الجمعة، 13 مايو 2011

التداولية بين العرب والغرب

------------------------------------------------------------------------------------ التداولية بين العرب والغرب د.حميد حسون بجية ------------------------------------------------------------------------------------ 1.التداولية في العالم الغربي نتيجة للجهود اللغوية الغربية في إظهار علم اللغة inguistics على اعتباره علما والعلم يقتضي بطبيعته اخضاع الأشياء المشمولة بدراسته لكل ما يقتضيه من دقة وضبط، فلم يكن بالإمكان إخضاع علم الدلالةsemantics لذلك العلم، تلاه ظهور علم جديد يدعى علم التخاطب أو التداولية أو المقاميات pragmatics. وقد تطور هذا العلم على أيدي علماء من قبيل أوستن Austin و ليتشLeech وسيرل SearleولفنسونLevinson وغيرهم. فصرنا نستخدم كلمات من قبيل المقولات utterances بدلا من الجمل sentences. ويعرف علم التداولية على أنه دراسة كيف يكون للقولات-أي المقولات- معان في المقامات الخطابية(د.محمد يونس علي، 2004 :13). فبينما يعالج علم الدلالة معاني الجمل، تعالج التداولية معاني المقولات. على أن أول من بدأ دراسة من هذا القبيل في العالم المعاصر -كما قلنا- هو الفيلسوف الانكليزي أوستن في كتابه(كيف تفعل الأشياء بالكلمات)(1962). فقسم المقولات إلى خبريةconstative وهي ما يمكن وصفها أنها كاذبة أو صادقة، وأخرى انجازية performative أي التي ننجز عملا عندما نتفوه بها، والأخيرة لا توصف بأنها صادقة او كاذبة بل موفقة أو غير موفقة. وفي مرحلة لاحقة طور أوستن نظريته. فوسع الأقوال الانجازين لتشمل جميع المقولات التي ينطق بها المتكلم بما فيها الخبرية، إذ أن المتكلم ينجز فعل الإخبار عندما يتفوه بها. وبذلك ميز أوستن ثلاثة أفعال ينجزها المرء عندما ينطق بقول معين(عزيز،1997: 163). وهي فعل النطق locutoniary act و فعل الانطاق illocutionary act و فعل الاستنطاقperlocutionary act. 2. التداولية عند اللغويين العرب القدماء يرى الكثير من الباحثين أن هنالك إرهاصات لعلم التداولية في أعمال الكثير من اللغويين العرب القدماء، فقد قسم العرب العبارات- ويشار إليها أحيانا بالجمل- إلى خبرية وإنشائية. وهو ما يقابل النوعين المذكورين أعلاه-أي الخبرية والانجازين، ولكنها ظهرت تحت مسميات مختلفة، فمثلا يرى هشام الخليفة(2007: 225) أن العرب قد عرفوا التداولية بكل أبعادها، وكانت نظريتهم في هذا الإطار متكاملة، لكنها متناثرة في كتب أصول الفقه وكتب علماء الكلام واللغويين والبلاغيين. وهو- أي الخليفة- يرجح أن المكتشفين الأوائل لها هم علماء الأصول. فقد اكتشفوا الانجازات بأنواعها وفرقوها عن الأخبار، وهم مدركون تماما لأنواع وعناصر التداولية الثلاثة التي جاء بها أوستن-فعل القول و الفعل الكلامي والتأثير الكلامي، لكن الفرق كان في التسمية والأمثلة التي أخذوها من اللغة المكتوبة-وخاصة لغة القرآن الكريم والحديث الشريف، بينما استخدم الغربيون أمثلة من الحياة اليومية. وقد أسموا أفعال الكلام والانجازات تسميات أخرى من قبيل الإنشاء- الطلبي والإيقاعي، وعبروا عن فعل القول ب(إرادة إحداث الصيغة)، وعن الفعل الكلامي ب(إرادة الدلالة بالصيغة على الفعل)، والتأثير الكلامي ب(إرادة الفعل أو الأثر المطلوب أو نتائج الكلام). 3. التداولية عند الإمامية: مدرسة النجف الفقهية اللغوية سنتناول في هذه العجالة آراء مدرسة النجف من علماء الإمامية المحدثين من قبيل المرحوم العلامة كاظم الخراساني قدس سره(1839-1911) الذي توفي عام ولادة أوستن، والمرحوم العلامة أبو الحسن الأصفهاني المتوفى عام 1941- أي قبل نشر أوستن لنظريته، وآية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي(قدس سره). مفهوم أن مضمُون الجملة الخبرية لا يتوقف على النطق بها، أي لا يتحقق بنطقها حدوث فعل ما. فلو قلنا: نجح محمد فالنجاح تحقق، ولا يتوقف على إخبار المتكلم به أما الإنشاء فإن مضمُونه يتوقف على النطق به، وطريقته تحدد نوع الطلب واستدعاء ما هو غير حاصل، ومن ثم ينفذه المخاطب...، كقوله تعالى في خطاب موسى وأخيه هارون؛ )اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا لـه قولاً ليناً لعله يتذكّر أو يخشى( (طه 20/ 43). فتحقُّقُ مضمُونِ هذه الجملة متوقفٌ على النطق بها، ثم يتم تنفيذ ما تدل عليه... ومثله قوله تعالى في خطابه لموسى: قال: )أَلْقِها يا موسى( فكان الجواب لهذا الأمر قوله تعالى: )فألقاها فإذا هِيَ حَيَّةٌ تسعى( (طه 20/ 19 ـ 20). ونبقى ضمن التصنيف الرئيس: أي الخبر والانشاء، مما توارثته تقليديا مدرسة النجف من اللغويين العرب القدماء. فالأول(الخبر) هو ما كان لنسبته واقعٌ خارجيٌ قبل التلفظ بالجملة، ولهذا فهو يحتمل الصدق والكذب، وبذلك تعرف الجملة الخبرية على أنهاكلام يكون لنسبته خارجٌ(أثر أو واقع) في أحد الأزمنة الثلاثة تطابقه أو لا تطابقه(سواء كان متطابقا مع الواقع أو غير متطابق)(مصطفى جمال الدين: 1980:258 نقلا عن المطول: 38)، والثاني هو ما ليس لنسبته واقع خارجي بل أن التلفظ به هو الذي يوجد واقعه، أي أن الانشاء موجد لمعناه، وبمعنى اوضح أن الأثر أو الحدث يأتي بعد التلفظ، أما الخبر فهو حاك عنه، وبذلك يعرف البلاغيون الانشاء على انه كلام ليس له في الخارج نسبةٌ تُطابِقُهُ أو لا تُطابِقُه (نفس المصدر السابق) وسمّي إنشاءً لأنّك أنشأته : أي ابتكرته ، ولم يكن له في الخارج وجود، وبمعنى أوضح أن مضمُون الجملة الخبرية لا يتوقف على النطق بها، أي لا يتحقق بنطقها حدوث فعل ما. فلو قلنا: نجح محمد فالنجاح تحقق، ولا يتوقف على إخبار المتكلم به أما الإنشاء فإن مضمُونه يتوقف على النطق به، وطريقته تحدد نوع الطلب واستدعاء ما هو غير حاصل، ومن ثم ينفذه المخاطب...، كقوله تعالى في خطاب موسى وأخيه هارون؛ )اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا لـه قولاً ليناً لعله يتذكّر أو يخشى( (طه 20/ 43). فتحقُّقُ مضمُونِ هذه الجملة متوقفٌ على النطق بها، ثم يتم تنفيذ ما تدل عليه... ومثله قوله تعالى في خطابه لموسى: قال: )أَلْقِها يا موسى( فكان الجواب لهذا الأمر قوله تعالى: )فألقاها فإذا هِيَ حَيَّةٌ تسعى( (طه 20/ 19 ـ 20). بيد أن علماء الامامية من الاصوليين لم يوافقوا على ذلك. وعبروا عن آراء أخرى مغايرة جعلت منهم مدرسة يمكن تسميتها(مدرسة النجف الأشرف في الانشاء والخبر)(هشام الخليفة، 2007: 336). يقول العلامة السيد الخراساني بوحدة مدلول الجملتين الخبرية والانشائية، وهو فعل القولlocutionary ، وهو ما يسمى الشرط الصدقي، ويخص المعنى بالمفهوم الدلالي، فالمعنى الذي نستخدم فيه جملة(بعتك الدار) يستخدم للغرضين معا: الاخبار والانشاء، وهو نسبة البيع الى المتكلم. أي أن (أصل المعنى) واحد في الحالتين. ويسلط السيد الخراساني الضوء على أن ما يفرق بينهما هو (الداعي)-أي force، أو ما يسميه علماء التداولية الغربيون المغزى الفعلي illocutionary act. وكان البلاغيون العرب يستخدمون لذلك مصطلحين هما (المقام و مقتضى الحال) اللذين يقابلان التعبيرين الغربيين context أي السياق و illocutionary act الذي يعني المغزى الفعلي المتأثر بمقاصد المتكلم والسياق. بمعنى أن الفرق بين الخبر والانشاء هو المقام: أي أننا نستخدم التعبير لغرض الخبر أو الإنشاء، وبذلك فان صاحب الكفاية يدرك أن دواعي الاستعمال خارجة عن المعنى المستخدم، وهو ما يسمى في الغربextralinguistic وهو يشمل السياق ومقاصد المتكلم وما إلى غير ذلك. أما الاصفهاني، فينكر (ايجاد المعنى في الإنشاء والحكاية عنه في الخبر). ويقول أن هنالك وجودا واحدا للفظ والمعنى، وليس هناك وجودان مستقلان. وفي مجال التمييز بين نوعي المقولات الرئيسين، فهو يقول أن ما من فرق بين الخبر والانشاء. وله آراء أخرى يضيق المجال عن ذكرها. أما الامام الخوئي قدس سره، فهو ينكر دلالة الجملة (الخبرية أو الانشائية) على النسبة التامة. وهو يقول ليست الجملة هي الصادقة أو الكاذبة وانما هو المخبر عنه قد يكون صادقا او كاذبا. والكلام لا يوصف بالصدق او الكذب وانما يكون دالا أو غير دال. وينطبق نفس الشيء على الجملة الانشائية، اذ لا يمكن ايجاد معناها بلفظها. وبمعنى آخر، هو يعول كثيرا على ابراز أمر نفساني، أي انه قد اضاف الى ذلك البعد النفسيpsychological dimension . فمثلا قولنا(زيد عالم) لا يدل على تحقق النسبة خارجا، ولكنه يوجب تصور ذلك وليس التصديق به. والسيد الخوئي هنا، مثل أوستن، يعتبر الاخبار-بكسر الهمزة- فعلا كلاميا يخضع للتوفيق وعدمه، وليس للتصديق والتكذيب.

هناك تعليق واحد: