الجمعة، 15 يوليو 2011

الاتصالات الحيوانية animal communications

الاتصالات الحيوانية تتضمن الاتصالات الحيوانية animal communications إطلاق أحد الأفراد إشارة كيمياوية أو فيزيائية يتلقاها فرد آخر فتبعث فيه سلوكاً ما. ولا تعد استجابة البعوضة مثلاً لجسم الإنسان اتصالاً، لأن الإنسان لا يطلق الحرارة بهدف جذب البعوضة، في حين أن انجذاب ذكر البعوض إلى أنثاه يتم لأن الأنثى تطلق رائحة بهدف جذب الذكور؛ كما أن رائحة الزهرة تعد إشارة كيمياوية لأنها تجذب النحلة إليها، على الرغم من أنها لم تولد إشارة بالمعنى الحقيقي، لأن الرائحة موجودة فيها أصلاً. غايات الاتصال في العالم الحيواني سيقتصر الأمر هنا على حالة «التآثر» interaction التي يكون فيها مرسل الإشارة ومستقبِلُها من النوع الحيواني نفسه، ولعل الآلية التالية توضح ذلك: يقوم الحيوان المرسِل، بتأثير عوامل أو منبهات داخلية أو خارجية، بإصدار إشارة فيزيائية أو كيمياوية تستقبلها أعضاء حساسة نوعية لدى الفرد الذي يتلقاها، فتحدث فيه تبدلات داخلية يكون من نتيجتها تبدل في سلوكه الخارجي. إن حاجة الحيوانات إلى تعرف أفراد نوعها تستوجب استخدام إشارات اتصال لهذا الغرض بقصد تأليف تجمعاتها. ولئن كان الكثير من الحيوانات يعيش حياة انفرادية، فيما عدا أزمان التزاوج، فإن أي حيوان من هذه الحيوانات يستخدم الإشارات للتعريف بنفسه لدى بقية الأفراد من نوعه بقصد بقائه منفرداً ضماناً لمورده الغذائي. أما الحيوانات التي تقيم فيما بينها علاقات اجتماعية فإن إشارات الاتصال لديها تستخدم لأغراض عدة، منها: تنبيه أقرانها من أفراد النوع إلى وجود خطر ما، كما أن هذه الإشارات قد تفيد في ردع الضواري المحتملة بالصراخ الجماعي بقصد إخافة الأعداء. ولئن كان معظم الحيوانات يأكل منفرداً، فإن المعروف عن الحيوانات الراقية أنها تتقاسم الأكل، وفي حالة كهذه قد تستخدم إشارات اتصال للدلالة على مصادر الطعام. ويمكن أن يجري ذلك بإشارات الهداية المعقدة كالإشارات التي تستخدمها الحشرات الاجتماعية لهداية أقرانها في العش نحو مصادر الغذاء البعيدة. ولعل أهم إشارات الاتصال الحيوانية يُستخدم في عملية التزاوج، وحينما تتشابه ذكور الأنواع المختلفة وإناثها، تزداد أهمية تحديد النوع. فالنطاف لا يجوز توجيهها نحو بيوض لاتستطيع إخصابها. وهنا تؤدي إشارات الاتصال دور كلمة السر لتعريف أفراد النوع الحيواني الواحد بعضها ببعضها الآخر أولاً ولتلاقي الجنسين المناسبين ثانياً. وما إن يلتقي الذكر الأنثى حتى تُستخدم إشارات الاتصال في الغزل والاقتران بينها. فالإشارات الجاذبة الأولية لاتوفر إلا تحديداً بدئياً للهوية. وقبل أن يجري الاقتران الحقيقي لابد من التحديد الإيجابي والقطعي لتلك الهوية. وما رقصات الغزل عند العناكب والحركات الاستعراضية عند الطيور إلا إشارات اتصال تفيد في تحديد هوية الذكور لدى الإناث استعداداً للجمع بينهما في عملية الاقتران الأخيرة، التي ينبغي أن تكون في غاية الدقة، والتي تتطلب تعاون الذكر والأنثى في أدائها. وعندما ينتهي الاقتران ويجري إلقاح البيوض يبدأ الاستعداد لخروج النسل الصغير إلى الحياة. صحيح أن بعض الحيوانات لا يولي صغاره أية رعاية، لكن الكثير منها يرعى الصغار، أو حتى البيوض والصغار كليهما، وهذا ما يتطلب وسيلة للإيعاز بين الأبوين فيما يخص مكان الغذاء ومكمن الخطر. وحيثما يرعى الكبار الصغار، كما هي الحال عند الطيور والثدييات مثلاً، تقوم حياة «أسرية»، وتكتسي إشارات الكبار الاتصالية أهمية إضافية لدى الصغار، وحينما يكبر الصغار فإنهم يطورون إشاراتهم الخاصة التي يتأثر بها سلوك الأبوين. ومن ثم فليس غريباً أن تكون الحيوانات ذات الحياة الأسرية الأرقى في التنظيم الاجتماعي قد طورت أكثر جمل الاتصال إتقاناً. آليات الاتصال الحيواني تُسَخِّر الحيوانات جميع حواسها تقريباً من أجل الاتصال. ويستخدم كثير من الحيوانات أكثر من قناة حسية، وعلى نحو متكامل، لضمان التقاط الإشارة الاتصالية. ويتناول البحث فيما يلي جميع القنوات الحسية الممكنة مع أمثلة عن كل منها. الجمل اللمسية: يمكن للحيوان أن يكتشف الأشياء التي تقع على تماس معه (مصادفة أو إرادياً) بفضل حاسة اللمس لديه. ويصعب، حتى في الإنسان، الفصل بين المستقبلات المختلفة الموجودة في الجلد والتي تتنبه بالأشياء التي تلامسه. ولابد، في مجال الاتصالات الحيوانية بحاسة اللمس، من قيام التماس المباشر بين الأفراد، وهذا يعني أن الاتصال الحيواني باستخدام هذه القناة لا يتعدى المسافات القصيرة للغاية بين الأفراد. أنماط الاتصال اللمسي: تتفاوت أنماط التماس كثيراً في طبيعتها وتوقيتها. فالإشارات اللمسية يمكن أن تتبدل بسرعة في شدتها وطبيعتها، كما يسهل تشغيلها وإيقافها. ولذلك تنفع الإشارات اللمسية بوجه خاص في نقل المعلومات الكمية، إذ تلزم إشارات متغيرة باستمرار لنقل عناصر معلوماتية متغيرة باستمرار. يقوم الحيوان المرسل للإشارات اللمسية بإنتاج هذه الإشارات من حركات خاصة يُذكر منها: القبض والمسك بفضل المخالب واللواقط والأذرع، وكذلك الصدم بكامل الجسم وغير ذلك. فالنحلات مثلاً تجوب أرجاء خليتها مصطدمة بأجسام أقرانها لإشعارها بالإشارة الاتصالية. وهنا يجري استقبال الإشارة بوساطة مستقبلات للتماس واقعة على سطح الجسم. الاستقبال اللمسي: تُعْرَفُ بعض الحيوانات بمستقبلات لمسية خاصة شديدة الحساسية، فنحل العسل مثلاً له مستقبلات للحركة في أرجله على جانب كبير من الحساسية تمكنها من كشف حركة الكريات في دماء الحشرات، وكذلك فإن «الشوارب» الطويلة في وجه القطة يكفيها أن تتحرك جزءاً بسيطاً من الملمتر حتى يستشعر الحيوان بفضلها الحركة التي تلامسه. وتوجد قنوات الاتصال اللمسي في جميع المجموعات الحيوانية. فبعض معائيات الجوف Coelenterata البحرية يعيش في مستعمرات من بولبات polyps دقيقة، يحتفظ كل بولب منها باتصال عضوي مع البولبات الباقية. فإذا لُمِسَ أحدُها فإنه ينكمش، ولكن لا تلبث البولبات الباقية أن تستشعر المنبه وتنكمش هي أيضاً على الرغم من أن المنبه لم يتناولها مباشرة. وبالانتقال من هذه الجملة الاتصالية اللمسية البسيطة إلى جملة نظيرة راقية، كتلك التي لدى نحل العسل، يرى أن النحلة، إذا ما اكتشفت مصدراً للرحيق، فإنها تدل على موقعه وبعده وقيمته بفضل ما تقوم به من الجري بنسق محدد داخل خليتها. وهنا تلتقط النحلات الأخريات المعلومة الاتصالية باستشعار إيقاع حركات النحلة الكشافة وتوجهاتها. ومن أمثلة استخدام المنبهات اللمسية في الاتصال عند الثدييات ما تقوم به الخنازير من دفع بالجسم وحك بالأنف في سلوكها الغزلي، وما يقوم به ذكر الزراف من إثارة لأنثاه في عملية «معانقة"، إذ تلتوي رقبتاهما الطويلتان الواحدة حول الأخرى وتفرك كل رقبة رقبة شريكها، وما تقوم به ذكور القطط والخيول من عض حقيقي للإناث يثيرها ويحثها على التقبل الجنسي من جانب الذكر. وإذا ما أخذ بالحسبان دور الشفاه «تلمظاً وتقبيلاً» لدى الرئيسات Primata، كما عند القردة في عمليتي الغزل والاقتران، تبينت أهمية القنوات اللمسية في لغة الاتصال الجنسي لديها. الجمل الكيمياوية: تعد الحواس الكيمياوية أكثر قنوات الاتصال استخداماً في عالم الحيوان. ومن المعروف أن للإنسان حاستين كيمياويتين هما الشم والذوق. ولكن يصعب، بل يستحيل فصل هاتين الحاستين الواحدة عن الأخرى في العديد من الحيوانات. وعلى العموم تعد خاصة الاستقبال الكيمياوي البعيد أو حاسة الشم هي الحاسة الأهم شأناً في الاتصال الحيواني. ويمكن أن تؤثر الإشارات الكيمياوية من مسافات بعيدة، لكنها قد لا تعطي إلا القليل من المعلومات عن جهة مصدرها، ما لم يكن هناك حركة للماء أو الهواء الذي يحملها. ولما كانت مثل هذه الحركة متوافرة في كثير من الأحيان، فإن تلك الإشارات الكيمياوية تستخدم استخداماً واسعاً في جذب الأقران من الذكور والإناث بعضها إلى بعضها الآخر. وتتصف الروائح بخاصة الديمومة مدة من الزمن فلا يمكن استخدامها مؤشراً لتواتر الإشارة الكيمياوية (حضوراً أو غياباً) مثلما هي حال اللمس والضوء والصوت. إصدار الإشارات الكيمياوية: قد تصدر الإشارات الكيمياوية عن جسم الحيوان، بمعنى كونها رائحة الجلد نفسه. ولكن ما يعد إشارات كيمياوية حقيقية في الاتصال الحيواني هو تلك المواد الكيمياوية التي تفرزها غدد خاصة لهدف معين، كالروائح الجنسية لدى بعض الحيوانات، فهذه الغدد تفرز كيمياويات نوعية specific تدهن بها الحيوانات أجسامها، ثم تتبخر هذه الكيمياويات أو تُطْلَق في الهواء أو الماء مباشرة. ويُذْكَر على سبيل المثال أن بعض الأساريع caterpillars تُخرج عند الإنذار «قروناً» تنفث حولها روائح خاصة. قد يدوم إنتاج الرائحة طويلاً، كما في الروائح المميزة للأنواع الحيوانية، أو يقتصر إنتاجها على اندفاعات قصيرة، كما في الروائح الجنسية وروائح الإنذار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق