرجع نفسه، ص : 34.
6 يستفاد من هذا الاختيار في وضع الكتب المدرسية والكتب الموجهة للأطفال، قصص، كتابات علمية،..الخ..
انظر مجلة الطريق فن الكتابة للأطفال، ص :54 ومجلة الأقلام، الوصف اللغوي للعربية وعلاقته بالكتابة للأطفال، ص :38-42.
7 للمزيد من الاطلاع انظر " اللسانيات العربية واللسانيات العامة مدخل إلى منهجية وإبيستومولوجية علم العربية" أطروحة دكتوراه الدولة (تحت الطبع) للأستاذ : د/ عبد الرحمن الحاج صالح 1979.
8 الأحوال التي تتطلب من المخاطب مجهودا فيزيولوجيا ونفسيا كبيرا في تأديته للغة وهي أحوال محدودة انظر "أثر اللسانيات في النهوض بمستوى مدرسي اللغة العربية"، ص :29-30.
9 ويليام ماكي : أسس اللسانيات التعليمية التحليلية. تحليل علمي لصناعة تعليم اللغات، ص :238. (بالفرنسية)
10 "يجب على المؤلف أن يستفيد من أي حصر عددي للمفردات ثم في المنطقة التي يغطيها النظام المدرسي.. " الكتاب المدرسي، ص :41
11 "أثر اللسانيات... "، ص : 45.
12 المرجع نفسه، ص :
13 لف المنطوق عن المكتوب في الكثير من القضايا كالزيادة في حجم الإرسال اللغوي وتواتر الأفعال الخ...انظر مجلة الفكر العربي عدد خاص، ص :72-75. ولمزيد من الاطلاع انظر " اللغة المكتوبة واللغة المنطوقة" فطومة سويسي رسالة ماجستير، 1988.

عبد المجيد سالمي

- جامعة الجزائر2

الخطاب الحجاجي عند الجاحظ في كتابه البيان والتبيين

p. 179 -234
Cet article vise à étudier les mécanismes de l’argumentation linguistique qui sont employés par EL-DJAHED dans El-Bayen Wa Ettabiin.
Nous chercherons à mettre en évidence les stratégies de l'argumentation en langue arabe à travers l’application de la théorie de l’argumentation dans la langue de DUCROT et ANSCOMBERE.

النص والخطاب (إشكالية المصطلح

إن مصطلح النص والخطاب من أهم المصطلحات التي شغلت اهتمام الدارسين والنقاد باختلاف مدارسهم وتوجهاتهم، ولكن لا يكاد المتتبع لهذه الدراسات أن يقف عند تعريف شاف لأيّ منهما، فهل هما مفهومان منفصلان, أم أن كليهما واحد ؟ نحن لن نخوض في هذه المسألة، وإنما سوف نعطي للنص صفة الخطاب .فحسب بنفنيست هو" كل مقول يفترض متكلما ومستمعا تكون لدى الأول نية التأثير في الثاني بصورة ما"، لهذا اعتبرنا نص الجاحظ خطابا، فالجاحظ عند تأليفه لكتاب البيان والتبيين كان هدفه التأثير في المتلقين بأفضلية الجنس العربي على الفارسي وإبراز خصائص الجنس العربي وما يميزه عن غيره وهذا كله لدحض الشعوبية التي طعنت في الجنس العربي وعلى هذا كله اعتبرنا كتابه بمثابة خطاب حجاجي يسعى الجاحظ من خلاله الدفاع عن خصوصية الجنس العربي.

تعريف الحجاج

لغة

يعرف ابن منظور الحجاج يقول: "الحجة: البرهان، وقيل الحجة ما دوفع به عن الخصم، وقال الأزهري: الحجة الوجه الذي يكون به الظفر عند الخصومة، وهو رجل محاجج أي جدل، التحاج: التخاصم، وجمع حجة يحج وحجاج وحاجة محاجة وحجاجا نازعه الحجة، وحجه محجة وفي الحديث (فحج آدم موسى) أي غلبه بالحجة، والحجة الدليل والبرهان، يقال حاججته فهو محاج وحجج فقيل بمعنى فاعل، ومنه حديث معاوية (فجعلت احج خصمي) أي أغلبه بالحجة1-), وقال الشريف الجرجاني : الحجة ما دل به على صحة الدعوى، وقيل الحجة الدليل 2
وعلى هذا يكون الحجاج: النزاع والخصام بواسطة الأدلة والبراهين والحجاج يكون مرادفا للجدل.
وعلى هذا يكون الحجاج: النزاع والخصام بواسطة الأدلة والبراهين والحجاج يكون مرادفا للجدل.
وفي اللغة الفرنسية لفظة « argument », تشير الى عدة معاني متقاربة أبرزها حسب قاموس « le Robert »: القيام باستعمال الحجج و هو مجموعة من الحجج التي تستهدف تحقيق نتيجة واحدة، وهو كذلك فن استعمال الحجج ، الافتراض بها في مناقشة معينة.
أما في الإنجليزية فيشير لفظ argue » « إلى وجود اختلاف بين طرفين ومحاولة كل منهما إقناع الآخر بوجهة نظره، بتقديم الأسباب والعلل « raisons » التي تكون حجة « argument » مع أو ضد فكرة رأي أو سلوك ما"
فمن خلال هذه التعريفات المعجمية نجد لفظة الحجاج تتأرجح بين المعاني التالية: تخاصم، تنازع،
الجدل، الغلبة.
أما في الإنجليزية فيشير لفظ argue » « إلى وجود اختلاف بين طرفين ومحاولة كل منهما إقناع الآخر بوجهة نظره، بتقديم الأسباب والعلل « raisons » التي تكون حجة 3« argument » مع أو ضد فكرة رأي أو سلوك ما"
فمن خلال هذه التعريفات المعجمية نجد لفظة الحجاج تتأرجح بين المعاني التالية: تخاصم، تنازع، الجدل، الغلبة.

اصطلاحا

تتعدد تعريفات الحجاج وتتشعب وتختلف من دائرة إلى أخرى فهناك مفاهيم فلسفية ومفاهيم منطقية وأخرى قانونية ،إلى جانب المفاهيم البلاغية والتداولية ويرجع السبب في ذلك إلى عدة عوامل هي:
  • تعدد مظاهر الحجاج وتنوعها (الحجاج الصريح، الحجاج الضمني).
  • تعدد استعمالات الحجاج وتباين مرجعياتها (الخطابة، الخطاب، الفلسفة، المنطق).
  • خضوع الحجاج في دلالته لما يميز ألفاظ اللغة الطبيعية من ليونة تداولية وتأويلات متجددة وطواعية استعمالية.
فلفظة الحجاج مرت بتطورات كثيرة في الفكر العربي والغربي، انطلاقا من السوفسطائيين الى غاية التداوليين وعند العرب من دلالة اللفظة في القرآن الكريم إلى غاية دلالتها عند مفكري القرن العشرين, لكن ما يهمنا نحن من هذا كله التعريف الذي قدمه ديكرو، لأن نظريته هي التي سوف نطبق مبادئها على المدونة.

الحجاج عند ديكرو

: يرى ديكرو أن اللغة تحقق أعمالا لغوية وليست وصفا لحالة الأشياء في الكون، وأن الوظيفة الحجاجية هي الوظيفة الأساسية للغة، كما فرق ديكرو بين معنيين للحجاج: المعنى العادي والمعنى الفني الإصطلاحي. والحجاج موضوع النظر في التداولية المدمجة هوالمعنى الثاني، فالحجاج بمعناه العادي هو طريقة عرض الحجاج وتقديمها بهدف التأثير في السامع أما الحجاج بالمعنى الفني فيدل على صنف مخصوص من العلاقات المودعة في الخطاب والمدرجة في اللسان، ضمن محتويات الدلالية والخاصية الأساسية للعلاقة الحجاجية أن تكون درجية وقابلة للقياس أي تكون واصلة بين السلال4
فلقد انطلق ديكرو في نظريته من ثلاث مبادئ هي:
  • الوظيفة الأساسية للغة هي الحجاج.
  • المكون الحجاجي هو المعنى الأساسي والمكون الإخباري ثانوي.
-عدم الفصل بين الداليات والتداوليات او ما يسمى بالتداولية المدمجة وهي "اندماج التداول في الوصف الدلالي واشتغالهما مباشرة في البنية التركيبية"5.

-الحجاج عند الجاحظ

- مظاهر الحجاج عند الجاحظ

تتجلى مظاهر الحجاج عند الجاحظ من خلال تعريفه للبيان: "فالبيان إسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضمير؛ حتى يُفضى السامع إلى حقيقته، لأنَّ مدار الأمر والغاية التي إليها يجري القائل والسامع؛ إنما هو: الفهم الإفهام؛ فبأي شيء بلغت الإفهام، وأوضحت عن المعنى فذلك هو البيان في ذلك الموضع."6 فالجاحظ أعطى للبيان مفهوما إجرائيا تجاوز به الوظيفة الأولى للغة والمتمثلة في الوظيفة التواصلية إلى الاهتمام بالبعد الحجاجي للغة وعليه:
فمفهوم البيان تتنازعه وظيفتان: الأولى إفهامية تتعلق بعناصر المقام وخصائصه.
أما الثانية في حجاجية إقناعية وأساسها الفصاحة وإحكام الحجة ومعرفة أحوال المخاطبين.
ويرى محمد العمري أن مادة "البيان والتبيين" لا تخرج عن ثلاثة محاور أولها: وظيفة البيان وقيمته، ثانيها: العملية البيانية وأدواتها، أما الثالثة: فخاصة بالبيان العربي: قيمته وتاريخه.
ففي الوظيفة الأولى نجد الحديث عن طبيعة البيان وقيمته من خلال تعريفه وربطه بالفهم والإفهام والدفاع عن الخطابة وما يتصل بها، بينما نجد في الوظيفة الثانية الحديث عن المقام الخطابي (أحوال المخاطبين) وأنواع الأدلة على المعاني: (اللغة، الإشارة، الخط، العقد ...)، أما في الوظيفة الثالثة فهناك الدفاع عن البيان العربي وتقاليده من الشعوبيين7
ومن العناصر الحجاجية التي اهتم بها الجاحظ "مقتضيات المقام" وما تُشمله من أحوال الخطيب وكفاءته اللغوية، ففصَّل القول فيما يخص الخطيب من صفات جسدية وملكات ذهنية، ولم يقتصر حديثه على تعداد المميزات الإيجابية التي تمنح خطابه القبول، من حلاوة القول والحذق فيه، بل فطن إلى التنبيه على الخصائص السلبية التي تضعف من موقفه مثل: العيوب النطقية والعيّ، كما لم يغفل عمّا يتعلق بهيئة الخطيب العامة من طول وقصر وحسن ودمامة وما يجب أن يتحلى به من أخلاق وما يعاب في ذلك8.
كما اهتم بالعلامات السيميائية والدور الذي تلعبه في الإقناع. ومن تمظهرات الحجاج عندهتعريفه للبلاغة: استشهد ببعض ما ورد في صحيفة تنتمي إلى الثقافة الهندية، إذ يقول: "أول البلاغة اجتماع آلة البلاغة، وذلك أن يكون الخطيب رابط الجأش، ساكن الجوارح، قليل اللحظ، متخير اللفظ، لا يكلم سيد الأمة ولا الملوك بكلام السوقة [...]"9.
ففي هذا النص يتضح "أن الغاية القصوى عند الجاحظ في كتابه البيان والتبيين هي الخطاب الإقناعي الشفوي، وهو إقناع تقدم فيه الغاية (الإقناع) على الوسيلة (اللغة) وتحدد الأولى طبيعة الثانية وشكلها حسب المقامات والأحوال10.
والملاحظ والمُتأمل في كتاب "البيان والتبيين" يلاحظ أن الخطب التي أوردها في كتابه على ثلاث محاور11 .): محور ديني نجد فيه خُطب النبي صلى الله عليه وسلم وخُطب الصحابة رضي الله عنهم ومحور سياسي فيه خطب الحجاج وزياد وأنصارهما وخصومهما، ومحور ثالث جدلي مذهبي كان نتيجة للصراع الفكري الذي عرفه المسلمون في عصره، فهذه المحاور الثلاث يغلب عليها طابع الحجاج الذي يكثر من ذكر مادته اللغوية بجميع اشتقاقاتها الصرفية، ومتعلقاتها الدلالية.

-آليات الحجاج اللغوي في البيان والتبيين:

سوف نقوم بتحليل ثلاث أبواب من كتاب البيان والتبيين، وذلك وفق نظرية "الحجاج داخل اللغة" للباحثين: ديكرو وأنسكومبر، وذلك برصد بعض آليات الحجاج اللغوية والمتمثلة في السلالم الحجاجية والعوامل والروابط الحجاجية والأفعال اللغوية إلى غير ذلك من الآليات، محاولين الكشف عن كيفية عمل هذه الآليات وكيف وظف الجاحظ اللغة وأساليبها في العملية الحجاجية؟.

1-باب البيان:

نلج باب البيان والموجود ضمن كتاب البيان والتبين بحيث يكون تحليلنا تحليلا لغويا من خلال رصد السلالم الحجاجية والعوامل والروابط الحجاجية والأفعال اللغوية -السلم الحجاجي (-أبوبكر,العزاوي 2006 :20)
هو علاقة ترتيبية للحجج وهو يقوم على ترتيب الحجج عموديا من الحجة الضعيفة إلى الحجة القوية في فئة حجاجية واحدة، كما يكون كل قول في السلم دليلا على مدلول معين، كان ما يعلوه مرتبة دليلا أقوى منه.
ومن أمثلة ذلك:
يقول الجاحظ : «وإنما تحيا تلك المعاني في ذكرهم لها وإخبارهم عنها واستعمالهم إياها» (-الجاحظ : 56).
ففي هذا المثال نجد الجاحظ يتدرج في استعمال الحجج، فقد بدأ بالحجة الضعيفة حتى وصل إلى أقوى الحجج وهذا كله ليخدم نتيجة واحدة هي أهمية البيان والذي من خلاله تتجدد المعاني وتحيا، ويكون ذلك بالشكل التالي:
Image 10000201000002320000019C16D33C6C.png
بحيث (ح) حجة أو حجج و(ن) نتيجة.
فكل هذه الحجج تخدم نتيجة واحدة وهي أن المعاني تجدد من خلال ذكرها (كما يقول الجاحظ)، ثم الإبانة عنها والإفصاح بها وذلك من خلال الإخبار عنها ثم استعمالها وهي أقوى الحجج والتي وردت في أعلى السلم الحجاجي.

-الروابط والعوامل الحجاجية

تُعتبر العوامل والروابط الحجاجية من أهم مرتكزات النظرية اللسانية، وعلى أساسها قامت الحجاجيات اللسانية.

-الروابط الحجاجية(les connecteurs)12

أحد المؤشرات الحجاجية التي تسند معنى من المعاني إلى المقولات التي يتلفظ بها المتكلم، وبها توجه دفة الحجاج بداية ونهاية، وتحتوي اللغة العربية على عدة روابط حجاجية شأنها في ذلك شأن اللغات الأخرى، ونذكر منها ما يلي: بل، لكن، إذن، لاسيما، لأن، إذا، الواو، اللام، كي.
وكتاب البيان والتبيين مليء بهذه الروابط الحجاجية، فسوف نحاول دراسة البعض من هذه الروابط، وتوضيح عمل هذه الأدوات اللغوية في العملية الحجاجية وكيف وظفها الجاحظ في كتابه؟.
لقد اعتمدنا التقسيم الذي قام به أبوبكر العزاوي في كتابه (اللغة والحجاج)، فلقد ميز بين أنماط عديدة من الروابط13 .):
  • الروابط المدرجة للحجج مثل (لأنّ، اللاّم، لهذا).
  • الروابط المدرجة للنتائج (إذن، لهذا).
  • روابط التعارض الحجاجي (بل، لكن ...).
  • روابط التساوق الحجاجي (حتى، ...).

الروابط المدرجة للحجج:

-الرابط الحجاجي "لأن"
يعتبر الرابط "لأنَّ" من أهم أدوات التعليل ويستعمل لتبرير الفعل، ولقد استعمله الجاحظ في تقديم الحجج، حيث يكون الحجاج على الشكل التالي:
Image 100002010000034A00000062AFA8DB41.png
ومثال ذلك:
قول الجاحظ: «ثم اعلم، حفظك الله، أن حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ لأنَّ المعاني مبسوطة إلى غير غاية، ومعتمدة إلى غير نهاية، وأسماء المعاني مقصورة معدودة ومحصلة محدودة»14 .
النتيجة: حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ.
الرابط: لأنَّ.
الحجة: المعاني غير محدودة والألفاظ محدودة.
فالرابط الحجاجي "لأنَّ" ربط بين النتيجة والحجة، والرابط جاء بعد إلقاء النتيجة، وجاءت الحجة بعده لتعلل النتيجة.

روابط التعارض الحجاجي15

تعد "لكن" و"بل" الحجاجيتان من روابط التعارض الحجاجي* التعارض الحجاجي هو مبدأ حجاجي ينص على أنه إذا كان لدينا حجة"ح"تصلح لتعزيز النتيجة"ن" فمن الضروري أن توجد حجة"حَ"لتعزيز النتيجة المعارضة "لا-ن"بحيث "حَ"ليست بالضرورة لا "ح":وذلك بين ما يقدم الرابط وما يتبعه، فالقسم الأول "أ" يتضمن حجة تخدم نتيجة "ن" والقسم الثاني "ب" يخدم نتيجة مضادة "لا – ن" وتكون الحجة الثانية أقوى من الأولى وبهذا توجه القول بمجمله نحو نتيجة "لا – ن".(حيث "أ" و"ب" حجج).
الرابط "لكنَّ"
يقول الجاحظ: «وقال علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهما: لو كان الناس يعرفون جملة الحال في فضل الاستبانة وجملة الحال في صواب التبيين لأعربوا عن كل ما تختلج في صدورهم ولوجدوا من برد اليقين ما يُغنيهم عن المنازعة إلى كل حال سوى حالهم وعلى أن درك ذلك كان يعدمهم في الأيام القليلة العدة والفكر القصير المدة ولكنهم بين مغمور بالجهل ومفتون بالعجب ومعدول بالهوى من باب التثبيت ومصروف بسوء العادة عن تفضيل التعلم»16
ففي المثال نجد "لكن" تعمل تعارضا حجاجيا بين ما يتقدمها وما يتلوها، وهي تربط بين حجتين، فالحجة الأولى تتمثل في (لو كان الناس يعرفون جملة الحال في فضل الاستبانة وجملة الحال في صواب التبيين ...) تخدم نتيجة ضمنية تتمثل في معرفة فضل البيان والتبيين في الإفصاح عن المعاني وما يختلج صدور الناس من أفكار، أما الحجة الثانية التي جاءت بعد "لكن" والمتمثلة في (من بين مغمور بالجهل ومفتون بالعجب ومعدول بالهوى من باب التثبت ومصروف بسوء العادة عن تفضيل التعلم) والتي تخدم نتيجة ضمنية من قبيل أن الجهل والافتتان بالدنيا هو السبب في عدم معرفة الناس فضل البيان. وعليه فالحجة الثانية أقوى من الحجة الأولى ومعارضة لها، فتكون النتيجة المضادة هي النتيجة التي يؤول إليها الكلام.

2-2-3 روابط التساوق الحجاجي

-الرابط "حتى"
يتمثل دورها في الربط بين الحجج التي تنتمي إلى فئة حجاجية واحدة، أي أنها تخدم نتيجة واحدة، ثم إن الحجة التي ترد بعد "حتى" هي الأقوى.
ومثال على ذلك:
يقول الجاحظ: «والبيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجب دون الضمير حتى يفضي السامع إلى حقيقة ويهجم على محموله كائنا ما كان ذلك البيان» 17
  • فالرابط "حتى" ربط بين مجموعة من الحجج.
  • الحجة الأولى: إيضاح المعنى.
  • الحجة الثانية: كشف الكلام في الصدور.
الحجة الثالثة: إدراك السامع حقيقة المعنى القائم في النفس.
فكل هذه الحجج التي وردت قبل "حتى" أو بعدها، تخدم نتيجة واحدة هي أن البيان هو العملية الموصلة للفهم والإفهام.

-العوامل الحجاجية(les opérateurs)

العوامل الحجاجية لا تربط بين متغيرات حجاجية (أي حجة ونتيجة أو بين مجموعة حجج) ولكنها تقوم بحصر وتقييد الإمكانيات الحجاجية التي تكون لقول ما18
وتتجسد هذه العوامل فيما تمثله الأقوال ذاتها من أساليب كأسلوب النفي والقصر الذي يعبر عنهما بمكونات معينة مثل (إلا ... أو مكونات معجمية تتميز في غالب الأحيان بإحالة غير مباشرة مثل: منذ، تقريب19 .
وهي تعمل وفق مبدأ الاقتضاء.
-العامل الحجاجي "لن ... إلا":
يقول الجاحظ: «والصوت هو آلة اللفظ وهو الجوهر الذي يقوم به التقطيع وبه يوجد التأليف ولن تكون حركات اللسان لفظا ولا كلاما موزونا ولا منثورا إلا بظهور
فحجة هذا القول تتمثل في (لن تكون حركات اللسان لفظا ولا كلاما موزونا ولا منثورا إلا بظهور الصوت) وهي تسير في الاتجاه نفسه للحجة التالية:
(تكون حركات اللسان لفظا وكلاما موزونا ومنثورا بظهور الصوت) وهي تخدم النتيجة التي تخدمها الحجة، ويمكن التمثيل لهذه العلاقة بالشكل التالي:
تكون حركات اللسان لفظا وكلاما موزونا ومنثورا بظهور الصوت، الصوت هو الذي يجعل حركات اللسان لفظا وكلاما موزونا ومنثورا.
لن تكون حركات اللسان لا لفظا ولا كلاما موزونا ولا منثورا إلا بظهور الصوت، الصوت هو الذي يجعل حركات اللسان لفظا وكلاما موزونا ومنثورا.
فبين الجاحظ أهمية الصوت في التعبير عن المعاني، واعتمد أسلوب القصر بالنفي والاستثناء والذي تمثل في العامل، لن ... إلَّا.

-الأفعال اللغوية20(les actes de langages)

الأفعال اللغوية هي الجمل التي لاتصف أيّ واقع خارجي,فلا يمكن القول عنها صادقة أو كاذبة ولكن مجرد النطق بها يشكل في حد ذاته فعلا.وهي تقوم بأدوار مختلفة في الحجاج، إذ يقوم كل فعل منها بدور محدد في الحجاج، ومن الأفعال اللغوية نجد الاستفهام النهي والأمر، وعليه فسوف نقوم برصد هذه الأفعال وكيف ساهمت في العملية الحجاجية؟.

-الاستفهام:

وهو يُعد من أنجح أنواع الأفعال اللغوية حجاجا، ويسميه "ديكرو وأنسكومبر" الاستفهام الحجاجي ويُعرفه بأنّهُ: «نمط من الاستفهام يستلزم تأويل القول المراد تحليله، انطلاقا من قيمته الحجاجية»21
ومثال ذلك:
يقول الجاحظ: «من شق أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك؟»22
فهذا الاستفهام هو حجة لنتيجة ضمنية هي: دلالة الجماد على قدرة الله عز وجل وهي برهان على عظمة خلقه إن لم تنطق بذلك، وهذا كله يبرز دور العلامات السيميائية في إبراز المعنى وتوضيحه.

باب كلام بعض المتكلمين من الخطباء

-السلم الحجاجي:

يقول الجاحظ: «قال أبو الحسن: سمع أعرابي رجلا يقول: أشهد أن محمدا رسول الله، قال: ماذا؟، قال: وكان يقال أول العلم الصمت والثاني الاستماع، والثالث الحفظ، والرابع العمل به، والخامس نشره»23 .
ففي هذا المثال حاول هذا الرجل أن يجعل العلم في مراتب، بحيث أورد حججا مرتبة ترتيبا عمودي، فبدأ بالحجة الضعيفة ثم الأقوى حتى وصل إلى أقوى الحجج، ويمكن أن نمثل هذا بالشكل التالي:
Image 10000201000002DE000003CAF1F4ED6C.png
فالعلم يأتي بالصمت لحسن الاستماع وبعد الاستماع يأتي الحفظ الذي يمكن العلم بالاستقرار في عقل المتعلم ثم العمل بهذا العلم واعلى مرتبة هي نشره ليستفيد الناس منه.

2-الروابط الحجاجية:

2-1الرابط "لاسيّما":

تُعتبر لا سيّما من الروابط الحجاجية التي تربط بين النتيجة والحجة، ومثال ذلك:
يقول الجاحظ: «... فقال إنّما لمّا سهل علينا ما توعر على غيرنا من الوصول إليك قمنا مقام الأداء عنهم وعن رسول الله بإظهار ما في أعناقنا فريضة الأمر والنهي عند انقطاع عذر الكتمان في التقية ولا سيّما حين اتسمت بميسم التواضع»24
فالرابط "لا سيّما" ربط بين النتيجة (بيعة الخليفة في الأمر والنهي) والحجة (اتسام الخليفة بالتواضع.

2-2-الرابط "بل"

نحن نعلم أن "بل" تعمل عمل "لكن" وهي من روابط التعارض الحجاجي، أي أنها للإضراب وقد تكون غير ذلك فأحيانا تعمل عمل "حتى" بمعنى عمل التساوق الحجاجي، أي تربط بين حجج تنتمي إلى فئة حجاجية واحدة.
ومثال ذلك:
يقول الجاحظ: «أو ما علمت أن المعصية تثمر المذلة؟ وتفل غرب اللسان مع السلاطة، بل ما علمت أن المستشعر بذل الخطيئة، المخرج نفسه من كنف العصمة المتحلي بدنس الفاحشة قطف الثناء زمر المروءة قصي 25
فالرابط "بل" عمل على الربط بين حجتين، الحجة الأولى والتي هي (أو ما علمت أن المعصية تُثمر المذلة؟ وتفل غرب اللسان مع السلاطة) وهي تخدم نتيجة ضمنية هي المعصية سبب المذلة، والحجة الثانية والتي جاءت بعد بل هي (ما علمت أن المستشعر بذل الخطيئة، المخرج نفسه من كنف ...) تخدم نتيجة هي من قبيل ذل الخطيئة يرمي بصحابه إلى الهوان، فالحجة التي هي بعد "بل" هي الحجة الأقوى.

3-العوامل الحجاجية:

3-1العامل الحجاجي "إلّا":

يقول الجاحظ: «ونأت عن قلبك العبرة إلا طول مجاورة التقصير واعتياد الراحة والأنس بالهوى وإيثار الاخف وإلف قرين السوء»26.
فالحجة هنا تتمثل في: (ونأت عن قلبك العبرة إلا طول مجاورة التقصير) وهي تسير في نفس الاتجاه مع الحجة (ونأت عن قلبك طول مجاورة التقصير)، وهما تخدمان نتيجة ضمنية هي أن الغفلة والاشتغال بالدنيا ومفاتنها يجلب الغفلة ويبعد القلب عن العبرة والموعظة.

4-الوجهة الحجاجيةla visée argumentative27

الوجهة الحجاجية هي الاتجاه الذي يعين القول قصد الوصول إلى هذا القسم من الاستنتاجات أو إلى غيره، وهي خاصية من خصائص الجملة، وهي التي تحدد معنى القول، فالوجهة هي التي تمكن للحجة أن توظف هذا القسم من الاستنتاجات أو في قسم آخر، ويوجد نوعان من العوامل الأساسية التي تحدد وجهة الجملة:
العوامل الخطابية والعوامل اللغوية ونقصد بالعوامل الخطابية ضروب التعقيب والاستئناف التي بها
أمّا العوامل اللغوية فالمقصود منها حضور واسمات لغوية مختصة في تعيين الوجهة الحجاجية.
ومثال ذلك:
يقول الجاحظ: «واعلم أن النعم نوافر ولقلما أقشعت نافرة فرجعت في نصابها»28
هذا القول يُقدم وصفا هو:
حكم أولي للنعم هو: أن النعم غير دائمة وقلّما ترجع النعم عن ذهابها.
ويُفهم من هذا القول ضرورة المحافظة على النعم.
إنّ الواسم اللغوي (أعلم) جعل القول يتخطى عتبة الإخبار إلى الحجاج حيث يروم الخطيب إلى تغييرات سلوك الإنسان وتوجيهه إلى طريق الصواب، ففي القول وجهة حجاجية داعية إلى التوبة والتذكر والعمل بما قاله الله لضمان ديمومة النعم وبقائها.

5-الأفعال اللغوية:

5-1-الاستفهام:

يقول الجاحظ: «كيف لم يتخذ الحق معقلا ينجيه، والتوكل ذائدا يحميه أعمي عن الدلائل وعن وضوح الحجة؟ أو آثر الخسيس على الأجل النفيس؟، وكيف توجد هذه الصفة مع صحة العقيدة واعتدال الفطرة، وكيف يشير رائد العقل بإيثار القليل الفاني على الكثير الباقي ...» (33 -المصدر نفسه,ص:395)
تعتبر هذه المجموعة من الاستفهامات بمثابة حجج تخدم نتائج هي كالتالي:
الإستفهام الأول المتمثل في: كيف لم يتخذ الحق معقلا ينجيه والتوكل ذائدا يحميه.
إستفهام إنكاري غرضه إنجاز فعل التوبيخ، وتكمن قوته الحجاجية كونه يقوي ويدعم النتيجةوهي التأثير في المتلقي.
أما الاستفهام الثاني وهو: أعمي عن الدلائل وعن وضوح الحجة؟ استفهام انكاري غرضه إنجاز فعل الاستنكار وهو يقوي النتيجة التالية تجنب المفاتن.
أما الاستفهام الثالث هو كيف توجد هذه الصفة مع صحة العقيدة واعتدال الفطرة، وكيف يشير رائد العقل بإيثار القليل الفاني على الكثير الباقي.
فهذا الاستفهام يحمل طاقة حجاجية تكمن في إنجاز فعل الإستغراب وذلك من خلال حمل المتلقي على تغيير سلوكه.

-النهي

يعتبر النهي من الأفعال الإنجازية التوجيهية وهو يولد وينجز علاقة حجاجية.
ومن أمثلة ذلك:
يقول الجاحظ: «لا تغترن بطول السلامة مع تضييع الشكر ولا تعملن نعمة الله في معصيته فإن أقل ما يجب لمهديها ألا يجعلها ذريعة مخالفته ...»29
في هذا المثال يوجد قولين إنجازيين جاءا على صيغة النهي، وهي: لا تغترن بطول السلامة مع تضييع الشكر، ولا تعملن نعمة الله في معصيته.
فالفعل اللغوي الأول: "لا تغترن بطول السلامة مع تضييع الشكر" هو حجة تحمل نتيجة ضمنية هي: يجب شكر نعم الله علينا.
أما الفعل اللغوي الثاني فهو: "لا تعملن نعمة الله في معصيته" وهو حجة تخدم نتيجة ضمنية هي "لا تعص الله".
فكل هذه الحجج جاءت على صيغة النهي وهي تحمل نتيجة ضمنية هي الحث على طاعته وشكر نعمه. ولهذا استعمل الخطيب هذا النوع من الأفعال للتأثير في المتلقي.

-الأمر

يعتبر الأمر من الأفعال الإنجازية ويتمثل إنجازه في محاولته دفع المخاطب القيام بفعل معين، وله دور في العملية الحجاجية من خلال التأثير في المتلقي وتوجيهه إلى سلوك معين.
ومن أمثلة ذلك:
يقول الجاحظ: «فاستدع شاردها بالتوبة واستدم الراهن منها بكرم الجوار واستفتح باب المزيد بحسن التوكل ...»30
فالأفعال الإنجازية في هذا القول جاءت على صيغة الأمر وهي: فاستدع، استدم، استفتح.
فالفعل الأول هو "فاستدع شاردها بالتوبة" وهو حجة تخدم نتيجة ضمنية هي "استذكار النعم بالتوبة".
والفعل الثاني هو "استدم الراهن منها بكرم الجوار" وهو حجة تحمل نتيجة ضمنية من قبيل "إكرام الجار دوام النعم".
أما الفعل الثالث هو: "واستفتح باب المزيد بحسن التوكل" وهو جهة لنتيجة ضمنية هي "حسن التوكل يزيد من النعم". فكل هذه الأفعال بمثابة حجج تخدم نتيجة واحدة وهي ضرورة المحافظة على النعم.
من خلال تحليلنا لهذا الباب نلمح كثرة استعمال الأفعال اللغوية، ونرجع السبب في ذلك إلى: أن طبيعة النص (الخطابة)، فالخطيب يروم من خلالها تغيير سلوك المخاطبين وإرشادهم إلى طريق الهدى لهذا اعتمد على هذا النوع من الأفعال في توجيه المخاطب والتأثير فيه، والله أعلم.

باب العصا

من أهم الأبواب الموجودة في كتاب البيان والتبيين وهو يقع في الجزء الثالث منه، فهذا الباب يعتبر ردا على الشعوبية ومطاعنهم على العرب وعليه فهو نص حجاجي، سوف نحاول نحن تحليلها مستخرجين أهم آلياته الحجاجية اللغوية.

-السلم الحجاجي

يقول الجاحظ: «وفي الفرس خطباء إلا أن كل كلام للفرس وكل معنى للعجم فإنهما هو عن طول فكرة، وعن اجتهاد وخلوة، وعن مشاورة ومعاونة، وعن طول التفكر ودراسة الكتب، وحكاية الثاني في علم الأول، وزيادة الثالث في علم الثاني، حتى اجتمعت ثمار تلك الفكر عند آخرهم»31
فالجاحظ حينما أراد أن يبين بيان العجم، تدرج في حججه من الأضعف إلى الأقوى، ونمثل ذلك بـــ:
Image 100002010000021C000002542E72E285.png
فالجاحظ وصف فكر العجم وجعله في مراحل وتدرج في ذلك وفق ترتيب تصاعدي للحجج وهذا كله ليبين ضعف بيان العجم. فالمعاني عندهم تكون بعد إمعان الفكر والاجتهاد في تمحيص تلك الفكرة ثم
بعد الاستعانة واستشارة الغير في تلك الفكرة وبعدها تكون الاستعانة بالكتب ودراستها، وثم يتبع الخطيب الثاني مسار الأول والثالث محاكي الثاني، إلى أن يجتمع فكرهم فكل هذه المراحل تفضي إلى ضعف البديهة عند العجم.
المثال الثاني:
يقول الجاحظ: «وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال وكأنه إلهام وليست هناك معاناة ولا مكابدة وإلا إحالة فكرة، ولا استعانة32
ففي هذا المثال نجد الحجج المستعملة هي حجج منفية، كما أنها جاءت مندرجة من الحجة الأضعف إلى الحجة الأقوى، لتحيل نتيجة هي قوة البديهة عند العرب، ويمكن أن نمثلها بالشكل التالي:
Image 100002010000028C000001926AA9BEA6.png
ولو مثلنا لهذه الحجج بدون نفي يتغير مجمل الخطاب فتصبح الحجة الأضعف هي الحجة الأقوى، والنتيجة المنفية تصبح مناقضة تماما للنتيجة غير المنفية، ونمثل لهذا بالشكل التالي:
Image 10000201000002320000018ED8AC27FA.png
فتصبح استعانة (أ) تؤول إلى النتيجة (ن) ضعف البديهة عند العرب، فتصبح (أ) هي أقوى الحجج بالنسبة لــ (ن).
وتصبح لا استعانة (-أ) تؤول إلى النتيجة المضادة قوة البديهة عند العرب (لا-ن)، وتكون (-أ) هي الحجة الأضعف بالنسبة لـ (لان).
وهذا النوع من السلم يسمى "قانون النفي"33 وهو ينص على: إذا كان قول ما (أ) مستخدما من قبل متكلم ما ليخدم نتيجة معينة، فإن نفيه (-أ) سيكون حجة لصالح النتيجة المضادة وبعبارة أخرى، فإذا كان (أ) ينتمي إلى الفئة الحجاجية المحددة بواسطة (ن) فإن (-أ) ينتمي إلى الفئة الحجاجية المحددة بواسطة (لا-ن) بحيث (ن) نتيجة و(أ) حجة.

-الروابط الحجاجية

-1الرابط "لأنّ"
يقول الجاحظ: «وإنما بدأنا بذكر سليمان على نبينا وعليه الصلاة والسلام لأنه من أنبياء العجم، والشعوبية إليهم أميل وعلى فضائلهم أحرص، ولما اعطاهم الله أكثر وصفا وذكرا»34  , فالرابط "لأنّ" قام بربط النتيجة المتمثلة في الابتداء بذكر النبي سليمان على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومجموعة من الحجج وهي: كون النبي سليمان من أغنياء العجم والشعوبية إليهم أميلوعلى فضائلهم أحرص، وكثرة ذكر الله لهم.

-العوامل الحجاجية

- العامل "إنّما"
"إّنما" من أدوات القصر، وهي تعتبر عاملا حجاجيا وذلك بعملها المتمثل في حصر الإمكانات الحجاجية التي تكون لقول ما.
يقول الجاحظ: «وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال»35
فالحجة المتضمنة في هذا القول هي (وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال) وهو تسيير في نفس الاتجاه، والحجة (وكل شيء للعرب بديهة وارتجال) هما يخدمان نفس النتيجة وهي قوة البديهة عند العرب.
مثال آخر:
يقول الجاحظ: «وقال الله تبارك وتعالى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (31)36 فبارك الله كما ترى على تلك الشجرة وبارك في تلك العصا وإنّما العصا جزء من الشجرة»37.
فـ"إنّما" قامت بعملية القصر فكان الحجاج على الشكل التالي:
Image 10000201000004D600000070F5AF1369.png
فـ"إنّما" قصرت المباركة للعصا لأنها جزء من الشجرة، فالجزء مبارك بمباركة الكل.

-التكرار(la répétition)38

يعدّ التكرار من الأساليب التي يلجأ إليها المتكلم لرفع طاقة خطابه الحجاجية، وهذا التكرار ليس ذلك التكرارالمولد للرتابة والملل، أو التكرار المولد للخلل والهلهلة في البناء، ولكنه التكرار المبدع الذي يدخل ضمن عملية بناء النص أو الكلام بصفة عامة.
ومثال ذلك:
يقول الجاحظ: «... كلا ولكنكم كنتم رعاة بين الإبل والغنم، فحملتم القنا في الحضر بفضل عاداتكم لحملها في السفر، وحملتموها في المدر بفضل عاداتكم لحملها الوبر، وحملتموها في السلم بفضل عاداتكم لحملها في الحرب» 39
في هذا المثال نلاحظ أن الجاحظ كرر من لفظتي «حملتموها» و«عاداتكم» في سرد حججه والغرض من هذا التكرار هو ترسيخ رأيه وفكرته في ذهن المتلقي وهي إقناع المخاطب بأن العصا عادة سامية عند العرب، وهذا ما يميزهم عن سائر الأمم.

الوجهة الحجاجية:

يقول الجاحظ: «وجملة القول أنَّا لا تعرف الخطب إلا للعرب والفرس»40
هذا القول يعبر عن رأي الجاحظ والذي هو: الخطب للعرب والفرس، فالجاحظ من خلال هذا القول لا يخبرنا عن رأيه وإنما يسعى إلى المحاججة، فمن خلال استعماله للواسم اللغوي (جملة القول) تخطى قول الإخبار إلى الحجاج، إذ الجاحظ أصدر حكما وقرر حقيقة مفادها: الخطبة فن من إختصاص العرب ، ففي هذا القول وجهة حجاجية داعية إلى إقناع المتلقي بأفضلية العرب ومعرفتهم لفن الخطابة ومساواتهم الفرس في ذلك وهذا كله للرد على الشعوبية التي أنكرت بيان العرب.
ويقول الجاحظ: «وقد زعم أصحاب الغناء أن المغني إذا ضرب على غنائه قصّر عن المغني الذي لا يضرب على غنائه»41
هذا القول هو حجة من حجج الشعوبية ومفاده أن المغني الذي يضرب بالعصا أفضل من المغني الغيرمستعمل للعصا، إلا أن إستعمال الجاحظ للواسم «زعم» وجه القول وجهة تشكيكية قابلة للنقض والتبكيت، وبذلك تجاوز القول قيمته الإبلاغية ليكتسي قيمته الحجاجية، فلفظة «زعم» قامت بتوجيه
القول وجهة حجاجية هي بعث الشك في حجج الشعوبية وتفنيذ آرائهم، ومن جهة أخرى تدعيم موقف الجاحظ المؤيد لإستعمال العصا.

-الأفعال اللغوية:

الاستفهام

يقول الجاحظ: «فكيف سقط على جميع الأمم المعروفين بتدقيق المعاني وتخيّر الألفاظ وتمييز الأمور أن يشيروا بالقنا والعصي والقضبان والقسي ...» 42
فهو استفهام إنكاري غرضه إنجاز فعل التكذيب، وتكمن القوة الحجاجية في كونه يؤثر في المتلقي ويخدم نتيجة من قبيل بطلان دعاوى الشعوبية.
مثال آخر: يقول الجاحظ: «ألا ترى أنهم لما سحروا أعين الناس واسترهبوهم بالعصي والحبال لم يجعل الله للحبال في الوجوه كقدرته على تصريف العصا»43
فهذا النوع من الاستفهام التقريري غرضه إنجاز فعل التصديق، وتكمن قوة هذا الاستفهام في كونه يحمل المخاطب على تعظيم شأن العصا وهو يخدم مقاصد الخطاب.
ولنأخذ مثالا آخر: يقول الجاحظ: «وهل يملأ عيون الأعداء ويرعب قلوب المخالفين، ويحشو صدور العوام إفراط التعظيم إلا تعظيم شأن السلطان...»44
ففي هذا القول استخبار غرضه إنجاز فعل النفي، والقوة الحجاجية في هذا الاستفهام هي إقناع المتلقي.
مثال آخر: يقول الجاحظ: «... ألا ترى أنه لما قال الله عز وجل: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى (18) وبعد ذلك قال: ﴿قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20)﴾»45
فالآية فيها استفهام غرضه إنجاز فعل الإفهام، وتكمن قوة هذا الاستفهام في إبلاغ المتلقي أن منافع العصا كثيرة وخافية لا يعلمها إلا الله وهذا يتماشى ومقاصد الخطاب المتمثلة في إبراز دور العصا وتعظيم شأنها.

الأمر

يقول الجاحظ: «... ومن احتاج إلى العقل والأدب والعلم بالمراتب والعبر والمثلات، والألفاظ الكريمة والمعاني الشريفة فلينظر إلى سير الملوك»46
ففعل الأمر (فلينظر) غرضه إنجاز فعل النصح والتوجيه، وتكمن قوته الحجاجية في حمل المتلقي إلى معرفة آداب الفرس وعلومه.
مثال آخر:
يقول الجاحظ: «... ولذلك قال عمر حين رأى المهاجرين لما أخصبوا وهمّ كثير منهم بمقاربة عيش العجم تعددوا، واخشوشنوا، واقطعوا الركب، وانزووا على الخيل نزوا»47
فالأمر هاهنا غرضه إنجاز فعل الحث والتذكير، وقوة الحجاجية هي التأثير في المتلقي وإقناعه بفكرة تميز الجنس العربي في الفروسية وهذا يتماشى ومقصد الجاحظ.
ففعل الأمر غرضه إنجاز فعل التعظيم، وقوته الحجاجية تكمن في إقناع المتلقي بعظم شأن العصا.
1-القرآن الكريم برواية ورش عن نافع
2-ابن منظور,جمال الدين:لسان العرب,تح:عامر أحمد حيدر,دار الكتب العلمية,بيروت,لبنان,ط1, 2003م.
3- الجاحظ,أبو عثمان :البيان والتبيين,تح:درويش بن جودي ,المطبعة العصرية,صيدا-بيروت,2008م.
4-جاك موشلير-آن ريول,القاموس الموسوعي للتداولية,ترجمة مجموعة من الأساتذة والباحثين بإشراف غز الدين المجذوب,دار سيناترا-المركز الوطني للترجمة,تونس,2010م.
5-الجرجاني,الشريف,التعريفات,مكتبة ساحة رياض الصلح,بيروت,لبنان,طبعة 1985م. حباشة,صابر:التداولية والحجاج مداخل ونصوص,صفحات للدراسات والنشر,دمشق-سوريا,ط2008,1م.
6-الرقبي رضوان:الاستدلال الحجاجي التداولي وآليات اشتغاله,مجلة عالم الفكر,المجلس الوطني للثقافة-الكويت,ع02,مج402011.م.
7-الشهري,بن ظافر:استراتيجيات الخطاب,مقاربة لغوية تداولية,دار الكتاب الجديد المتحدة,2004م.
8-صمود,حمادي:التفكير البلاغي عند العرب أسسه وتطوره إلى القرن السادس(مشورع قراءة),كلية الآداب والعلوم الإنسانية,تونس,1981م.
9-طروس,محمد:النظريةالحجاجيةمن خلال الدراسات البلاغية والمنطقيةواللسانية,دار الثقافة,الدار البيضاء,2005م.
10-العزاوي ,أبوبكر:الخطاب والحجاج,مؤسسةالرحاب الحديثة,بيروت-لبنان,ط1,2010م,
العزاوي,أبوبكراللغة والحجاج,الدار البيضاء,2006م.
11-العمري,محمد:البلاغة العربية أصولها وامتداداتها,إفريقيا الشرق,1999م.
12-المبخوث,شكري:مظرية الحجاج في اللغة,ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم,أشراف حمادي صمود وآخرون,منشورات كلية الآداب والفنون والعلوم الإنسانية.
2/المصادر والمراجع باللغة الأجنبية:
1.CambrigeAdvenced Laerner :dictionary ,Cambrdge Univrecity Press,2nd pub,200p56.
2.le grand Robert ,Dictionnaire de la langue français ,1er ,paris ,1989,p535.
1 بن منظور,جمال الدين:لسانالعرب,ط1,مج02,ص:259
2 -الجرجاني,التعريفات ,طبعة 1985م,ص:82.
3 CambrigeAdvencedLaerner :dictionary ,CambrdgeUnivrecity Press,2nd4
4 -ينظر:حباشة,صابر:التداولية والحجاج مداخل ونصوص,صفحات للدراسات والنشر2008 ص:21.
5 -ينظر:طروس,محمد:النظريةالحجاجيةمن خلال الدراسات البلاغية والمنطقيةواللسانية,2005,ص:106
6 -الجاحظ,البيان والتبيين,تح:درويش بن جودي,2008م,مج1,ص:56
7 العمري,محمد:البلاغةالعربيةأصولها وامتداداتها,1999م,ص:193
8 -الشهري,بن ظافر:استراتيجيات الخطاب,مقاربة لغوية تداولية, 2004م,ص:448
9 -الجاحظ,البيان والتبين, مصدر سابق,ص:65
10 -ينظر:استراتيجيات الخطاب,مرجع سابق,ص:449
11 محاور -صمود,حمادي:التفكير البلاغي عند العرب أسسه وتطوره إلى القرن السادس(مشورع قراءة) ,1981م,مج21,ص:188
12 -أبوبكر,العزاوي,اللغة والحجاج ,مرجع سابق,ص:55.
13 -المرجع السابق,ص:30
14 الجاحظ,البيان والتبيين,مصدر سابق,ص:56
15 -أبوبكر,العزاوي:اللغة والحجاج,مرجع سابق,ص:58
16 الجاحظ,البيان والتبين,مصدر سابق,ص:61
17 -المصدر نفسه,ص:56
18 -أبوبكر ,العزاوي:اللغة والحجاج,مرجع سابق,ص:27
19 -المبخوث,شكري:مظرية الحجاج في اللغة,ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم,أشراف حمادي صمود وآخرون,ص:397
20 57 : 2010 -أبوبكر,العزاوي:الخطاب والحجاج,
21 -المرجع نفسه,نفس الصفحة.
22 -الجاحظ,البيان والتبيين,مصدر سابق,ص:60
23 -المصدر نفسه,ص:396
24 -المصدر نفسه,ص:394
25 -المصدر نفسه,ص:395
26 -المصدر نفسه,نفس الصفحة
27 -ينظر:جاك موشلير-آن ريول,القاموس الموسوعي للتداولية,ترجمة مجموعة من الأساتذة والباحثين بإشراف غز الدين المجذوب ,2010م,ص:337
28 -الجاحظ,البيان والتبين,مصدر سابق,ص:394
29 -المصدر نفسه,ص:394
30 -المصدر نفسه,نفس الصفحة
31 -الجاحظ,البيان والتبيين,مصدر سابق,ص:425
32 -المصدر نفسه,ص:425
33 -ينظر:رضوان,الرقبي:الاستدلال الحجاجي التداولي وآليات اشتغاله,مجلة عالم الفكر,المجلس الوطني للثقافة-الكويت,ع02,مج 402011 .م,ص:98)
34 -الجاحظ,البيان والتبين,مصدر سابق,ص:427
35 -المصدر نفسه,ص:425
36 -سورة القصص الآيتان:30-31
37 -الجاحظ,البيان
38 -أبوبكر,العزاوي,الخطاب والحجاج,مرجع سابق,ص:49
39 -الجاحظ,البيان والتبين,مصدر سابق,ص:418
40 -المصدر نفسه,ص:425
41 -المصدر نفسه,ص:417
42 -المصدر نفسه,نفس الصفحة
43 -المصدر نفسه,ص:428
44 -المصدر نفسه,ص:472
45 -سورة طه:17-20
46 -الجاحظ,البيان والتبيين,ص:417
47 52 -المصدر نفسه,ص: 42