الخميس، 30 يونيو 2011

قراءة تداولية في محاورة الحجاج وغلام من أهل الكوفة

قراءة تداولية في محاورة الحجاج وغلام من أهل الكوفة إعداد ا.د. وسمية عبدالمحسن المنصور أستاذ النحو والصرف – جامعة الملك سعود نشر في: (الكتاب التذكاري للمرحوم أ.د. أحمد مختار عمر – جامعة الكويت ـ كلية الآداب – قسم اللغة العربية الطبعة الأولى العام الدراسي 2008م- 2009م/ الكويت). -------------------------------------------------------------------------------- استوقفتني رواية عن لقاء قائد بفتى عربي من أهل الكوفة في لحظة رسمتها المقادير دون ترتيب أو تدبير بشري، اللافت في الرواية السمات التي تنطق بها الشخصية العربية لفتيان ذلك العصر. والبلاغة التي تموج بها " وليس في الأرض كلام هو أمتع ولا آنق ولا ألذ في الأسماع ولا أشد اتصالا بالعقول السليمة ولا أفتق للسان ولا أجود تقويما للبيان من طول استماع الأعراب العقلاء الفصحاء والعلماء البلغاء." وأمر آخر أثارني أن في النص شقين: شق يدرج في مستوى اللغة المحكية، فهو حوار جرى بين طرفين، يحقق وظائف الاتصال الاجتماعي بأغراضه الإبلاغية، وليس من سماته الخلق الإبداعي. والشق الثاني يقع في منطقة مُحَيِّرَة من تصانيف نصوص لغتنا العربية؛ فلا يمكن الزعم بأنه نص إبداعي يتحمل استحقاقات الإبداع وسماته، ولا هو مما ندرجه في اللغة المحكية التي تمثل مستوى من الاستعمال يجري على ألسنة العوام، لكننا نتابع الجاحظ في استعارة وصفه السابق بأنه: الكلام الأمتع والآنق والألذ... وجميع الأوصاف التي ساقها الجاحظ لوصف هذا النمط من مستويات اللغة في تلك الحقب من تاريخها الممتد. الرواية نقلا عن الهفوات النادرة للصابئ: (قيل: إن أهل الكوفة أصابهم مطر شديد في يوم صائف عظيم الحر، حتى سقطت سقوفهم وتهدمت حيطانهم ، والحجاج إذ ذاك بها فركب وسار منفردا ينظر مبلغ أثره، فأتى موضعا يقال له العريان، فرأى غلاما من غلمان العرب، من أصبحهم وجها وأحسنهم شبابا، ومعه قوس وهو يتصيد، فقال الحجاج: أقبل يا غلام، فأقبل، فقال له ممن أنت يا غلام؟ قال: من الناس، قال: وأي الناس؟ قال:من ولد آدم، قال: فمن أبوك؟ قال: الذي ولدني قال: فأين ولدت؟ قال: على ظهر الأرض في بعض الحجرات، قال: فأين نشأت قال: مابين السماء والأرض في بعض الفلوات، قال: وما اسمك؟ قال: وما تريد من اسمي؟ قال: أحببت أن أعرفك قال: والله ما ضرني إنكارك إياي في سالف الدهر فينفعني اليوم علمك بي ومعرفتك لي! قال: إني أظنك مجنونا، قال: أحلني ذاك عندك مجيئي إليك سعيا، كأنني ممن يرجو منك خيرا، أو يخاف لك شرا، ولست هناك. قال: وما يدريك يا غلام؟ قال: لعيك بجوابي وإظهارك لساني، قال: فانطلق معي أفعل بك خيرا، قال: والله ما أرى فيك شيئا من الخير فأنطلق معك. قال: ما أسفهك يا غلام، قال: وما علمك بسفهي وأنني سفيه؟ وأنت قد ذهب بك التيه وذاك بك شبيه! فبينما هما في ذلك إذ أحدقت بهما خيل الحجاج فقالوا السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته؛ فقال مغضبا: احتفظوا بالغلام، ثم رجع إلى الكوفة فلما اطمأن به المجلس أمر بأن يقف عن جانبيه ستة آلاف رجل من الجند، بأيديهم الأعمدة والترسة والسيوف المخترطة ثم أمر بإدخال الغلام عليه، فدخل يخطر بين الصفين، لا يهوله ما يراه، حتى وقف بين يديه فقال له الحجاج: يا عدو الله أنت صاحب الكلام؛ لا أم لك ولا أب لك ولا أرض لك! قال الغلام: لو كنت عدو الله كنت شيطانا رجيما، وما أحد بلا أم ولا أب إلا آدم وحواء، والأرض ما هي لي ولا لك، فالله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين وأنا صاحب الكلام، فما أنكرت منه؟ فلما رآه لم يغفل عن الجواب، ولا تغير في الخطاب، أمسك عنه مخافة أن يشتد غضبه فيقتله، وأطرق طويلا ثم رفع رأسه إليه فقال: هل أصابكم من هذا المطر؟ قال نعم، قال: فشهدت ابتداءه؟ قال نعم، قال فصفه لي؟ قال: والله لقد نظرت إليه حين أقبل تؤلفه الرياح، فوعهد الله ما عنانا ولا اكترثنا له، ثم لم يلبث أن صار نشاصا، لا ترى منه خلاصا، ثم تخندس وأظلم، واشتد واكتهم، وتزاحم حتى علا البقاع والتلاع، وبلغ رؤوس الجبال فهد الصخور وثور البحور، ثم هدأ بإذن من على العرش استوى، وذلك تقدير العزيز العليم. قال: يا غلام سلني حاجتك؟ قال والله ما أسأل إلا من أنا وأنت عنده في المسألة سواء! ذلك الله ربي وربك! فأمر له بعشرة آلاف درهم، وبعث به إلى عبد الملك بن مروان، فأضعف له الجائزة بعد أن عجب منه وأنفق عليه، وانصرف إلى أهله مسرورا. ننظر إلى النص على إنه إبداع لغوي فحسب، نستمتع بجمالياته ومنطق مضمونه. وندع جانبا توثيق الرواية وكذلك تصديقها. ننحي قضية التشكيك ومناقشة منطقية الإشارات المصاحبة فالحجاج غير كونه صاحب سلطة وسطوة، وعنوان الجبروت والعنفوان؛ فالتاريخ الموثق يشهد له أنه من فحول الفصاحة وجسارة اللسان، وأقواله وخطبه تدرج في أعلى مراتب البيان. وسواء أكان النص حقيقة أم هو مختلق بلسان الراوي؟ أسلم من تدخل الرواة؟ أم أعمل الكاتب فيه بيانه وإبداعه؟ إننا نتأمل النص مادة لغوية ونفكك بنيته. لكل نص أبعاد تعتور بناءه ودلالاته تتمثل في البعد الوظيفي والبعد الدلالي والبعد الوصفي النظري والبعد التوليدي. ولا يمكن الجزم بالفصل بين تلك الأبعاد، فالحدود بينها متداخلة والقواسم مشتركة، يفضي بعضها إلى بعض، ويعمل بعضها على إضاءة الجانب الآخر وكشف غموضه وتجلية ظنونه. الحدود ليست رسما هندسيا بالمسطرة ولا يقينا ملزما للمتكلم، وإنما علاقات متشابكة يحاول القارئ أن يجمع بها بين متعة القراءة وتأمل الأبعاد. في النص المروي ملامح ملونة: فلسفية، ولغوية بيانية، وملمح تربوي، وشيء من أدبيات السلطة. تكشف المحاورة عن تمكن الفتى من المقدرة الجدلية، وهي مقدرة فطرية وافقت قانون المعرفة الفلسفي (المعرفة تنتقل من الحواسّ إلى المخيّلة إلى العقل) وما أظن الفتى تمكن منها تلقيا في أروقة الفلاسفة، مستمدا من جدلهم مذهبا، وإنما فطرة وسليقة تعززها مكتسبات تربوية عربية تفتقر للتعليم الانتظامي وتنمو بالخبرة التراكمية. في المحاورة نلمح منهجا مغايرا للحوار السقراطي في جانب، ومتفقا معه في جانب آخر. فالحوار السقراطي ينطلق من السؤال" المستوفي لشروط إجابة تنضوي على شيء من الحقيقة... وهو الآلة التي بها يَسْتَخْرج سقراط الحقيقة من بواطن النفس، أو يُظْهِرها بعد كمون" . وعادة يقوم على سائل ذكي يسأل هو سقراط نفسه، وعلى مجيب من تلامذته، أو من عامة الناس. فالمحاورة الجدلية طرفاها عنصر قوي يوجه السؤال ويحفر بتؤدة في أعماق الآخر للوصول إلى الحقيقة. فيها يقود المحاور القوي مناظره الآخر إلى تمثل حقيقة هي جلية عند الطرف الأول (القوي) وكامنة عند الطرف الثاني (الجاهل أو عامة الناس) والأهم أن ينتهي الطرف الثاني إلى موافقة الأول لا تابعا ولا إمعة وإنما يبدو له أنه هو صاحب القول الفصل ويغيب عنه أنه قيد إلى هذا الرأي، وأن معرفته صنيعة تشكيل الآخر صنعها وأظهرها. توافق المحاورة المعنية باهتمامنا منهج الحوار السقراطي بتحقق عنصر القوة في أحد الأطراف تلك القوة التي أظهرت له –اعتمادا على تصوره الذاتي- أن الطرف الآخر هو العنصر الضعيف المكمل لدائرة الجدل كما نعرفه في الحوار السقراطي؛ لكن المفارقة جاءت بمحاور يثق بملكاته ومعرفته. وتبتعد هذه المحاورة عن الحوار السقراطي أن فاعل البدء فيها لم يكن يبحث قضية أو معرفة فكرية وإنما مبادرته نوع من الإحاطة بما حوله، فعندما بادر الحجاج بالسؤال كانت مقومات الوعي بقوته حاضرة في ذهنه بشيء من العنفوان الذي يتوقع الإجابة المنتظرة فهو يمتلك المفاتيح كلها؛ لذا جاءت الصيغة الأمرية (أقبل يا غلام) تشعر بقوة الفعل لدى السائل، وإمكانه المطلق بتحريك الآخر انتقالا حسيا في المكان وانتقالا لفظيا في القول -كما يرى هو- لا كما هو الواقع. كانت استجابة الفتى وإقباله تحقيقا لإمكان الفعل الحركي، فيأتي السؤال الآخر بإرادة انتظار جواب متوقع سياقه، مجهول مضمونه؛ (فقال له ممن أنت يا غلام؟) يأتي المجيب بما يخالف القيادة فاللفظ يقطع إرادة التوقع، ويرهص بتفرد الشخص؛ (قال الغلام: من الناس). الإجابة تنطلق موعدة بأجيج محتدم، يصدم السائل بعض الشيء ولا يهزمه؛ فما زالت قوة السلطة ووهج نورها يقصي احتمالات تحقق نية الطرف الآخر للتصدي والمواجهة لذا تستمر المجادلة (قال: وأي الناس؟) هنا ينطلق الموقف الحواري من طرفين كلاهما يمسك بخيوط القيادة بفعل الطبيعة والتكوين، لا نعلم أيقود السائل المسؤول إلى الإجابة؟ أم أن المجيب يقود السائل إلى سؤال جديد. " إنَّ الرغبة بالحوار، هي رغبة باكتشاف مستمر للذات من خلال الآخر، بالتوازي مع اكتشاف مستمر وغير نهائي للآخر" نتوقف عند قيادة المحاورة فقد كانت سجالا بين الاثنين، كلاهما يرتفع لديه مؤشر الوعي بعناصر قوته، وكلاهما يدرك أن الخيوط في يده، لذا يطلق مقولته وفي يقينه أنها المقولة الحاسمة التي ستفحم الطرف المقابل وتقضي عليه، وتقرر متى تنتهي المحاورة. تقوم بنية الموقف الحواري على التداعي المنطقي السقراطي، فالفكرة تفضي إلى أخرى كفتل الحبل يبدأ من الطرف الأول لينتهي قويا في الطرف الثاني، فتتمازج عناصر الفتل بمنطقية، وتتداخل عناصرها. سؤال يرسم محيط الدائرة يتلوه الجواب، لكن الدائرة لا تفصح عن القائد والمقود؛ فكلاهما فاعلان ومفعولان في آن واحد. تتدحرج أقوالهما معا ككرة الثلج، تتنامى فيها العناصر كَمًّا، وتتطور فيها الدلالات كيفا، فهي كرة كبيرة عملاقة اعتورها فِعْلُ اثنين متباينين. في المحاورة نمط من اللعب اللغوي يلتف على مضمون فلسفي، يوظف المشترك اللغوي في بنية الحوار؛ رغبة في حصر محاوره في شراك تنطلق من اللفظ لتحصر المعنى في وجه لا ينتبه له الطرف الثاني، وإن كان لا يجهله. تتدافع بنية المحاورة بِطَرْقٍ قويٍ من الاثنين؛ السائل والمجيب. ويصبح الطرق على مكامن المعرفة ثنائي الأداة متبادل الطرق، ما أن يرفع أحدهما يده وقد دوى آثار طرقه، حتى يواليه الطرف الثاني بطرق آخر، يخالفه فعلا ويتكامل معه نغما. إنها ثنائية يتمازج فيها الفعلان بنغم منتظم يطرق الأول ثم يطرق الثاني؛ لذا تشوب ذاك الموقف الحواري صبغة التهكم السقراطي، الذي يفسره (جان بران) بأنه: "يقوم على إيقاع الإنسان الجاد في الفخ الذي نصبه هو بنفسه وذلك بأن يبين له أن هذا الشخص يستند إلى جهل بجهل نفسه...وهدف سقراط أن يستبعد الظنون التي لا تصمد أمام محك التفكير وأن يوبخها، إن صح القول، بوضعها في تضاد مع نفسها " . هذا النمط الذي يتمسح باللغة وغايته التهكم تعرفه الثقافة العربية الشعبية العامية والمستوى الآخر من الثقافة الرسمية؛ أنقل رواية عن أبي أوس الشمسان" يقال: إن أهل عيون الجواء في القصيم أهل طرفة تعتمد على الاشتراك اللغوي، من ذلك أن أحدهم جلب بعيرًا إلى بريدة فوقف أحدهم عنده وهو لا يريد الشراء بل الثرثرة، وصاحب البعير يدرك ذلك. فلما سأله: البعير كم هو عليه؟ (أي كم ثمنه) قال: على أربع. (أي أربع قوائم)، فرد الرجل: أقول لك وشوّ عليه؟، فقال: على الأرض. فغضب الرجل من سخريته وشك أنه من أهل العيون فسأله: أنت عيوني؟ فقال: لا، عيونك في راسك" . سياق المحاورة يشي برائحة التهكم، بل إن الغلام على وعي بمقاصده حين يجيب عن سؤال الحجاج: (وما يدريك يا غلام ؟ قال: لعيك بجوابي وإظهارك لساني قال: فانطلق معي أفعل بك خيرا قال: والله ما أرى فيك شيئا من الخير فأنطلق معك، قال: ما أسفهك يا غلام قال: وما علمك بسفهي وأنني سفيه؟ وأنت قد ذهب بك التيه وذاك بك شبيه.) تتصاعد حدة الوعي بالذات عند الغلام بعد أن يُسْتَدْعى لمواجهة الحجاج في بلاطه تحوطه جنده مدججين بسلاحهم، ويتوهج المجلس بزينة السلطان وأبهته، وهيبة المكان وروعته؛ لكن الذات الواعية لا تعشو من نور وقتي بل تستضيء بنور دائم ينبع منها. لحظة المواجهة لم تكسر تلك الذات المضيئة ولم تزعزع ثوابتها سيل الشتائم الموجعة؛ إذ يجيب الغلام "وأنا صاحب الكلام، فما أنكرت منه؟ " عندما يسأله الحجاج: " يا عدو الله أنت صاحب الكلام؛ لا أم لك ولا أب لك ولا أرض لك! " يوعز الملمح الفلسفي في محاورة الحجاج والغلام بالاختيارات اللغوية، ذلك أننا نجعل في البعد الفلسفي إرهاصا للدرس اللغوي. لا ينفصم البناء اللغوي في محاورة الحجاج والغلام عن المعنى، حيث يقوم معمار المحاورة على موقفين يشكلان دعائم جوانبها ، الموقف الأول لحظة لقاء الحجاج والغلام في بر منطقة العريان بعد هطول المطر، والموقف الثاني عندما أحضر الجند الغلام لمواجهة الأمير في بلاط الحجاج. الموقف الأول كان لحظة تشكل الخطاب فيها بين محاورين يخلو ذهن كل منهما من تصور لطبيعة المحاور الآخر، ولعل هذا الجهل بالآخر جعل كل طرف قائدا ومقودا في آن واحد، فلا الحجاج كان متوقعا هذه المقدرة اللجاجية عند الغلام ولا الغلام كان على دراية بمكانة الحجاج وأهميته، لذا قام البناء اللغوي على سلسلة من الأفعال الكلامية والجمل الإنشائية الطلبية، والجمل الإيحائية التي تبطن أكثر مما تظهر، "وهو الذي يسبق إلى العقول والأوهام لظهوره فيما هو المراد" ولا يتحقق المعنى كاملا إلا بجهد من القارئ يعمل مخيلته في تقدير المحذوف واستكمال عناصر الصورة. لقد تنبهت الدراسات البلاغية والأصولية التراثية إلى ما يشوب العلاقة في الموقف السياقي بين المتكلم والسامع واهتمت بالقرائن التي تجلي أسرار الخطاب وهو ما تعرفه الدراسات الحديثة بسياق الموقف وفي تراثنا الخصب إشارات واصطلاحات أخرى تتضمن مفاهيم سياقية حديثة من مثل مقتضى الحال ، والمقام ، والموقف والمشاهدة، والدليل، والقرينة . ولا يستكمل فهم النص إلا بجملة أمور أشار لها الجاحظ بأنها " التي تكشف قناع المعنى وتهتك الحجاب دون الضمير. " ويتوجه النقد اللغوي الحديث إلى دراسة هذا النوع من التراكيب داخل نصوصها وهو مذهب ( استرجاع البعد المفقود) يقول بسام ساعي في دراسة له عن قراءة النص التراثي "ومع هذا الفقدان المستمرّ لعناصر النصّ تبرز أمام القارئ الحصيف مهمّةٌ ليست سهلةً، وهي محاولة إعادة ترميم النصّ واستكمال ما فقده، وممارسة ما يمكن أن أسمّيه بعمليّة (استحضار الغائب واستبعاد الحاضر) من أجل الإمساك بالبعد المفقود منه" .‏ ويقول " وهكذا يتحتّم علينا ونحن نقرأ تراثنا ببعده المكتوب أن نضيف إليه البعدين: المسموع والمنظور، لنتمكّن من قراءته بأبعاده الكاملة، ونفهمه بأكبر قدرٍ من الشفافية، ونصل إلى أقرب نقطةٍ ممكنة من صورته الأصليّة الحقيقيّة" . يرسم الموقف الأول خطان متعاكسان يتبادل الحجاج والغلام أدوار السائل والمسؤول، يمسك الحجاج بمفتاح المحاورة حين تصدرت سلسلة الجمل الاستفهامية بطلب أمري يشي بقوة السائل (أقبل يا غلام) أعقبها فتيل أشعل المحاورة بأداتي الاستفهام عن الشخص(من وما) وعن المكان (أين) وهي أسئلة لا تقدم إجاباتها معرفة للسائل بقدر ما تمثل إحاطة السائل بالسيطرة على المسؤول وهو الجزء الغائب في النص المتحقق في واقع شخص الحجاج. المحاورة حافلة بأنساق لغوية تتحكم في بنائها، يتوائم البناء النفسي ورسم شخصية المتحاورين مع ما يقتضيه سير المحاورة وطبيعة موضوعها. الموقف يقود اللغة، والمعاني تشكل التراكيب، "والبيان إحضار المعنى للنفس بسرعة وإدراك ... والدلالة إحضار المعنى للنفس وإن كان بإبطاء." ولما كان الموقف نتيجة صدفة رتبها القدر ولم يتدخل بها بشر فاللغة عفوية تصدر عن محصلة تراكمية تفعل فيها طبيعة الشخصية ومعرفتها بذاتها وجهلها بالآخر لذا تتوالى الجمل الإنشائية مجللة بدلالات ظاهرة وباطنة تتلون تراكيبها ما بين الاستفهام والتعجب والجملة المثبتة المؤكدة والمنفية المنكرة. نقف عند نص المحاورة نفكك بناءها اللغوي، والنص كما عرفه أحد الباحثين: "منجز لغوي ذو علاقة ترابطية فيما بين مكوناته المتتابعة، وذو غرض إبلاغي، وبينه وبين الموقف علاقة حضور متبادل." وما عرضنا إلا محاولة تنظر إلى الجملة في سياقها النصي مستفيدة من النظر البلاغي الذي يقسم الجمل إلى إنشائية وخبرية مع شغف باستنطاق التراكيب لكشف معان يستدعيها الموقف اللغوي متضامنا مع تركيب الشخصية وسياق المحاورة. كانت إجابات الغلام مقتضبة تلبس ثوب الجمل البسيطة لفظا المكثفة معنى، مع حذف لأحد عناصرها (من الناس) و(من ولد آدم) فالمحذوف سائغ قي هذا السياق، منوع الصيغ فهو يحذف الضمير (أنا) جوابا في السياق السابق كما يحذف الفعل في جواب سؤال عن المكان (أين ولدت؟ وأين نشأت؟) يقول ابن جني: "قد حذفت العرب الجملة والمفرد والحركة، وليس شيء من ذلك إلا عن دليل عليه، وإلا كان فيه ضرب من تكليف علم الغيب في معرفته." لكن الحذف في جواب الغلام لم يكن غايته الإيجاز فحسب أو توسل بإمكان لغوي تتيحه قرائن اللفظ ، وإنما الحذف جاء محملا بدلالة الضجر والملل من ذلك السائل الذي تطفل على خصوصية الغلام الذي لم يجد بدا من أن يختطف خيط السائل فيجر الحجاج إلى مستنقع الاستفهام الإنكاري (وما تريد من اسمي ؟) ثم تساوقت الجمل الإنشائية بتسلط من الغلام مدعوما تارة بالقسم (والله) وتارة باستفهام وفيهما يتصاعد مؤشر الإنكار الذي يجعل الحجاج يدور في حلقة مغلقة من توالي الاستفزازات الإنكارية وهو لا يملك إلا التمسك بخيوط الجواب القسري الذي يقاد إليه، فلا التهكم الذي سيق بصيغة التوكيد (إني أظنك مجنونا) هزم الغلام نفسيا، ولا إغراء المنافع أجدي بأن يردعه؛ وإن تلبس الشرط المحذوف الصيغة الطلبية (فانطلق معي أفعل بك خيرا) لم تتوقف سيل طلقات الغلام النارية المنهمرة بردود منطقية تسد على الحجاج المنافذ، يلونها بجمل مركبة تركيبا جوابيا مثل (والله ما ضرني إنكارك إياي في سالف الدهر فينفعني اليوم علمك بي ومعرفتك لي!) ثم يشعلها باستفهام إنكاري (أحلني ذاك عندك مجيئي إليك سعيا كأنني ممن يرجو منك خيرا أو يخاف لك شرا) يلحقه بتوكيد مباغت (ولست هناك). يفضح النص الحواري خفايا المعنى" تبتدئ العرب الشيء من كلامها يَـِبين أول لفظها فيه عن آخره، وتبتدئ الشيء يبين آخر لفظها منه عن أوله " فيلتقط الحجاج أنفاسه بعض الشيء محاولا إنهاء المحاورة بهدوء بصيغة ثوبها الاستفهام وباطنها الحرج الذي لم ينتظر، والصدمة المتصاعدة (وما يدريك يا غلام؟) لكن ذخيرة الغلام ما زالت حية تتقد بالاستدلال المنطقي والتعليل المحكم: (لعيك بجوابي وإظهارك لساني) فالعلة جلية للغلام وإن كان الحجاج قد اجتهد في مداراتها، والتهكم قد تمادى في الكناية (وإظهارك لساني) فلا خير يُرْجَى ولا شر يُخْشَى من أحمق يدخل نفسه في جدال لم يتبين سلفا قدرات الطرف المواجه. ذلك الرد جعل غضب الحجاج بركانا منفجرا في صيغة تعجب محملة بكل دلالات المعنى الحبيس في صدره، يتضافر فيها البناء التركيبي من صيغة تعجب، والمنطوق المعجمي للفظ فعل التعجب (السفه) ثم يعقبه توكيد المتعجب منه بنداء يؤكد عموم السفه في شخص الغلام ولا يخصص رأيا أو قولا، وذلك حين صاح الحجاج: (ما أسفهك يا غلام!) وإذا أمكن الموقف من استحضار هيئة الحجاج وما تتطلبه من مسلك أدائي يتحفز لاقتناص كل الأدوات التي تمكنه من حسم الجدال لصالحه وهو ما يقتضيه سياق الموقف، فإن الطرف الآخر واثق مشاكس لا ينال منه التسفيه، ولا تلين عريكته لذا يعجل بضربة قاضية مختارة من نوعية الردود السابقة بل أشدها مضاء باستفهام يرشح بكل الدلالات الإنكارية والتعجبية (وما علمك بسفهي وأنني سفيه؟) ثم يذيله بتوكيد عاصف قاصم اختار له جملة حالية مؤكدة منغمة موسيقية (وأنت قد ذهب بك التيه وذاك بك شبيه!) لقد تحققت للغلام السيطرة اللغوية بتوظيف المفارقة فالتصاق التيه بالحجاج وشبهه به أدعى إلى الاتصاف بالسفه وهو منبع المفارقة التي " يكون فيها المعنى الخفي في تضاد حار مع المعنى الظاهري." وفي النثر ما في الشعر من تفرد الصياغة وقوة التصوير مع اختلاف نسيج مادتهما. الموسيقى الداخلية مكثفة في نص المحاورة، وهي ما جعل التماسك بين اللفظ والمضمون يحدثان إشراقا في النص وتنغيما يستحضر موقف الخطاب بأبعاده الظاهرة والكامنة، الملفوظ منها والملحوظ، الظاهر والمقدر. فتقسيم الجمل والمطابقة، والفواصل وإقفال الجمل المتوالية بما يشبه التجنيس والتضاد، وتماثل الأصوات جميعها تغري بتنغيمها القارئ، فيأخذه إلى حياة أخرى للفظ على لسان قائله، لا رسمه حبيسا في قرطاس. ولننظر مثال: (على ظهر الأرض في بعض الحجرات قال: فأين نشأت قال: مابين السماء والأرض في بعض الفلوات) وكذلك (وما علمك بسفهي وأنني سفيه؟ وأنت قد ذهب بك التيه وذاك بك شبيه!). تفعل حركة الضمائر في حيوية الخطاب وموسيقاه بين الذوات المتكلمة (أنا) و(أنت) فكل من الحجاج والغلام متكلم مرة ومخاطب مرة أخرى، هذا الخطاب المتبادل جعل القذائف اللفظية تعنف تارة، وتركن إلى الهدوء تارة أخرى فتنخفض حدة نبرها (قال: وما يدريك يا غلام ؟ قال: لعيك بجوابي وإظهارك لساني قال: فانطلق معي أفعل بك خيرا قال: والله ما أرى فيك شيئا من الخير فأنطلق معك). استدعى الموقف تلوين المؤكدات السياقية وهي المؤكدات التي يمور بها النص غير ما ضيقه النحاة بنطاق (المؤكد اللفظي والمؤكد المعنوي) فالغلام يعزز إجابته المبهمة بتعيين المكان فكأنما يؤكد للسائل حقيقة أنه لا يرغب بالإفصاح عن شخصه (فأين ولدت ؟ قال: على ظهر الأرض في بعض الحجرات قال: فأين نشأت قال: مابين السماء والأرض في بعض الفلوات) ويأتي ضمير النصب المنفصل(إنكارك إياي) أمضى في التوكيد من ضمير النصب المتصل (أن تنكرني) وللجملة المركبة جوابيا أثر في تعزيز القسم الذي تصدرت به ( والله ما ضرني إنكارك إياي في سالف الدهر فينفعني اليوم علمك بي ) ويؤدي العطف دوره في تأكيد الجملة سياقيا (ومعرفتك لي) أما الحجاج ففي تعليقه تصدير بحرف وظيفته التوكيد (إني) والفعل القلبي دل على اليقين وليس الترجيح في هذا السياق ( إني أظنك مجنونا). كما نجد في تحول إجابات الغلام من النمط الإخباري إلى الإنشائي الاستفهامي شيئا من التوكيد الضمني (أحلني ذاك عندك مجيئي إليك سعيا) إضافة إلى ما تتحمله الإجابة من استغراق سد منافذ كل الإمكانات المحتملة (كأنني ممن يرجو منك خيرا أو يخاف لك شرا) وتقفل الإجابة بمؤكد قوي و(لست هناك) ولعل هذه القفلة تعزز أن هذا الشق هو من مستويات اللغة المحكية. في الموقف الثاني تتخذ المحاورة شكلين مختلفين فالظرف قد اختلف مكانيا والاعتذار بالجهل بمكانة الحجاج قد رُفِع. المكان بلاط الحجاج بين جنده وهو في قمة سلطانه، أما الفتى فهو محجوز بالإكراه إذعانا لأمر الحجاج بجلبه بعد أن أُقْفِل الشق الأول من المحاورة بقذيفة الغلام الساحقة أن رد عليه الاتهام بالسفه وأن التيه لاصق بالحجاج. يستعد الحجاج للموقف الثاني بكامل جاه السلطان، وتوالي الأيام على الغلام في حجزه القسري، المفروض عليه بأمر الحجاج، لم تكن غاية الحجز عقوبة يوقعها الطرف المستقوي بالسلطة وهو الحجاج على غلام من عامة الشعب، فللحجاج من الذكاء ما يقشع ضبابية الرؤية لتستبين له قوة غلام سندها ثبات في الجنان، وإشراق في البيان، وإنما غاية الحجز ليراجع الغلام نفسه؛ عله يعتذر بعد أن تبينت له شخصية السائل وكشفت الحجب (فلما اطمأن به المجلس أمر بأن يقف عن جانبيه ستة آلاف رجل من الجند، بأيديهم الأعمدة والترسة والسيوف المخترطة ثم أمر بإدخال الغلام عليه) وتتنامى عناصر قوة الحجاج بالجنوح اللفظي فالغلام كسير النفس بحجزه، وبما يراه من مظاهر الجبروت من جند وسلاح. هكذا قيم الحجاج الموقف وخلص إلى نتائجه؛ وهو ما سوغت له نفسه بأن يبادر بالهجوم اللفظي والسباب الجارح (يا عدو الله أنت صاحب الكلام؛ لا أم لك ولا أب لك ولا أرض لك!) وما كان يخطر بباله أن تقوم للغلام قائمة في هذا المقام؛ لكن المفارقة تظهر في المسلك والملفظ (فدخل يخطر بين الصفين، لا يهوله ما يراه) بل تأتي إجاباته مفصحة عن شجاعة عتيدة، وبيان رصين بلفظ مكافئ للسؤال. وتخلص بليغ، لغته مشرقة بالاستدلال المنطقي والتوكيد اليقيني (لو كنت عدو الله كنت شيطانا رجيما، وما أحد بلا أم ولا أب إلا آدم وحواء، والأرض ما هي لي ولا لك، فالله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين وأنا صاحب الكلام، فما أنكرت منه؟) رد ملفوظ لا يكترث الناطق بعواقبه. هنا يبلغ صراع النفس عند الحجاج ذروته؛ فالكتاب مقروء لا غموض فيه، والرسالة جلية وصلت لعقله وروحه. تَحَرَّج الحجاج من الانسياق إلى ضعفه البشري (فلما رآه لم يغفل عن الجواب، ولا تغير في الخطاب، أمسك عنه مخافة أن يشتد غضبه فيقتله) هنا يتجلى أدب الملوك: الصمت والتفكير ثم تحويل مجرى المحاورة إلى استعراض لغوي بياني (وأطرق طويلا ثم رفع رأسه إليه فقال: هل أصابكم من هذا المطر؟ قال نعم، قال: فشهدت ابتداءه؟ قال نعم، قال فصفه لي؟) يفتح الحجاج للغلام ساحة ميدان آخر، يصول فيها ويجول، بعيدا عن قذائف الجدال واللجاج. وكما كان الغلام سيفا بتارا في الأولى كان نهرا فياضا في الثانية, هو مفوه في الحالين إنما لكل مقام مقال، فالجمل في النص الثاني إخبارية تعتمل بالوصف والكنايات، وإن تصدرت بالقسم فهو للتوكيد أو أنه نسق من الاستعمال الوظيفي الذي لا يغفل عن كون هذا المطر من آيات الله سبحانه خالق كل شيء ومدبر الأمور (والله لقد نظرت إليه حين أقبل تؤلفه الرياح، فوعهد الله ما عنانا ولا اكترثنا له، ثم لم يلبث أن صار نشاصا، لا ترى منه خلاصا، ثم تخندس وأظلم، واشتد واكتهم، وتزاحم حتى علا البقاع والتلاع، وبلغ رؤوس الجبال فهد الصخور وثور البحور، ثم هدأ بإذن من على العرش استوى، وذلك تقدير العزيز العليم). تظهر في النص أساليب تؤرخ للعصر الذي كانت فيه حية نابضة (لا أم لك ولا أب لك ولا أرض لك!) ومفردات ندرجها اليوم في مرحلة سالفة من حياة معجمنا اللغوي مثال (نشاص وتخندس واكتهم) اعتنت اللغة بالوصف والكنايات وحشدت التصاوير المتوالية لرصد مراحل المطر من الأدنى إلى الأعلى ومن أصله كغيم (حين أقبل تؤلفه الرياح) إلى أن بدأت المرحلة الثانية بالنشاص وهي السحاب المرتفع: جاء في لسان العرب: "الغيم الذي يرتفع بعضه فوق بعض وليس بمنبسط" فلما أطبق عليهم لم يروا خلاصا، بعدها كانت المرحلة الثالثة وفيها ذروة الأمر فناسيتها ألفاظ من معجم القوة (ثم تخندس وأظلم، واشتد واكتهم، وتزاحم حتى علا البقاع والتلاع، وبلغ رؤوس الجبال فهد الصخور وثور البحور) وينتهي بهدوء تناسبه الجملة التقريرية (ثم هدأ بإذن من على العرش استوى، وذلك تقدير العزيز العليم). التصوير يرصد بدايات المطر ويتصاعد اللفظ مع حركة الإعصار ليصل مداه المقدر له وينتهي بإذن الله على حيث بدأ. في هذا الشق الوصفي من المحاورة نلمح قرائن المكان الذي جاء منه الغلام فهي منطقة وادي تحوطه التلاع والجبال فالمطر علا البقاع وارتفع منسوبه إلى التلاع وهي " ما ارْتَفَعَ من الأرضِ، وما انْهَبَطَ منها، ضِدٌّ، ومَسيلُ الماءِ، وما اتَّسَعَ من فُوَّهَةِ الوادي." وإشارة إلى أن المنطقة قريبة من النهر والعرب تطلق على الماء المالح والعذب بحر. بعد أن هدأت النفوس، وانتشت الآذان بالوصف البليغ، يقتضي المقام تصرف الملوك (سلني حاجتك؟) لكن الغلام شخصية لا تتناقض، متصالحة مع نفسها، واعية لما تقاد إليه فجاءت الإجابة على السؤال الرقيق بجملة تتسق والنسق البياني للغلام ( قال والله ما أسأل إلا من أنا وأنت عنده في المسألة سواء! ذلك الله ربي وربك!) وهنا يتجلى أدب الملوك بمكافأة جزلة وتمكين الغلام من أن يحظى بلقاء الخليفة في دمشق الذي (أضعف له الجائزة بعد أن عجب منه وأنفق عليه، وانصرف إلى أهله مسرورا.) تثير تلك المحاورة جملة من التساؤلات تتصل بعلاقة الموقف اللغوي بالموقف السياقي، أو بتعبير آخر علاقة الدال اللغوي الخاص بالدال السيميائي العام الذي يكشف ما خفي من المعنى بين تضاعيف إشارات، واستدعاءات المحذوف مما لم يرد لفظا ويتطلبه المعنى. وهو ما يعبر عنه هاليداي: " هو النص الأخر ، أو النص المصاحب للظاهر، وهو بمثابة الجسر الذي يربط التمثيل اللغوي ببيئته الخارجية" وتساؤل آخر حول استحضار الماضي؛ لماذا نلتفت إلى التراث؟ نجتر ذاكرة أمة قضت آجالها واستمرت أجيالها، فالقوم اليوم هم قوم الأمس اسما لكنهم غير القوم فعلا. أتمجيد للتاريخ ذلك الشغف بالتراث؟ أم بكاء وحسرة على واقع؟ كيف استقامت لأسلافنا تلك الجسارة المقتحمة وهم محاطون بأمم أكثر منهم قوة وأوغل في حفر مكانهم في التاريخ؟ أوتكون المعرفة الإنسانية كامنة عند أمة وناضبة عند أخرى؟ تنطق المحاورة بحقيقة أن المجد كان سمة أمة لا أفراد، فلم يكن هناك الزعيم الواحد الأوحد، والصدفة التاريخية التي لا تتكرر، أو المهاب والمهيب؟ فقد كان للغلمان والفتيان حق في الحوار والمجادلة، قبل أن تبتدع الأمم المتحدة حقوق الإنسان بحقب طويلة. وتسجل المحاورة للشباب العربي في تاريخنا صفحات متوهجة بفعل الأنفة والاعتزاز، والاستمتاع بممارسة كينونة الذات مع فصاحة في اللسان، وثبات الجنان، وإشراق البيان. ‏ من الممكن لقارئ آخر أن يستكنه بشيء من التأمل ملامح أخرى تفوت على قارئ آخر، فالقراءة تفرد لها جمال خصوصية التلقي والفهم. الجاحظ (255 هـ )؛ البيان والتبيين؛ تحقيق عبد السلام هارون (ط3 مكتبة الخانجي) 1/ 145 الصابئ؛ غرس النعمة أبي الحسن محمد بن هلال (ت 480هـ) الهفوات النادرة؛ تحقيق صالح الأشتر (ط1 مجمع اللغة العربية /دمشق 1387هـ - 1967م) ص 228- 230 (مكتبة التراث الأزهرية / القاهرة 2003م) ص 123 جان بران؛ سقراط أمجد الفلاسفة، ترجمة جورج أبو كسم. (ط 1 ، دار الأبجدية/ دمشق 1994م) ص 98 محمود حيدر؛ مفهوم الحوار في إشكاليات الاختلاف والتواصل ونظام القيم- مجلة الفكر السياسي؛ ( اتحاد الكتاب العرب بدمشق) - العدد 21 السنة الثامنة شتاء 2005. جان بران؛ سقراط أمجد الفلاسفة، ترجمة جورج أبو كسم ص 113. أبو أوس الشمسان؛ مصيدة المشترك اللفظي (الجزيرة - الثقافية؛ العدد 247 / الرياض 7/ 5/ 1429هـ) السرخسي؛ (490 هـ ) صول السرخسي تحقيق أبو الوفا الأفغاني (دار المعرفة / بيروت 1973م) 1/ 163 التفتازاني (791 هـ ) شروح التلخيص (بيروت دار الكتب العلمية د. ت.) 1/122- 123 ابن رشيق( 456هـ ) العمدة في محاسن الشعر؛ تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد (مطبعة السعادة/ القاهرة 1383هـ ) ص 199 والقزويني (739 هـ ) ؛ الإيضاح في علوم البلاغة (مكتبة محمد علي صبيح القاهرة/ 1390 هـ ) ص 7- 8 البغدادي؛ خزانة الأدب؛ تحقيق عبد السلام هارون (ط 2 مكتبة الخانجي / القاهرة 1402 هـ ) 4/ 384 ابن السراج (316 هـ )؛ الأصول في النحو؛ تحقيق عبد الحسين الفتلي (ط1 مؤسسة الرسالة / بيروت 1405 هـ) 2/ 274 االسيوطي(911 هـ )؛ الأشباه والنظائر في النحو؛ تحقيق طه عبد الرؤوف سعد (مكتبة الكليات الأزهرية / القاهرة 1295 هـ ) 1/ 268 السيوطي (911 هـ )؛ همع الهوامع تحقيق عبد العال مكرم سالم (دار البحوث العلمية 1394 هـ ) 2/ 224 الجاحظ (255 هـ )؛ البيان والتبيين؛ تحقيق عبد السلام هارون (ط3 مكتبة الخانجي) 1/ 75 بسام ساعي؛ قراءة النصّ التراثيّ: استرجاع البعد المفقود؛ (مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب العدد 98 - السنة الخامسة والعشرون / دمشق حزيران 2005 م المرجع نفسه ابن رشيق( 456هـ ) العمدة في محاسن الشعر؛ تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد (مطبعة السعادة/ القاهرة 1383هـ ) 1/ 254 الطلحي؛ ردة الله بن ردة بن ضيف الله؛ دلالة السياق، رسالة دكتوراه مخطوطة (المملكة العربية السعودية جامعة أم القرى / مكة المكرمة 1418 هـ ) ص 44 ابن جني (398 هـ )؛ الخصائص تحقيق محمد علي النجار (ط3 الهيئة المصرية العامة للكتاب / القاهرة 1416 هـ) 2/ 326 الشافعي (204 هـ )؛ الرسالة تحقيق أحمد محمد شاكر، (ط2 دار التراث / القاهرة 1393هـ ). ص 52 جاب الله؛ أسامة عبد العزيز؛ جماليات المفارقة النصية (موقع مجلة ديوان العرب الإلكترونيةhttp://www.diwanalarab.com 15/ 4/ 2008م) ورثت اللهجات العربية المعاصرة نماذج من هذه القفلات التي يعجز فيها المتكلم السامع فيفحمه منها في نجد (امْعَصِي) (وتخسي) وفي الكويت (حامض على بوزك) وفي الشام (بعيد عن شواربك) وليست هذه القفلات محكومة ببيئتها بل هي متنقلة بطبيعتها. اين منظور؛ اللسان مادة (ن ش ص) اين منظور؛ اللسان مادة (ت ل ع)  مرج البحرين يلتقيان الرحمن 19 البركاوي؛ عبد الفتاح عبد العليم ؛ دلالة السياق بين التراث وعلم اللغة الحديث. (ط 1، دار المنار/ القاهرة 1411 هـ ) ص 37 عوض؛ يوسف نور؛ علم النص ونظرية الترجمة؛ (ط1 دار الثقة للنشر والتوزيع / مكة المكرمة 1410هـ ) ص 29

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق