مدونة تهتم باللسانيات التداولية التفاعلية الاجتماعية تحاول ان ترسم طريقا مميزا في معالجة الاشكالات المعرفية المطروحة في هذا النسق العلمي بالمناقشة والرصد والتحليل والمتابعة
الجمعة، 12 أغسطس 2011
سماحة الشيخ عبد الرحمان شيبان في ذمة الله
الأربعاء، 10 أغسطس 2011
كتاب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم
سنن الترمذي » كتاب الأدب » باب ما جاء في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم
مذكرة تخرّج : التعددية اللغوية في الجزائر-الطلبة الجامعيين أنموذجا
سوق الألقاب في عصر الدعاة
اللهجة التارقية
الاثنين، 1 أغسطس 2011
ألقاب تؤلم المرأة
الألقاب التشريفية والتمييز الاجتماعي
الأحد، 24 يوليو 2011
Sociolinguistics Archive
Scobbie & Dominic Watt sociophonetics .pdf
الأربعاء، 20 يوليو 2011
مكانة الأمازيغية من التعدد اللغوي بالمغرب 2/2
مكانة الأمازيغية من التعدد اللغوي بالمغرب 2/1
الاثنين، 18 يوليو 2011
التعليمية وأثرها في تقويم تدريس اللغة العربية وترقية استعمالها في الجامعة
الأستاذ : محمد صاري كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية قسم اللغة العربية وآدابها - جامعة عنابة -----------------------------------------------------------------------------------------------------
الملخص: لا شك أن البحث في ترقية استعمال اللغة العربية في الجامعة لجعلها وسيلة للاتصال والعلم، كالبحث في أي قطاع من قطاعات المعرفة، لا يمكن أن يرقى إلى المستوى المطلوب إلا إذا تحول الجهد الفردي إلى مستوى الجهد الجماعي. وما يلاحظ على جهود الإصلاح والتجديد التي بذلت لحل الإشكالية أنها جزئية ومتناثرة في الغالب، يعوزها الشمول والتكامل، وتعتمد على الخبرات الشخصية في التربية أكثر ما تعتمد على البحوث العلمية والتحريات الميدانية الدقيقة في مناهجها، والممحصة في نتائجها، مما جعل بعضهم يعتقدون في نقص كفاية اللغة العربية في المجالات الحيوية، ويشتكون من غلبة الأساليب التقليدية عليها من حيث التلقين والتقويم. إن ترقية استعمال اللغة العربية والنهوض بها في قطاع الجامعة والمؤسسات الأخرى على اختلاف أنواعها، يتطلب من خبرائها وعلمائها معرفة موضوعية بواقعها، والنظر فيها بالمنظار الذي تفرضه الأحداث دونما تزييف للواقع، ولا تجاهل للحقيقة ولا إفراط في التفاؤل أو التشاؤم بالمستقبل. ومن هنا تأتي أهمية هذه المداخلة التي نهدف من ورائها إلى : 1 - فحص الواقع الذي هو عليه استعمال اللغة العربية - مادة وطريقة - في العلوم الاجتماعية والإنسانية خاصة والتخصصات التقنية عامة. 2 - تقويم استعمال اللغة العربية بالجامعة في ظل المعطيات والحقائق المكتشفة باستمرار في حقل اللسانيات التطبيقية وعلم تدريس اللغات. 3 - البحث في كيفية الخروج باللغة والثقافة العربية من طور التأزم والصراع مع اللغات والثقافات الأجنبية إلى طور الحوار والتلاقح. التعليمية وأثرها في تقويم تدريس اللغة العربية وترقية استعمالها في الجامعة الأستاذ : محمد صاري كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية قسم اللغة العربية وآدابها - جامعة عنابة - 1 - مقدمة : لا يحتاج الباحث المتخصص في تعليمية اللغة العربية إلى روائز تربوية، ولا إلى إحصاءات وبحوث ميدانية لكي يكشف أن مسألة تعميم اللغة العربية لا سيما في مرحلة التعليم العالي، وترقية استعمالها في المجالات الحيوية لتصبح - في يوم ما - لغة التواصل والعلم، مشكلة قومية تتعدى حدود الإقليم الواحد لتشمل الدول العربية جمعاء. وعلى الرغم من الجهود العظيمة التي بذلتها المجامع اللغوية العربية منذ نشأتها، وهي جهود تستحق كل الثناء كما يقر بذلك العلماء( ). إلا أن "المشكلة اللغوية" لا تزال قائمة، وحلها يسير بخطى ثقيلة متثاقلة إن لم تكن بوادر الردة والتراجع قد لاحت في أفق بعض بلدانها. ومن المؤكد أن تطوير استعمال اللغة العربية تدريجيا في المؤسسات التعليمية، يعد المشكلة الكبرى، أو الأولى والأخيرة، لا سيما إذا نظرنا إليها في ظل التفجر المعرفي والتكنولوجي، وزحف العولمة التي جعلت من العالم قرية كونية. فكسرت الحدود والقيود. واكتسحت وسائل الاتصال الجماهيري - المعروفة بدورها الخطير في التغريب وغسل العقول - أمما وشعوبا متخلفة لا تملك مناعة كافية لتحصين هويتها وثقافتها من الذوبان والاضمحلال. 2 - إشكالية الموضوع : معشر الباحثين، إن اجتماعنا في ندوة "واقع اللغة العربية في الجامعة الجزائرية" التي ينظمها المجلس الأعلى للغة العربية في مرحلة حاسمة من تاريخ "المشكلة اللغوية" في الجزائر، ليس غرضه أن نجيب عن الأسئلة الكلاسيكية المتجددة: هل اللغة العربية قادرة على أن تكون لغة التعليم العالي؟ وهل تصلح للتأليف العلمي؟ وهل فيها من المصطلحات ما يكفي لسد حاجة البحث العلمي والتأليف فيه؟ وهل هي لغة أدب وشعر وتاريخ...؟( ) فنحن لم نجتمع لنقنع بعضنا بعضا أن اللغة العربية قادرة على أداء رسالة العلم والثقافة، وصلاحيتها لذلك في الألفية الثالثة. فنحن مقتنعون. بل نحن متيقنون من ذلك، وهذا اليقين مبني على حقائق تاريخية وعلمية وليس على انطباعات ذاتية. أما الحقائق التاريخية: فالتاريخ يشهد أن اللغة العربية لها من المرونة والمقاومة مع مرور الزمن ما يميزها عن غيرها من اللغات القديمة التي اندثرت واضمحلت. فعلى الرغم من النكبات التي مرت بها في تاريخها الطويل (حملات المغول والتتار والحروب الصليبية والاستعمار التركي والفرنسي والإنجليزي) إلا أنها حافظت على نظامها فلم تتغير تغيرا كبيرا في نحوها وصرفها وأصواتها وأساليبها... والنمو الكبير الذي حدث فيها وقع في مفرداتها (معجمها) وهذا شيء بديهي لأن اللغة كما يشبهها فيرث كالشجرة تورق وتتساقط أوراقها باستمرار. أما بالنسبة للحقائق العلمية، فإن علوم اللسان الحديثة بينت فساد كثير من الأوهام الشائعة والافتراضات الخاطئة التي رددها الناس في القرون الماضية وأهم هذه الأخطاء قول بعضهم بأفضلية اللغات، وكذلك اعتقاد بعضهم بوجود لغات بسيطة وأخرى معقدة، ولغات بدائية وأخرى متطورة...الخ( ). لا تفاضل بين اللغات، وإذا صح مفهوم "البدائية" من وجهة نظر انتروبولوجية على بعض الشعوب، فإنه لا يصح من الناحية اللسانية؛ لأن الوظيفة الأساسية للغة البشرية والمتمثلة في التواصل والتبليغ موجودة في كل اللغات. ثم إن الصعوبة أو السهولة، والبساطة أوالتعقيد مسائل نفسية تربوية وليست لغوية. فهذه الظواهر ليست خصائص جينية في طبيعة اللغة ذاتها. ولوكان الأمر كذلك لكانت اللغات التي زعموا أنها صعبة يتم اكتسابها كلغة المنشأ في مدة زمنية أطول قياسا مع اللغات التي اعتقدوا أنها سهلة وبسيطة. ولكن الواقع يثبت أن جميع أطفال العالم أينما وجدوا، يكتسبون لغة المنشأ في مدة زمنية قياسية جدا، وعليه فإن البساطة والتعقيد والسهولة والصعوبة ظواهر مرجعها إلى الطرائق التي تعرض بها هذه اللغات وتبلغ( ). ومن المؤكد أن اللغة العربية - اليوم - في أمس الحاجة إلى طرق جذابة مشوقة فيها إبداع وابتكار، نتلافى بها الطرق التقليدية التي تجاوزها الزمن فأصبحت عاجزة عن تلبية حاجات الناس وما يتطلبه التفجر المعرفي والتقني العالمي. إن المعضلة الأساسية التي تُعقد هذه الندوة التاريخية من أجلها هو البحث في كيفية ترقية استعمال اللغة العربية في الجامعة وبالخصوص بعد أن أخذ استعمالها يتقلص تدريجيا في بعض القطاعات الحيوية التي كانت العربية قد ظفرت بها، وتمكنت منها( ). إن موضوع ندوتنا - كما هو ملاحظ - واسع ومتشعب لدرجة أن الباحث فيه يحتار ماذا يذكر وماذا يدع؟ ماذا يقدم وماذا يؤخر؟ أيبدأ بالبديهيات يريد أن يبرهن عنها ويقيم الدليل على صحتها؟( ) هل يتناول الموضوع من جانبه اللغوي؟ أم يطرقه من الجانب الاجتماعي والسياسي؟ أم يعالجه من الجانب الفكري بشكل عام...؟( ). ولذا يتحتم علينا كخطوة أولى تحديد الكلمات المفاتيح التي سيتأسس عليها تحليلنا لعناصر الموضوع. 3 - تحديد المفاهيم والمصطلحات : إن أهم المصطلحات، وأولاها بالتحديد، مفهوم الترقية، والتقويم، والتعليمية، فهي الكلمات المفاتيح في هذه المداخلة. ففي ما يخص مصطلح الترقية، هل يقصد به ترقية اللغة العربية كنظام أم ترقيتها كاستعمال؟ أي تطوير الجانب العملي التداولي في اللغة؟ لا شك أن الدارسين يعنون بهذا المفهوم ترقية الاستعمال اللغوي وتعميمه، من خلال تطوير تدريس اللغة العربية، لأن المسألة في الواقع هي في كيفية الخروج من الطرق المعبدة إلى طرق جديدة مبتكرة( ). وانطلاقا من هذا التحديد فإن تعليم اللغة العربية يجب أن يكون مختلفا في أهدافه ومضامينه وفي طرائقه وأساليبه عن التعليم التقليدي. وحل هذه المسألة من صميم اختصاص تعليمية اللغات didactique des langues. والتعليمية هي المفهوم الثاني الذي نود تحديده. ظهرت التعليمية (علم التدريس)( ) في بعض مراكز البحث العلمي - عند الغربيين - كتخصص جديد يعمل على نقد تدريس المواد التعليمية من صبغته الفنية التي تعتمد على مواهب المدرسين واجتهاداتهم وتجاربهم الفردية ليكسبه طابعا علميا تحليليا. على أن نضج البحث الديداكتيكي واستوائه كتخصص علمي مستقل، اكتسب من خلال نتائجه وضعية النشاط العلمي التحليلي المعقلن بعد رفضه للاتباعية القائمة على التقليد الأعمى للطرائق والمناهج الفلسفية التي كانت البيداغوجيا تقترحها على المشتغلين بالتدريس( ). ومن أهم الانشغالات الأساسية للتعليمية: بناء المناهج وإعداد المقررات التعليمية وتقويمها. وتكوين المدرسين المؤهلين لتحديد الصعوبات ووضع الحلول الناجعة لها( ). أما المفهوم الثالث والأخير فهو : التقويم. وللتقويم استعمالات كثيرة غير أنه - في الجانب التربوي- يراد به أحد شيئين: من جهة، بيان قيمة تحصيل المتعلم ومدى تحقيقه لأهداف التربية. ومن جهة ثانية، تصحيح تعلمه وتخليصه من نقاط الضعف في تحصيله. وللإشارة فإن مفهوم التقويم تأثر بالفلسفة التربوية التي انبثق منها، ويعمل على دعمها. ففي الطرائق التقليدية كان التقويم هدفا في حد ذاته، بدلا من أن يكون وسيلة لتحديد العقبات والمشكلات التعليمية وضبط الحلول التربوية الناجعة لها. ولكنه في التعليمية الحديثة أصبح وسيلة لتشخيص المكتسبات وتفسيرها، لا يخص التلميذ فحسب، بل يهتم بجميع مكونات الفعل التعلمي التعليمي( ). 4 - تقويم مجمل لواقع تدريس اللغة العربية بالجامعة : على الرغم من العناية الكبيرة التي تلقاها مادة اللغة العربية، لاسيما في مراحل التعليم ما قبل الجامعي، إلا أن التقارير العلمية والبحوث الميدانية التي أنجزت في هذا الشأن تشير إلى ضعف كبير عند التلاميذ والطلبة في لغتهم الوطنية وكثرة الأخطاء النحوية وشيوعها في كلامهم وقراءاتهم وكتاباتهم في جميع مراحل التعليم. ولم يسلم من ذلك طلاب الجامعة والمتخرجون منها( ). فقد لوحظ أن الجيل الجديد من الطلبة لا يتقنون العربية ولا يعرفون الفرنسية، ووسيلة الاتصال والتبليغ التي يتحكمون فيها بطلاقة هي اللهجة، ولكنها ليست لهجة مهذبة (قريبة من الفصحى) بل هي هجين من الفرنسية والفصحى والدارجة( ). وفي كثير من الأحيان تلقى المسؤولية على عاتق الطالب فيبدو أمام البعض هو المسؤول المباشر، والأول والأخير عن هذا الضعف. والحقيقة أن أسبابا عديدة، ساهمت بنسب متفاوتة، في خلق هذه الأزمة وعلى رأسها السياسة التربوية بشكل عام. فعلى الرغم من أنها حققت توسعا ملحوظا في تعليم العربية وتعميمها إلا أنه تؤخذ عليها جملة من النقائص التي مازالت تعرقل ترقية تدريسها واستعمالها، وتتمثل في الملاحظات الآتية: 1 - أن التطور الذي حصل في تدريس اللغة العربية في الجامعة تناول جوانبها الكمية وأهمل جوانبها النوعية، فقد لوحظ غزارة المادة اللغوية المقدمة لاسيما في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وعدم استجابة هذه المادة لما تتطلبه القطاعات الحيوية( ). 2 - جهود التطوير، جهود جزئية مرتجلة ومتناثرة في الغالب، يعوزها الشمول والتكامل وبُعد النظر، وتعتمد على الخبرات الشخصية أكثر مما تعتمد على التحريات الميدانية والبحوث العلمية المخبرية الدقيقة في مناهجها والممحصة في نتائجها( ). 3 - ضيق محتوياتها، وغموض أهدافها وضعف طرائقها ووسائلها وأساليب تقويمها. 4 - سوء إعداد مدرسيها وعدم كفايتهم من الناحية البيداغوجية خاصة، فهؤلاء الأساتذة الذين يشرفون على التدريس بالجامعة تكونوا بطريقة تقليدية تعرفها الجامعات منذ نشأتها، وتعتمد بالدرجة الأولى على الحصول على الدرجات العلمية مثل الماجستير والدكتوراه ثم يباشرون مهامهم في التدريس بدون أي تكوين ديداكتيكي في طرق التدريس وعلم النفس... ومما لا شك فيه أن الشهادة العلمية العالية ليست دليلا على التدريس الجيد، فهناك الكثيرون ممن يشهد لهم بالكفاءة في البحث والتأليف ولكنهم يبدون عجزا واضحا في مجالات التدريس، يصل إلى درجة الفشل أحيانا( ). فالجامعة الجزائرية تفتقر إلى هذا النوع من التكوين، هذا مع العلم أن الجامعات الغربية تنبهت لهذه المسألة ودورها في إعادة تجديد معلومات الأساتذة وخبراتهم التربوية من حين لآخر وتحسين طرق آدائهم. وقد أثبتت التجربة أهمية التكوين الديداكتيكي ونجاعته في نجاح الأساتذة في مهمة التدريس داخل قاعات الدرس( ). 5 - الانتقال المفاجئ لدى الطالب الجامعي المتخصص في الفروع التقنية والعلمية من تلقي العلوم باللغة العربية إلى تلقيها باللغة الفرنسية، فهذه القفزة اللغوية من لسان إلى لسان آخر تحدث لديه صدمة تعيقه عن التفكير والتعبير. ولذا فإن الضعف الذي يعانيه طلبة الجامعة بشكل عام (في المنطوق والمقروء والمكتوب) لا يعود إلى نقص في الذكاء والعبقرية، بل سببه المباشر هو اللغة الجديدة التي يتلقى بها العلم فجأة بعد اعتياده على لغته الوطنية، ثم إن الأصل في هذا الإخفاق يبدأ - في الغالب - من الضعف اللغوي. هذه جملة من المعوقات التي وقعت فيها السياسة التربوية بشكل عام، وهي تسعى إلى ترقية استعمال العربية في القطاعات الحيوية، ويمكن تشريح هذه المعوقات من خلال تحليل التجارب الميدانية، والملاحظات الدقيقة التي سجلها أساتذة اللغة العربية الذين أشرفوا على عمليات التعريب، أو على تدريس اللغة العربية في الأقسام المختلفة (العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم الأساسية والتقنية). ومن أهم الملاحظات التي ينبغي التنبيه عليها قبل حديثنا عن تدريس اللغة العربية في الأقسام المختلفة ما يلي: 1 - الاقتصار في تحميل مسؤولية تعليم اللغة العربية وترقية استعمالها في التخصصات العلمية والتقنية على أساتذة اللغة العربية، وتخلي غيرهم من الأساتذة عن هذه المسؤولية إلى حد بعيد. والواقع أن ترقية اللغة العربية مشروع أمة موكول للهيئات والجماعات وليس للأفراد. 2 - تدريس العلوم الأساسية (والمتمثلة في الرياضيات والفيزياء والكيمياء) بالعربية لم يعد مشكلة مطروحة بحدة في الجامعة بحكم أن المفاهيم والمصطلحات التي تحتويها هذه التخصصات عالمية، وقد قطع تعريبها شوطا كبيرا بحيث لا يمكن التراجع عنه، فمراجعها متوفرة وتأطيرها كذلك. 4 - 1 : اللغة العربية في التخصصات العلمية والتقنية: من أهم الملاحظات الميدانية التي سجلها بعض الأساتذة الذين أشرفوا على تدريس مادة اللغة العربية في التخصصات العلمية والتقنية، والتي تسمى (T.T.A Traduction et Terminologie Arabe) ما يلي: أ- افتقار هذه الأقسام إلى برامج محكمة في مادة اللغة العربية، تلبي حاجة الطالب العلمية واللغوية في تلك التخصصات. فاختيار محتوى التدريس (الموضوعات) متروك للذوق والمبادرة والخبرات الشخصية. تصوروا أن أول درس قدمه أحد أساتذة اللغة العربية في الأقسام العلمية هو "المدرسة البصرية"!!! هذا مع العلم أن 99% من نجاح الأستاذ في تلقين مادته، تكمن في كيفية جعلها مشوقة( ) (motivante) فالتعليم لا يحقق نتائج باقية عندما لا نرى له أهمية. ومن الثابت أن صحة هذا المبدأ لا ينطبق -فقط- على تعليم اللغة بل يصح كذلك على جميع المواد الأخرى. ب -إسناد مهمة تدريس مقياس اللغة العربية (ترجمة ومصطلحات) في التخصصات المذكورة آنفا، إلى أساتذة متخصصين في اللغة والأدب العربي، الكثير منهم لا يحسن استعمال لغة أجنبية (قراءة ونطقا وكتابة)( ) إلى جانب لغته، ثم نتهم بعد هذا كله التعريب بالفشل، واللغة العربية بالعجز!!. كيف يستطيع أستاذ اللغة العربية أن يقرب المفاهيم العلمية للطلبة وهو يجهلها أصلا؟ ولذا فإن المؤهل الوحيد لتدريس مقياس الترجمة والمصطلحات العربية هم أساتذة الاختصاص من الأقسام العلمية نفسها. وأعتقد أن عددهم - وإن كان ضئيلا جدا - فهو غير معدوم. أما أستاذ اللغة العربية فينبغي أن يشرف هو الآخر على تدريس مادة اللغة العربية في هذه الأقسام بهدف تدريب الطالب على مهارتي التعبير الشفوي والكتابي وإكسابه تقنيات تحرير المقال العلمي. جـ- تخصيص حصة واحدة للغة العربية - أسبوعيا - لا يساعد أبدا على ترقية استعمالها وتطويرها، لا سيما إذا علمنا أن هناك تهاونا كبيرا في برمجتها وتدريسها ودراستها. ويبدو هذا التهاون إما على مستوى الطلبة، أو على مستوى الأساتذة أو على مستوى الإدارة، أو على مستواهم جميعا. 4 - 2 : اللغة العربية في أقسام اللغات الأجنبية:( ) لكي يتمكن الأستاذ من إقناع الطلاب بفائدة المادة التعليمية التي تعرض عليهم، فيتحكم جيدا في دروسه، لابد أن يتمتع بكفاءة لسانية وعلمية وبيداغوجية تؤهله باستمرار لخلق الرغبة في التعلم لديهم، وتمكنه من تقديم محتوى التدريس بطريقة مشوقة( ). ولكن الواقع عكس ذلك، فأستاذ اللغة العربية في تلك الأقسام غالبا ما يُنْعَتُ - صدقا أو زورا - بأنه تقليدي في شكله وفي محتواه وفي طريقة تدريسه مقارنة مع أساتذة اللغات الأجنبية. فهو أستاذ - كما يزعمون - لا يحسن اللغات، ينظر إلى العالم من حوله بعين واحدة هي اللغة العربية، ويدافع عنها ويتعصب لها لأنه لا يعرف اللغات الأجنبية...الخ. ونظرتهم هذه إلى أستاذ اللغة العربية تنعكس على اللغة ذاتها. وعلى الرغم من المبالغة في الحكم إلا أن هناك أسبابا عديدة أدت إلى هذا الإفراط أهمها: 1 - الموضوعات الكلاسيكية التي يقدمها أساتذة اللغة العربية، فهي موضوعات مكررة يصادفها الطلبة دوريا خلال السنوات الثلاثة الأولى من تكوينهم. لأنه لا يوجد برنامج وزاري موحد يحدد موضوعات اللغة العربية في هذه الأقسام، ولذا يلعب الذوق والارتجال دورا كبيرا في عملية اختيار موضوعات هذه المادة. 2 - الطريقة المعتمدة في عرض تلك الموضوعات على الطلاب لا تخرج عن الإلقاء والإملاء. فهي طريقة تقليدية تلقينية تجاوزها الزمان مقارنة مع الطرائق التي يتلقى بها الطالب مادة الاختصاص. إن ترقية اللغة العربية في أقسام اللغات الأجنبية في حاجة ماسة إلى برامج ثرية ومشوقة منتخبة من عيون الموروث اللساني والنقدي والأدبي الذي تحتويه اللغة العربية. وقد أثبتت لنا التجربة الميدانية أن توفير تلك البرامج إلى جانب الأستاذ الكفء لهما دور كبير في إقبال الطلاب على دراسة هذه المادة واحترام مدرسيها. 4 - 3: اللغة العربية في أقسام العلوم الإنسانية والاجتماعية: ما يلاحظ على كلية الآداب والعلوم الاجتماعية والإنسانية التي يُفترض أن تتبوأ مركز الريادة في ترقية اللغة العربية وتعميم استعمالها، أن مستوى خريجيها لا يعكس حجم المجهودات المبذولة في هذه التخصصات. فالطالب المسجل في هذه الفروع يمضي في الطريق التعليمي إلى آخر الشوط ثم يتخرج من الجامعة وهو لا يستطيع أن يكتب مقالا أو خطابا بسيطا بلغة عربية صحيحة. فمعارفهم اللغوية وكيفية استعمالهم للفصحى نطقا وكتابة لا تدل على شهاداتهم الجامعية. وعلى الرغم من الأعداد الضخمة - المتخصصة في تعليمية اللغة العربية - التي تتخرج سنويا في الجامعات ومعاهد التكوين إلا أن الواقع يثبت أن مستوى تعليمها في انحدار مستمر. ومن الأسباب التي ساعدت على ذلك ما يلي: 1 - ثمة تسيب كبير في استعمال اللغة العربية في المدارس والمعاهد والجامعات. فالفصحى لا يمارسها المعلمون ولا المتعلمون في قاعة الدرس وفي الاجتماعات الرسمية العلمية والتربوية. ومعلوم أنه لا يمكن ترقية استعمال اللغة من غير ممارسة مستمرة وتعزيز، فاللهجة هي السائدة. 2 - ثمة تسيب كبير في استقبال حشود من الطلبة الجدد أدى إلى تسيب أكبر في التكوين. ذلك أن كل المعاهد والأقسام يتم التسجيل فيها بشروط ما عدا قسم اللغة العربية وآدابها، فهو المعهد الوحيد الذي يلجأ إليه الحاملون لشهادة البكالوريا بمعدلات ضعيفة، إذ يتوجه هؤلاء الطلاب - مكرهين - إلى قسم اللغة العربية وآدابها، لضمان مقعد بيداغوجي، لاسيما عندما تعوزهم الشروط في الأقسام الأخرى( ). سوء إعداد معلم اللغة العربية علميا ولغويا وبيداغوجيا، أدى إلى عقم في التدريس( ). فالطريقة المعتمدة لدى كثير من أساتذة اللغة العربية لا تخرج - في الغالب - على الإلقاء والإملاء والتحفيظ والاسترجاع، وهذا ما أدى إلى تعطيل ملكة التحليل والإبداع عند الطالب. كذلك نوعية المادة المقدمة في حد ذاتها ليس فيها تجديد وتشويق. فهي مادة ضيقة، اختيارها قائم على الذوق ولا يستند إلى معايير الانتقاء الموضوعي. والنتيجة التي نخرج بها من خلال فحص الواقع الذي هو عليه العربية في الجامعة، هي أن محاولات الإصلاح والتجديد التي مست اللغة العربية لم تفعل شيئا يعيد لها حيويتها ويشيع فيها قوة تحبب إلى الطلبة درسها ومدارستها. فلغتنا غير مخدومة تربويا، وطرائق تدريسها متخلفة جدا وغير علمية، وعقدة الأزمة في ترقية استعمالها ليست في اللغة ذاتها وإنما في كوننا نتعاطاها بطرق جافة ميتة، بدلا من أن نعلمها لسان أمة ولغة حياة( ). 5 - التعليمية وتطوير تدريس اللغة العربية( ) : إن العمل على ترقية استعمال اللغة العربية في الجامعة، وفي غيرها من القطاعات الحيوية الأخرى مشروع وطني وقومي لا يمكن أن يكون جزئيا ولا فرديا ولا آنيا. فهو عمل يقتضي الشمول والتكامل في التصور والتخطيط والتنفيذ. ومما لاشك فيه أن أهم وأخطر مرحلة تحتاج إلى العناية والاهتمام هي مرحلة التعليم العام (ما قبل الجامعي) باعتبارها القاعدة والأساس الذي يُبنى عليها التعليم العالي. وعليه فإن تطوير استعمال اللغة العربية بكيفية يعيد لها حيويتها ويشيع فيها جاذبية تحبب للتلاميذ درسها ومدارستها رهين بتحديث مناهجها وتطوير طرائقها وحل مشكلاتها التربوية بشكل عام في ظل الحقائق اللسانية والتربوية والنفسية والاجتماعية المتجددة في حقل اللسانيات التطبيقية وتعليمية اللغات. فلا يمكن تصور تعليم لغوي فعال ومشوق للعربية الحية خارج إطار التعليمية didactique des langues. وإذا كانت التعليمية فيما مضى تتوقف عند أبواب الفصول (الأقسام) ولا تدخلها لتشاهد عن كثب ما يجري تدريسه فيها. وكيف يجري؟ فإنها اليوم لا تكتفي بالتنظير عن بعد في المخابر( ) بل إنها تقتحم الأقسام لتصف وتحلل وتفسر الفعل البيداغوجي كما هو (في الفصل). فالتعليمية - إذن - ليست مجرد تقنية أو منهجية ولا هي علم نظري يتطور داخل الجامعات ومؤسسات البحث العلمي فقط، بل هي - أيضا - علم تطبيقي يأخذ بعين الاعتبار الممارسين للفعل البيداغوجي. فالتعليمية علم متفتح على العلوم الأخرى، لا تنتج النظريات وإنما توظفها لحل مشكلات لغوية تربوية، ويتم ذلك على مستويين: - المستوى الأول: وهو الذي يسبق التفكير البيداغوجي، وتشكل فيه محتويات التعليم ومضامينه. - المستوى الثاني: يعقب الفعل البيداغوجي وفيه يتم التعمق في تحليل وضعيات تعليمية حقيقية وتفسير ما حدث فيها بدقة. ومن مظاهر العلمية في هذا التخصص الجديد الذي يبحث في آليات اكتساب اللغة وتبليغها بطرق علمية، بالاعتماد على التحريات الميدانية والبحوث المخبرية وما أثبته العلماء من حقائق في العلوم اللسانية والنفسية والاجتماعية...الخ، أنه ينطلق من رؤية يملكها عن : - الفرد باعتباره بنية صغرى. - المدرسة باعتبارها بنية وسطى. - المجتمع باعتباره بنية كبرى. ثم العلاقة التي تجمع بين هذه العناصر... وإذا كان المعلم يحتل في واقع التعليمية مكان البنّاء المنفذ والمطبق للتصاميم، فإن الديداكتيكي يحتل مكان المهندس، الذي لا يضع البرامج والمقررات، ولا يحدد الوسائل والإجراءات، ولا يضبط الأهداف والغايات إلا بعد تشريح شامل ودقيق لمكونات الفعل التعليمي (المتعلم، الأهداف، المحتوى، الطريقة، التقويم) وعلاقتها بالمؤسسات المختلفة (مؤسسة التكوين، مؤسسة الاستعمال ثم المجتمع) والرسم البياني التالي يوضح ذلك: المجتمع مؤسسة الاستعمال مؤسسة التكوين 5 - 1 : التعليمية والأهداف : ترفض التعليمية الحديثة أن تكون عمليتا التعليم والتكوين ظاهرة عفوية موكولة للصدفة ولتجارب الحياة المتنوعة. فتحديد الأهداف وضبطها بدقة اهتمام جديد نسبيا تسعى التعليمية من خلاله إلى إكساب الممارسين للفعل البيداغوجي قدرة أكبر على التحكم في أعمالهم. ولذا يرى المختصون في التعليمية وجوب تنظيم النشاط في مجال التربية والتعليم وإعادة التكوين المستمر وفق حاجات اجتماعية واقتصادية وفلسفية تفرض نفسها. وهذا ما يقتضي تعليما وتكوينا منظمين وخاضعين إلى تخطيطات مسبقة ولأهداف محددة سلفا وبوضوح( ). 5 - 2 : التعليمية والمتعلم : إذا كانت وظيفة المتعلم في التعليم التقليدي تقتصر على القيام بعمليتين هما: اكتساب المعرفة واستهلاك المقررات الجاهزة، ثم رد هذه المعرفة متى تطلب منه، فإن الأمر ليس كذلك في التعليمية الحديثة؛ إذ تتغير وظيفة المتعلم من مستهلك إلى منتج ومساهم فعال ونشط على اعتبار أنه بؤرة الاهتمام وجوهر العملية التعليمية (centre d’intérêt) منه تنطلق وإليه تعود، بحيث لا يمكن -في التعليمية الحديثة- تحديد الاهداف وضبط المحتوى التعليمي واختيار الطريقة وانتقاء الوسيلة المساعدة إلا بعد تحديد جمهور المتعلمين واحتياجاتهم اللغوية، وعليه قبل تدريس اللغة إلى زيد أو عمر ينبغي أن نعرف من هو زيد؟ ومن هو عمر؟ وماذا يريد كل منهما أن يتعلم من اللغة؟ ولماذا؟ 5 - 3 : التعليمية ومحتوى التدريس : جرت العادة عند أصحاب الطرق التقليدية أن يكون اختيارهم للمادة اللغوية على النحو التالي: أ - من حيث الكم: كان يقدم للمتعلم حشد هائل من اللغة مطردها وشاذها (الشائع والمهجور) دون انتقاء أو تخطيط أو تدرج محكم. ب- أما من حيث الكيف: فقد قدمت للمتعلم مادة لغوية لا يحتاجها في الغالب، فهي مادة قلَّ استعمالها، ولا تستجيب لمتطلبات الحياة اليومية، وباختصار فقد حاولوا إخراج المكتوب (وهو المستوى الانقباضي) إلى المنطوق. وهذا غير ممكن لأن المستوى الثاني يجب أن يتميز بالاسترسال والعفوية والخفة( )... لكن في التعليمية الحديثة لا يتم تحديد المضامين والمحتويات اللغوية إلا بناء على معايير خارجية وأخرى داخلية تخص اللغة( ). فأما المعايير الخارجية فترتبط بالمحيط الذي يتعلم فيه التلميذ، وبالأغراض التي يهدف إليها عامة من تعليمه، وتتمثل هذه المعايير في النظر في الأهداف ومستوى المقرر والوقت المخصص للتدريس ونوعية التدريس (مكثف intensif أو ممتد extensif). أما المعايير الداخلية التي تتصل باللغة ذاتها لا بخصائص المتعلمين فتتمثل في : 1 - تحديد النمط أو المستوى اللغوي (لغة وظيفية، لغة علمية، لغة أدبية، لغة اختصاص...). 2 - تحديد الرصيد اللغوي الوظيفي (قوائم المفردات الشائعة). 3 - تحديد قوائم التراكيب الأساسية( ). وذلك بناء على معايير لغوية تتمثل في المعيار الدلالي والاستعمالي واللفظي( ). وأخرى نفسية تتمثل في قابلية التعلم( ) (learnability) وقابلية التعليم (teachability). ثم توزع - بعد ذلك هذه المحتويات - توزيعا منتظما على المستويات المختلفة، حسب المدة المخصصة لها وعدد الدروس بحيث تتدرج بانسجام من درس لآخر. 5 - 4 : التعليمية والطريقة : يؤكد الخبراء في التعليمية على أن الانتقاء الموضوعي والجيد لمحتوى التدريس ومضامينه كما وكيفا لا يصنع بل لا يضمن تعليما جيدا لتلك المادة( ). فالانتقاء العلمي خطوة مهمة لابد منها، ولكنها تبقى بلا معنى إذا لم تدعم بالطريقة الناجعة. وإن أفضل طريقة تقترحها الديداكتيك على المعلم هي تلك التي يستخلصها هو بصياغته الشخصية واختياره ومراجعته لها. ومن المؤكد أنه لا يستطيع أن يعلم تعليما فعالا، وأن يختار اختيارا ناجعا دون فهم الأوضاع النظرية المتنوعة. فذلك هو الأساس الذي يمكنه من أن يتنخل من التنوعات النظرية الكثيرة بدل أن يستسلم لإغراء أي اختيار عشوائي متعجِّل، فيصبح دمية دون تحكم ذاتي( ). إن القدرة على التنخل، والتحكم في الاختيار تتطلب نموذجا جديدا من المعلمين، أطلق عليهم بعضهم اسم المعلم الباحث( ) (l’enseignent chercheur) الذي يظل في ذاهب وإياب بين التنظير والتطبيق، يدرس، ويقوم، ويعدل، ويضيف ويحذف ويكتشف ويجدد باستمرار... والسؤال الذي تبحث فيه التعليمية -فيما يخص المعلم- هو: ما هي الشروط الموضوعية التي تساعد على ظهور هذا النوع من المعلمين. 5 - 5 : التعليمية والتقويم: في ظل التعليم التقليدي كان التقويم ختاما ومرادفا للامتحانات (وكأنه عقوبة) يأتي في نهاية المرحلة التعليمية فيبني عليه توزيع المتعلمين إلى شعب، أو ترحيلهم من صف إلى صف آخر. لكن التقويم في التعليمية الحديثة تغير مفهومه ومعاييره وأدواته، فالتقويم لا يأتي في نهاية المرحلة التعليمية فحسب، بل هو عملية تسبق الفعل البيداغوجي وتستمر معه وتتابعه (أي قبل التكوين وأثناءه وبعده). وهذا النوع من التقويم يسمى عند المختصين بالتقويم التكويني (Evaluation formative) وهو أرقى أنواع التقويم. ينجز بعد كل وحدة أو محور أو مقطع صغير من التعليم قصد التأكد من سيرورة عملية التعليم والتعلم. وهو لا يخص المتعلم فقط، بل هو وسيلة للتشخيص والعلاج المستمر يهتم بالمتعلم والأهداف والمحتويات والطرائق والوسائل والتقويم( ). والنتيجة التي نخلص إليها من خلال حديثنا على ما جد على صعيد البحث اللساني التطبيقي في ميدان التعليمية، أن أزمة ترقية اللغة العربية في المؤسسات التعليمية، وتعميم استعمالها لتصبح لغة التواصل والعلم لا يمكن حلها بنجاعة إلا في ظل الحقائق الحديثة التي أثبتها العلماء والمربون في ميدان علم تدريس اللغات. 6 - الحلول المقترحة : إن البحث في ترقية استعمال اللغة العربية وتطوير تدريسها لتصبح - مرحليا - لغة التواصل والعلم، كالبحث في أي قطاع من قطاعات المعرفة لا يمكن أن يرقى إلى المستوى المطلوب إلا إذا تحول من مستوى الجهد الفردي إلى مستوى الجهد الجماعي المنظم. ولذا فإن جميع الحلول التي يمكن أن تُقترح لتغيير الوضع القديم المتجدد - الذي هو عليه اللغة العربية - لن يكون لها أي تأثير ما لم تعتمد على تخطيط لغوي شامل، يتأسس على البحوث الجماعية المنظمة الواسعة، ويرتكز على عدة ضخمة من الوسائل المادية والبشرية. ومن المؤكد أن كثيرا من الأسئلة التي تطرح « في المشكلة اللغوية » لا يستطيع المتخصص في اللغة، ولا المربي وحده الإجابة عليها، لأن البحث فيها رهين القرار السياسي الحاسم مدعوما ببحوث العلماء، وتجارب الشعوب والأمم التي مرت بالمشكلة اللغوية نفسها، أو مرت بما يشبهها. ثم إن ترقية استعمال اللغة العربية وتطويرها في كافة المجالات الحيوية، وعلى رأسها المؤسسات التعليمية، مشروع وطني ذو أبعاد قومية، يحتاج إلى سياسة تعليمية راشدة، تنطلق من استراتيجية شاملة تصورا وتخطيطا وتنفيذا، تضع التصورات، وترسم الغايات، وتقترح الوسائل، وتقوم بالتنفيذ، وتستمر في التقويم، مراعية في ذلك الحاجات الاجتماعية، وأوضاعنا الوطنية والقومية، وظروفنا التاريخية والتحولات المعرفية والعلمية. إن أول خطوة في هذا الإصلاح الشامل هي ترقية تدريس اللغة العربية واللغات الأجنبية -ذات البعد الاستراتيجي المستقبلي - في مراحل التعليم العام ( الابتدائي، والإعدادي، والثانوي) لأنها تعد - فعلا - من أخطر المراحل التي يتأسس عليها التعليم الجامعي، ولذا فإن تطوير تدريس اللغة العربية خاصة واللغات الأجنبية عامة يتطلب مجموعة من الإجراءات العملية القريبة المدى والبعيدة، أهمها: 1 - فتح تخصصات جديدة وتعميمها في الجامعات الجزائرية، وتتمثل هذه التخصصات في: - اللسانيات التطبيقية linguistique appliquée.. - علم تدريس اللغات didactique des langues.. - الترجمة الآلية la traduction automatique.. ولا يشرف - مستقبلا - على تدريس اللغة العربية واللغات الأجنبية في جميع مراحل التعليم العام إلا متخصصون يحملون شهادة جامعية (ليسانس) في تعليمية اللغة العربية didactique de la langue arabe، أو في تعليمية اللغات الأجنبية D.L.E، هذا فيما يخص المناصب الشاغرة والمستحدثة. أما بالنسبة للمناصب المشغولة فينبغي أن نسارع إلى وضع سياسة تكوينية فعَّالة، تعتمد على إعادة تأهيل الأساتذة والمعلمين ورسكلتهم ديداكتيكيا عن طريق الندوات والملتقيات والتربصات المفتوحة والمغلقة الجادة، وكذلك الدوريات والمجلات...الخ، لأن التكوين في أثناء الخدمة أصبح مطلبا ضروريا في كل العالم. ولذلك ينبغي أن يأخذ مكانه في السياسة التربوية الجديدة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يُشترط في التخصصات الجديدة المذكورة - آنفا - أن تتنخل من المترشحين الحاملين لشهادة البكالوريا اللذين تتوفر فيهم شروط معينة تحدد حسب الاحتياجات وعدد المترشحين. 2 - سن سياسة لغوية محكمة قائمة على سبر عميق للواقع الجزائري وتصور دقيق للمستقبل واعتماد مناهج تعليمية - للغة العربية واللغات الأجنبية - قائمة على أساس البحث والتجريب لتحديث البرامج والمقررات اللغوية وتطوير الطرائق باستمرار وفق ما يقتضيه العصر وحاجات الناس. يتم ذلك بالاعتماد على الحقائق العلمية المكتشفة في حقل اللسانيات التربوية. 3 - رفع نسبة معاميل (coefficient) اللغة العربية واللغات الأجنبية في المسابقات والامتحانات وعلى رأسها امتحان البكالوريا. وبهذا الإجراء، أتصور أن النخبة المتحصلة على شهادة البكالوريا نخبة يُفترض فيها التحكم الجيد في اللغات الثلاث قراءة ونطقا وكتابة، وبالتالي تصبح مشكلة اللغة التي ينبغي التدريس بها في الجامعة غير مطروحة أصلا. هذا مع التأكيد أن اللغات الأجنبية نافذة على العالم، ووسيلة للاتصال والتفاهم مع الشعوب، وأداة لتطوير المعارف وتحويل التكنولوجيا الحديثة. فغرضها - إذن - ليس الانتماء الحضاري والولاء لأصحابها، ولذا ينبغي تدريسها كوسيلة للوصول إلى غاية علمية أو تربوية أو ثقافية، ومراعاة التكامل بينها وبين اللغة العربية. هذه جملة من الاقتراحات التي نراها مهمة في ترقية تدريس اللغة العربية في مرحلة ما قبل الجامعة. أما بالنسبة للتعليم العالي فينبغي أولا وقبل كل شيء، توفير فضاء حي، ومحيط علمي وتقني يساعد الطالب على تلقي العلوم بالعربية في جو لا يشعر فيه بالاختناق. وليس من الواقعية تدريس التخصصات التقنية والهندسية حاليا باللغة العربية لأسباب معروفة والمتمثلة في نقص التأطير وانعدام المراجع... ومن أهم الشروط المساعدة على ترقية اللغة العربية في الجامعة، ، شروط عامة وأخرى خاصة، فأما بالنسبة للشروط العامة فينبغي: من جهة تأهيل أساتذة التخصصات العلمية والتقنية تدريجيا ديداكتيكيا ولغويا (تعريب الأساتذة)، ومن جهة أخرى توثيق التعاون بين المتخصصين في العلوم والمتخصصين في اللغة العربية، وتكسير الحواجز اللغوية والفكرية الموجودة بينهما. أما بالنسبة للشروط الخاصة وهي الأهم فينبغي: أولا - إنشاء جامعة نموذجية (université pilote) لتدريس كل العلوم باللغة العربية، توفر لها الوزارة المعنية جميع الإمكانات المادية والبشرية، وتستعين على ذلك بأساتذة ومختصين من دول عربية لهم كفاءة عالية وخبرة طويلة في هذا المجال. ثم تكون هذه الجامعة النموذجية النواة المستقبلية التي تنقل خبرتها وتصدرها تدريجيا إلى الجامعات الوطنية الأخرى. ثانيا - إنشاء مراكز وطنية للترجمة قادرة على تعريب العلوم والثقافات التي أنتجتها اللغات الأجنبية. وينبغي أن تعمل هذه المراكز بالتنسيق مع الجامعة النموذجية والمركز العربي للتعريب والمجامع اللغوية، بحيث تنشأ حركة نشيطة للترجمة تكون في مستوى التفجر المعرفي للعصر. وفي اعتقادي أن هذه الاقتراحات ليس لها معنى إذا لم تدعم بتشريع سياسي يضمن لها التنفيذ. وأتصور أن أفضل قرار يكون في مستوى "المشكلة اللغوية" هو إحداث وزارة خاصة يمكن تسميتها بـ: "وزارة ترقية اللغة العربية وتعميم استعمالها" تسند إليها مهمة الإشراف على الجامعة النموذجية والمجمع اللغوي الجزائري والمراكز الوطنية للترجمة والتعريب... وتضم المديريات الأساسية التالية: - مديرية تعريب الإدارة. - مديرية تعريب وسائل الإعلام الجماهيرية. - مديرية ترقية اللغة العربية بالجامعات. والله الموفق الأستاذ محمد صاري قسم اللغة العربية وآدابها. - د/ عبد الرحمن الحاج صالح، اللغة العربية وتحديات العصر: في البحث اللغوي وترقية اللغات، نصوص أعمال ندوة "مكانة اللغة العربية بين اللغات العالمية"، منشورات المجلس الأعلى للغة العربية، الجزائر 2001، ص: 25. - هذه الأسئلة وغيرها كانت مثار جدل في كثير من الندوات والمؤتمرات الإقليمية والقومية التي تناولت تطوير التعليم العالي وقضايا اللغة العربية، انظر: د/ مازن المبارك، اللغة العربية في التعليم العالي والبحث العلمي، دار النفائس، مؤسسة الرسالة، ط(3)، بيروت 1985، ص: 05. - د/عبد السلام المسدي، اللسانيات من خلال النصوص، الدار التونسية للنشر، ط(2)، تونس 1986، ص:39-42. - المرجع السابق، ص: 39-42. * «والدليل على ذلك أن اللغة الصينية واللغة اليابانية التي يقال عنهما أنهما من أصعب اللغات هما لغتا العلم والتواصل في الصين واليابان. فالصينية هي لغة التعليم في الصين على اتساع رقعتها وكثرة سكانها وصعوبة الحروف والمقاطع الاساسية التي تكتب بها وتعددها. وكذلك التعليم في اليابان يتم باللغة اليابانية في جميع مراحله وميادينه. وعلى التلميذ أن يتقن ما يزيد على ألف شكل ليتاح له معرفة الوحدات الأساسية اللازمة لقراءة الجرائد اليومية». انظر، عبد العزيز البسّام، العربية الفصيحة لغة التعليم في الوطن العربي، في اللغة العربية والوعي القومي، بحوث وماقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1984، ص: 42. - من أهم المجالات التي بدأت العربية تفقدها تدريجيا، التصريحات الرسمية لأصحاب القرار والاجتماعات والمراسالات الإدارية... - من بين هذه البديهيات، قدرة اللغة على استيعاب علوم عصرها، وعدم قدرة المتعلم على تمثل العلوم تمثلا كاملا إلا باللغة التي بها يفكر ويتواصل. - د/ مازن المبارك، اللغة العربية في التعليم العالي والبحث العلمي، ص: 25-26. - د/ عبد الرحمن الحاج صالح، الأسس العلمية لتطوير تدريس اللغة العربية، ندوة تدريس اللغة العربية في الجامعات الجزائرية، جامعة الجزائر 1984، - يعرف جون كلود غانيون J.C.GAGNON في كتابه « la didactique d’une discipline »(ديداكتيك مادة) التعليمية كالآتي: «اشكالية إجمالية ودينامية تتضمن: أ)- تأملا وتفكيرا في طبيعة المادة المدرَّسة، وكذا في طبيعة وغايات تدريسها. ب)- إعدادا لفرضياتها الخصوصية، انطلاقا من المعطيات المتجددة والمتنوعة باستمرار لعلم النفس والبيداغوجيا وعلم الاجتماع...الخ. جـ)- دراسة نظرية وتطبيقية للفعل البيداغوجي المتعلق بتدريسها». انظر، من البيداغوجيا إلى الديداكتيك، دراسة وترجمة، رشيد بناني، الحوار الأكاديمي والجامعي، ط1، الدار البيضاء المغرب 1991، ص: 39. - المرجع نفسه، ص: 39-44. - المرجع نفسه، ص: 72-80. - انظر، قراءة في التقويم التربوي، تأليف نخبة من الأساتذة، كتاب الرواسي، ط(1)، باتنة الجزائر 1993،ص: 38-42 وص 75. - انظر، الجزء الخاص بالمحاولات العملية ونتائجها في كتاب: تطوير مناهج تعليم القواعد النحوية وأساليب التعبير في مراحل التعليم العام في الوطن العربي، د/محمود أحمد السيد، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس 1987، ص: 50-65. - من أهم المشكلات التي تعيق ترقية استعمال اللغة العربية مزاحمة اللغات الأجنبية ومنافسه اللهجات المحلية لها، إذ تنتشر هذه اللهجات بسرعة في المجتمعات العربية بفعل الحافز التداولي ووسائل الإعلام المختلفة، وبتزكية من بعض المؤسسات العالمية التي تسعى لجعل اللهجات المحلية أو اللغات الأجنبية بدائل حية للعربية الكلاسيكية كما يزعمون. انظر، د/أحمد حساني، المرتكزات اللسانية لتعليمية اللغة العربية في وسط تعدد الثقافات واللغات، نصوص اعمال ندوة مكانة اللغة العربية بين اللغات العالمية، منشورات المجلس الأعلى للغة العربية، الجزائر 2001، ص: 70. - د/ عبد الرحمن الحاج صالح، الأسس العلمية لتطوير تدريس اللغة العربية. - عبد العزيز البسام، العربية الفصيحة لغة التعليم في الوطن العربي. اللغة العربية والوعي القومي، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، ص: 59. - ولذلك نسمع بعض الطلبة يبحثون أحيانا عن بعض الأساتذة الذين يدرسونهم مادة معينة، فيعترفون بالمعلومات الغزيرة والعميقة التي يحملها هؤلاء الأساتذة ولكن إلى جانب ذلك لا يقرون طريقتهم في التدريس والتوصيل. - د/تركي رابح، دور التربية في التنمية الوطنية، تجربة الجزائر في تكوين المكونين للمنظومة التربوية، مجلة الفيصل، العدد(118)، ديسمبر 1986، ص: 57. - نوام شومسكي، اللغة ومشكلات المعرفة، ترجمة د/حمزة ابن قيلان المزيني، دار توبقال للنشر، ط(1)، الدار البيضاء المغرب، ص: 155. - من سمات المثقف في العصر الحديث اتقان لغة أو لغات أجنبية إلى جانب اللغة الأم. - للإشارة، فإن النقد الذي وجه لواقع اللغة العربية في التخصصات العلمية والتقنية جله ينطبق على أقسام اللغات الأجنبية خاصة ما تعلق منها بانعدام البرامج المشوقة والمثيرة، وقلة الحصص التعليمية وجهل كثير من أساتذة اللغة العربية باللغات الأجنبية...الخ - د/ عبد الرحمن الحاج صالح، أثر اللسانيات في النهوض بمستوى مدرسي اللغة العربية، مجلة اللسانيات، العدد (4)، الجزائر 1973/1974، ص: 41-42. - نذكر على سبيل المثال أن قسم اللغة العربية وآدابها استقبل في سنة 2001 عشرين فوجا تحتوي ملا يقل عن 800 طالبا. - للإشارة فإن 50 % من الأساتذة الذين يشرفون على التدريس في معهد اللغة العربية وآدابها بجامعة عنابة، لا يتجاوز مستواهم العلمي السنة الأولى ماجستير. - د/ محمود أحمد السيد، تطوير مناهج تعليم القواعد النحوية وأساليب التعبير في مراحل التعليم العام في الوطن العربي، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس 1987، ص: 27. - اعتمدت اعتمادا كبيرا في الجانب النظري لهذا العنصر على كتاب "من البيداغوجيا إلى الديداكتيك" دراسة وترجمة رشيد بناني، الحوار الأكاديمي والجامعي، ط(1)، الدار البيضاء، المغرب، 1991 وخصوصا المقالات التالية المترجمة في الكتاب وهي: "الديداكتيك هل هو تخصص علمي جديد" و " ديداكتيك المادة" و"ما هو الديداكتيك". - لا يمكن أن نأمل تطويرا وتحسينا للفعل البيداغوجي إذا كان المنظر في مخبره أعمى لا يرى ما يجري في واقع الأقسام. لمزيد من المعلومات انظر، H.BESSE & R.GALISSON, polémique en didactique, CLE international, Paris 1980, P:9-27. - من البيداغوجيا إلى الديداكتيك، دراسة وترجمة، ذ/ رشيد بناني، ص: 5-6. - انظر، د/ عبد الرحمن الحاج صالح، أثر اللسانيات في النهوض بمستوى مدرسي اللغة العربية، مجلة اللسانيات، العدد(4)، ص: 46. - انظر هذه المعايير في كتاب "علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية، د/ عبده الراجحي، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، مصر 1996، ص: 61-77. - يهدف هذا المشروع إلى ضبط مجموعة من المفردات والتراكيب العربية الفصيحة أو الجارية على قياس كلام العرب التي يحتاج إليها التلميذ في مرحلة التعليم الابتدائي والثانوي حتى يتسنى له التعبير عن الأغراض والمعاني العادية التي تجري في التخاطب اليويمي من ناحية، ومن ناحية أخرى التعبير عن المفاهيم الحضارية والعلمية الأساسية التي يجب أن يتعلمها في هذه المرحلة من التعليم. وهو من أهم المشاريع التي يسعى د/ عبد الرحمن الحاج صالح لتحقيقها في مركز البحوث لترقية اللغة العربية الذي يشرف عليه. انظر، وثيقة "مشروع الرصيد اللغوي" دليل تعريفي، نشرته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1981، ص: 8. - د/ عبد الرحمن الحاج صالح، أثر اللسانيات في النهوض بمستوى مدرسي اللغة العربية، ص: 46-53. - انظر تعريف هذه المصطلحات في كتاب "علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية" د/ عبده الراجحي، ص: 69-70. - H.BESSE & R.GALISSON, polémique en didactique, p: 129. - هـ/دوقلاس براون، أسس تعلم اللغة وتعليمها. ترجمة: د/ عبده الراجحي، د/ علي علي أحمد شعبان، دار النهضة العربية، بيروت 1994، ص: 34. - H.BESSE & R.GALISSON, polémique en didactique, p: 131-133. - أي تقويم التقويم (évaluation de l’évaluation).
سلامة اللغة العربية وأثرها في المناهج المدرسية
سلامة اللغة العربية وأثرها في المناهج المدرسية
أ.د. زهير غازي زاهد
جامعة بغداد
حديثي هنا في الوسائل التي تحقّق الأمن للعربية، فهو حاجتها كحاجتها إلى الأمن الاقتصادي والأمن السياسي والأمن الغذائي، وتحتاجه ليعيد إليها نشاطها وحيويتها كما كانت في عصور من تاريخها، وقد توافرت الوسائل التي لو أُحسن استعمالها بوعي وحرص على مستقبل هذه الأمة لأمكننا أن نحصل على النتائج المنشودة، ولخفّفنا من ثقل هذا اليأس الذي أخذ يمتدّ إلى آفاقنا، ونجلبه أحياناً بقصر النظر في تقدير الأحداث ونتائجها، وأحياناً بجاذبية الأطماع والمكاسب الفردية المؤقَّتة والسلطوية مهما طال أمدها، فيكون أثرها الجماعي الضّار أوسع وأقسى من فائدتها. أ- السياسة اللغوية الموحدة: لقد أخفق العرب في مرحلتنا المعاصرة، ونحن في بداية القرن الواحد والعشرين، في أن يحقِّقوا الوحدة في المجال السياسي والاقتصادي أو حتى الموقف من القضايا المصيرية، فينبغي لهم -في الأقل- أن يجدّوا في الحفاظ على وحدة لسانهم بلغتهم الفصيحة، وقد صارت اللغة أهم مقوّم من مقوّمات الدولة الحديثة، فهذه البلبلة اللسانية في الوطن العربي والفوضى في استخدام اللغة - في أخطر أماكنها التعليم والتعلّم، ثم وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية- تحتّمان الوقفةَ الجادّة من علماء اللغة والمثقفين والمؤسسات على اختلافها أن تكون واعية للخطر المرعب الذي يجتاح وطننا وألسنتنا. فمن القرن الماضي والمخطّطات تتوالى لاحتلال أوطاننا ثم احتلال رؤوسنا وقلوبنا، وجعلنا أسواقاً استهلاكية اقتصادياً وثقافياً وعلمياً، نتلقّى ولا نُبادر، نستهلك ولا نُنتج. ينبغي للتّخطيط اللغوي أن يكون على نطاق الجامعة العربية ومؤسساتها بمساعدة المؤسسات اللغوية والجامعات، والتّخطيط اللغوي ينبغي أن يكون شاملاً لا جزئياً، يكون في مجال التعليم على اختلاف مراحله، ثم على نطاق الإعلام ووسائله، ثم على نطاق الإدارة وأجهزتها، ثم على نطاق الجامعات والتعليم العالي، ثم على نطاق اتّحادات الأدباء والمعلمين والنقابات المختلفة... هذا التخطيط يشرف عليه علماء قديرون يعملون بروح الإيثار، لا التحيز إلى أي شكل من أشكال الفرقة التي تنخر الأمم وتفرِّقها؛ لأن الخطر لا يفرِّق بين قطر وقطر ولا بين طائفة وطائفة، إنما الجميع تحت حدِّ السيف سواء، وقوة الأمة ورفعتها فخر للجميع. ولا يفوتني أن أذكر صدور قوانين أو قرارات في أقطار عربية دعت إلى العمل على سلامة العربية كقانون الحفاظ على سلامة اللغة العربية رقم (74) الصادر في العراق سنة 1977، وما صدر من قرارات بهذا الخصوص في تونس وليبيا، وقانون التعريب في الجزائر الذي حدّد بومدين رئيس الجزائر سنة 1970 نهاية لتطبيقه، وما زال يواجه المصاعب والعثرات. إن كل هذه القوانين واللوائح طيبة ومسؤولة لكنها تبقى جزئية من جهة ومقصورة على ذلك القطر من جهة أخرى، ثم هي محدودة التنفيذ لحاجتها إلى الوسائل المناسبة لتطبيقها تطبيقاً شاملاً، هذا إذا لم تكن الأحداث قد غطّت عليها ونسيتها. يبقى التخطيط اللغوي والسياسة اللغوية الموحّدة في عموم الوطن العربي هما الغاية المنشودة. فالتخطيط اللغوي لا يتحقّق الغرض المنشود منه إذا لم تسِر اللغة وإصلاحها والجهود في ذلك سيراً متوازياً في كل مجالات الحياة العلمية والأدبية واليومية، وعلى جميع مجالات ممارستها في وسائل النشر وقاعات الدرس والبيت والسوق ومكاتب الدوائر الرسمية... الخ. "والتجارب الأوروبية في دعم اللغة الوطنية داخل الدولة من خلال التعليم والإعلام والإدارة ثم في الحياة اليومية تُعدّ نماذج جادَّة في هذا الاتجاه"( ). لقد كانت صور من التعاون بين المجامع اللغوية، وكانت بداية للاهتمام بالتخطيط اللغوي على المستوى العربي والإدارة الثقافية لجامعة الدول العربية في أثناء عمل المعجم العسكري العربي الموحّد، واتخذت شكلاً محدّداً بإنشاء مكتب تنسيق التعريب، لكن هذه البدايات لم تتّسع ولم تتّخذ الخطة اللغوية الشاملة، ثم كان تفكير في وضع خطّة لغوية شاملة في الفترة القصيرة من عمر اتّحادات الجمهوريات العربية 1973، وقد اقترحت مصر وضع مخطط تُلزم به الأقطار العربية وفي مقدمتها دول الاتّحاد لنشر الفصيحة السهلة الميسّرة وتعميم استعمالها. وقد تناول التّخطيط استعمال الفصيحة في المؤسسات التعليمية والثقافية ومؤسسات الاتصال الجماهيري والسينما والمسرح والندوات والمحاضرات... الخ، ولكن التَّخطيط لا يقتصر على النوايا الحسنة، ولا هو أمل أو رغبة أو قرار سياسي أو صياغة مقترحات ووضع مصطلحات فقط. ولا "قيمة للمصطلحات إذا لم تُستخدم في المجالات التي أُعدَّت لها، وفي الوقت نفسه ينبغي أن تكون التّوعية اللغوية مكوّنة للمناخ المناسب لتلقي هذه المصطلحات..."( ). نحن إذ ندعو للتّخطيط اللغوي لنشر العربية سليمة على ألسن الناطقين بها، لا نقصد الوقوف في وجه تعلّم اللغات الحية، فإن إلمام المثقف العربي بلغة حية أو أكثر صار ذا أهمية كبيرة في هذا العصر الذي تتسارع فيه خطى العلم والأدب في مختلف مجالاتهما، إنما نريد المحافظة على وحدة العربية وفصاحتها على ألسن الناطقين بها باعتبارها لغة عقيدة وحضارة واسعة والعمل على تطويرها بالوسائل الحضارية. لقد أصبح التفكير بالسياسة اللغوية الموحّدة والتّخطيط اللغوي واضحاً في مؤتمرات الأطباء والجامعيين والندوات واجتماعات الخبراء التي تُعقد على مستوى الوطن العربي، وصدور التوصيات والمقررات في قضية تعريب التعليم، واستعمال العربية في مجالات الحياة العامة ووسائل الاتصال والجامعات والمعاهد، ولكن لم يكن هناك آليات واهتمام كاف وراء هذه المقررات لتنفيذها أو لتنفيذ الكثير منها؛ لانعدام التخطيط اللغوي الشامل وغياب وسائل التنفيذ. ب- العمل الجادّ لتعريب التعليم والعلوم المختلفة وتدريسها في مراحل التعليم قبل الجامعة ثم المراحل العليا: فقد صلحت العربية في العصور الماضية لاستيعاب التغيير والجديد فيها، ففي العصر الإسلامي استوعبت التغييرات الجديدة في المجتمع والفكر والعقيدة، ثم امتدّت إلى أمم أخرى تقبلتها وتعلمتها راضية، وفي العصر الأموي صلحت لتعريب الدواوين وتنظيم الإدارة وقضايا المجتمع عامة، وقد أفادت من تجارب الأمم الأخرى الرومية والفارسية والهندية، ولم نسمع أحداً دعا إلى الأخذ بلغة إمبراطورية في ذلك العهد، وفي العصر العباسي نجد العربية تتّسع لكل المستجدّات من العلوم والفلسفة والأدب وظهور المصطلحات المعرَّبة أو العربية عن طريق الاشتقاق أو القياس أو التعريب أو النحت أو الاقتراض بعد ترويضها وجعلها منسجمة مع نظام العربية، وظهرت كذلك الأساليب الجديدة في الاستعمال على ألسن الشعراء وأقلام الكتَّاب والخطباء. وفي العصر الحديث "لنا خير شاهد في تدريس علوم الطب والكيمياء والرياضيات الحديثة والفيزياء والجيولوجيا وعلوم الذرة والفضاء والطب النووي والصناعات الكيماوية والهندسة وعمليات القلب المفتوح وغيرها في جامعات القطر السوري والكليات العسكرية، وقد تمّ ذلك كله- ويتم- بلغة عربية خالصة لم تقلل من شأن أي متخصص في هذه العلوم... بالقياس إلى زميله في جامعة عربية أخرى، درس تلك العلوم بالإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية أو أية لغة أخرى صلحت لأن تكون مؤهلة لاستيعاب العصر"( )، كما أنّ لنا مثالاً في اللغات المحدودة نسبة إلى العربية تُدرّس بها العلوم المختلفة في مدارسها وجامعاتها وتستخدمها في كل جوانب حياتها، كما هو في بولندا والمجر والدانمارك ورومانيا والسويد والنرويج وبلغاريا...( )، وقد أثبتت التجارب العلمية أن تعليم العلوم باللغة القومية أكثر فائدة من تعليمها بلغة أخرى. فقد أجرت الجامعة الأمريكية في بيروت أواسط الستينيات تجربة، فكان الآتي: "مجموعتان من الطلاب تلقّت الأولى دروسها في مادة علمية معينة باللغة الإنجليزية، وتلقّت الثانية دروس المادة نفسها باللغة العربية، ثم أدّت المجموعتان الامتحان في تلك المادة المدروسة، فكانت النتيجة أنّ الأولى قد استوعبت نحو 60% من المادة بينما بلغت نسبة استيعاب الثانية من المادة نفسها نحو 76%، ولما أُعيدت التجربة بالقراءة حيث طُلب من المجموعتين قراءة نصوص مكتوبة، ثم اُختبرت المجموعتان لمعرفة استيعاب المادة المقروءة، فكانت النتائج مقاربة لنتائج التجربة الأولى التحريرية"( ). فالعربية غير قاصرة في استيعاب العلوم وحضارة العصر كما ذكرت سابقاً، إنما القاصر عن التقدّم هم أهلها والناطقون بها. ج- المصطلح- وضعه وتوحيده: للمصطلح أهمية كبرى في حياة اللغات، وتوحيده في الاستعمال يزيده أهمية ويضعف من البلبلة اللسانية في الاستعمال ثم الفهم على نطاق الدلالة، ولا يتحقّق هذا إلاّ من خلال التخطيط اللغوي وقرار السياسة اللغوية الموحدة على نطاق الوطن العربي، كما هو معمول به في لغات متقدِّمة كالفرنسية حيث تكون "جمعية التنميط اللغوي الفرنسية (AFNOR) تقوم بوضع المصطلحات وتوحيدها"( ). إن انعدام التخطيط في الوطن العربي انعكس على الاستعمال اللغوي للمصطلحات الحديثة خاصة؛ لذا نلاحظ الفوضى المصطلحية – إن صحّ التعبير – تعمّ العربية في أقطارها العربية، فتكثر التسميات للمسمّى الواحد، ويحدث الاختلاط، وأذكر مثالاً لذلك: علم اللغة وفقه اللغة واللسانيات والألسنية تستعمل في كثير من الأحيان لدلالة واحدة، وكذا الهيكلية والبنيوية والبنائية، وخذ أيضاً: المصطلحات الموضوعة أو المعرّبة في مجال اللغة والأدب والنقد الأدبي والعلوم على اختلافها، فضلاً عن المصطلحات في ألقاب الشهادات العلمية الجامعية والعليا. كل ذلك ناتج عن غياب التخطيط، وكثيراًً ما ارتفعت دعوات من اللغويين في الشام والعراق ومصر والمغرب العربي؛ لأن يعهد أمر المصطلح إلى لجان متخصّصة تنبثق من المجامع والمؤسسات اللغوية بالتعاون مع مكتب التنسيق بعد الاتفاق على مناهج وضع المصطلح أو تعريبه ثم إشاعته، لتكون النتائج مثمرة لغوياً في كمية المصطلحات المنتجة ودلالتها الموحدة، ثم نوعها المناسب للاستعمال( )؛ لتفي بحاجات التدريس والتأليف والبحث. فاستعمال المصطلح المتعدّد والدلالة واحدة يُحدث فوضى فكرية في البحوث المنتجة، وأهم مظهر للتعاون هو توثيق التعاون بين المؤسسات اللغوية في المشرق العربي ومغربه، وعلى سبيل المثال: لقد كان جدل طويل بين مصطلحي: علم اللغة واللسانيات، فالأول شاع في مصر والعراق وسوريا... والثاني شاع في دول المغرب العربي، وعلى الرغم من محاولة الاتّفاق على توحيده لم تسفر الجهود إلى نتيجة، فالاجتهاد ضروري في الأمور العلمية، ولكن ينبغي أن لا يكون الاجتهاد الفردي سبباً لحدوث شرخ في استعمال اللغة، والمهم أن يدخل الاجتهاد ضمن الجهد الجمعي لاختيار المصطلح، فما يفيد اللغة وثبات المصطلح فيها هو الذي ينبغي له أن يشيع، والإيثار مهم في هذا المجال. إنّ قضية المصطلح اللغوي ينبغي لها أن لا تخضع لرؤية فردية أو حزبية أو قطرية، والخلافات في توحيد المصطلح أوصلت المناقشات في الاجتماعات اللغوية أحياناً إلى درجة تفضيل مناقشة البحوث العربية في ندوات بغير العربية تجنّباً للخلاف والجدل في الدعوة إلى تعديل المصطلحات الثابتة، "وشُغِلتْ مجلة اللسانيات بالدفاع عن اسمها والهجوم على مصطلح علم اللغة وعلى المصطلحات المستقرّة في مصر والعراق منذ ثلاثة أجيال، وشُغل بعض اللغويين بالدفاع عن المصطلحات القليلة التي وضعوها، وكان هذا الموقف من العوامل التي جعلت حركة الترجمة إلى اللغة العربية في علوم اللغة تتوقف عدة سنوات"( ). المشكلة القائمة في مجال التعريب التي تشير إلى تقصير المؤسسات اللغوية من جهة وانعدام التخطيط اللغوي من جهة أخرى، تتعلّق في وقت وضع المصطلح وعدم اتّخاذ الوسائل الفعَّالة لإشاعته قبل أن يشيع على ألسن الناس والدارسين، فنجد أسماء الآلات والمستحدثات الأجنبية أو المصطلحات العلمية أو الأدبية والنقدية يُقترح لها مقابلات بعد شيوعها، وما يُقترح من مقابلات تكون أحياناً متعددة غير موحدة أو لا تفي بالغرض، فتحدث البلبلة أو التندر أحياناً ببعضها الآخر. من ذلك الأسماء الآتية: (المرناة) للتلفزيون و(الخيالة) للسينما و(الطارمة) للكشك و(المذياع) للراديو و(الهاتف) للتلفون وغيرها قد وضعت بعد شيوع أسمائها الأجنبية. وممّا يحمد أن جملة مصطلحات وُضعت قد أخذت تستقر على الألسن وتطرد الأجنبي، مثل شيوع السيارة بدلاً من (الأوتومبيل أو الكار). ومشكلة أخرى هي عدم اتفاق المجامع والمؤسسات اللغوية على توحيد المصطلحات الموضوعة لاستعمالها في الأقطار العربية، وهذه المشكلة تجعل استعمال الاسم الأجنبي أقرب إلى الفهم من استعمال المرناة أو التلفاز للتلفزيون والخيالة والسيما للسينما وغيرها. إذن يصبح اتّخاذ القرار السياسي الذي يحدّد الخطة اللغوية على مستوى الوطن العربي من خلال مؤسسات الجامعة العربية وتنفيذه بعد معالجة المصطلح عن طريق اتحاد المجامع العلمية ومكتب تنسيق التعريب كما يجري في الدول المهتمة بلغاتها، ولنضرب مثلاً بفرنسا، فهي شديدة الاهتمام "بدعم مكانة لغتها في إطار المتغيرات العلمية المعاصرة، وعلى الرغم من وجود مئات المؤسسات المتخصصة في جوانب لغة محددة، فإن القرار السياسي في التخطيط اللغوي يصدر عن اللجنة العليا للغة الفرنسية التابعة لمجلس الوزراء، وتتعاون المؤسسات المختلفة في وضع هذه الاتجاهات موضع البحث والتنفيذ والتقويم. وعن اللجنة العليا للغة الفرنسية تكوّنت الجمعية الفرنسية لعلم المصطلح 1975 لكي تنسّق الأعمال التي تقوم بها الجمعية الفرنسية لتوحيد المصطلحات ولجنة دراسات المصطلحات التقنية الفرنسية ومركز دراسة اللغة الفرنسية الحديثة والمعاصرة...، وكل هذه المؤسسات تُعنى بقضايا اللغة -وفي مقدمتها قضية المصطلحات- وترشّد بعملها السلطة العليا في الدولة في اتّخاذ القرارات المناسبة"( ). د- اللغة ومناهج الدراسة: كان لإقرار مجلس الجامعة العربية مشروع ميثاق الوحدة الثقافية 1964، ثم قيام المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ثم تكامل أجهزتها- ومنها: مكتب تنسيق التعريب، والمركز العربي للتقنيات التربوية، ومعهد الخرطوم الدولي للغة العربية لغير الناطقين بها، والمركز العربي لبحوث التعليم العالي ومشروعاتها القومية في التأليف والترجمة وغير ذلك- ثمرة جهود عربية مُضنية قام بها العلماء واللغويون والسياسيون في أكثر من نصف قرن في المجامع العلمية والمعاهد الثقافية والجامعات وغيرها، وقد سبق أن أُقيمت المؤتمرات والندوات والاجتماعات الدّاعية إلى إصلاح التعليم وإصلاح مناهجه، ومحاولات تحديثه وتوفير كل المستلزمات لتطويره وتطوير لغته العربية وإحاطتها بأسباب الرعاية والأمن لكي تستغل طاقاتها؛ فتكون لغة حضارة حديثة في مجالات العلم والأدب وتضييق الهوّة بين الفصيحة ولهجاتها من جهة، وأثر اللغات الأجنبية في لغة التعليم من جهة أخرى. إن استعمال العربية، لغة قومية، في مراحل الدراسة التي تسبق الجامعة وتعريب موادها العلمية ومصطلحاتها، مطلب مهم وملحّ، خصوصاً، في الدول التي تخلّصت من السيطرة الفرنسية ومن فرض لغتها عليها، ففي المؤتمر التاسع لاتحاد المعلمين العرب 1976، كانت التوصية "أن تكون لغة التعليم في المراحل الثلاث الابتدائية والمتوسطة والثانوية للمواد الدراسية الإنسانية والعلمية هي اللغة العربية؛ وذلك حتى يظلّ للمدرسة طابعها القومي الصريح، ولا يمنع ذلك من العناية باللغات الأجنبية"( )، وقد أكدت ندوة عربية لخبراء في إعداد معلمي اللغة العربية 1977م "تنفيذ التوصيات الكثيرة التي تتعلّق بتعريب العلوم والطب في الجامعات العربية ووضع برنامج زمني لذلك"( )، وفي مؤتمر التعريب الرابع 1981 كان الاتجاه أن يكون التعليم باللغة العربية؛ لأنه "استجابة للحقائق التربوية التي أثبتت أنّ تعلّم الإنسان بلغته أقوى مردوداً وأبعد أثراً، وأنه أحفل بالنتائج الخيّرة من الناحيتين الكمية والنوعية"( ). على الرغم من اتخاذ القرارات والتوصيات في الاهتمام بالتعليم قبل الجامعي الذي كان موضع اهتمام المؤسسات اللغوية ثم تعريب التعليم الجامعي والعالي وتدريس العلوم بالعربية الفصيحة وتعريب المصطلح وإشاعته، لم نجد هذه القرارات ولا التوصيات قد أخذت مجال التطبيق إلاّ قليلاً. فتعريب العلوم على مستوى الجامعة طبَّقته سوريا، أما في باقي الأقطار العربية فما زال متعثّراً وجلُّه ينفَّذ بلغات أجنبية، وما زال التنسيق شبه مفقود أو ضعيفاً على نطاق وزارات التربية والجامعات والمجامع اللغوية والأجهزة الإدارية وكلهم يشكو من عدم التنسيق، حتى أصبح التنسيق مشكلة من المشاكل التي تُطرح في كل المؤتمرات. وعلى الرغم من التغيير في كتب المناهج في التعليم قبل الجامعي، لم تزل المناهج تفتقر إلى الدقّة من جهة وإلى الاستعانة بالخبراء المتخصصين وترك المحسوبيات في تأليف لجان المناهج. أما الجامعات، فما زالت أقسام اللغة العربية تشكو من تخلّف مناهج التدريس فيها، وما زالت الكتب القديمة تقرّر ولا يُعرف غيرها إلاّ نادراً شرحاً ودرساً وقراءة، على الرغم من شيوع منهج علم اللغة التطبيقي بكل فروعه وإمكانية الإفادة منه في كل مراحل الدراسة. أما الكتب المؤلَّفة، فما زالت تشكو الفقر المنهجي، ويغلب على مؤلفيها الروح التجارية أكثر من العلمية. هناك قضية مهمة هي دروس العربية التي تُخصّص للأقسام والكليات الأخرى غير قسم العربية، فهي ما زالت متعثّرة وضعيفة، وأهم أسباب ضعفها( ): أنها توكل لمدرسين غير أكفاء في غالب الأحيان، أو أنها تُؤدَّى لتكملة الأنصبة دون أن تنال من الاهتمام اللازم، ثم عدم اكتراث الطلبة في الكليات العلمية والأقسام غير المتخصصة؛ لعدم وجود الحوافز التي تشجّع على الإقبال لدراسة العربية أو لإحساس الطلبة بعدم الرِّضا أو الفائدة من هذه الدروس، إضافة إلى أن المناهج لم توضع بعناية وفق تخطيط واضح المعالم وواضح الأهداف. فالعربية لغير المتخصصين ينبغي أن تكون مفرداتها منهجاً، عامةً سهلةً تتناسب والقسم والكلية التي تُدرَّس فيها، وهنا يدخل منهج التدريس وقدرة المدرِّس في أداء مهمته ثم مفردات المنهج. فالتدريس غير نافع إذا كان التأكيد على تلقين القواعد النظرية، وكذا غير نافع إذا خاطب المدرِّس طلبته باللهجة الدَّارجة، بل ينبغي له أن يكثر الحوار مع الطلبة باستعمال الفصيحة المبسَّطة إضافة إلى المشوِّقات في المادة المعروضة، وقد تحتاج إلى وسائل الإيضاح والعروض المرئية أو الأجهزة والمختبرات اللغوية لزيادة إتقان النطق والأداء. كل ذلك ينبغي أن يتم أيضاً وفق تخطيط لغوي وتنسيق بين المؤسسات اللغوية والجامعية ووزارات التربية ومؤسسات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والإفادة من كل وسائل الإعلام المختلفة في إيصال المعلومة المقروءة والمسموعة أو المرئية بلغة فصيحة ميسَّرة، يكون بها التعليم، وبها يكون الأداء في السينما والمسرح وغيرهما من الوسائل التي تخاطب الجماهير فضلاً عن الأحاديث والندوات والمحاضرات والخطب. هـ- العربية والدارجات: إن أهم هدف من أهداف الإصلاح اللغوي بكل وجوهه هو التقريب بين الفصيحة واللهجات التي تنطق بها المجتمعات العربية، وكل ما رُميت به العربية من عيوب في نحوها وصرفها وكتابتها ومحدوديتها في استيعاب الحضارة والعلوم الحديثة، كل ذلك كان الغرض منه توهين العربية في نفوس أهلها والناطقين بها. فبالسيطرة على لسانهم تتم السيطرة على ثقافتهم وفكرهم ومقدّراتهم، وهذا الهدف لم يكن حديثاً لدى القوى الاستعمارية، بل بات صريحاً في تيار النّسق الثقافي المسمَّى بالعولمة الذي بات يخترق آفاقنا ومناطقنا الثقافية المحرّمة عن طريق إعلامه بألوانه الزاهية وفضائياته ذات التقنيات العالية المتطورة، فضلاً عن هيمنته الاقتصادية والعسكرية. لقد ظهرت تيارات اجتماعية تدعو إلى النهوض بالمجتمع العربي ثقافياً وعلمياً ولغوياً باعتبار أن اللغة أهم عامل في التطور والاستقلال للدولة( )، وقد قرّ عزم جامعة العرب على اتباع سياسة لغوية موحّدة وإقرار خطه شاملة تُسخَّر لها كل الإمكانات في كل المجالات كمجال التعليم في كل مراحله - كما ذكرت-، وتوحيد المصطلح والجدّ في وضع المصطلحات المقابلة للكلمات الأجنبية قبل شيوع الأجنبي، سواء أكان ذلك في تدريس العلوم في الكليات والمعاهد، أم في الموانئ لمختلف البضائع والآلات الأجنبية لتعرف في السوق بكلمات عربية، ويحفظ الطالب درسه بمصطلحات عربية، واستغلال أجهزة الإعلام المختلفة للحديث بالفصيحة، ثم وقوف الحكومات العربية إلى جانب المؤسسات والمجامع اللغوية للدفاع عن العربية والحفاظ على نقائها. وهذه شهادة من أحد اللغويين الفرنسيين، وهو المستشرق كانتينو الذي درس أكثر من عشر لهجات عربية في عمق وأصالة، يقول في قضية الصراع بين العامية والفصيحة: "إن الاختلاف اللغوي شرّ والوحدة اللغوية خير عظيم، وإني في حالة العرب خاصة لأفهم كل الفهم وأرى من الحق أن يشعر العرب، المتباعدة أقطارهم، بحاجتهم إلى لغة واحدة هي رمز وحدتهم الروحية، وأن هذه اللغة الموحدة لا يمكن أن تكون سوى الفصيحة..."( ). إن كل ذلك إذا ما تحقق يكون كفيلاً بإنهاء ما نعانيه من هذا البعد بين الفصيحة والدارجات، وبالتدريج تضيق الشقة بين الكتابة والنطق في المجتمع العربي، فتصبح العربية الفصيحة لغة الكتابة والأدب. والعربية المعاصرة التي هي لغة مشتركة بين العرب لا يبعد نطقها عن الفصيحة تكون لغة البيت والمدرسة والسوق والمعمل والحقل... وتجربة تعريب مصطلحات الجيش في العراق وسوريا ومصر وليبيا وغيرها، جعلت الجندي إلى حدٍّ كبير يحفظ أسماء الرتب والأسلحة وأجزائها، ثم تجربة تعريب العلوم وتدريسها في الجامعات السورية، كما الجهود المبذولة في ليبيا في هذا المجال ينبغي أن تشيع وأن ترتبط بخطة عربية شاملة، وقد مرّ ذكر مواقف الدول المتحضِّرة من لغاتها ودعمها بكل الوسائل. إن السعي إلى توحيد النطق في كل البلاد العربية ليس مستحيلاً إذا تعاونت المؤسسات اللغوية والتربوية والإعلامية بدعم السلطات السياسية؛ بحيث إذا قرأ المصري نصّاً أدبياً يفهمه العراقي والسوري والليبي والجزائري...، وهذا لا يكون إلا بتوحيد الفصيحة وإشاعتها. ونحن لا نقصد بتوحيد النطق انعدام بعض الفروق اللهجية في النبرة أو طريقة الأداء، فهذه الفروق لا تسلم منها لغة من اللغات مهما كانت وبقاؤها في اللسان العربي في هذا القطر أو هذه المدينة ليس غريباً، فاللغة الإنجليزية أو الفرنسية -وهما لغتان عالميتان- لم تسلما من مثل هذه الفروق اللهجية، لكن اللغة المشتركة استعملت في النطق أو الكتابة عامة في تداولها، فالإنجليزية، على سبيل المثال، لم تسلم من فروق في النطق بين سكان لندن وسكان اسكتلندا، وكذا بينهما وبين سكان ويلز، حتى حين يتكلم الواحد منهم باللغة المشتركة العامة( ). إن هذه الظواهر يتكفّلها الزمن وانتشار وسائل الاتصال والتفاهم والتداخل الاجتماعي، بحيث تذوب الفروق شيئاً فشيئاً ويسود التوحّد أو التشابه في النطق. هذا هو الهدف المنشود الذي ينبغي أن نسعى إليه لتحقيق أمن لغتنا، والحوارات والمناقشات التي دارت في أروقة المجامع اللغوية والمؤتمرات المختلفة دارت حول هدف ردم الهوّة بين الفصيحة والدارجات، وآخرها مؤتمر مجمع اللغة العربية في القاهرة في دورته السادسة والخمسين 26 شباط 1990، أعلن أمينة العام الدكتور شوقي ضيف: إن الهدف من البحوث والمناقشات هو "بيان الطرق والوسائل التي تُرفع بها الحواجز بين العامية والفصيحة"( ). إن أهم العوامل التي تُرفع بها الحواجز وتقرّب من لهجات اللسان العربي: فتح الحدود بين أقطاره، وإلغاء الحدود والموانع التي تحول دون الاتصال والتمازج الاجتماعي، وإشاعة التعليم في أوساطه وفق سياسة لغوية موحّدة، ورفع أجهزته الإعلامية، وتوجيه برامجه ومسلسلاته، وتشجيع العاملين فيها، وفسح المجال أمام تيار الأدب الروائي والمسرح والسينما باللغة العربية الفصيحة كما هي تجربة الروائي نجيب محفوظ، والوقوف بحزم في وجه الدعوات التي تدعو لاستقلال عاميات الأقطار العربية( )، ولكن يمكن تشجيع دراستها لنستخلص منها ما يندمج مع العربية المعاصرة( ) عن طريق عقد المؤتمرات والمهرجانات العربية، تكون أشبه بأسواق العرب قبل الإسلام أو تشبه مهرجان المربد الذي انعقد في العراق في السبعينيات...، ومن هذا التمازج والتداخل اللغوي تنشأ ما اُصطلح على تسميته باللغة الثالثة أو الوسطى... وهي عربية عصرية لها مستواها الفصيح ومستواها الدارج كما في جميع اللغات، فيتّصل مستواها الفصيح في أقصاه بالفصيحة القديمة كما يتّصل مستواها الدارج في أقصاه بدارجة الأميين، ومن الطبيعي أن يكون هذان المستويان متكاملين، أي يتوزّعان في الاستعمال توزّعاً تكاملياً لا تنافسياً، فيختصّ الفصيح بالكتابة خاصة ويختصّ الدّارج بالخطاب خاصة..."( ). و- الاتّساع اللغوي واتّباع المرونة تجاه الجديد والشائع مع مراعاة الفصاحة: يشتمل هذا الحديث على جانبين مهمين في العمل اللغوي، أحدهما يكمّل الآخر وفي كل جانب حدث صراعات وخصومة، ولكن اللغة تجاوزت ذلك كله وظلّ ذلك الصراع وتلك الخصومة خبراً في الكتب، أما اللغة فقد أخذت طريقها في التطور، وما اعتُرِضَ عليه ظلَّ مستعملاً أو أُهمِلَ على حسب تحقيقه حاجة الخطاب أو الأدب أو المعجم. الجانبان هما: 1- الاتّساع اللغوي والأخذ بالجديد الذي لا يتعارض مع الفصيح ألفاظاً وأساليب. 2- اتّباع المرونة وعدم التعصّب تجاه اللغات أو اللهجات التي تعيش في ظل اللغة العربية الفصيحة. 1- الاتّساع اللغوي: نأخذ مصطلح الاتّساع الذي تردّد في كتب النحو واللغة بمعنى التوسّع في الأخذ من الجديد ما لا يتعارض مع الفصيح، أو ما تستوعبه العربية ولا يؤثر في أنظمتها اللغوية، وفي ضوء ما وصفه ابن جني بباب في شجاعة العربية( ). ينبغي لنا أن نأخذه بدلالته الشاملة لما تقتضيه العربية المعاصرة من هذا السيل العاتي من المصطلحات والأساليب، هذا السيل الذي يحتاج من الجهود اللغوية واستغلال طاقات العربية الكثير المضني لاستيعابه وترويضه في رحابها، عن طريق التنمية اللغوية ،خصوصاً، في مجال المعجم باستعمال وسائل التنمية المختلفة من الاشتقاق والترجمة والتعريب، وإذا لم نصل إلى ما يفيد من ذلك، فالاقتراض هو الوسيلة وهو أضعف الإيمان. لقد بُذلت جهود لغوية في مجال التعريب منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر وقد مثّل التيار المتحفّظ في اللغة بالأخذ من المعرّب أحمد فارس الشدياق (ت1887م)، أما عبد القادر المغربي (ت1909م)، فقد مثّل تيار الاتّساع بوسائل التنمية اللغوية ،خصوصاً، المعجم ويرى أهمية التعريب في هذا المجال. وقد شغلت قضية الترجمة والتعريب المجامع والمؤسسات اللغوية كثيراً وما زالت، وقد اتّخذت قرارات في ذلك كقرار مجمع اللغة في القاهرة بجواز أن يستعمل بعض الألفاظ الأعجمية عند الضرورة على طريقة العرب في تعريبهم، وقد وضع قيوداً للتعريب في مجال المصطلحات الأدبية والفنية خاصة، وطال الحوار في المجامع اللغوية في قضية التعريب، وفيما يُعرَّب من الألفاظ والمصطلحات، وفي مدى التحوير في الكلمة المعرَّبة لجعلها موافقة لأوزان الكلمة العربية ومجالات استعمالها، وكان للغويين آراؤهم ومذاهبهم، فاللغويون السوريون يفضّلون ترجمة المصطلحات الأجنبية في الغالب. أما مجمع اللغة العربية في القاهرة، فيميل إلى تعريب المصطلحات في كثير من الأحيان، وهكذا تنوّعت الآراء والأقوال في قضية التعريب بين التحفّظ والاتّساع؛ لذلك كثيراً ما كانت تُذكر ترجمة المصطلح أو اللفظ المعرّب مقابل لفظه الأجنبي. أما المصطلحات الأدبية والفنية فكان الاتجاه العام أميل إلى ترجمتها( ). إن كثيراً من الألفاظ يمكن أن يُوضع لها مقابل أفضل من اسمها الأجنبي وأكثر انتساباً للعربية عن طريق الاشتقاق، مثل: الهاتف (للتلفون) والسيارة (للاتمومبيل) والمذياع (للراديو) وغوغائي (للديماغوجي) وملهاة (لكوميديا) ومأساة (لتراجيديا) والتمثيلية (لدرامة) وتمثيلية غنائية (لأوبرا) وغنائية هزلية (لأوبريت)...، ولو أُشيعت هذه الألفاظ العربية قبل شيوع الكلمة أو استعمالها بمصطلحها الأجنبي لما عرفت الأجنبية، وهكذا كل المصطلحات والألفاظ في مجال الأدب والفن. أما المصطلحات العلمية أو الألفاظ الشائعة شيوعاً، فالذي لا يمكن أن يُوضع له مقابل أو أنه مصطلح علمي عام، فيمكن أن يُؤخذ عن طريق التعريب أو الاقتراض أو القياس، خصوصاً "أسماء الأعيان وأعلام الأجناس كالأوكسجين والهيدروجين والأنزيم والإلكترون والأيون وأسماء الأدوية والعقاقير والمركبات الكيمياوية وأسماء النباتات والحيوانات والمصطلحات التي تذهب ترجمتها بقيمتها ودلالتها من حيث هي مصطلح علمي"( ). ومن أمثلة الألفاظ التي شاعت وانتشرت إن لم تستطع المجامع أن تضع لها مقابلاً، أمكن أن يُعتمد الشيوع لإقرارها وقبولها ضمن الكلم العربية مثل كلمات: برجوازية وإمبريالية وديمقراطية...، فهذه طريقة مقبولة في التعريب باتخاذ لاحقة المصدر الصناعي الذي شاع في العصر الحديث، والذي صار يدل على المذاهب والاتجاهات مثل: السلوكية والبنيوية والتحويلية، وهذه الصيغة تقابل الكلمات الأوروبية المنتهية بـ (ism)( )، وكذا يدل المصدر الصناعي على العلم مثل: كلمة الألسنية أي علم اللسان، علم اللغة والاجتماعية أي علم الاجتماع، والأسلوبية أي علم الأسلوب، والمعجمية أي علم المعجم. إن التطور السريع والمصطلحات العلمية والفنية والأدبية تنمو باطراد، فلا مفرَّ للغة العلمية من اتباع كل الوسائل للمحافظة على حيويتها من جهة وعلى أمنها من الأخطار من جهة أخرى، والاقتراض والاقتباس لما يعيا اللغوي في وضع المقابل، فلا بأس أن يدخل الكلم العربي، فما أكثر الكلم والمصطلحات التي احتوتها العربية قديماً وحديثاً ما دخل في معجمها أو ما لم يدخل، إنما ظلّ جارياً على الألسن. لقد طال جدل اللغويين في مقياس الشيوع في جملة من الألفاظ التي يستعملها الناس في مختلف المواطن، وهي ضمن العامي، فشيوعها في الأقطار العربية دليل على أصلها الفصيح، لكن المؤلفات اللغوية تجاهلتها( )، أو قد تكون شائعة دخيلة لكنها مستساغة ومقابلها الفصيح غير معروف ولا مستعمل، أو يكون المقابل الموضوع لا يدل على ما تدل عليه الكلمة الدخيلة الشائعة، فيمكن أن يدخل المعجم العربي على سبيل الاقتراض مثل: كلمة "المسك"، فهي شائعة مستعملة، ولم يقم مقامها مقابلها المسموع. وكلمة "الباذنجان" مستعملة معروفة في كل الأسواق العربية، ولا أحد يعرف مقابلها "المغد" أو "الحدق". وكلمة "النرجس" استعملها الشعراء كثيراً في عصور الحضارة، ولا يُعرف مقابلها الفصيح "القهة" أو "القهد"( ). وكلمة ورشة المعرّبة من الإنجليزية لا يدل مقابلها الموضوع على معناها الشائع مَشْغَل أو مُحْتَرف أو مَرْسَم أو مَصْنَع أو مَعْمَل، وكذا كلمة "قرصان" المعرّبة من الإيطالية وجمعها قراصنة والمصدر قرصنة. كل ذلك دخل العربية وأصبح من رصيدها المعجمي( )، والتعريب، عن طريق الاقتراض، ينبغي أن يكون في حالات بأعيان فهو الحل المفضّل، خاصة للمصطلحات التي صارت عالمية في مجالات العلوم وعند أصحاب الاختصاص. وقد أيّد بعض اللغويين المحدثين مقولة الجواليقي وابن الجوزي وسواهما من القدماء: إن الكلمات الأعجمية التي عرَّبها العرب، وحوّلوها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظهم تصبح عربية( )، وكذلك كان يدعو إلى استعمال الكلمات المولدة "المستعملة بعد أواخر القرن الثاني الهجري في الأمصار وبعد أواسط القرن الرابع الهجري في جزيرة العرب، وقد جاء في "مختصر العين" للزبيدي صاحب التاج: المولّد من الكلام هو المحدث، وقسم كبير من لغتنا مولّد، فإذا أنكرنا استعمال المولّد نكون قد أنكرنا استعمال القسم الأكبر من الكلمات التي يستعملها اليوم كتّابنا وشعراؤنا..."( ). لقد تنبَّه الأستاذ أحمد حسن الزيات إلى قضية مهمة في هذا المجال، فكتب مخاطباً مجمع اللغة العربية في القاهرة سنة 1957م: "إن المجمع قضى ثماني عشرة دورة في خدمة اللغة الخاصة، وهي لغة الفلاسفة والعلماء والرياضيين والأطباء... أما لغة العامة -وهي لغة البيت والشارع والسوق والمصنع والورشة والحقل- فلم يولها المجتمع عنايته، والناس متى رأوا الشيء سمّوه، والمسمّون في الغالب من سواد الأمة الذين لا يبالون أن ينطقوا على أية صورة ما داموا يقضون حاجتهم من الفهم والإفهام، ويجيء بذلك الكتَّاب والصحفيون فيجدون اللفظ قد شاع، فإما أن يستعملوه على علّته؛ فيكون الفساد، وإما أن يضع كل كاتب لمعناه لفظاً؛ فتكون البلبلة. والصحافة والعامة متنافسان في الوضع والنقل والتعريب لا تهادن أحدهما الأخرى، فـأيتهما سبقت إلى الشيء الجديد يوم وروده الميناء سمَّته وفرضت تسميتها على الألسنة.."( ). وما يجدر ذكره في مجالات الجديد مجموعة من الأساليب التي تأثّرت بها العربية من الترجمة، فقد تسرّبت أساليب لم تألفها العربية عن طريق الترجمة من الفرنسية والإنجليزية خاصة، ولم تسلم منه اللغة العربية في مختلف أقطارها، ولعلّ ذلك يعود إلى حاجة العربية إلى الجديد من الأساليب التي تعبِّر عن مقتضيات الحياة الحديثة ومتطلّباتها، وقد استعمل الكتّاب العرب أحياناً دون أن يشعروا بأصولها وجعلها بعضهم تعريباً للأساليب( )، فالعربية إن كانت غنية بطرق تركيب عباراتها وأساليبها، فلا تضيق بما يأتي إليها عن هذا الطريق، فيزيد اتّساع آفاقها التعبيرية على أن لا يكون متقاطعاً أو مخالفاً لأساليب الفصاحة فيها فيؤدي إلى الركاكة في التعبير. وقد أجاز مجمع اللغة العربية شيئاً من ذلك، ومن قراراته في هذا الباب: "فالباب مفتوح للأساليب الأعجمية تدخل بسلام إذ ليس في هذه الأساليب كلمة أعجمية ولا تركيب أعجمي، وإنما هي كلمات عربية محضة رُكِّبت تركيباً خالصاً، لكنها تفيد معنى لم يسبق لأهل اللسان أن أفادوا بتلك الكلمات"( ). يأتي هنا فعل السياسة اللغوية الموحدة والتعاون بين المؤسسات اللغوية والجامعات ووزارات التربية والإعلام، للتعاون في الحفاظ على أمن اللغة وسلامتها. 2- اتباع المرونة تجاه الجديد والشائع مع مراعاة الفصاحة: إن الجهود اللغوية التي بذلتها وتبذلها كل المؤسسات والمجامع اللغوية ومكتب تنسيق التعريب بكل وسائلها ومؤتمراتها، تتخذ مجالين: أولهما استغلال طاقات العربية وتجاربها التاريخية وقدرتها على التطور؛ لتستوعب كل هذا السيل الجديد من المصطلحات والأسماء والأساليب، وتجعله ضمن معجمها اللغوي والمقبول في أساليب التعبير. فشجاعة العربية كما أشار إلى ذلك ابن جني( ) وقبله سيبويه بوصفه الاتّساع فيها( ) مع الأخذ بتطوير مفهوم الاتساع لتستوعب التطور العلمي في مختلف مجالاته، ثم التعبير الفني في كل مجالاته أيضاً. وقد مرّت الإشارة إلى ترجمة العلوم أو تعريبها أو اقتراض المصطلح عند الضرورة. أما المجال الثاني فهو محاولة دراسة لهجات العربية، وهو أساس من أسس دستور مجمع اللغة العربية في القاهرة، ومن لجانه الفاعلة "لجنة اللهجات" التي وعدت بتحقيق خمسة أغراض في جلسته 8/1/1949، ومنها: استقراء الألفاظ والتراكيب الجارية على ألسنة أهل الأقطار العربية من الناحية الصوتية ومن ناحية المعنى، وتدوين هذا في معاجم وأطالس لغوية( )، وقد بذل اللغويون جهداً طيباً في هذا المجال لخدمة الفصيحة ورفع مستواها، بذكر العامي وتفسيره وردِّه إلى نصابه من الصحة إن كان عربي الأصل، أو بيان مرادفه إن لم يكن كذلك ليحل محله ويرجع إليه في الاستعمال( )، لكن دراسة اللهجات اختلط أمرها بالدعوات المشبوهة؛ لاستعمال العاميات واستبدال الحرف اللاتيني بالعربي، لكن الاتجاه الأول في الدراسات هو الذي علا صوته في محاولة تضييق الشقة بين الفصيحة والدارجات، كما كان فيما يسمّى بالعربية المعاصرة. هذه العربية التي شاعت بين المثقفين وفي كتابات الجرائد وما يُذاع في وسائل الإعلام خصوصاً نشرات الأخبار. هذه اللغة ينبغي العناية بها وتوسيع استعمالها باستخدام كل الوسائل الممكنة، فنشرة الأخبار يسمعها العربي في بغداد ودمشق والرياض وطرابلس وتونس والجزائر والمغرب وبيروت، وكل ركن من أركان الوطن العربي بكل مستوياته الاجتماعية، فيفهمها ويفهم دلالات ألفاظها وعباراتها، فإذا شاعت هذه اللغة في السوق والمصنع والحقل والبيت والمدرسة وبين الناس لغة للخطاب والتفاهم قرَّبت الدارجة من الفصيحة، فتكون لغة الكتابة الفنية بأساليب أدبية ولغة الكلام والتخاطب بعربية غير متكلَّفة. ومنذ القديم وفي كل أمة تختلف اللغة في مجالات التخصص ولكن تبقى القواعد والنظم اللغوية مصونة في إطارها اللغوي العام، فهناك لغة للنجارين وأخرى للحدادين وأخرى للمعلمين وأخرى للنحويين وأخرى للفقهاء وأخرى للفلاسفة ...، ولكن تلك اللغات يُطلق عليها لفظة لغة مجازاً، إنما الاختلاف فيما بينها بألفاظ يردّدها النحويون لها دلالات غير ألفاظ يرددها الفلاسفة ودلالتها، وكذا الأصناف الأخرى ... وقد نوقشت مشاريع واقتراحات في اجتماعات المجامع اللغوية، وأهمها اقتراحان قدَّمهما أحمد حسن الزيات نتج عن قبولهما قراران يقرّان مبدئياً الأخذ بالألفاظ العامية، وأحدهما: قبول الوضع من العرب المحدثين بدراسة كل كلمة شائعة، شريطة أن تكون مستساغة وليس لها مقابل عربي يمكن استعماله، والآخر قبول السماع منهم أسوة بالمتقدِّمين، شريطة أن تُدرس كل كلمة على حدة قبل قبولها وقبول هذين المقترحين: "الوضع والسماع من المحدثين قد وضع الأساس القوي الثابت لتهيئة اللغة لقبول التجدد المستمر في أسماء الذوات والمعاني. فبالوضع نصل ما بين اللغة والحياة، وبالسماع نقرِّب ما بين العامية والفصيحة..."( ). وكانت الدعوة على ألسن المجمعيين قائمة في الأخذ أو الاستئناس بألفاظ العامة؛ لملء الفراغ بالمعاجم الكبرى التي غفلت عن جمع تلك الألفاظ العلمية المستعملة عند الفلاحين والمهنيين والبياطرة( ). إن التطور الدلالي للألفاظ واستعمال المجتمع ألفاظاً جديدة بدلالات جديدة قضية قديمة في كل اللغات، وليست العربية بدعاً بينها، ثم إن العربية نفسها لم تكن واحدة قبل الإسلام إنما هي لهجات تداخلت وتقاربت، فنشأت منها لغة موحدة نزل بها القرآن الكريم، لكن اللهجات وظواهرها اللغوية ظلَّت إلى جانب هذه اللغة الموحدة، واختلاف القراءات القرآنية ناتج عن الظواهر اللغوية في هذه اللهجات. وظلَّت العربية واللهجات التي اختلطت باختلاط العرب بغيرهم في صراع، غير أن الفصيحة كانت هي لغة الدين والدولة والعلم والأدب، ثم مرّت في مراحل ضعف لظروف تاريخية حتى عصر النهضة الحديث، فالنهضة ألقت الضوء على قضية اللغة، فبان الفرق الحادّ بين الفصيحة التي جمدت قروناً عن التطور، ثم الدارجات في الوطن العربي التي ظلَّت تتضخّم بما يقضي حاجات الطبقات الشعبية باختلاطها وأخذها ممّن خالطوهم واحتكّوا بهم من الأمم كالفرس والأتراك والأوروبيين. لقد ورثت العربية تراكم عصور من الخلاف اللغوي، والمعجم العربي احتوى على آلاف الكلم المهجورة، وهو في تطور دائم خصوصاً في عصر النهضة وما بعدها عن طريق الترجمة والتعريب والاقتراض والوضع، والدارجات أيضاً ورثت تراكم العصور السابقة لكن العربية الفصيحة ما زالت تتمتع بقوة عناصر البقاء، فبالرغم من أن عربيتنا المعاصرة تدخل في ظل عربية القرآن الكريم أنظمة ودلالات، واللغة الفنية ما زالت الفصيحة المتطورة الممتدة من الأصل؛ لذلك نحن نفهم شعر زهير بن أبي سلمى، وعمر بن أبي ربيعة، وأبي نواس، وأبي تمام، والمتنبي، والبهاء زهير، والبارودي، والرصافي، والجواهري، وعمر أبو ريشة، وأبي القاسم الشابي، ونزار قباني، والسياب، وأحمد عبد المعطي حجازي، ومحمد خليفة التليسي، وهكذا ما شئت من تعداد الشعراء والكتّاب على مرّ العصور واختلاف الأوطان... وإذا جرت العربية على لسان عامّة الناس، لغة للتخاطب كما هي في وسائل الإعلام المختلفة وقاعات المحاضرات دون التأكيد على حركات الإعراب، فهي هي لأن حركات الإعراب جزء من أواخرها، فإذا سُكّن آخر الكلم لم تفقد الجملة معناها على ما ألف الناس في خطابهم وعلى ما وعاه ابن خلدون قبل قرون في قوله: لم يُفقد من أحوال اللسان المدون إلا حركات الإعراب في أواخر الكلم، وهو بعض من أحكام اللسان( )، فللغة وسائلها في الإفهام إن أُوقف أواخر الكلم في لغة الخطاب، وبالتأكيد على توحيد لغة التعليم وفق سياسة لغوية واحدة والعناية بوسائل الإعلام من حيث ثقافة الإعلام اللغوية، وكان التعاون بين المؤسسات التربوية واللغوية ومكتب تنسيق التعريب مستمراً كل في مجاله اللغوي. استطاعت العربية أن تبلغ مستواها المنشود لغة للكتابة الأدبية ومستوى لساني مصاحباً لها وقريباً منها لغة للتخاطب في مجالات الحياة اليومية؛ وبهذا يتحقّق للعربية أمنها وسلامتها. وقد شعر مجمع اللغة العربية بذلك منذ نصف قرن، فجاء بتوصية في قضية الدارجات: "تتقارب اللهجات الدارجة في العالم العربي في العشرين سنة الماضية تقارباً ملحوظاً، وللمدرسة والمدرِّس شأن في ذلك ولوسائل الإعلام من صحافة وإذاعة ومسرح وسينما شأن أوضح، وما أجدرنا أن نتعهّد ذلك ونرعاه كي ينتهي إلى الهدف المنشود"( ).
المصادر والمراجع
• أنيس، إبراهيم – اللغة بين القومية والعالمية – دار المعارف بمصر 1971. • ابن جني – الخصائص- تحقيق محمد علي النجار ط3- الهيئة المصرية العامة للكتاب 1988. • حجازي محمود فهمي- الأسس اللغوية لعلم المصطلح – مكتبة غريب 1993 القاهرة. البحث اللغوي – مكتبة غريب 1993. • حمزاوي، محمد رشاد- أعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة – ط1 دار الغرب الإسلامي 1988- بيروت. • ابن خلدون- المقدمة- دار إحياء التراث العربي- بيروت – لبنان. • السامرائي، إبراهيم – اللغة والحضارة- المؤسسة العربية للدراسات والنشر – ط1977 بيروت. • سيبويه- الكتاب- تحقيق عبد السلام محمد هارون- ج1 دار القلم 1966- القاهرة. • العدناني، محمد – معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة، ط32، 1980، بيروت. • الكرملي، الأب أنستاس ماري- نشوء اللغة العربية ونموها واكتهالها – مكتبة الثقافة الدينية- القاهرة (د.ت). • المطلبي، عبد الجبار- من حديث الشعر الحر- مخطوط. • المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم- من قضايا اللغة العربية المعاصرة- 1990- بيروت. • علي، نبيل- العرب وعصر المعلومات- سلسلة عالم المعرفة عدد 184 سنة 1994- الكويت. • يعقوب، أميل بديع – فقه اللغة العربية خصائصها- دار العلم للملايين ط1، 1982- بيروت. المجلات: • مجلة مجمع اللغة العربية – القاهرة. • مجلة مجمع اللغة العربية- دمشق. • مجلة مجمع اللغة العربية الأردني- عمان. • مجلة المجمع العلمي العراقي- بغداد. • مجلة اللسان العربي، يصدرها مكتب تنسيق التعريب- المغرب. • مجلة الفكر العربي، يصدرها معهد الإنماء العربي- بيروت. • مجلة كلية التربية، طرابلس - ليبيا. . البحث اللغوي 124. . الأسس اللغوية لعلم المصطلح 197، 198. . اللغة العربية وعلوم العصر – د. مسعود بوبو - مقال في مجلة الفكر العربي العدد 60 سنة 1990 ص64. . الأسس اللغوية لعلم المصطلح – حجازي 189- 192. . مقال: متى تصبح الفصحى لغة التعليم العالي- د. هاشم الشريف- مجلة كلية التربية بطرابلس العدد 21 سنة 1996. . أعمال مجمع اللغة العربية 545 هامش 17. . انظر: أعمال مجمع اللغة العربية 543 ملاحظات المجمعي التونسي حسن حسني عبد الوهاب في ضآلة المصطلحات المترجمة وملاحظة المجمعي السوري مصطفى الشهابي عدم تآلف مناهج التعريب لتأتي بنتائج مفيدة، واقترح بأن يوكل وضع المصطلحات للجان متخصصة؛ لأن المصطلحات التي وضعها المجمع لا تشمل جميع العلوم ولا سيما الزراعة. . الأسس اللغوية لعلم المصطلح 223. . الأسس اللغوية لعلم المصطلح 195، 196. . المؤتمر التاسع لاتحاد المعلمين العرب – الخرطوم 1976 ص 652، الأسس اللغوية لعلم المصطلح ص 200. . المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم- ندوة خبراء لبحث وسائل إعداد معلمي اللغة العربية في الوطن العربي – الرياض 1977 ص 24، الأسس اللغوية لعلم المصطلح 200. . انظر التقرير المتضمن للمنطلقات الأساسية والتوصيات التي صدرت عن مؤتمر التربية الرابع المنعقد بطنجة بالمغرب 1981 – مجلة مجمع اللغة العربية الأردني- السنة الرابعة 1981 ص 228، 229، الأسس اللغوية لعلم المصطلح ص 200. . انظر بحث: تدريس اللغة العربية في الكليات العلمية في جامعة الفاتح للدكتور محمد بن الحاج، وهو بحث ميداني قام به سنة 1995. . كانت جهود كثير من المصلحين من العلماء العرب ومثقفيه إضافة إلى المؤسسات اللغوية والعلمية ترفع شعار توحيد اللسان العربي، والسعي إلى ردم الهوّة بين الفصيحة واللهجات ليسهل تفاهم العرب بلغة مشتركة في مختلف أوطانهم، ولهذا كانت محاضراتهم وسعيهم. انظر: (اللهجات القومية وتوحيدها في البلاد العربية) للشيخ محمد رضا الشبيبي، مجلة مجمع اللغة العربية في القاهرة ج14 ص85 وما بعدها. . البحث اللغوي لحجازي 98. . انظر: اللغة بين القومية والعالمية 232. . "تبسيط قواعد اللغة العربية" للدكتور ميشال حجار، مجلة الفكر العربي، العدد 61، سنة 1990 ص 37. . ظهر كتَّاب عرب دعوا إلى كتابة الأدب بالعامية شعراً ورواية ومسرحاً، وبعضهم إلى تطعيم الفصيحة بحوار بالعامية، وبعضهم دعا إلى كتابتها بلغة ثالثة كدعوة توفيق الحكيم في كتابه "الصفقة"، وبعضهم كتبها بالعامية اللبنانية، ثم أعاد كتابتها بالفصحى الشعبية كما يسميها ليقرأها العرب في مختلف أقطارهم (انظر مقال أشكال الفصحى والدارجات د. البكوش في كتاب قضايا اللغة العربية المعاصرة ص 185، 186 مقالة "حول تبسيط قواعد اللغة العربية"، د. حجا ص37، من حديث الشعر الحر للدكتور عبد الجبار المطلبي 381- 392. . من ذلك ما أُلف في ردّ العامي الفصيح كما يدخل في ذلك الدراسات في لغة الجرائد أو الإعلام. . مقالة "أشكال الفصحى والدارجة" للبكوش 207، وانظر 173- 207. . الخصائص 2/362.. وما بعدها. . انظر تفصيل ذلك في كتاب: الأسس اللغوية لعلم المصطلح 148-154، فقه اللغة العربي لأميل يعقوب 220 وما بعدها. . الأسس اللغوية لعلم المصطلح 149، 150، وانظر فقه اللغة العربية 223، 224. . الأسس اللغوية لعلم المصطلح 225، 226. . عجائب اللهجات- محمد كرد علي 73، أعمال مجمع اللغة العربية 282. . ذكر الأب انستاس الكرملي مجموعة من هذه الألفاظ الشائعة. انظر نشوء اللغة العربية ونموها 85، 96. . الأسس اللغوية لعلم المصطلح 156 ذكر الدكتور حجازي مجموعة من المصطلحات وأشار إلى مجموعة من قرارات مجمع اللغة العربية، كما أسهب في شرح الأسس اللغوية لوضع المصطلح ثم استعماله وشيوعه 147، 172. . معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة- محمد العدناني 1/304. . السابق ص ي. . مجلة مجمع اللغة العربية الجزء التاسع 1957 ص33. . انظر اللغة والحضارة، د. إبراهيم السامرائي 14، أعمال مجمع اللغة العربية 383. . مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ج7 ص185-187، أعمال مجمع اللغة 387، 388، اللغة والحضارة 105.. وما بعدها ذكر مجموعة من الأساليب الجديدة. . الخصائص 2/362. . الكتاب 1/211. . انظر: أعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة 275. . كان هذا هدف أحمد تيمور في معجمه إحياء اللغة العربية الصحيحة بذكر العامي وتفسيره وردّه إلى نصابه. وانظر أيضاً في هذا المجال كتاب: الأصول العربية الفصيحة لألفاظ اللهجة الليبية للدكتور عبدالله سويد، وانظر بحث "أصول ألفاظ اللهجة العراقية" للشيخ محمد رضا الشبيبي، مجلة المجمع العلمي العراقي 1376هـ 1956م. . مجلة مجمع اللغة العربية ج9 سنة 1957 ص33، 34. . أعمال مجمع اللغة العربية 279، وانظر هوامش الصفحة نفسها. . مقدمة ابن خلدون، فصل 38. . مجلة مجمع اللغة العربية ج7، سنة 1949، ص316.