الجمعة، 18 يناير 2019

الواقع اللغوي الهجين للجزائريين


الشارع يسير نحو واقع لغوي هجين: الجزائريون لا يتكلمون أية لغة



يتلعثم الجزائريون، وهم على أهبة الكلام، فسرعان ما يرتبكون، ويرددون” أنا عاجز عن التعبير…” ويعتقد كثيرون أن أسباب هذا التلعثم والارتباك مرده إلى الاضطراب اللغوي الحاصل من جراء عدم القدرة على التحكم في التعامل مع رصيد لغة واحدة من اللغات المتداولة، فالتعدد اللّغوي أصبح يحدث ارتباكا على المستوى التعبير عوضا من أن يكون عامل إثراء وسلاسة. والنتيجة أن أصبحت الغالبية الساحقة من الجزائريين بمن فيهم المتعلمون لا يتحكمون في أية لغة من اللغات.. فالمعرّب لا يتقن العربية بالشكل المطلوب، والموصوف بالمفرنس لا يجيد الفرنسية والنتيجة أن اختلطت هاتان اللغتان باللهجة العامية وبقية اللهجات الأمازيغية، وعليه فالمحصلة النهائية أن لا لغة للجزائريين.

لغات متعددة في خطاب واحد… إنها الميزة الجزائرية




صارت ملاحظة إشكالية التعددية اللغوية في الجزائر تفرض، بشكل جد واضح، حضورها على يوميات الشارع الجزائري، مؤكدة تواصل تداخل قناعات الفرد في النسيج الاجتماعي ذاته واتساع هوّاة القطيعة مع الذاكرة الجماعية.
إذا كانت المواثيق الرسمية تشير إلى أن العربية والأمازيغية تمثلان اللغتين الرسميتين في جزائر الحاضر، فإن مباشرة جولة ميدانية عبر بعض إحياء عاصمة البلاد، تكشف أن الفرد الجزائري صار ينغمس في تداول أكثر من ثلاث لغات مختلفة تتازحم فيما بينها.
انطلقنا في جولتنا الميدانية من أحد أهم الشرايين الحيوية في الجزائر العاصمة والمتمثّل في شارع ديدوش مراد، هناك أين نلاحظ، بسهولة، أن غالبية المحلات التجارية ترفع لافتات دعائية باللغة الفرنسية، حيث لم يعد غريبا على الفرد الجزائري فهم عبارات من قبيل
”rْPrêt-à-porte” (دلالة على محلات بيع الملابس الجاهزة” أو ”Bijouterie ” (دلالة على محلات بيع المجوهرات” وكذا ”Pizzeria” (دلالة على محلات تقديم الوجبات السريعة)، هذه العبارات سهلة التداول التي اندمجت ضمن لاوعي الفرد الجزائري الذي لم يعد يجد حرجا في تداول خطاب واحد، وفق أكثر من قاموس لغوي. ربما لن تثير دهشتنا ملاحظة جيل الآباء الخاضع لتكوين أحادي اللغة ولكن معاينة الشباب الجزائري يتداول أكثر من قاموس لغوي يبعث على التساؤل عن مستقبل ومكانة اللغتين الأم الأمازيغية والعربية في الجزائر ويجعلنا نتنبأ بتوجهه صوب افتقاد جميع اللغات الأصل لصالح لغة هجينة على شاكلة ”créole” المتداولة في الجزر الأمريكية النابعة من رغبة وضع أسس تحاور بين القوافل التجارية القادمة من بقاع مختلفة، والتي تصهر حوالي أربع لغات في خطاب واحد والتي بدأنا نلمس بوادرها في يومياتنا الجزائرية.
إحدى الملاحظات الأخرى التي تشدّ الانتباه كثيرا تتمثل في ازدواجية التفاعل مع أسماء الأحياء والشوارع الرئيسية. فبينما تميل شريحة الشباب إلى استخدام الأسماء الرسمية باللغة العربية، كما هو الحال مع شوارع حسيبة بن بوعلي والعقيد عميروش والعقيد لطفي، نلاحظ أن فئة أخرى ما تزال تواصل التعامل مع الأسماء الفرنسية التي أورثتها الحقبة الكولونيالية، كما هو الحال في شارع ”أول ماي” بالجزائر العاصمة والذي ما يزال اسمه متداولا بين البعض في عبارة:
”Champs des manoeuvres” ويتم اختصارها في الذهنية الجزائرية الدارجة بعابرة ”شامونيف”.
نلاحظ اليوم أن الفرد الجزائري صار يرفض الخضوع للقوالب اللغوية المائلة إلى تأسيس لغة تبادل واحدة، مفضلا الخروج عن ”الفرضيات” الأكاديمية ”الحازمة” ومساهما في وضع أسس لغة ”جزائرية” محضة استطاعت، مع مرور الوقت، التأكيد على خصوصيتها خصوصا بعدما استطاعت إدراج بعض العبارات ضمن القاموس الأكاديمي الفرنسي، على غرار عبارات ”كيف..كيف”، ”بزاف” أو ”مشوي” في انتظار أن يتقبلها اللسانيون العرب.
الشارع الجزائري الذي صار يتداول أكثر من لغة، بعضها وليدة تجربة كولونيالية، وأخرى نابعة من أصول ثقافية جد متجذرة، وصار يبدي رفضا للخضوع لنمط لغوي واحد.

المصدر :الجزائر: سعيد خطيبي

********************

عبد الرزاق دوراري، مدير المركز الوطني البيداغوجي لتعليم ثمازيغت
الأمازيغ قدموا نموذجا تاريخيا للتعايش اللغوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق