الجمعة، 22 أبريل 2011

الوضع اللغوي في المغرب العربي بعامة والجزائر خاصة ليس على ما يرام

حوار حول التعريب واللغة العربية مع الباحث الجزائري الدكتور عبدالملك مرتاض الوضع اللغوي في المغرب العربي بعامة والجزائر خاصة ليس على ما يرام الدكتور عبدالملك مرتاض بيروت الرياض: يسلط هذا الحوار مع الباحث الجزائري الدكتور عبدالملك مرتاض الضوء على الواقع الثقافي واللغوي في الجزائر، وبخاصة واقع اللغة العربية وصراعها مع اللغة الأجنبية، وهي هنا اللغة الفرنسية. فهل نجح التعريب في الجزائز بعد نصف قرن تقريباً من اعتماده سياسة ونهجاً؟ هل باتت اللغة العربية هي اللغة الأولى في الجزائر أم أن الفرنسية تنازعها وتنافسها؟ كيف تنظر النخب العربية في الجزائر إلى مسألة تعريب العلوم والطب على الخصوص؟ ويطرح هذا الحوارمع الدكتور عبدالملك مرتاض أسئلة تتناول مسألة اللغة العربية بالذات، وما إذا كانت هذه اللغة في حالة نهوض، أم أنها على العكس من ذلك تواجه مأزقاً أو أزمة؟ هذا مع الإشارة إلى أنه سبق للدكتور عبدالملك مرتاض أن رأس المجلس الأعلى للغة العربية في الجزائر، وهو مؤسسة رسمية ملحقة برئاسة الجمهورية. وهذا هو نص الحوار مع الدكتور عبدالملك مرتاض.. @ منذ سنوات بعيدة والجهود تبذل في الجزائر والمغرب أيضاً، من أجل التعريب بعد سنوات طويلة من الاستعمار الذي هدف فيما هدف إلى فرنسة الجزائر، على الخصوص. ولكن هذه الجهود لم تعط ثمارها على النحو المرجو بدليل أن الحديث عن التعريب ما زال متواصلاً منذ ثلث قرن دون أن يؤدي إلى النتيجة المبتغاة، وبدليل الانتصارات المتوالية للفرانكفونية في أقطار الشمال الافريقي. وفي طليعتها الجزائر. لقد ذكر لي أحد المثقفين الجزائريين مؤخراً أنه مقابل كل رواية تصدر بالعربية في الجزائر تصدر عشر روايات أو أكثر بالفرنسية... - لا أوافق على هذا الطرح. ولعله يحمل مغالطة، وهو في أحسن الأحوال يتسم بالتشاؤم الشديد، والمبالغة البادية... والتعريب في العالم العربي تعريبان: تعريب الإدارة والتعامل اليومي، وهذه السيرة سائدة في كل الأقطار العربية بما فيها الجزائر حيث تعطي كل الوثائق الرسمية (عقود الميلاد، الوفاة، الزواج، الدفتر العائلي، بطاقة التعريف، كل العقود والأحكام من الموثقين والمحامين والقضاة...)، وتعريف العلوم والتكنولوجيا، وهذه مسألة تعني العالم العربي كله مشرقه ومغربه ما عدا سوريا التي أقدمت على تعريب مراحل تعليمها منذ دهر بعيد، واستراحت... وعلى الهيئات المكلفة بالتعليم في مراحله الثلاث، والمؤسسات اللغوية أيضاً، أن تبذل أقصى ما يمكن بذله من أجل أن تغتدي اللغة العربية لغة تدريس العلوم في كل مستويات التعليم، وخصوصاً في مرحلة التعليم الجامعي.. حقاً، إن الوضع اللغوي في المغرب العربي بعامة، وفي الجزائر بخاصة، ليس على ما لا يرام، ولكنه ليس من السوء على النحو الذي يتصوره الإخوة في المشرق العربي. وفي رأيي أن الفرنكوفونية لم تستطع أن تسجل في المغرب العربي إلا انتصارات هزيلة، ولو انتصرت حقاً لكانت استطاعت أن تمحو اللغة العربية من هذه الأقطار محواً كاملاً وقد اتيح لها أن تستعمرها لفترات متفاوتة الطول أطولها ما مكثته في الجزائر التي هيمنت عليها مائة واثنين وثلاثين عاماً، وذلك كما مكنت هذه الفرنكوفونية للغتها تمكيناً تاماً في بعض الأقطار الافريقية التي اتخذت من اللغة الفرنسية لغة رسمية لها بدون حياء، مما سيحكم عليها بالتبعية الثقافية، والتخلف الأبدي، فعلى الرغم من الجهود المضنية التي بذلها الفرنسيون، ولا يزالون يبذلونها سراً وعلانية، لفرض لغتهم على أقطار المغرب العربي فإن اللغة العربية لا تزال هي اللغة الرسمية فيها. ولعل الذي أفسد على الاستعمار الفرنسي أمره، وخيب خطته، أن الإسلام مجسداً خصوصاً في القرآن الكريم الذي ظل الناس يحفظونه ويحاولون فهم نصه في الأرياف والبوادي خصوصاً هو الذي حال دون تحقيق مبتغاه، فقد "حيل بين العير والنزوان"، كما تقول العرب في أمثالها، مما جعل أقطار المغرب تحافظ على شخصيتها العربية الإسلامية إلى حد بعيد... ولولا القرآن، في رأينا نحن على الأقل، لأصبحت العربية في هذه الأقطار خبر كان... لكن ذلك، مع كل ذلك، لا يعني أن الاستعمار الفرنسي فشل فشلاً مطلقاً في مشروعه اللغوي الذي ظل يرمي من روائه إلى ترسيخ المشروع الحضاري الغربي برمته، ذلك بأن اللغة هي البوابة الحقيقية للدخول إلى أي حضارة أو ثقافة أجنبية... ولقد أتيح للاستعمار الفرنسي تحقيق كثير من ذلك بعد أن نالت تلك الأقطار استقلالها، حيث كان الوطنيون في بلاد المغرب، أيام المقاومة، يحاولون رفض اللغة والثقافة الفرنسيتين، لكن هذه السيرة انزاحت من طريق الفرنسيين بمجرد أن حصلت هذه الأقطار على استقلالها، فأمسى الناس في بلاد المغرب يدرسون الفرنسية ويتنافسون في اتقانها للتمكين للثقافة الفرنسية من حيث يشعرون طوراً، ومن حيث لا شعرون أطواراً أخرى، وبالمجان، وتحت تأثير الحب الأعمي... وأما عن مسألة صدور رواية باللغة العربية في الجزائز مقابل عشر بالفرنسية فهذا الإدعاء غير صحيح على الإطلاق، بل العكس هو الصحيح يقيناً. فإذا كانت الفرنسية تصول اليوم وتجول في الجزائز فذلك ينحصر خصوصاً في اللغة الإعلامية الهزيلة الركيكة في كثير من أطوارها. أما الكتابة الأدبية الرفيعة باللغة الفرنسية، من مستوى كاتب حداد مثلاً، فقد اختفت من الجزائر، وذلك لضعف مستوى التعليم من وجهة، ولإقبال التلاميذ والطلاب على تعلم لغات أجنبية حية أخرى كالانجليزية من وجهة أخرى... بل حتى عدد النسخ المسحوبة من الصحف الفرنسية اللسان في الجزائر، مجتمعة، لا تعادل عدد النسخ المسحوبة يومياً من جريدة "الخبر" مثلاً حيث يجاوز سحبها اليومي أكثر من خمسمائة ألف نسخة... وهو عدد قياسي، فيما نتصور، بالقياس إلى كل الصحف العربية في المشرق والمغرب جميعاً.... ألا يدل ذلك على ارتفاع المقروئية باللغة العربية في الجزائر... أم ليس هذا الدليل على ذلك دليلاً؟ @ ولكن هذه الشريحة التي تكتب بالفرنسية شريحة ثقافية واجتماعية، ذات شأن أنها أيضاً نخبة... - حقاً إنها، في عامتها نخبة، وهي ذات نفوذ في الإدارة والتسيير، غير أن هذا النفوذ مرتبط بمرور زمن معين عليها ليتلاشى، أو على الأقل ليضعف، تأثيرها في الحياة العامة مستقبلاً، ونحن نعتقد أن الذين يعرفون اللغة الفرنسية معرفة صحيحة، ورفيعة، من هذه النخبة، هم في عامتهم من الجيل القديم، أي ممن تجاوزت أسنانهم الستين والسبعين، وعلى تأثير هؤلاء فإن عددهم قليل. أما الشباب في عامتهم فهم إما معرَّبون، وإما أن لغتهم الفرنسية هزيلة وركيكة ولا تجاوز مستوى فرنسية الخدم... وإلا فأروني شاعراً أو روائياً جزائرياً بلغ المستوى الأدبي العالمي إذا استثنينا ما هو باق من الجيل القديم أمثال آسيا جبار، ومحمد ديب... وإذا كان مستوى اللغة الفرنسية ضعف لدى الشباب في الجزائر ضعفاً يمزق نياط الفرنكوفنيين حزناً وكمداً، فلا يجوز التمكين لحضارة بلغة أجنبية ضعيفة. @ وإلام يعود ذلك في رأيكم؟ - لعله يعود ذلك إلى أن المدرسة الأساسية في الجزائر نهضت بوظيفتها على أحسن ما يرام، أو على شيء مما يرام على الأقل، وذلك على الرغم من أن الاتجاه الفرنكوفوني، وخصوصاً الاتجاه "الفرنكوفيلي" - وبينهما فرق - يدين هذه المدرسة ويقضي يفشلها، خطلاً... @ هذه اللغة الفرنسية في الجزائر، وبقية الشمال الافريفي، ليست مجرد لغة أجنبية... لقد دخلت في نسيج الشخصية المغاربية، باتت من لزوميات الحياة الإدارية والثقافية.، إن لم يكن من أسس الشخصية الوطنية. هذا وضع قد لا يسركم ولا يسرني، بل أننا ندينه، ولكنه وضع قائم ينبغي تدبره والبحث عن حلول له، لسنا بالطبع ضد اللغات والثقافات الأجنبية، بل نحن نطالب بحوار معمق في الآخرين، ولكن ما هكذا يكون الحوار... - أوافقك تماماً على هذا الطرح الجيد لهذه الإشكالية، ولكني فقط أريد أن أذكر بما قلت منذ قليل حول غياب اللغة الفرنسية، عملياً ونظرياً، من الإدارة العمومية - باستثناء المالية التي لا يبرح التعامل فيها بالفرنسية إلى جانب العربية، وإني اتمثل هذه المسألة مثل العولمة التي هي كلمة حق يراد بها باطل، فكما أن العولمة في دلالتها السياسية الحقيقية تعني هيمنة العالم المتطور على العالم المتخلف، فكذلك تعلم اللغات الأجنبية التي لا يفكر أحد في كيفية نشرها وتطويرها بفعل جاد في العالم العربي بعامة، كما يفعل أهل الغرب بلغاتهم في مجامعهم ومؤسساتهم اللغوية النشيطة. فالفرنسية تغلغلت في ألسنة أهل المغرب على حساب اللغة العربية... وإذا كانت اللغة العربية أثرت في اللغة الفرنسية المعاصرة بفعل احتكاك الفرنسيين بالمغاربيين، فإن تأثير الفرنسية ظل هو الأقوى. وكان يمكن نشر العربية في فرنسا بشيء من المروءة السياسية لو حرص كل أهل المغرب على ذلك كما حرصت الجزائر التي أمست تطالب على لسان رئيسها بضرورة فتح مدارس لتعليم العربية في فرنسا مقابل فعل ذلك في الجزائر. وأياً كان الشأن، فمن الخطأ الاجتزاء، على عهدنا هذا، بتعلم العربية وحدها، فالإنجليزية هي مفتاح العلوم والتكنولوجيا والعلاقات الدولية، والفرنسية هي مفتاح الأدب والموضة، والألمانية هي مفتاح اللسانيات والفلسفة، والاسبانية تفتح أبواباً على نصف القارة الأمريكية، وهلم جراً... وأمام هذا الوضع، علينا العض بالنواجذ على المحافظة على العربية واتقانها اتقاناً عالياً، وتعلم لغات حية بجانبها، من أجل تطويرها وإرفادها، لا من أجل أن تصبح اللغات الأجنبية المتعلمة ضرات بنافسن العربية ويستعين لتقليص انتشارها... @ وهل يمكن أن يصل الأمر إلى حد أن تصبح اللغة العربية هي لغة الكيمياء والفيزياء والطب؟ هل تسير الجزائر في مثل هذه السياسة؟ - كثيراً ما تتهم الجزائر، أو يُراد لها أن تحتمل أكثر مما يجب أن تحتمل من العبء الحضاري القومي، وكأن أمر العربية موكول للجزائر وحدها لتنظر في شأنه... فأن تصبح العربية لغة العلوم والطب ليس أمراً مستحيلاً، بل هناك دولة عربية عمدت إلى تعريب كل ذلك منذ أكثر من نصف قرن، ولم يقتلها التخلف، ولم تسكن أجساد مواطنيها الأمراض، بل إن سكانها لا يكابدون من أي سوء في الأحوال الصحية، بل ربما يتمتعون بصحة أجود ممن اتخذوا من الفرنسية أو الإنجليزية لساناً لتدريس الطب والعلوم... فالمسألة تتعلق بالقرار السياسي، لا بفكاءة العربية أو عدم كفاءتها، في مجال العلوم. فهذه الكفاءة لا يطعن فيها إلا مكابر أو حاقد. ونحن نعلم أن الصهاينة أحيوا لغتهم بأن بعثوها من المقابر فأمست في ظرف قصير لغة الإعلام والسياسة والتعليم في كل مراحله، وذلك على الرغم من أن العبرية تدين في نحوها دينونة كاملة للعربية، وعلى الرغم أيضاً من أنها لم تعط الإنسانية شيئاً من الحضارة كما فعلت العربية... @ وأية اشكالية تعانيها العربية اليوم برأيكم؟ - إن الإشكالية التي تعانيها العربية في عصرنا هذا أن الذين يعرفون العربية - وهم في عامتهم أدباء ولغويون - لا يلمون بالعلوم ولا يعرفون شيئاً ذا بال منها، على حين أن الذين يعرفون العلوم لا يعرفون من العربية العالية ما يمكنهم من التفكير بها إلى درجة إبداع المعرفة بها، وفيها. ومتى يلمم العلماء العرب بالعربية إلماماً كافياً يتيح لهم التعبير، بواسطتها، بكفاءة عن وظائف الآلات، تصبح العربية في مستوى أي لغة عالمية... فالعيب لا يعود إلى العربية، ولكنه يعود إلى العرب... وأياً كان الشأن، فإن مستقبل العربية مسألة قومية، ولا ينبغي أن يحمل قطر عربي وحده مؤونتها... ولعل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والمؤسسات اللغوية مثل المجامع أن تكون معنيات أكثر من سواها باحتمال هذا العبء... فهل هي من الفاعلين؟... @ هناك من يرى من المثقفين العرب أن اللغة العربية في مأزق، وأنها تحتضر، لسبب أو لآخر، هل توافق على مثل هذا التوصيف؟ أم أنك ترى" العكس؟ - بل يجب أن نعكس تركيب المساءلة فنقول: هل الأمة العربية تحتضر؟ وهل انتهى دورها من التاريخ؟ وهل كل الأمم في العالم أفضل منها حتى تحتضر هي وحدها، لتنقرض فتنقرض معها لغتها؟ وهل يجوز للغة يصلي بها مليار ونصف من المسلمين يومياً خمس مرات أن تحتضر؟ وهل يجوز للغة أسست الرياضيات العالمية، واخترعت أسس الطب الكبرى، واستكشفت البارود، ومنحت العالم الأرقام أن تحتضر...؟ وهل يجوز للغة مرسَّمة في كل المنظمات والهيئات الدولية في مستوياتها العليا أن تحتضر؟ وهل يجوز للغة يمتلك أهلها أكثر من ربع ثروات العالم، ولا تغرب الشمس على جغرافيتهم أن تنقرض لغتهم بهذه البساطة؟ إلا إذا انعدمت المروءة والشرف والنخوة من سيرة العرب وطموحهم، فالله المستعان. @ هو سؤال الفرنكوفونية.. هل أنتم فرنكوفونيون؟ - فأما إذا كان ميم الجميع من قولكم: "أنتم" يراد بها: أنا شخصياً، فأنا خريج السوربون ببارس، وأتقن الفرنسية وأطالعها يومياً، ولكني لست فرنكوفونياً، وأنا بالمقابل لا أزال أتعلم العربية يومياً بحفظ شواهد اللغة والنحو وتدقيق القواعد العليا فيهما... وإذا كنتم تريدون بقولكم: "أنتم" إلى الجزائر، فالجزائر إلى اليوم لم تنضم رسمياً إلى منطقة البلدان الفرنكوفونية التي تقودها فرنسا، وهي المنظمة التي انضمت دول عربية مشرقية إليها لا تعرف من الفرنسية شيئاً... والجزائر إلى اليوم تدرس جميع العلوم والرياضيات في كل مدارسها الابتدائية والتكميلية والثانوية، باللغة العربية. http://www.alriyadh.com/2008/06/26/article353934.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق