الخميس، 14 يوليو 2011

فصـل المـقال فيمـا بيـن اللغـة العربيـة والأمازيغيـات مـن اتصـال

فصـل المـقال فيمـا بيـن اللغـة العربيـة والأمازيغيـات مـن اتصـال د. عبـد الفتـاح الفـاتـحـي ------------------------------------------------------------------------------------- يمكن القول أنه قلمـا نجـد تقاربا بيـنا ودالا بين اللغـة العربيـة والأمازيغيات، وإن يكـن عـدد مـن الباحثيـن قـد اعتبـر أن السلالـة اللغويـة للأمازيغيات منسلـة من شجـرة اللغـات الساميـة، وبحسـب هذه الفرضيـة تكـون الأمازيغيـة أخـت شقيقـة للغـة العربيـة وللعبريـة، غير أن هذه الفرضيـة لم تكن هي الوحيـدة، حيث انـبرى بعـض الباحثيـن في جعـل الأمازيغية من سلالـة اللغـة الفنيقيـة، بل هناك مـن جعـلها من سـلالة اللغات الهندوأوربية. والحـق أن أي فرضيـة لا يمكـن أن تـدحض سابقتها لعدم كفايـة الأدلـة إن لم نقـل انعـدامها، وهـو ما دعا ببعـض الباحثيـن بمـن فيهـم العميـد الحالـي للمعهد الملكي للثقافـة الأمازيغيـة أحمـد بوكـوس إلى اعتبار الأمازيغيـة لغـة مستقلـة لا تنتمـي لأي سلالـة لغويـة. وإن تحـاول الباحثـة الجزائريـة وعالمة الآثار حبيبـة رشيـد التأصيـل للأمازيغيـة مـن خـلال الحفـريات؛ إلا أن الأدلـة تبقـى ضئيلـة؛ وغيـر ذات تأثيـر في خلـق تصـور علمـي موحـد خاص بالأمازيغيـات، لشفـويتها ونـدرة البحـوث بخصـوصها، وذاك هو مصـدر عـدم الحسـم فـي أصـلها ولا سـلالتها ولا في الحـرف الـذي اقتـرح لرسمهـا. إن الأحـداث الكثيـرة التـي عـرفها شمـال إفـريقيا هجـرات، حروب، استعمـار... تـركت بصمات بارزة فـي الأمازيغيات وثقافتها، ولتلك السيرورة التاريخية التي عرفتها المنطقة لـم يكـن بـد مـن التفاعـل لغـويا وثقـافيا مـع الوافـد الجديـد كـرها أو طواعيـة، وهـو ما يعنـي تأثـر الثقافـة واللغـات الأمازيغيـة بلغـة وثقافـة الوافد القوي، في وقـت لم تكـن فيـه مؤسسـات تحمـي وتـؤرخ للأمازيغية، وهـو ما جعلها تستمـر لهجات شفـوية يصعـب التمييـز بيـن أصيـلها عـن دخيـلها، وللأسـف استمـر ذلك حتـى بعـد الفتـح الإسـلامـي، الـذي جاء بلغـة عربيـة اصطبغـت بالصبغـة القدسيـة باعتبـارها لغـة القـرآن الكريـم، وتعـزز وزنهـا كـذلك بمجموعـة مـن الأحاديـث النبويـة التـي أشـادت بالتحدث بها، ودعـت إلى تعلمهـا، في وقـت تقبـل الأمازيـغ بحمـاسة الديـن الإسـلامي وما ترتـب عـن ذلك من تأثـر كبيـر بلغتـه العربيـة. ومجمـل القـول إذن ووفـق المنهجـية التاريخيـة فإن اللهجـات الأمازيغيـة نتيجـة التفاعـلات التـي عـرفها محيطـها الجغـرافي لا بـد وأن تكـون مفعمـة بمظاهـر التأثيـر على كافـة المستـويات النحويـة والتركيبيـة والمعجميـة والصرفيـة وشديـدة التأثـر بحيث تستحيـل والحالـة هـذه إمكانية تمييـز وضعها القديـم عـن وضعهـا المعاصر. إن درجـة التأثـر والتداخـل اللغـوي الـذي عـرفته الأمازيغيـات أيضا مرهـون كذلك بوضـعها لهجـات شفـوية يصعـب تحديـد صـورة نموذجيـة تاريخيـة لها ولو لمـدة زمنيـة قصيـرة، أي بما يمَكِّن من أن تشكل عينـة ضابطـة نقارنها بما هي عليه حاليا، عكـس اللغـة العربيـة التـي نتوفر منها على نصوص تراثيـة، لأنهـا دونت بتدوين القـرآن الكريـم، وهو ما يسمـح للباحث في العصـر الحاضـر بأن نقيس درجـة تأثـرها وتغيـرها وتبـدل بنياتهـا علـى ضـوء نسختها التراثيـة، وهـو ما لا يتأتـى لنا كباحثين حيـن دراسـة التطـور التاريخـي للهجـات الأمازيغيـة لكونهـا كما أسلفنا استمـرت شفويـة، ومـا ترتـب عن ذلك عدم تقعيـدها وتنظيـم مجمـوع مكونهـا اللسانـي بما يشكـل مرجعيـة للناطقيـن بها. وهو ما جعـلها عرضـة لتغييـرات شـديدة لا يمكـن التنبـؤ بهـا، تغيـرات في البنـاء والمعجـم بـل وعلـى كافـة المستـويات، وهو ما يرجـح حصول تغيـرات جذريـة وبنيوية ينتفـي معهـا ربـط واقع الأمازيغيـات الحاليـة بالأمازيغيـات القديمـة. وبناء على ما سـردنها لا يتيسـر وضـع الأمازيغيـات موضـع المقارنـة أو إمكانية تأثيـرها فـي اللغة العربيـة الفصحـى لأن علمـاء العربيـة عرفوا بحساسيتهم من الدخيـل وعملـوا بمناهـج صارمة لحمايتهـا، ذلك لأنهـم يعتبـرون المـس بصفـاء اللغـة العربيـة يستثرب عنـه الخطأ في تفسيـر النـص القرآنـي، فاحتـرسوا أيم احتـراس من لهجات المولديـن خوفا على صفاء العربيـة، ولذلك يستبعـد تأثيـر الأمازيغيات في اللغـة العربيـة للأمـر المومأ له، في حين يبقى حضـور تأثيـر اللغـة العربـية فـي الأمازيغيـات بـاديا بشكـل جلـي. وما يمكـن استخلاصـه إذن أن تأثيـرا متبادلا قلما يمكـن الاستـدلال به من الأمازيغيـات إلى العربيـة إلا في صـور جـد نـادرة لا يعتـد بها، ولكـن يمكـن أن نستحضـر ذلك التأثيـر في اللهجـات العربيـة العاميـة والتـي هي مستـوى متدنـي من لغة العامـة الشفـوية وهو ما يجعـلها عرضـة لأي تبـدل أو تغييـر يصعـب ضبـط ملامحـه، ودليـل ذلك أن دارجـة أو عاميـة عشـر سنوات سابقـة نحـوا وتركيبـا ومعجمـا مختلفـة عن دارجـة اليـوم، خليـط وكـلام فـردي خاص غيـر مقعـد ولا خاضـع لنسـق، إنها كـلام فـردي على حد تعبير عالم اللغويات فردناند دوسوسيـر. ولذات الأسباب فعوامـل التبـادل والتأثيـر بيـن العاميات والأمازيغيات قائمـة بقـوة ومتداخلـة كأداة للتواصـل اليومـي المحـدود، ولغـة فـرضتها عـدم إمكانيـة تعلـم جميـع الأمازيـغ للغـة العربيـة وعدم تعلـم العرب للأمازيغيـة بسبب مشكـلات تعليميـة آنـذاك، وهـو ما استدعـى تكويـن خليـط وسط يتـراوح بيـن أن تكـون الغلبـة فيـه للعربية في لهجات المـدن والحواضـر أو أن تكـون فيه الغلبـة للأمازيغيات في بعض القـرى والمداشـر، وهو ما يفسـر وجـود قبائـل أمازيغيـة عربـت وأخـرى عربيـة تبربرت. وممـا يسهـل تأكيـده إذن أن الأمازيغيـات قـد استفـادت حتمـا مـن اللغـة العربيـة نحـوا وصـرفا وتركيبـا ومعجمـا تعكسـه كميـة الكلمـات العربيـة الـواردة فـي معجـم اللهجـات الأمازيغيـة، وأكيـد أن تقعيـد اللغـة العربيـة والدراسـات العلميـة التـي بحثتهـا لا بـد أن ترخـي بظـلالها على لغـة شفويـة، أما بخصـوص تأثيـر الأمازيغيـة فـي اللغـة العربيـة فيبقـى ذلك محـدودا. وأمـا علـى المستـوى الثقافـي فيمكـن القـول بأن الأمازيغيـات مـن خـلال تراثهـا الشفـوي والذي لم يصلنا منه وللأسـف إلا النـزر القليـل لضياعه بفعل النسيان وعدم حفظـه كتابـة، ولكـن على العمـوم أن المتوفـر يعكـس بقـوة درجـة تلاقح قـوي للثقافـة العربيـة والإسلاميـة، ساهـم فيه الإجمـاع المغربـي، فلـم يسجـل أبـدا أن كان هنـاك تنافـر فيمـا بيـن الثقافـة العربيـة الإسلاميـة والثقافـة الأمازيغيـة، ولـم يسجـل أبـدا أن كـان هنـاك تنـازع فيمـا بيـن اللغـة العربيـة والأمازيغيـة بل ساهمـتا جنبا إلى جنب وبتـوازي في تشكيـل الهويـة الوطنيـة المغربيـة على الـدوام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق