الاثنين، 6 أكتوبر 2014

علاقة التأويل بالسياق و دوره في بناء المعنى

علاقة التأويل بالسياق و دوره في بناء المعنى
نضيرة بن زايد

    مما لا شك فيه أن تحليل الخطاب بالضرورة هو تحليل للغة في الاستعمال و لأن الخطاب ينقسم إلى معنى ظاهر و معنى خفي، كانت بالضرورة تلزم العلماء للاهتمام بهذا الجانب للوصول إلى قصد المتكلم أو المخاطب من خلال ظاهرة التأويل، و التي نالت الاهتمام الواسع من طرف علماء اللغة، و ذلك لأن الخطاب هو ملاذ كل مخاطِب، و الذي يصب فيه أفكاره و رؤاه في أبعاده المختلفة: الثقافية و الاجتماعية...و لا يتم ذلك إلا بمحاولة لفك الرموز التي تنغلق على ذاتها، و تبتلع مفاتيحها، و مع هذا الانغلاق تغيب ذات المخاطب لتظهر ذات المخَاطَب الذي توكل له مهمة الإبحار عبر عوالم هذا الخطاب، و كسر أقفاله، و محاولة الولوج إلى أعماقه بما يسمى التأويل، و الذي يؤول إلى بيان المعنى و القصد من مراد المخاطِب، و هذا لا يتم إلا من خلال معرفة السياق.
و مهما يكن من أمر فإن إشكالية التأويل و علاقتها بالسياق على اختلاف اتجاهاتها، أي من حيث النظريات التي تطرقت إليها، فإنها تعد اللبنة الأساسية لكل خطاب، لكن، الشيء الملاحظ أن إشكالية التأويل اهتم بها العلماء من الجانب الديني و الفلسفي و بخاصة في الفترة الزمنية من النصف الأول  من القرن الماضي و بظهور ما يسمى علم السيميائيات حيث عرفت ظاهرة التأويل تطورا ملحوظا و بخاصة في الدراسات النقدية من خلال نظريات القراءة، دون أن ننسى ما للسياق من دور في بناء المعنى و الذي يندرج اليوم ضمن ما يعرف بالتداولية.
و قبل الولوج إلى علاقة التأويل بالسياق لابد لنا من أن نبين المعنى اللغوي و الاصطلاحي لكل منهما:
أولا التأويل:
التأويل لغة:
فكلمة تأويل لغة جاءت بمعنى الرجوع مصدره:«أول: الرجوع إلى الشيء يؤول أولا و مآلا: رجع، و أول إليه الشيء: رجعه، آلت عن الشيء: ارتددت»(1).
فالدلالة التي تحملها كلمة «التأويل » هي الرجوع و التغيير، بالإضافة إلى معنى التفسير التي نجدها عند علماء التفسير بمعنى واحد، و هذا ما ذكره أبو العباس أحمد بن يحي حينما سئل عن التأويل: « فقال: التأويل و المعنى و التفسير واحد »(2).
أما اصطلاحا:
إن المفهوم الاصطلاحي لمادة التأويل نال اهتمام جميع المفسرين و الفقهاء و المتكلمين و الفلاسفة إلى غاية الأدباء و النقاد، و بالخصوص في القرن الثاني و الثالث و الرابع حيث ارتبطت بالعلوم العربية التي شغلت بالبحث في القرآن الكريم المرتبط باللسان العربي- و أول العلماء الذين اهتموا بالتأويل نجد:
الغزالي(450ه -505ه) : الذي يُعد من بين الأوائل الذين شغل فكرهم حيث عرفه بقوله: « التأويل عبارة عن احتمال بعضده دليل يصير به أغلب على الظن من الحقيقة إلى المجاز»(3) فالتأويل عنده لا يكون إلا من خلال اللفظ فما فوق لأن اللفظ الواحد قد يحمل دلالتين حيث يرجح القصد المحتمل المرجوح مثال ذلك « زيد كالأسد» فإنه ظاهر في الحيوان المفترس و المحتمل أن زيد رجل شجاع و ليس الافتراس.
أما عن التأويل عند ابن رشد(1126م-1198م) فهي: «إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية من غير أن يخل ذلك بعادة لسان العرب في التجوز، و من تسمية الشيء بشبيهه أو سببه أو لاحقه أو مقارنة، أو غير ذلك من الأشياء التي عددت في تعريف أصناف الكلام المجازي »(4)، و معنى هذا القول أن نخرج اللفظ من دلالته الحقيقية إلى الدلالة المجازية، و بالتالي فالتأويل عند التراثيين و بخاصة علماء الأصول ارتبط بالمجاز مثلما هو عند الفلاسفة من أمثال ابن رشد، و هنا نجد إشارة كل من الغزالي و ابن رشد إلى ضرورة العلم بالوضع اللساني العربي، و كما أن الاعتقاد هو السبيل إلى التصديق بما جاء في الخطاب القرآني حيث يقول: « إذا لم يكن أهل العلم يعلمون  التأويل، لم يكن عندهم مزية تصديق توجب الإيمان به كما جاء في قوله تعالى: « آمنّا به كُلٌ مِنْ عنْدِ رَبّنَا»(5)»(6).
و بالإضافة إلى كل هذا هناك من فرق بين ثلاثة من أنواع التأويل ما هو قريب و بعيد، و متعذر، فالتأويل القريب، لا يحتاج إلى قرينة، بخلاف البعيد الذي لابد و أن يرتبط بقرينة ما ليصبح راجحا، و لهذا وضعوا شروط من خلال هذه القولة: «و هناك ما لا يقل عن ثلاثة شروط ينبغي أن تستوفي لكي يكون التأويل سائغا، فإذا لم يتوافر أي شرط منها صنف أنه متعذر و هذه الشروط هي:
1-   أن يكون اللفظ قابلا للتأويل، أي اللفظ ينبغي أن يكون ظاهرا أو نصا.
2-   أن يحتمل اللفظ التأويل، أي أن المعنى الظاهر الذي يفترض المؤول أنه المعنى المراد ينبغي أن يكون من المعنى المحتمل للفظ.
3-   أن يكون التأويل مرتبطا بقرينة كافية لجعل المعنى غير الظاهر و ليس الظاهر هو المعنى المراد»(7).
أما عن التأويل عند المحدثين:
فقد شكل هذا المصطلح عبئا كبيرا على بعض المفكرين و الفلاسفة و اللغويين الغربيين الذين أسسوا له نظريات تبين مدى أهميته و بخاصة أنه يتصل باللغة و الفلسفة، من ذلك نجد بول ريكور الذي ربط التأويل بالنص، و هذا عن طريق القراءة المتعددة و الفهم المختلف، لأن كل قارئ لنص ما يمكن أن يحدد معنى للنص الذي قرأه بخلاف غيره الذي قدم قراءة مغايرة لما قرأه الأول، حيث يقول : « التأويل هو فن تأويل النصوص في سياق مخالف مؤلفيها و جمهورها الأول، يهدف اكتشاف أبعاد جديدة»(8).
و بالإضافة إلى إشارة العرب إلى علاقة التأويل بالاستعارة، نجد هذا جليا عند الغربيين الذين يؤكدون على أن: « التأويل الاستعاري يستند إلى المؤولات أي إلى وظائف سيميائية نصف مضمونها وظائف سيميائية»(9).
و في هذا إشارة إلى أن التأويل يرتبط عند الغربيين بالعلاقات السيميائة و السياق الذي يحدد المعنى من خلال الوضع اللغوي و الثقافي للمتلقي، فالتأويل مرتبط بالنص، و من هنا نصل على ضرورة تقديم معنى السياق و دلالته.
ثانيا: السياق
1-   السياق لغة:
ذهب ابن فارس أنّ: «السين و الواو و القاف أصل واحد، و هو حدوُ الشيء يقال: «ساقه يسوقه سوقا و السيّقة مااستيق من الدواب. و يقال سقت إلى امرأتين صداقها، و أسقته، و السوق مشتقة من هذا لما يساق إليها من كل شيء، و الجمع أسواق، و الساق للإنسان و غيره و إنما سميت بذلك لأن الماشي ينساق إليها»»(9).
2-   السياق اصطلاحا:
أ‌-      السياق عند العرب:
إن العلم بالسياق يعد الأساس بالنسبة للكثير من العلماء، حيث ساعدهم في دراسة الخطاب القرآني، و استنباط الأحكام الشرعية، و بخاصة علماء الأصول الذين أسهموا واهتموا بهذا الجانب، باعتباره يرتبط ارتباطا وثيقا بالأفعال اللغوية.
كما كانت العناية بالسياق من طرف علماء البلاغة، الذين أولوا عناية للمقام و الذي« يضم المتكلم و السامع أو السامعين و الظروف أو العلاقات الاجتماعية و الأحداث الواردة في الماضي و الحاضر...و المعنى المقامي يمثل ظروف أداء المقال زائد القرائن المقالية الأخرى... »(10)،و بالتالي فإن مفهوم المقام و السياق لابد و أن يقترنا بالمعرفة الثقافية بالإضافة إلى الاستعمال اللغوي.
فالشائع عند البلاغيين العرب أن«لكل مقام مقال » و هذا يوحي أن الخطاب فعل اجتماعي و الجاحظ يشير إلى هذا المفهوم بقوله: «  و أرى أن ألفظ بألفاظ المتكلمين ما دمت خائضا في صناعة الكلام مع خواص أهل الكلام، فإن ذلك أفهم لهم عني،و أخف لمؤنتهم عليّ، و لكل صناعة ألفاظ قد حصلت لأهلها بعد امتحان سواها، فلم تلزق بصناعتهم إلا بعد أن كانت مشاكلا بينها و بين تلك الصناعة، و قبيح المتكلم أن يفتقر إلى ألفاظ المتكلمين في خُطبة أو رسالة، أو في مخاطبة العوام و التجار، أو في مخاطبة أهله و عبده أو أمته، أو في حديثه إدا تحدث، أو خبره إدا أخبر. و كذلك فإنه من الخطأ أن يجلب ألفاظ الأعراب و ألفاظ العوام و هو في صناعة الكلام داخل، و لكل مقام مقال، و لكل صناعة شكل»(11).
فرصد المقامات و الأحوال مع ضرورة ما يناسبها من تراكيب تتبعها، بالإضافة إلى النظم الذي يبين دور السياق اللفظي في تحديد المعنى لأن المناسبة تلزم المخاطب بضرورة مراعاة علاقته بالمخاطب، أي مناسبة المقام حسب الأشخاص، لأن الجملة الواحدة التي تحمل إفادة ما قد تتغير بتغير المقام، و أيضا لابد من صياغتها صياغة واضحة، و يجب توفر ما يعرف بالكفاءة اللغوية التي تساعد المخاطِب على انتاج خطاب حسب المقام الذي يُلقى فيه الخطاب، و هي أيضا تكون له قدرة على تأويل الخطابات، و هذا لا يمكن أن يحصل إلا بتفعيل بعض المعارف من خلال الاعتماد على طرق النظم و وسائله للوصول إلى المعنى.
 أما عن السياق عند المفسرين فقد اقترن بما يسمى بعلم المناسبات، و الذي هو«  الالتفات إلى الحكمة من ترتيب السور و الآيات على الوجه الذي هو عليه، و الاهتمام باستخراج المعاني و لطائف الفوائد، التي لا يتوصل إلا بالتماس المناسبة بينها، و معرفة وجوه الربط بين أنواع المناسبات»(12).
و بالإضافة إلى هذا فإن علماء التفسير قد وضعوا شروط للمفسر حتى يكون أهلا للتفسير.
ب‌-  السياق عند المحدثين:
إن السياق عند الغرب شكل ظاهرة، حيث نال اهتمام العديد من علماء الأنثروبولوجيا بالإضافة إلى علماء اللغة المهتمين بالثقافة الإنسانية، أين تمخضت عن هذه الظاهرة نظرية و التي تعرف بالنظرية السياقية، كما نجد أن السياق هو المصطلح الذي اعتمده الغرب بدلا من المقام الذي عرفه العرب قديما، و أدرج ضمن ما يعرف بالتداولية حيث أن «مفهوم السياق، خصوصا في الدراسات التداولية...تجاوز الباحثون التعريف النموذجي الأرحب للسياق فأصبحت تعرف  مجموعة الظروف التي تحف حدوث فعل التلفظ بموقف الكلام(...) و تسمى هذه الظروف، في بعض الأحيان بالسياق  context »(13) فالخطاب سواء كان شرعيا أو شعريا أو أدبيا أي كان نوعه لا يمكن أن يتحدد معناه إلا من خلال السياق، فهو اطار منهجي يجب تطبيقه على الأفعال اللغوية و هذا ما نستخلصه من قول فيرث(Firth)(ت 1960م) حول المعنى على أنه : « علاقات موقفية في سياق الموقف:(situation of context)»(14)، و يمكن أن نتبين عدة نقاط تندرج ضمن مقولة سياق الموقف بحيث يمكن أن يتشكل المعنى و يتضح أكثر في السياق من خلال المعلم بالتحليل الصرفي و إتقان التصريف لأن به تعرف الأبنية و الصيغ قال ابن فارس: و من فاته علمه فاته المعظم، لأن «وجد» مثلا كلمة مبهمة، فإذا صرفناها اتضحت بمصادرها»(15) بالإضافة إلى المعرفة بعلم الاشتقاق و التركيب و المعجم و الصوت، فمثلا أن تكرار بعض الأصوات وما تشكله من تنغيم في مقام معين يحدد لنا المعنى الدلالي لها.
و من هنا نصل إلى ضرورة بيان أهم المراحل التي تسهم في عملية الفهم من خلال التأويل و السياق.
1-   القصد أو علم المقاصد
إن التفكير في تقديم خطاب معين إلى المستمع أو المخاطب لا يتم إلا في إطار سياق يحدد أهميته و هذا الفعل الكلامي لا يعبر عنه بواسطة مفردة أو جملة فقط، و لكن يعبر عنه في سياق معين يتضح من خلاله القصد و الغاية أي وصول الرسالة إلى المخاطب « وفق المعادلة التالية قول+سياق= رسالة»(16)، فمثلا من الوحدات اللغوية التي لابد و أن تتوفر، حيث أنها تسهم في فهم الرسالة و منها أدوات الإشارة مثل: الآن، هذا هنا، ذاك، فإذا أردنا فهم دلالات هاته الإشارات في خطاب معين يتعين علينا معرفة هوية المتكلم و المتلقي و الإطار الزماني للفعل الكلامي،فمحلل الخطاب لابد من أن يتفحص جيدا العلاقة بين المتكلم و الخطاب في مقام استعمالي خاص، و هذا ما أشارت إليه نظرية التلقي حيث ترى أن أهم شيء في عملية الأدب هي تلك المشاركة الفعالة بين النص الذي ألفه المبدع و القارئ المتلقي، أي أن الفهم الحقيقي للنصوص و الخطابات ينطلق من موقعة القارئ في مكانه الحقيقي و إعادة الاعتبار له باعتباره هو المرسل إليه و المستقبل للنص و مستهلكه و هو كذلك القارئ الحقيقي له تلذذا و نقدا و تفاعلا و حوارا. و بالتالي«أن محلل الخطاب حينما يستعمل مصطلحات مثل الإحالة و الافتراض و المعنى الضمني و الاستدلال، فإنه في الواقع يصف ما يفعله المتكلمون و المتلقون، و لا يهتم بالعلاقة بين جملة أو مضمون ما و جملة أخرى»(17).
الإحالة:
يقول لاينز في سياق حديثه عن المفهوم الدلالي التقليدي للإحالة إن « العلاقة القائمة بين الأسماء و المسميات هي علاقة إحالة: فالأسماء تحيل إلى المسميات»(18)أي أن العلامة اللغوية تحدها ثلاثة أبعاد هي الدال و هو سلسلة الأصوات المكونة للعلامة، و المدلول هو المفهوم المجرد الذي يستفاد منها، بالإضافة للبعد الثالث ألا و هو المرجع و هو ما تحيل عليه العلامة اللغوية في العالم الخارجي أي أن الاحالة شيء يمكن أن يحيل عليه شخص ما باستعماله تعبيرا معينا و هنا يصل المخاطب إلى العملية التي تعرف بالتأويل حيث يقوم باستخلاص صورة المعنى المتخيل عبر سبر أغوار النص أو الخطاب و استنكاه دلالاته و البحث عن المعاني الخفية و الواضحة عبر ملء البياضات و الفراغات للحصول على مقصود المتكلم و تأويل خطابه انطلاقا من الخبرات و المعارف التي يمتلكها المخاطَب سواء كانت علمية أو ثقافية أو اجتماعية....
-     عملية الافتراض:
ففي كل خطاب ينطلق كل من المرسل و المرسل إليه من معطيات و افتراضات معترف بها و متفق عليها بينهم، فتشكل هاته الافتراضات الخلفية التواصلية لتحقيق النجاح في عملية التواصل، أي الوصول إلى تأويل الخطاب و قصد المخاطِب تأويلا صحيحا و بالتالي الوصول إلى القصد و الغاية.
        مثال ذلك لو قلنا : أغلق النافذة
فهذا الملفوظ يحمل خلفية «الافتراض المسبق» مضمونها أن النافذة مفتوحة.
المعاني الضمنية:
يقول جرايس في مصطلح المعنى الضمني( implicatur) أنه«المعنى المتعارف للكلمات المستعملة» نلمح في هذا القول شرط أساسي يعتمد عليه محلل الخطاب و هو ضرورة المعرفة بطبيعة العلاقة بين المرسل و المرسل إليه بالإضافة إلى عدد من القواعد التي يلتزم بها المتكلمون عادة، و المتمثلة بصورة أوضح في استراتيجيات الخطاب مثل الإستراتيجية التضامنية أو مبدأ التعاون، الاستراتيجية التوجيهة، وإستراتيجية الإقناع، و التأدب، و جرايس هنا يشير إلى مبدأ أو استرتيجية التعاون و هو أن يلتزم المخاطب بعدة قواعد متواضع عليها و يستند إليها في هذا المبدأ أو الإستراتيجية حيث أن التعاون«يختص بالمسافة الاجتماعية بين الناس، و بتجاربهم الاجتماعية و خصائصهم الاجتماعية المشتركة ( مثل الديانة و الجنس و السن و مسقط الرأس و العرق و المهنة و الاهتمامات) ، و مدى استعدادهم للمشاركة في مسائلهم الشخصية[...] إلخ»(19)،و بالتالي فالقواعد التي لابد للمخاطِب أن يعتمدها هي:
أولا من «حيث الكم: أن تجعل مساهمتك إخبارية بالقدر المطلوب حسب ما تمليه الحاجة في تلك المحادثة القائمة و لا تقدم معلومات أكثر مما يلزم.
من حيث الكيف: ألا تقول ما تعتقد أنه خطأ، و لا تتحدث عن شيء لا تملك بشأنه حججا كافية.
من حيث العلاقة: أن تتحدث عما هو مناسب للموضوع.
من حيث الأسلوب: أن تكون واضحا، و تجتنب الغموض في التعبير، ( ابتعد عن ازدواجية المعنى) و تتكلم بإيجاز ( ابتعد عن الحشو) و أن تكون منظما»(20) فالمعنى الضمني هو من إحدى الجوانب المقاصدية من المعنى، أي يعتمد على التزام المتكلم و المخاطَب بالمبدأ التعاوني و ضوابطه، و من وجهة المحلل أيضا أي لابد من اعتبار المعاني الضمنية غير محددة بما أنها نابعة من فرضية أن لدى المتكلم أو المرسل النية في أن يدلي بكلام له معنى، و أنه يلتزم باحترام المبدأ التعاوني بالإضافة إلى مبدأ التأدب.
الاستنتاج:
إن محلل الخطاب و المخاطب يحتاج دوما إلى الاعتماد على طريقة أو عملية الاستنتاج حتى تمكنه من الوصول إلى فهم المقولات و الغاية التي يقصد إليها المرسل.
المقام:
حيث أن المقام أو السياق المقامي يوفر و يسهم في تحديد معاني التعبيرات اللغوية( السيميائية)، و المقامات بوصفها سياقا، بالإضافة إلى كونها متأصلة في المحددات الاجتماعية، فالمخاطَب في تأويله للخطاب و اعتماده على هذه الأسس سيسهم في بناء المعنى و تأويله تأويلا صحيحا، على الرغم أن هناك جملا ثد يتغير معناها تغيرا طفيفا بتغير السياق.
-        و الخلاصة التي نصل إليها في مقالنا و مقامنا هذا هي:
1-  على محلل الخطاب أو المرسل إليه أن لا يكتفي بمعرفة السياق وحده، بل لابد عليه من اللجوء إلى التبحر في العلوم العربية، و العلم بالحقيقة و المجاز، و كذا بالتراكيب من نحو و صرف بالإضافة إلى الصيغ المتمثلة في أفعال الكلام من أمر و نهي. و ما يندرج تحتهما من مطلق و مقيد، و عام و خاص.
2-  على محلل الخطاب أو المخاطَب أن يعتمد على المعايير العامة في تأويل الخطاب و فهمه مثل المعيار الاجتماعي و بخاصة العلاقة بين طرفي الخطاب، حيث لا يمكن أن يكون هناك نص أو خطاب إلا من خلال ذات المخاطِب و ذات المخاطَب.
والمعيار اللغوي أي شكله سواء كان هذا النص أو الخطاب أدبي أو اجتماعي أو سياسي.
-   و المعيار الثالث أو معيار هدف الخطاب أو القصد، بما أن المرسل لا يستعمل اللغة إلا لهدف معين فلابد عليه أن يضع استراتيجيات لخطابه سواء كانت(استراتيجية تضامنية أو توجيهية أو تلميحية أواقناعية).
و عليه فإننا نرى أن التأويل و السياق وجهان لعملة واحدة لا يمكن لأي مخاطِب أن يستغني عنهما في بناء الخطاب و ببيان معناه أو إعادة قراءته من جديد.

 http://manifest.univ-ouargla.dz/index.php/seminaires/archive/facult%C3%A9-des-lettres-et-des-langues/29-%D8%A7%D86%D9%89.html

هناك تعليق واحد: