السبت، 24 أغسطس 2013

مدخل إلى الأدب التفاعلي

*الكتاب: مدخل إلى الأدب التفاعلي
* تأليف :د. فاطمة البريكي

*الناشر:المركز الثقافي العربي - بيروت 2006

*الصفحات: 205 صفحات من القطع الكبير

الدكتورة فاطمة البريكي باحثة وأكاديمية من الإمارات تهتم بدراسة العلاقة الجديدة التي نشأت بين الكتابة ووسائل التكنولوجيا الحديثة التي فرضت نفسها على حياة الإنسان المعاصرة وقضايا التفاعل الثقافي ونظريات التلقي في النقد العربي القديم والنقد المعاصر في ضوء نظريات التفاعل القائمة بين الأدب والتكنولوجيا.

ويعدُّ كتابها ( مدخل إلى الأدب التفاعلي) مساهمة بالغة الأهمية في هذا المجال من حيث كونه يتناول موضوعا جديدا كل الجدة على الدراسات الأدبية والنقدية هو موضوع الوسائل الحديثة في الكتابة واستفادة الأدب من المعطيات التكنولوجية وثورة المعلومات المعاصرة وانعكاسات ذلك على عمليات التلقي على غرار ما حصل من تفاعل وتمازج بين النظريات الأدبية والنقدية سابقا والعلوم والنظريات الأخرى وفي مقدمتها علم الاجتماع وعلم النفس وعلم اللغة والنظرية الماركسية.

يتألف الكتاب من مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة وثبت بالمراجع والمواقع الإلكترونية العربية وقد حاولت الباحثة في مقدمتها أن تصحح النظرة الشائعة التي لا ترى أي علاقة بين الأدب والتطور التكنولوجي نظرا لاختلاف طبيعة كل منهما فالأدب في ضوء التطور التكنولوجي الكبير وظهور شبكة الإنترنت استطاع أن يستفيد من هذا التطور وأن يتأثر به تأثرا بالغا بسبب كون الأدب لصيقا باليومي وغير منفصل عنه.

ولم تتوقف إثر ذلك على الأدب وحسب وإنما على عملية تلقيه وعلى عناصر العملية الإبداعية الأمر الذي يجعلها تتوقف وقفة مطولة عند هذه العلاقة لتبين الجوانب المختلفة والأوجه السلبية والإيجابية لها لاسيما بعد أن أثمرت تلك العلاقة نوعا جديدا من النصوص يجمع بين فنية الأدب وعلمية التكنولوجيا

وهو ما تسميه بالأدب التفاعلي الذي تسعى لتعريفه وبيان الكيفيات التي يأتي عليها هذا النمط من الكتابة الأدبية، إضافة إلى الكشف عن الآثار التي ترتبت على التزاوج الحاصل بين الأدب والتكنولوجيا. تتناول الباحثة في الفصل الأول الذي تفرع إلى عدد كبير من المحاور أول مظاهر التحول الذي نجم عن علاقة التفاعل بين الأدب والتكنولوجيا والذي يتمثل في الانتقال من الورقية إلى الإلكترونية

حيث تدرس أولا دورة حياة النص الأدبي التي بدأت مع مرحلة الشفاهية ثم انتقلت إلى مرحلة الكتابة وحاليا المرحلة الإلكترونية ولتفادي إشكالية الاتساق في تسميات المصطلحات تطلق على المرحلة الكتابية صفة الورقية ما يجعل مصطلح الكتابية يقابل مصطلح الشفاهية والورقية يقابل الإلكترونية التي شكلت في حياة النص الأدبي انتقالا من عهد إلى عهد يعد طفرة سيكون لها أثرها البالغ الذي يتجاوز نوع النصوص إلى طبيعتها

ثم توضح المقصود من النص على السؤال المركزي عن إمكانية المزاوجة بين الأدب والتكنولوجيا لكنها في البداية تتعرض لذكر بعض المظاهر التي تمخض عنها هذا الزواج وأنواع النصوص التي أفرزها العصر التكنولوجي حيث أصبحت الشاشة الزرقاء هي الوسيط بين المتلقي والمبدع

وكان النص المتفرع الذي يتألف من نسقين سلبيا يتسم بالانغلاق على الذات وعدم التداخل مع الآخر وإيجابيا يتيح للمستخدم التعديل والحذف بقيود ما يوفر إمكانية الانتقال من التأليف الفردي للنصوص إلى التأليف الجماعي، ثم النص الشبكي الذي يركز على النظام الآلي للنص.

وتنتقل في الفصل الثاني إلى دراسة الأدب التفاعلي الذي يعتمد في ظهوره على استخدام خصائص النص الجديد الذي يطل عبر شاشة الحاسوب فتتناول في البداية القصيدة التفاعلية التي مضى على ممارستها في الثقافة الغربية خمسة عشر عاما وتوضح الفروق القائمة بين المصطلحات التي استخدمت في ترجمتها إلى العربية وأولها تجاوز الشاعر للصيغة الخطية المباشرة في تقديم النص والاستفادة من الخصائص التي تتيحها التقنيات الحديثة.

وثانيهما الاستعانة بالصوت والصورة في النص الإلكتروني على عكس النص الورقي والمساحة التي يتيحها الشاعر للمتلقي للتحرك في فضاء النص. أما تعريفه للقصية التفاعلية فهو النمط من الكتابة الشعرية الذي لا يتجلى إلا في الوسط الإلكتروني معتمدا على التقنيات التي تتيحها التكنولوجيا الحديثة والوسائط الإلكترونية في ابتكار أنواع من النصوص الشعرية تتنوع في أساليب عرضها وطريقة تقديمها للمتلقي/ المستخدم.

وعلى المستوى العربي فإن هذه القصيدة لم تظهر لا على مستوى المفهوم أو على مستوى التطبيق والممارسة لكن توجد هناك قصائد رقمية وإلكترونية لعدد من الشعراء العرب ولكن ليس هناك قصائد إلكترونية. لقدا كان ظهور القصيدة التفاعلية في الأدب الغربي يعود إلى مطلع تسعينات القرن الماضي على يد الشاعر الأميركي روبرت كاندال.

وتقدم الباحثة نماذج من تلك القصائد التفاعلية تتحدث بعدها عن مميزات هذه القصيدة المتمثلة في تنوع جمهور القصيدة وعالميته وانفتاح القصيدة التفاعلية على جميع الوسائط المتاحة بحيث تتحول إلى عالم مسرحي متحول ومفتوح على كل الاحتمالات وتحرر لغتها من قيود الزمان والمكان والمادة.

ومن الأمثلة التي تقدمها قصيدة الومضة التي تقوم غالبا على المفارقة والسخرية والدهشة وفي استثمارها لمعطيات التكنولوجيا يؤدي الزمن فيها دورا واضحا يكون مختصرا في أضيق الحدود. وتعتمد هذه القصيدة بصورة كلية على برنامج العروض التفاعلية الذي يؤسس لهيكلية جديدة للقصيدة يعتمد على مشاركة المتلقي ـ المستخدم.

وهناك الشعر البصري الذي لا يقرأ فقط وإنما يشاهد ويرى وقد اتخذ معنى مختلفا كما ظهر في عدد من المواقع التي عملت على تحويل الكلمات إلى صور. وتستحضر في هذا السياق الشعر الهندسي الذي يكتب على شكل من الأشكال الهندسة والذي عرفه الأدب العربي وقد استخدمت مصطلح الهندسي بديلا لمصطلح الشعر الدائري

وقدمت العديد من الأمثلة الشعرية التي كان أول من استخدمها ابن الأفرنجية الحلبي وهي ترى أن هذا الشكل يمكن أن يلقى رواجا جماهيريا إلكترونيا لأن مجال الإبداع في رسم النصوص وفي طريقة تقديمها للمتلقي كثيرة كما يمكن فيها دمج الصور مع الكتابة النصية.

كذلك تتناول المسرحية التفاعلية التي تعرفها بأنها نمط جديد من الكتابة الأدبية يتجاوز الفهم التقليدي لفعل الإبداع الأدبي الذي يتمحور حول المبدع الواحد ويكتب بلغة النصوص الإلكترونية مستبدلا الخشبة وخصائص العرض المسرحي التقليدي بالشاشة.

ويعود ظهوره إلى منتصف الثمانينات من القرن الماضي لكنه لم يظهر حتى الآن في العالم العربي. وتقيم مقارنة بين المسرح التقليدي والمسرح التفاعلي ثم تتنقل لدراسة الرواية التفاعلية التي تعرفها بأنها نمط من الفن الروائي يعتمد على كسر النمط الخطي المستخدم في الرواية التقليدية وتستخدم برامج لإلكترونية تسمى المسرد والروائي الجديد وهما عبارة عن وسيط للكتابة تسمح للقارئ بتجميع شظايا النص من خلال خلق نوافذ يمكن ربط إحداها بالآخر.

وتعتبر رواية الظهيرة أول رواية تفاعلية غربية تتالت بعدها التجارب التي تقدم نموذجا منها هي رواية شروق شمس في حين أن هذه التجربة لم تخض في الأدب العربي باستثناء مغامرة محمد سناجله الذي عمد إلى كتابة الرواية الإلكترونية عام 2001 أسماها ظلال الواحد.

كما تتحدث عن سمات الإنسان الافتراضي الحب للاستطلاع ويحمل روحا علمية وينجز جميع أعماله من خلال جهاز الحاسوب ويتميز بحركية الفكر وتجدد المعرفة ومرونة الفكر ومن خلال هذه السمات تعود لبيان الفروق الموجودة بين الرواية التقليدية والرواية الرقمية لتخلص في النهاية إلى عرض للمواقف الرافضة والمؤيدة للأدب التفاعلي.

وفي الفصل الثالث تركز الدراسة على العلاقة بين الأدب التفاعلي والنظرية النقدية فتستهلها بالمقارنة بين المبدع الورقي والمبدع الإلكتروني لبيان التطور الذي طرأ على العملية الإبداعية بعد أن كان الأول قد طبع تلك العملية بطابع خاص بتنا ندركها بعد ظهور الشكل الإلكتروني

كذلك كان المبدع الورقي يحتاج إلى مجموعة من الوسطاء للوصول إلى جمهوره وهو ما اختلف مع شبكة الإنترنت كما كانت المساحة الورقية محدودة بينما المبدع الإلكتروني لا يعاني من ذلك وهو مبدع متعدد من خلال ما يوفره الأدب التفاعلي من إمكانية لكل شخص بأن يختار المسار الذي يناسبه لإكمال الرواية.

وقد ترتب على هذا التبدل تبدل آخر على مستوى التلقي الذي انتقل من المتلقي الورقي إلى المتلقي الإلكتروني بحيث نجم عنه تغيرات أهمها تعددية الخيارات المتاحة أمام المتلقي الإلكتروني إضافة إلى الوقت الذي أصبح ملكا لذلك المتلقي. وإذا كان النص الورقي يعد منتهيا عند صدوره في كتاب فإن النص الإلكتروني قابل للتعديل سواء من قبل المبدع أو المتلقي ـ المستخدم كما أن النص الإلكتروني يتميز برحابته.

ومن مظاهر التبدل التي فرضتها الطبيعة الجديدة للنص الإلكتروني ألا يكون هذا النص مكتملا أبدا لأنه قابل للتغير مع كل قراءة كما أن الفراغات الموجودة في النص الإلكتروني تكون مصحوبة بدعوات إعلانية للقارئ من قبل مبدعه لكي يحاول إكماله وفق ما يراه مناسبا وقد اقتضى ذلك من المتلقي ـ المستخدم أن يكون واعيا بدوره وألا يستسلم لما هو موجود في النص وأن يكون أكثر مشاركة في العملية الإبداعية.

كما تسعى للبرهنة على أن القصيدة التفاعلية هي عبارة عن نص مكتوب يختلف من قراءة إلى أخرى وأن فكرة موت المؤلف التي قال بها رولان بارت تجد رواجا كبيرا عند منظري الأدب التفاعلي لكون المتلقي لديهم هو سيد الموقف ومالك زمام النص ثم تبحث في مفهوم القارئ الضمني والكتابة الجماعية وعلاقة النص الإلكتروني بنظرية التلقي

وأخيرا علاقة الأدب التفاعلي مع التناص إذ يوجد في هذا الأدب تداخل للنصوص مما ينجم عنه وجود نص آخر في النص وتحقيق مفهوم الإنتاجية القائم على تداخل النصوص وتوليدها لنصوص أخرى وكذلك مبدأ الحوارية من خلال الحوار الذي تقيمه النصوص المختلفة إضافة إلى تعددية الأصوات.

--0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0-0
نشر في جريدة البيان الإمارتية ـ أحلام سليمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق