الجمعة، 17 يناير 2014

تأثير التفاعل الاجتماعي بين الطفل والأتراب في نمو الشخصية

تأثير التفاعل الاجتماعي بين الطفل والأتراب في نمو الشخصية
(..... «الصبي عن الصبي ألقن، وهو عنه آخذ، وبه آنس» ابن سينا)
أُغفلت علاقة الطفل بأترابه لمدة طويلة، ولم تبدأ دراسة هذه العلاقة بشكل منهجي إلا منذ عدة عقود. لقد كانت الأدبيات التي تعالج التطور الاجتماعي للطفل من إنجاز المنظرين الذين لم يسبق لهم ملاحظة الصغير أثناء تفاعله مع الأقران.

أسهمت البحوث التي اعتمدت منهج الملاحظة الميدانية في العقود الأخيرة من القرن الماضي مساهمة خلاقة في هذا الميدان. إذ تناولت هذه البحوث التفاعل الاجتماعي للطفل مع الأقران في تعبيره العفوي، وفي محيطه المألوف في الروضة وفي مختلف المراحل النمائية.
ويقصد بالتفاعل الاجتماعي كل سلوك أو فعل أو إشارة جسدية أو كلامية تصدر عن الفرد وتؤدي إلى حدوث استجابة أو تعديل في سلوك فرد آخر، وتؤدي هذه الاستجابة بدورها إلى إصدار جديد من قبل الطفل المصدر. فالتفاعل الاجتماعي يعني التأثير في الآخرين والتأثر بهم.
 تهتم التربية الحديثة بتشجيع إقامة العلاقات الاجتماعية وعلاقات المودة والصداقة بين الأطفال لما لذلك من أهمية تربوية وتعليمية. إذ تؤكد دراسات عديدة الترابط بين افتقار الطفل للعلاقات الحميمة مع الأتراب وبين النتائج السلبية في مختلف جوانب الشخصية في مراحل لاحقة.
فالنمو الاجتماعي والمعرفي يرتبط بنشاطات اللعب الاجتماعي والتفاعل التي يظهرها الصغار، ويمثل ذلك تمهيدا وتحضيرا لمسيرة الطفل نحو التعلم المدرسي في ما بعد. لقد تبين الارتباط الإيجابي بين اللعب والتفاعل الاجتماعي والنشاطات التالية: اكتساب اللغة والقدرة على حل المشكلات، والإبداع والشعبية والصداقة.

تطور التفاعل بين الصغار
يتميز التفاعل الاجتماعي بين الأطفال بالتنوع والثراء منذ بداية الحياة. وتتغير صيغة هذا التفاعل ووظيفته أثناء النمو. فالطفل منذ عامه الأول يأخذ المبادرة لإقامة التفاعل الاجتماعي، وفي الأشهر الأولى من عامه الثاني يبدأ التبادل مع الأتراب حيث يتركز هذا التفاعل حول الألعاب. في حين أكدت بحوث أخرى ارتفاع تكرار التفاعل الاجتماعي في غياب الأشياء والألعاب. وتجدر الإشارة إلى ضرورة التمييز بين مستويين من التفاعل بين الأقران: يظهر المستوى الأول في نهاية السنة الأولى خارج نطاق الأشياء والألعاب، ويتميز هذا النوع بمدته القصيرة (إصدار – استجابة). في حين يظهر المستوى الثاني في السنة الثانية، في صيغة سلسلة من السلوك الموجه اجتماعيا ليدعم التفاعل الأكثر استمرارا من سابقه حيث يستمر بضع دقائق، وغالبا ما يتركز حول موضوع ما.
أما في السنة الثالثة من العمر، فينمو التفاعل بين الأقران ويتطور تطورا نوعيا، خصوصا عندما يكون الطفل عضوا في مجموعة مستقرة (في دار الحضانة أو في الروضة). يشارك في علاقات متبادلة، مما يؤدي إلى تطوير منظومته السلوكية بحيث يتمكن من المشاركة في تفاعل معقد، ثنائي (مع طفل واحد) أو تعددي (مع طفلين أو أكثر في الوقت نفسه). ويرتبط نمو هذا النوع من العلاقات التفاعلية بتطور القدرات اللغوية والإشارية التعبيرية التي تولد استجابات من عدة أقران في الوقت نفسه. مما يمكِّن الطفل من الانتقال من صيغة تزامن ثنائي إلى صيغة تزامن تعددي، ويصبح قادرا على دمج سلوكه بسلوك الآخرين، والمشاركة في تفاعلات طويلة ومعقدة تتطلب تنسيقا عاليًا. وفي أثناء السنة الرابعة من العمر يتأكد التفاعل الكلامي يوما بعد يوم، ليصبح الصيغة السائدة في التواصل، وتتراجع بعد هذا العمر، تدريجيا، أهمية سلوك التقليد المباشر بين الأتراب.
أشارت الكثير من الدراسات إلى أهمية الخبرات المبكرة مع الأقران في نمو الطفل الاجتماعي، فالتجربة مع الأقران تُغني الموسوعة السلوكية للطفل وتؤثر تأثيرا إيجابيا في تفاعله مع الأهل. كما تأخذ هذه الخبرات المبكرة أهمية أساسية في تطور السلوك الاجتماعي والجنسي في مراحل لاحقة.

الصداقة بين الصغار
ويبدو أن التفاعل الاجتماعي عند الطفل يتأثر بخصائص رفيق اللعب، وبدرجة تعود أحدهما على الآخر. فالتفاعل مع قرين معروف يكون أكثر تعقيدا وأكثر تكرارًا بالمقارنة بالتفاعل مع قرين غير معروف.. وتوضح الدراسات الحديثة أهمية علاقات الصداقة بين الأطفال وتأثيرها في خصائص التفاعل الثنائي في ما بينهم. فالصغار الأصدقاء هم أكثر إنتاجا للمقترحات والمبادرات المتعلقة باللعب والنشاط مقارنة بغير الأصدقاء وأكثر حوارا وميلا إلى إيجاد الحلول التوفيقية في ما بينهم، وأكثر التزاما بقواعد اللعب.
 إن التفاعل مع الأتراب يشكل فرصة فريدة، لها خصائصها المميزة. إذ يتعرض الطفل لنمط من المثيرات يختلف عن تلك التي يعيشها في تفاعله مع البالغين، فتكيّف الطفل أثناء تفاعله مع الأقران يمكّنه من إغناء تجربته واكتساب الكثير من أشكال السلوك والآليات التي تمكنه من التوافق مع الظروف الاجتماعية المختلفة. وهو يقوم مع الأقران بأدوار متعددة ومعقدة، يساعده ذلك في طريقة تكيفه مع وسطه الاجتماعي.
ويتمكن الأطفال في الزمر المستقرة من تطوير آلية لمواجهة الأزمات، التي تنشأ من حين إلى آخر كالتهديد أو العدوان - إذ تبرز أهمية احتواء التفاعل العدائي، وتطور التفاعل الودي الذي سيؤدي إلى تركيز السلطة في المجموعة وتزايد قدرتها على حل الأزمات التي تعترض طريقها، وعدم السماح للتفاعل العدائي بالتطور أو بالاستمرار.

أطفال يقلدون بعضهم
تأخذ التجربة مع الأقران أهمية خاصة في نمو الطفل من مختلف الجوانب الاجتماعية والمعرفية والانفعالية واللغوية. لأن الطفل في تفاعله مع الأقران يحاول استكشاف المحيط، واكتشاف أو إبداع ألعاب جديدة متنوعة، ويقوم بأدوار معقدة ومختلفة، مما يؤثر تأثيرا إيجابيا في نموه الاجتماعي والمعرفي. كما يتمكن الطفل في تفاعله مع الأقران من إثراء محصوله اللغوي، بتعلم كلمات وجمل وتعبيرات جديدة. ويضع موضع التطبيق ما تعلمه في ميدان التواصل اللغوي. فالعلاقات المتبادلة مع الأقران تمكن الطفل من تنمية قدراته في التواصل مع أقران دائمين.
كما تشكل هذه التجربة فرصة لتنمية القدرة على التكيف الاجتماعي، ولإقامة روابط الصداقة في مراحل متقدمة من النمو، مما يؤثر في مستوى التحصيل الدراسي. فالطفل غير المقبول اجتماعيا من مجموعة الأقران يعاني صعوبات في التعلم، ويكون ذلك مؤشرا لاحتمال التسرب وترك المدرسة، أو الجنوح واضطراب السلوك في مرحلة المراهقة.
يتضح مما سبق تأكيد الدراسات في الربع الأخير من القرن الماضي، على أهمية التفاعل الاجتماعي بين الطفل والأقران في التعلم وفي النمو وأهمية التجربة المبكرة في تطور الأنظمة السلوكية عند الفرد. إن الطفل حديث الولادة هو مخلوق بيولوجي يتحول تدريجيا إلى مخلوق اجتماعي إنساني لأنه يتمكن من تطوير التواصل الاجتماعي وتثبيته منذ اليوم الأول
ولادته
.......................................................................... ل.http://www.alarabimag.net/bait/SubjectArticle.asp?ID=43

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق